بسم الله الرحمن الرحيم

باب

أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة

عليهم‌السلام والسبيل فيهم مقيم

١ ـ أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن ابن أبي عمير قال أخبرني أسباط بياع الزطي قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله رجل عن قول الله عز وجل : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ » (١) قال فقال نحن

`

______________________________________________________

باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه هم الأئمة عليهم‌السلام والسبيل فيهم مقيم

الحديث الأول : ضعيف ، وقال في المغرب : الزط جيل من الهند تنسب الثياب الزطية إليهم.

« إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » هذه الآية وقعت بعد قصة لوط عليه‌السلام وقال الطبرسي رحمه‌الله : أي فيما سبق ذكره من إهلاك قوم لوط لدلالات للمتفكرين المعتبرين ، وقيل : للمتفرسين ، والمتوسم : الناظر في السمة وهي العلامة ، وتوسم فيه الخير أي عرف سمة ذلك فيه ، وقال مجاهد : قد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، وقال : قال : إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ثم قرأ هذه الآية ، وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم ، والسبيل طريق الجنة « وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ » معناه أن مدينة

__________________

(١) سورة الحجر : ٧٥.


المتوسمون والسبيل فينا مقيم.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن يحيى بن إبراهيم قال حدثني أسباط بن سالم قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل من أهل هيت فقال له أصلحك الله ما تقول في قول الله عز وجل « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » قال نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » قال هم الأئمة عليهم‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتقوا فراسة

______________________________________________________

لوط لها طريق مسلوك يسلكه الناس في حوائجهم ، فينظرون إلى آثارها ويعتبرون بها وهي مدينة سدوم ، وقال قتادة : أي قرى قوم لوط بين المدينة والشام ، انتهى.

ولعله على تأويله عليه‌السلام « ذلِكَ » إشارة إلى القرآن أي أن في القرآن « لَآياتٍ » وعلامات « لِلْمُتَوَسِّمِينَ » الذين يعرفون بطون القرآن ويعرفون الأمور بالدلالات والإشارات الخفية ، وَ « إِنَّها » أي الآيات حاصلة لهم لسبب سبيل مقيم فيهم ، لا يزول عنهم وهو الإمامة ، أو الإلهام وإلقاء روح القدس ، أو في سبيل ، أو متلبسة به ، أو أن الآيات منصوبة على سبيل ثابت هو السبيل إلى الله ودين الحق ، وبين عليه‌السلام أنهم أهل ذلك السبيل والدالون عليه.

الحديث الثاني : ضعيف ، و « هيت » بالكسر : اسم بلد على الفرات.

الحديث الثالث : مجهول كالصحيح.

« في قول الله » متعلق بقوله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي قال ذلك القول في تفسير هذه الآية ، أو خبر مبتدإ محذوف ، أي نظره بنور الله مذكور في قول الله ، والأول أظهر.

وقال في النهاية : فيه : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، الفراسة يقال لمعنيين : أحدهما : ما دل ظاهر هذا الحديث عليه وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس ، و


المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل في قول الله تعالى « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ».

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » فقال هم الأئمة عليهم‌السلام : « وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ » قال لا يخرج منا أبدا.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن أسلم ، عن إبراهيم بن أيوب ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المتوسم وأنا من بعده والأئمة من ذريتي المتوسمون.

وفي نسخة أخرى ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن أسلم ، عن إبراهيم بن أيوب بإسناده مثله.

______________________________________________________

الثاني : نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس ، وللناس فيها تصانيف قديمة وحديثة ، وفيه : وأنا أفرس بالرجال منك ، أي أبصر وأعرف ، ورجل فارس بالأمر أي عالم به بصير ، انتهى.

واتقاء فراسته ترك القبيح خوفا من أن يطلع عليه وإن كان غائبا.

الحديث الرابع : ضعيف بسنديه.

« قال كان » تأكيد لقوله : « قال » أولا ، وقوله : وفي نسخة أخرى ، كلام الجامعين لنسخ الكافي ، فإنهم أشاروا إلى اختلاف نسخ النعماني والصفواني وغيرهما من تلامذة الكليني.


باب

عرض الأعمال على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال تعرض الأعمال على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعمال العباد كل صباح أبرارها وفجارها فاحذروها وهو قول الله تعالى : « اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ » (١) وسكت.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن عبد الحميد الطائي ، عن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ »

______________________________________________________

باب عرض الأعمال على النبي (ص) وعلى الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف.

« أعمال العباد » عطف بيان للأعمال « كل صباح » منصوب بالظرفية باعتبار المضاف إليه « أبرارها وفجارها » بجرهما بدل تفصيل للعباد ، والضميران راجعان إلى العباد ، والأبرار جمع بر بالفتح بمعنى البار ، والفجار بالضم والتشديد جمع فاجر ، أو برفعهما بدل تفصيل لإعمال العباد ، والضميران راجعان إلى الأعمال ، ففي إطلاق الأبرار والفجار على الأعمال تجوز ، على أنه يحتمل كون الأبرار حينئذ جمع البر بالكسر ، وربما يقرأ الفجار بكسر الفاء وتخفيف الجيم جمع فجار بفتح الفاء مبنيا على الكسر وهو اسم الفجور ، أو جمع فجر بالكسر وهو أيضا الفجور « فاحذروها » الضمير للفجار أو للأعمال باعتبار الثاني ، ولعله عليه‌السلام سكت عن ذكر المؤمنين وتفسيره تقية أو إحالة على الظهور.

الحديث الثاني : ضعيف.

وإنما خصوا عليه‌السلام باسم المؤمنين ، لأن من شرط الإيمان العمل بما يؤمن

__________________

(١) سورة التوبة : ١٠٦.


قال هم الأئمة.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول ما لكم تسوءون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رجل كيف نسوؤه فقال أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك فلا تسوءوا رسول الله وسروه.

٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن الزيات ، عن عبد الله بن أبان الزيات وكان مكينا عند الرضا عليه‌السلام قال قلت للرضا عليه‌السلام ادع الله لي ولأهل بيتي فقال أولست أفعل والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة قال فاستعظمت

______________________________________________________

به وهو لازم للعصمة ، فهم المؤمنون حقيقة ، وقيل : هو مشتق من آمنه إذا جعله ذا أمن ويقين وبصيرة وهم عالمون بجميع القرآن فيؤمنون السائلين المخلصين.

وقال الطبرسي (ره) : « قُلِ اعْمَلُوا » أي اعملوا ما أمركم الله به عمل من يعلم أنه مجازي على فعله ، فإن الله سيري عملكم ، وإنما أدخل سين الاستقبال لأن ما لم يحدث لا تتعلق به الرؤية ، فكأنه قال : كل ما تعملونه يراه الله تعالى ، وقيل : أراد بالرؤية هيهنا العلم الذي هو المعرفة ، ولذلك عداه إلى مفعول واحد ، أي يعلم الله فيجازيكم عليه ، ويراه رسوله أي يعلمه فيشهد لكم بذلك عند الله ويراه المؤمنون قيل : أراد بالمؤمنين الشهداء ، وقيل : أراد بهم الملائكة الذين هم الحفظة الذين يكتبون الأعمال ، وروى أصحابنا أن أعمال الأمة تعرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل اثنين وخميس فيعرفها ، وكذلك تعرض على أئمة الهدى عليه‌السلام ، وهم المعنون بقوله : « وَالْمُؤْمِنُونَ ».

الحديث الثالث : حسن موثق ، يقال : ساءه كصانه إذا أحزنه ، وفعل به ما يكره ، ومساءته صلى‌الله‌عليه‌وآله للشفقة على الأمة وللغيرة على معصية الله.

الحديث الرابع : مجهول.

والمكانة : المنزلة عند ملك ، يقال مكن ككرم فهو مكين ، ويقال : استعظمه إذا عده عظيما.


ذلك فقال لي أما تقرأ كتاب الله عز وجل : « وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ » قال هو والله علي بن أبي طالب.

٥ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن أبي عبد الله الصامت ، عن يحيى بن مساور ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه ذكر هذه الآية « فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ » قال هو والله علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء قال سمعت الرضا عليه‌السلام يقول إن الأعمال تعرض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبرارها وفجارها.

باب

أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية

علي عليه‌السلام(١)

١ ـ أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن موسى بن محمد ، عن يونس بن يعقوب عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : « وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً » (٢) قال يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام « هو » أي الأخير « والله علي بن أبي طالب » إنما خصه عليه‌السلام بالذكر لأنه المصداق حين الخطاب ، أو لأنه الأصل والعمدة والفرد الأعظم.

الحديث الخامس : ضعيف.

الحديث السادس : صحيح.

وهنا ، أيضا يحتمل إرجاع الضميرين إلى الأئمة بقرينة المقام.

باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي

الحديث الأول : ضعيف.

« وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ » قال الطبرسي (ره) : أي على طريقة

__________________

(١) هذا العنوان غير مذكور في النسختين المخطوطين.

(٢) سورة الجن : ١٦.


طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده عليهم‌السلام وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقا يقول لأشربنا قلوبهم الإيمان والطريقة هي الإيمان بولاية علي والأوصياء.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

الإيمان « لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً » أي ماءا كثيرا من السماء ، وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين ، وقيل : ضرب الماء الغدق مثلا أي لوسعنا عليهم في الدنيا ، وفي تفسير أهل البيت عليه‌السلام عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » قال : هو والله ما أنتم عليه « وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً » وعن بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : معناه لأفدناهم علما كثيرا يتعلمونه من الأئمة عليه‌السلام « انتهى ».

وأقول : استعارة الماء للعلم شائع لكونه سببا لحياة القلب والروح ، كما أن الماء سبب لحياة البدن ، وقال الجوهري : الماء الغدق : الكثير.

الحديث الثاني : ضعيف.

« الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ » قال الطبرسي (ره) : أي وحدوا الله تعالى بلسانهم ، واعترفوا به وصدقوا أنبياءه « ثُمَّ اسْتَقامُوا » أي استمروا على التوحيد ، واستقاموا على طاعته ، وروى محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الاستقامة؟ قال : هي والله ما أنتم عليه « تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ » يعني عند الموت ، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقيل : تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم في الموقف بالبشارة من الله ، وقيل : في القيامة وقيل : عند الموت وفي القبر وعند البعث « أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا » أي يقولون لهم لا تخافوا عقاب الله ، ولا تحزنوا لفوت الثواب ، وقيل : لا تخافوا مما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم من أهل ومال وولد « نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ » أي أنصاركم وأحباؤكم « فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » نتولى إيصال الخيرات إليكم من قبل الله


عن قول الله عز وجل : « الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » فقال أبو عبد الله عليه‌السلام استقاموا على الأئمة واحد بعد واحد « تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ». (١)

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة

١ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن غير واحد ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي الجارود قال قال علي بن الحسين عليه‌السلام ما ينقم الناس منا فنحن والله شجرة النبوة وبيت الرحمة ومعدن العلم ومختلف

______________________________________________________

تعالى « وَفِي الْآخِرَةِ » فلا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة ، وقيل : أي نحرسكم في الدنيا وعند الموت وفي الآخرة عن أبي جعفر عليه‌السلام « انتهى ».

وقيل : القول في الميثاق ، والاستقامة في الأبدان ، فثم لتراخي الزمان.

« استقاموا على الأئمة » أي الطريقة ولاية الأئمة.

وأقول : ورد في كثير من الأخبار أنها في الأئمة عليه‌السلام حيث تتنزل عليهم الملائكة في ليلة القدر وغيرها وتخاطبهم ، ويحتمل نزولهم على المؤمنين أيضا ومخاطبتهم بحيث لم يسمعوا كلامهم ، ويكون فائدتها نزول البركات عليهم عند القول أو اليقين بها بعد سماع الآية.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة

الحديث الأول : ضعيف.

« ما ينقم الناس منا » كلمة « ما » استفهامية للإنكار ، وهي مفعول ينقم ، يقال : نقم الأمر كضرب وعلم إذا كرهه وعابه « شجرة النبوة » شبههم عليهم‌السلام بالشجرة في كثرة المنافع والثمار ، والاستظلال بفيئهم من حر شر الأشرار « وبيت الرحمة »

__________________

(١) سورة فصلت : ٣٠.


الملائكة.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلامقال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إنا ـ أهل البيت ـ شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الله بن محمد ، عن الخشاب قال حدثنا بعض أصحابنا ، عن خيثمة قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا خيثمة نحن شجرة النبوة وبيت الرحمة ومفاتيح الحكمة ومعدن العلم وموضع الرسالة ومختلف

______________________________________________________

لأنهم منبع كل نعمة ورحمة وبتوسطهم تفيض الرحمات على سائر الكائنات « ومعدن العلم » بكسر الدال وهو منبت الجواهر « ومختلف الملائكة » بفتح اللام من الاختلاف بمعنى الذهاب ، والمجيء مرة بعد مرة لنزولها إليهم مرة بعد أولى وطائفة بعد أخرى لزيارتهم والتشرف بهم وإنزال الأخبار إليهم.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« إنا أهل البيت » بنصب الأهل على الاختصاص « وموضع الرسالة » أي مخزن علوم الرسالة وإسرارها ، أو قبيلتهم محل نزول الرسالة ، أو نزلت في بيتهم أو عليهم في ليلة القدر.

الحديث الثالث : مرسل مجهول ، وخيثمة بفتح الخاء وسكون الياء وفتح المثلثة مشترك بين مجاهيل.

« ومفاتيح الحكمة » إذ بهم تفتح خزائن علوم الله سبحانه وحكمه ، وتصل إلى الخلق ، نظير قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة الحكمة وعلى بابها « وموضع سر الله » السر بالكسر ما يكتم عن غير الخواص ، وهم موضع أسرار الله التي لا تقبلها عقول الخلق كغوامض علوم التوحيد والقضاء والقدر وأشباهها ، وما لا مصلحة لإذاعتها عند الخلق كعلم ما يكون من أعمار الخلق وأحوالهم ، والحوادث الكائنة ، ويحتمل


الملائكة وموضع سر الله ونحن وديعة الله في عباده ونحن حرم الله الأكبر ونحن ذمة الله ونحن عهد الله فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده.

______________________________________________________

شموله للشرائع وسائر ما يظهر منهم فإنها كانت مستورة فانتشرت بسببهم « ونحن وديعة الله » الوديعة ما تدفعه إلى غيرك ليصونه ويحفظه ، ولما خلقهم الله وجعلهم بين عباده وأمرهم بحفظهم ورعايتهم وعدم التقصير في حقهم ، فكأنهم ودائع الله ، ويحتمل أن يكون الإضافة إلى المفعول ، أي استودعهم الله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال مرارا : أستودعكم الله « ونحن حرم الله الأكبر » بالتحريك وهو ما يجب احترامه وعدم انتهاك حرمته كحرم الكعبة ، وهم أكبر إذ حرمة الكعبة بسببهم كما سيأتي.

وقد ورد أن حرمات الله ثلاث : القرآن والكعبة والإمام.

« ونحن ذمة الله » أي أهل ذمة الله وهي العهد والأمان والضمان والحرمة ، فهم ذوو ذمة الله إذ أخذ على العباد عهد ولايتهم ، وبهم آمنوا من عذابه « ونحن عهد الله » أي أهل عهده ، فإن الله أخذ على العباد عهد ولايتهم وحفظهم ورعايتهم ، فقال تعالى : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ » (١).

« ومن خفرها » أي الذمة أو العهد لكونه بمعنى الذمة ، وفي بصائر الدرجات « خفر هما » بصيغة التثنية ، فالضمير للعهد والذمة معا وهو أنسب وأوفق بما بعده وما قبله كما لا يخفى ، ثم أنه في أكثر كتب اللغة أن الخفر هو الوفاء بالعهد ، والإخفار نقضه والهمزة للسلب ، قال في النهاية : خفرت الرجل أجرته وحفظته ، وخفرته إذا كنت له خفيرا أي حاميا وكفيلا ، وتخفرت به إذا استجرت به ، والخفارة بالكسر والضم : الذمام وأخفرت إذا انقضت عهده وذمامه والهمزة فيه للإزالة أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت شكواه ، ونحوه قال في الصحاح وغيره ، لكن قال في القاموس : خفره وبه وعليه يخفر ويخفر خفرا : أجاره ومنعه وأمنه ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٤٠.


باب

أن الأئمة عليهم‌السلام ورثة العلم يرث بعضهم بعضا العلم

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بريد بن معاوية ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن عليا عليه‌السلام كان عالما والعلم يتوارث ولن يهلك عالم إلا بقي من بعده من يعلم علمه أو ما شاء الله.

______________________________________________________

وخفر به خفرا وخفورا : نقض عهده وغدرة كأخفره « انتهى » فيدل على أن مع التعدية بالباء يأتي بمعنى نقض العهد ولا ينفع في المقام إلا بتكلف ، ولا يخفى أن الأنسب بهذا المقام كونه بمعنى النقض لا الرعاية ، لا سيما على نسخة البصائر إذ على هذه النسخة يمكن إرجاع الضمير إلى الذمة ، فلا تكرار ، لكن كثيرا ما رأيت بعض الأبنية المتداولة في كلام الفصحاء لم يتعرض لها اللغويون ، ولا يبعد سقوط همزة الأفعال من النساخ.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام ورثة العلم يرث بعضهم بعضا العلم

الحديث الأول : صحيح.

« من يعلم علمه » أي جميع علمه « أو ما شاء الله » أي زائدا على علم السابق لكن بعد الإفاضة على روح الإمام السابق ، لئلا يكون علم الآخر أكثر من علم الأول كما ورد في الأخبار الكثيرة ، وسيأتي بعضها.

وقيل : المراد بما شاء الله أقل من علم السابق ، بحمله على ما قبل الإمامة إذ وردت الأخبار الكثيرة بل المتواترة بأن الإمام في أول إمامته يعلم جميع علوم الإمام السابق ، وقيل : يحتمل أن يكون ما شاء الله كناية عن ما بعد زمان الصاحب عليه‌السلام ، يعني أو لم يبق ، ولا يخفى بعده.


٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة والفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن العلم الذي نزل مع آدم عليه‌السلام لم يرفع والعلم يتوارث وكان علي عليه‌السلام عالم هذه الأمة وإنه لم يهلك منا عالم قط إلا خلفه من أهله من علم مثل علمه أو ما شاء الله.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن عبد الحميد الطائي ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن العلم يتوارث ولا يموت عالم إلا وترك من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله.

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن موسى بن بكر ، عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن في علي عليه‌السلام سنة ألف نبي من الأنبياء وإن العلم الذي نزل مع آدم عليه‌السلام لم يرفع وما مات عالم فذهب علمه والعلم يتوارث.

______________________________________________________

الحديث الثاني : حسن.

« لم يرفع » على بناء المجهول أي لم يذهب علمه « والعلم يتوارث » على المجهول أيضا « إلا خلفه » من باب نصر أي أتى خلفه وصار خليفته ، ويدل أن الخليفة لا بد أن يكون من أهله وأقاربه.

الحديث الثالث : صحيح ، وليس في بعض النسخ وهو الصواب ، لأنه سيأتي بعينه في أواخر الباب.

الحديث الرابع : ضعيف كالموثق.

« سنة ألف من الأنبياء » أي طريقتهم وصفاتهم التي اختص كل منهم بواحد منها على الكمال ، فكمل جميعها فيه عليه‌السلام كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في عبادته ، وإلى إبراهيم في خلته ، وإلى موسى في سطوته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإن فيه سبعين خصلة من خصال الأنبياء.


٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عمر بن أبان قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن العلم الذي نزل مع آدم عليه‌السلام لم يرفع وما مات عالم فذهب علمه.

٦ ـ محمد ، عن أحمد ، عن علي بن النعمان رفعه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال أبو جعفر عليه‌السلام يمصون الثماد ويدعون النهر العظيم قيل له وما النهر العظيم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والعلم الذي أعطاه الله إن الله عز وجل جمع لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله سنن النبيين من آدم وهلم جرا إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قيل له وما تلك السنن قال علم النبيين بأسره وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صير ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له رجل يا ابن رسول الله ـ فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين فقال أبو جعفر عليه‌السلام اسمعوا ما يقول إن الله يفتح مسامع من يشاء إني حدثته أن الله جمع لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله علم النبيين وأنه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيين.

______________________________________________________

الحديث الخامس : صحيح « فذهب علمه » عطف على المنفي.

الحديث السادس : مرفوع.

« يمصون » من باب علم ونصر ، والمص : الشرب بالجذب كما يفعل الرضيع ، والضمير للمخالفين ، والثماد ككتاب والثمد بالتحريك : الماء القليل الذي لا مادة له ، أو ما يبقى في الجلد وهو الأرض الصلبة ، أو ما يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف ، ذكره الفيروزآبادي ، والغرض تشبيه من يأخذ العلم من المخالفين عن أئمتهم بالذي يمص ماءا قليلا مخلوطا بالطين والحمأ لقلة علمهم وعدم مادة له ، وانقطاعه قريبا وكونه مخلوطا بالشبه والشكوك ، ومن يأخذ العلم من أهل البيت عليهم‌السلام بمن يشرب من نهر جار صاف عظيم لا ينقطع أبدا جرى من منبع الوحي والإلهام « وهلم » اسم فعل بمعنى تعال ، وقال في الفائق : المسامع جمع المسمع وهو آلة السمع ، أو جمع السمع على غير قياس كمشابه وملامح جمع شبه ولمحة.


٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن عبد الحميد الطائي ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن العلم يتوارث فلا يموت عالم إلا ترك من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحارث بن المغيرة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن العلم الذي نزل مع آدم عليه‌السلام لم يرفع وما مات عالم إلا وقد ورث علمه إن الأرض لا تبقى بغير عالم.

باب

أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء

الذين من قبلهم

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد العزيز بن المهتدي ، عن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه الرضا عليه‌السلام أما بعد فإن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمين الله في خلقه فلما قبضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمكنا أهل البيت ورثته فنحن أمناء الله في أرضه عندنا علم البلايا و

______________________________________________________

الحديث السابع : صحيح مكرر ، والطائي النسبة إلى طيئ بالهمزة وهو القبيلة.

الحديث الثامن : (١)

« إلا وقد ورث » من باب التفعيل.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام الذين من قبلهم

الحديث الأول : حسن.

« فنحن أمناء الله » أي على علومه وأحكامه ومعارفه « وأنساب العرب » لعل التخصيص بهم لكونهم أشرف ، أو لكونهم في ذلك أهم وكان فيهم أولاد الحرام عادوا

__________________

(١) كذا في النسخ.


المنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم أخذ الله علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم نحن النجباء النجاة ونحن أفراط الأنبياء ونحن أبناء الأوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله عز وجل ونحن أولى الناس بكتاب الله ونحن أولى

______________________________________________________

الأئمة عليهم‌السلام ونصبوا لهم الحرب وقتلوهم « ومولد الإسلام » أي يعلمون كل من يولد هل يموت على الإسلام أو على الكفر ، وقيل : أي يعلمون محل تولد الإسلام وظهوره ، أي من يظهر منه [ الإسلام ومن يظهر منه ] الكفر.

« بحقيقة الإيمان » أي الإيمان الواقعي لا الظاهري « وحقيقة النفاق » كذلك « لمكتوبون » أي عندنا في كتاب كما سيأتي « أخذ الله علينا وعليهم الميثاق » أي أخذ علينا العهد بهداية شيعتنا ورعايتهم وتكميلهم وعليهم بالإقرار بولايتنا وطاعتنا ورعاية حقنا « يردون موردنا » عند الحوض وسائر الموارد العالية « ويدخلون مدخلنا » من الجنة والدرجات الرفيعة « ليس على ملة الإسلام غيرنا » يدل على كفر المخالفين.

« نحن النجباء النجاة » النجباء جمع النجيب وهو الفاضل الكريم السخي والفاضل من كل حيوان ذكرهما الجزري ، والنجاة بضم النون جمع ناج كهداة وهاد « ونحن إفراط الأنبياء » أي أولادهم أو مقدموهم في الورود على الحوض ودخول الجنة ، أو هداتهم ، أو الهداة الذين أخبر الأنبياء بهم ، قال في النهاية : الفرط بالتحريك الذي يتقدم الواردة ، وفي الحديث : أنا فرطكم على الحوض ، ومنه قيل للطفل : اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا حتى نرد عليه ، وفي القاموس : الفرط العلم المستقيم يقتدى به ، والجمع أفرط وإفراط ، وبالتحريك : المتقدم إلى الماء للواحد والجمع ، وما تقدمك من أجر وعمل ، وما لم يدرك من الولد « ونحن أبناء الأوصياء » أي كل منا ولد وصي « ونحن المخصوصون » أي بالمدح أو القرابة أو الإمامة « ونحن أولى الناس بكتاب الله تعالى » أي لفظا ومعنى وموردا ، لأن أكثره في مدحهم وذم أعدائهم والأولوية بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من حيث النسب والتعلم والقرابة والصحبة المتكررة.


الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه « شَرَعَ لَكُمْ » يا آل محمد « مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً » قد وصانا بما وصى به نوحا « وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » يا محمد « وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى » فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا واستودعنا علمهم نحن ورثة أولي العزم من الرسل « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » يا آل محمد « وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » وكونوا على جماعة « كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ » من أشرك بولاية علي « ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » من ولاية علي إن الله يا محمد « يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ » (١) من يجيبك إلى ولاية علي عليه‌السلام.

______________________________________________________

« شَرَعَ لَكُمْ » أي بين وأوضح لكم ، وبين أن الخطاب إلى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أو هم الأصل والعمدة في هذا الخطاب « ما وَصَّى بِهِ » أي أمر به وبحفظه « وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » قيل : إنما لم يقل « وصينا » كما قال في غيره من أولي العزم ، للإشارة إلى تأكيد عزمه حتى أنه لا يحتاج إلى التوصية والمبالغة ، قال البيضاوي : أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بينهما من أرباب الشرائع وهو الأصل المشترك فيما بينهم ، المفسر بقوله : « أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله تعالى ، ومحله النصب على البدل من مفعول شرع ، أو الرفع على الاستئناف ، كأنه جواب وما ذلك الشرع ، أو الجر على البدل من هاء « به ».

« وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ » ولا تختلفوا في هذا الأصل ، أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال : « لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » (٢).

« كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ » عظم عليهم « ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » من التوحيد « اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ » يجتلب إليه والضمير لما يدعوهم أو للدين « وَيَهْدِي إِلَيْهِ » بالإرشاد والتوفيق « مَنْ يُنِيبُ » يقبل إليه انتهى (٣) من أشرك بولاية علي فإنهم أشركوا بالله حيث أشركوا مع علي عليه‌السلام من ليس خليفة من الله.

__________________

(١) سورة الشورى : ١٣.

(٢) سورة المائدة : ٤٨.

(٣) كذا في النسخ.


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن أول وصي كان على وجه الأرض هبة الله بن آدم وما من نبي مضى إلا وله وصي وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبي وعشرين ألف نبي منهم خمسة أولو العزم ـ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم‌السلام وإن علي بن أبي طالب كان هبة الله لمحمد وورث علم الأوصياء وعلم من كان قبله أما إن محمدا ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين.

على قائمة العرش مكتوب حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء وفي ذؤابة العرش علي أمير المؤمنين فهذه حجتنا على من أنكر حقنا وجحد ميراثنا وما منعنا من الكلام وأمامنا اليقين فأي حجة تكون أبلغ من هذا.

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف.

« هبة الله » هو شيث عليه‌السلام « هبة الله لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله » أي كان بمنزلة شيث عليه‌السلام من آدم ، أو وهبه الله له عليه‌السلام ، أو هو أول أوصياء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أن هبة الله أول أوصياء آدم عليهما‌السلام.

ومن قوله : « وكان جميع الأنبياء » من كلام أبي جعفر عليه‌السلام « وسيد الشهداء » في زمانه أو بالنسبة إلى من تقدمه أو بالإضافة إلى من عدا الحسين وأمير المؤمنين وسائر الأئمة عليهم‌السلام وفي النهاية : ذؤابة كل شيء : أعلاه.

« فهذه حجتنا » لأن مثله مروي من طرق المخالفين أيضا ، أو لأن المخالفين كانوا معترفين بصدقهم « وما منعنا من الكلام » أي إظهار إمامتنا ولزوم حقنا وبيان فضلنا « وإمامنا اليقين » أي الموت أو العلم بأنه لا يصيبنا منهم ضرر على ذلك ، والمراد على الأول أنهم بعد الموت يعلمون حقيتنا ، أو من كان مشرفا على الموت ويموت لا محالة لم لا يتكلم بالحق ويصدع به في موضع أمر الله به « فأي حجة تكون أبلغ من هذا » أي مما ذكرنا أولا فإنه مع كونه متفقا عليه بيننا وبين المخالفين مؤيد بأنا نتكلم به مع كوننا معروفين عند جميع الخلق بالصدق والزهد والورع ، وبأننا عالمون


٣ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن عبد الله بن محمد ، عن عبد الله بن القاسم ، عن زرعة بن محمد ، عن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن سليمان ورث داود وإن محمدا ورث سليمان وإنا ورثنا محمدا وإن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور وتبيان ما في الألواح قال قلت إن هذا لهو العلم قال ليس هذا هو العلم إن العلم الذي يحدث يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة.

______________________________________________________

بالموت وما بعده حق العلم واليقين ، ومن كان حاله كذلك لا يتكلم إلا بالحق ، ويحتمل أن يكون راجعا إلى الأخير فقط ، ويحتمل أن يكون المعنى إنا مع خوفنا من خلفاء الجور وأئمة الضلالة ، وعدم الدواعي النفسانية في ذلك نظهر الحق ونتفوه به ، فهذه أعظم الحجج على صدقنا إذ لو كنا كاذبين ومبطلين لكنا نسلك مسلك أهل الزمان ونتقرب إلى الخلفاء وأرباب البدع بما يوافق طباعهم ليرفعونا في الدنيا إلى أعلى المنازل والمراتب.

الحديث الثالث : (١)

« إن سليمان ورث داود » إشارة إلى قوله تعالى : « وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ » (٢) ويحتمل أن يكون التخصيص بسليمان وداود لأنهما أعطيا مع النبوة السلطنة الظاهرة وكان معهما رئاسة الدنيا والآخرة « إن هذا لهو العلم » أي هذا أفضل عليكم كأنه منحصر فيه فنفى عليه‌السلام ذلك وقال : « العلم » أي العلم العظيم الكامل الذي ينبغي أن يتعجب منه هو « الذي يحدث يوما بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ».

أقول : يرد هيهنا إشكال وهو أنه قد دلت الأخبار الكثيرة على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم علم ما كان وما يكون وجميع الشرائع والأحكام ، وأنه قد علم جميع ذلك أمير المؤمنين وكذا علم أمير المؤمنين الحسن عليهما‌السلام جميع ذلك وهكذا ، فأي شيء يبقى بعد ذلك حتى يحدث لهم بالليل والنهار؟

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) سورة النمل : ١٦.


______________________________________________________

ويمكن أن يجاب عنه بوجوه : « الأول » ما قيل : أن العلم ليس ما يحصل بالسماع وقراءة الكتب وحفظها ، فإن ذلك تقليد وإنما العلم ما يفيض من عند الله سبحانه على قلب المؤمن يوما فيوما وساعة فساعة ، فيكشف به من الحقائق ما تطمئن به النفس وينشرح له الصدر ، ويتنور به القلب ، والحاصل أن ذلك مؤكد ومقرر لما علم سابقا يوجب مزيد الإيمان واليقين والكرامة والشرف بإفاضة العلم عليهم بغير واسطة المرسلين والنبيين ، بل بغير توسط الملائكة أيضا.

الثاني : أن يفيض عليهم‌السلام تفاصيل التي عندهم مجملاتها وإن أمكنهم إخراج التفاصيل مما عندهم من أصول العلم وموادة.

الثالث : أن يكون مبنيا على البداء ، فإن فيما علموا سابقا ما يحتمل البداء والتغيير ، فإذا ألهموا بما غير من ذلك بعد الإفاضة على أرواح من تقدم من الحجج أو أكد ما علموا بأنه حتمي لا يقبل التغير كان ذلك أقوى علومهم وأشرفها.

الرابع : ما خطر بالبال ولعله أقوى الوجوه وهو أنه يلوح من فحاوي الأخبار الكثيرة أنهم عليهم‌السلام في جميع النشأة أي قبل حلول أرواحهم المطهرة في الأجساد المقدسة ، وبعد حلولها فيها ، وبعد مفارقتها الأبدان وعروجها إلى عالم القدس ، لهم ترقيات في المعارف الربانية ودرجات الكمال ، ولا يزالون سائرون على معارج القرب والوصال ، وغائصون في بحار أنوار معرفة ذي الجلال ، إذ لا غاية لمدارج عرفانه وحبه وقربه تعالى ، وبين درجة الربوبية ودرجات العبودية منازل لا تحصى ، فإذا عرفت ذلك فإنهم إذا تعلموا في بدو إمامتهم من الإمام السابق قدرا من العلوم والمعارف ، فلا محالة هم لا يقفون في تلك المرتبة ويحصل لهم بسبب مزيد القرب والطاعات زوائد العلوم والحكم والترقيات ، وكيف لا يحصل لهم مع حصوله لسائر الخلق مع نقص قابلياتهم واستعداداتهم ، فهم عليهم‌السلام بذلك أولى وأحرى ، فيمكن أن يكون هذا هو المراد بما يحصل آنا فآنا وساعة فساعة في الليل والنهار.


٤ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن شعيب الحداد ، عن ضريس الكناسي قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده أبو بصير فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إن داود ورث علم الأنبياء وإن سليمان ورث داود وإن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث سليمان وإنا ورثنا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى فقال أبو بصير إن هذا لهو العلم فقال يا أبا محمد ليس هذا هو العلم إنما العلم ما يحدث بالليل والنهار يوما بيوم وساعة بساعة.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لي يا أبا محمد إن الله عز وجل لم يعط الأنبياء شيئا إلا وقد أعطاه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله قال وقد أعطى محمدا جميع ما أعطى الأنبياء وعندنا الصحف التي قال الله عز وجل : « صُحُفِ إِبْراهِيمَ

______________________________________________________

ولعل هذا أحد وجوه استغفارهم وتوبتهم في كل يوم سبعين مرة وأكثر من غير ذنب ، إذ كلما عرجوا درجة من تلك الدرجات العالية يرون الدرجة السابقة وما وقع فيها من الطاعات والقربات ناقصة عن تلك الدرجة فيستغفرون منها ويتوبون إلى الله تعالى ويتضرعون إليه سبحانه في الوصول إلى ما هو أعلى منها ، ومن المرتبة التي هم فيها ، وهذا شبيه بما يزعمه الحكماء في الأفلاك أن حركتها على الدوام للتشبيه بالمبدء تعالى ولا ينتهي ذلك إلى حد.

هذا ما حل بالبال وأستغفر الله مما لا يرتضيه من العقل والمقال.

الحديث الرابع : صحيح على الظاهر ، إذ الظاهر أن ضريسا هو ابن عبد الملك بن أعين الثقة ، لا ابن عبد الواحد بن المختار المجهول ويحتمله أيضا.

« إن هذا هو العلم » أي أفضل العلوم كأنها منحصرة فيه فنفى عليه‌السلام كون أشرف علومهم وأعظمها « يوما بيوم » الباء للإلصاق أي بعد يوم.

الحديث الخامس : صحيح.

« قال وقد أعطى » هذا تأكيد لما سبق لئلا يتوهم أن المراد إعطاء مثل ما


وَمُوسى » (١) قلت جعلت فداك هي الألواح قال نعم.

٦ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سأله عن قول الله عز وجل : « وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ » (٢) ما الزبور وما الذكر قال الذكر عند الله والزبور الذي أنزل على داود وكل كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره ، عن محمد بن حماد ، عن أخيه أحمد بن حماد ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال قلت له :

______________________________________________________

أعطاهم « هي الألواح » أي صحف موسى عليه‌السلام.

الحديث السادس : صحيح.

« وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ » قال الطبرسي : فيه أقوال :

أحدها : أن الزبور كتب الأنبياء ، معناه كتبنا في الكتب التي أنزلناها علي الأنبياء من بعد كتبه في الذكر أي أم الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ.

وثانيها أن الزبور : الكتب المنزلة بعد التوراة والذكر هو التوراة. وثالثها أن الزبور زبور داود والذكر التوراة وقيل : الذكر القرآن وبعد بمعنى قبل.

« أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ » قيل : يعني أرض الجنة يرثها عبادي المطيعون ، وقيل : هي الأرض المعروفة يرثها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالفتوح بعد أجلاء الكفار ، وقال أبو جعفر عليه‌السلام : هم أصحاب المهدي في آخر الزمان ، ويدل عليه أخبار كثيرة وردت في المهدي عليه‌السلام ، انتهى.

قوله : « الذكر عند الله » أي المراد بالذكر اللوح المحفوظ عند الله تعالى كما قال سبحانه : « وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » وفي بالي أن في بعض الأخبار أن الذكر رسول الله ، وذكر في الزبور بعد ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله أن المهدي من ولده والأئمة من ذريته يرثون الأرض وهم الصالحون.

الحديث السابع : مجهول.

__________________

(١) سورة الأعلى : ١٩.

(٢) سورة الأنبياء : ١٠٥.


جعلت فداك أخبرني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث النبيين كلهم قال نعم قلت من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه قال ما بعث الله نبيا إلا ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم منه قال قلت إن عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله قال صدقت وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقدر على هذه المنازل قال فقال إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره « فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ » حين فقده فغضب عليه فقال « لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ » (١) وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والإنس والجن والشياطين والمردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه وإن

______________________________________________________

« ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ » قال البيضاوي : أم منقطعة ، كأنه لما لم يره ظن أنه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره فقال : ما لي لا أراه ، ثم احتاط فلاح له أنه غائب ، فأضرب عن ذاك وأخذ يقول أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له « لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً » كنتف ريشه وإلقائه في الشمس ، أو حيث النمل يأكله ، أو جعله مع ضده في قفص « أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ » ليعتبر به أبناء جنسه « أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ » أي بحجة يبين عذره ، والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث ، لكن لما اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثلاثة ثلث المحلوف عليه بعطفه عليهما ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، لأنهم كانوا على البساط في الهواء وكان الله أعطى الهدهد حدة بصر يرى الماء في المسافة البعيدة ، أو كان له علم يستدل بحال الهواء على كون الماء تحته ، أو المراد بتحت الهواء تحت الأرض.

كما روى العياشي بإسناده قال : قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال : لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة ، فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه فضحك! قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يضحكك؟ قال : ظفرت بك جعلت فداك! قال : وكيف ذلك؟ قال : الذي يرى الماء

__________________

(١) سورة النمل : ٢١.


الله يقول في كتابه « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى » (١) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيا به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم

______________________________________________________

في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حيث يأخذ بعنقه؟ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا نعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر.

« وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً » قال البيضاوي : شرط حذف جوابه ، والمراد منه تعظيم شأن القرآن أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم ، أي ولو أن كتابا زعزعت به الجبال عن مقارها لكان هذا القرآن ، لأنه الغاية في الإعجاز ، والنهاية في التذكير والإنذار ولما آمنوا به كقوله : « وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ » (٢) الآية ، وقيل : إن قريشا قالوا : يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع ، أو سخر لنا الريح لنركبها ونتجر إلى الشام ، أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك ، فنزلت ، وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير.

وقيل : الجواب متقدم وهو قوله : « وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ » وما بينهما اعتراض ، وتذكير « كُلِّمَ » خاصة لاشتمال « الْمَوْتى » على المذكر الحقيقي ، انتهى.

وأقول : حمل عليه‌السلام تقطيع الأرض على قطعها بطي الأرض في مسافة قليلة ، وحاصل الكلام أنا إذا عرفنا القرآن الذي شأنه هذا فلا يخفى علينا شيء ، وكان سليمان يخفى عليه ما يعلمه طير فنحن أعلم منه ومن غيره.

وما قيل : من أن الغرض من ذكر قصة سليمان أنه إذا جاز أن يخفى على سليمان ما لم يخف على طير فأي استبعاد في أن يخفى عليه ما لم يخف علينا ، فلا يخفى بعده وركاكته.

« ما يراد بها أمر » أي في القرآن أسماء من أسماء الله العظام إذا قرأناها لحصول

__________________

(١) سورة الرعد : ٣١.

(٢) سورة الأنعام : ١١١.


الكتاب إن الله يقول : « وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » (١) ثم قال « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » (٢) فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من

عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس ، عن هشام بن الحكم في حديث بريه أنه لما جاء معه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فلقي أبا الحسن

______________________________________________________

أمر يحصل ذلك الأمر بإذن الله تعالى ، وهذه مضافة إلى ما أعطاه الله سائر الأنبياء ، فإنا ورثناها أيضا وكتبها الله لنا في القرآن ، فالمراد بأم الكتاب القرآن ، ويحتمل اللوح على بعد.

« وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ » قيل : أي خافية فيهما ، وهما من الصفات الغالبة ، والتاء فيهما للمبالغة كما في الرواية ، أو اسمان لما يغيب ويخفى كالتاء في عاقبة وعافية « إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » فسره أكثر المفسرين باللوح ، وهو عليه‌السلام فسره بالقرآن ، واستدل على كون القرآن وعلمه عند الأئمة عليهم‌السلام بقوله سبحانه : « أَوْرَثْنَا الْكِتابَ » ثم استدل أيضا على كون علم كل شيء في القرآن بقوله تعالى : « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » حيث قال : « وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شيء ».

باب أن الأئمة عليهم‌السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل ، وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها

الحديث الأول : مجهول.

« وبريه » مصغر إبراهيم كما في القاموس ، وفي توحيد الصدوق وبعض نسخ

__________________

(١) سورة النمل : ٧٥.

(٢) سورة فاطر : ٣٢.


موسى بن جعفر عليه‌السلام فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال أبو الحسن عليه‌السلام لبريه :

______________________________________________________

الكتاب « بريهة ».

روى الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له : بريهة ، قد مكث جاثليق في النصرانية سبعين سنة ، وكان يطلب الإسلام ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه ، ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته ، قال : وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس ، حتى افتخرت به النصارى وقالت : لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا ، وكان طالبا للحوق الإسلام مع ذلك ، وكانت له امرأة تخدمه طال مكثها معه ، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها ، قال : فعرفت ذلك منه فضرب بريهة الأمر ظهر البطن وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم وأهل الحجى منهم ، وكان يستقرئ فرقة لا يجد عند القوم شيئا ، وقال : لو كانت أئمتكم حقا لكان عندكم بعض الحق ، فوصفت له الشيعة ووصفت له هشام بن الحكم.

فقال يونس بن عبد الرحمن : فقال لي هشام : بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرءون على القرآن ، فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم من مائة رجل ، عليهم السوار والبرانس (١) والجاثليق الأكبر فيهم بريهة ، حتى بركوا حول دكاني ، وجعل لبريهة كرسي فجلس عليه ، فقامت الأساقفة والرهابنة على عقبهم وعلى رؤوسهم برانسهم ، فقال بريهة : ما بقي في المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته بالنصرانية فما عندهم شيء ، وقد جئت أناظرك في الإسلام. قال : فضحك هشام وقال : يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه ، ذاك روح طيبة خميصة (٢) مرتفعة ، آياته ظاهرة وعلاماته قائمة ، قال بريهة ، فأعجبني الكلام والوصف ثم سأل هشاما عن مسائل وأجابه ، وسأله هشام عن مسائل من دين النصرانية عجز عن جوابها وتحير فيها ، و

__________________

(١) البرنس : قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الإسلام.

(٢) أي خالية من الرذائل والكدورات.


______________________________________________________

ندم النصارى عن المجيء إليه وافترقوا وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه.

قال : فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله ، فقالت امرأته التي تخدمه : ما لي أراك مهتما مغتما؟ فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام ، فقالت لبريهة : ويحك تريد أن تكون على حق أو على باطل؟ قال بريهة : بل على الحق ، فقالت له : أينما وجدت الحق فمل إليه وإياك واللجاجة ، فإن اللجاجة شك والشك شؤم وأهله في النار.

قال : فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام ، قال فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه ، فقال : يا هشام ألك من تصدر عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته؟ قال هشام : نعم يا بريهة ، قال : وما صفته؟ قال هشام : في نسبه أو في دينه؟ قال : فيهما جميعا ، قال هشام : أما النسب خير الأنساب رأس العرب وصفوة قريش وفاضل بني هاشم ، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه ، لأن قريشا أفضل العرب وبنو هاشم أفضل قريش وأفضل بني هاشم خاصتهم وديّنهم (١) وسيدهم وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره ، وهذا من ولد السيد قال : فصف دينه ، قال هشام : شرائعه أو صفة بدنه وطهارته؟ قال : صفة بدنه وطهارته ، قال هشام : معصوم فلا يعصي ، وسخي فلا يبخل ، وشجاع فلا يجبن ، وما استودع من العلم فلا يجهل ، وحافظ للدين ، قائم بما فرض عليه ، من عترة الأنبياء وجامع علم الأنبياء ، يحلم عند الغضب ، وينصف عند الظلم ، ويعين عند الرضا وينصف من الولي والعدو ، ولا يسلك شططا في عدوه ولا يمنع إفادة وليه ، يعمل بالكتاب ويحدث بالأعجوبات. من أهل الطهارات ، يحكي قول الأئمة الأصفياء ، لم تنقض له حجة ، ولم يجهل مسألة ، يفتي في كل سنة ويجلو كل مدلهمة.

قال بريهة : وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته ، إلا أن الشخص بائن عن شخصه ، والوصف قائم بوصفه ، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص ، قال هشام

__________________

(١) الدين ـ بتشديد الياء ـ صاحب الدين.


يا بريه كيف علمك بكتابك قال أنا به عالم ثم قال كيف ثقتك بتأويله قال ما أوثقني بعلمي فيه قال فابتدأ أبو الحسن عليه‌السلام يقرأ الإنجيل فقال بريه إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال فآمن بريه وحسن إيمانه وآمنت المرأة التي كانت معه.

فدخل هشام وبريه والمرأة على أبي عبد الله عليه‌السلام فحكى له هشام الكلام الذي

______________________________________________________

إن تؤمن ترشد ، وإن تتبع الحق لا تؤنّب (١).

ثم قال هشام : يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أن أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه ، فلا تبطل الحجج ، ولا تذهب الملل ، ولا تذهب السنن ، قال بريهة : ما أشبه هذا بالحق ، وأقربه من الصدق ، وهذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة ، قال هشام : نعم ، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما ، وهما يريدان أبا عبد الله عليه‌السلام ، فلقيا موسى بن جعفر عليهما‌السلام فحكى له هشام الحكاية فلما فرغ قال موسى بن جعفر عليه‌السلام : يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال : أنا به عالم ، قال : كيف ثقتك بتأويله؟ قال : ما أوثقني بعلمي به ، قال : فابتدأ موسى بن جعفر عليه‌السلام بقراءة الإنجيل ، قال بريهة : والمسيح لقد كان المسيح يقرأها هكذا ، وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح ثم قال بريهة : إياك كنت أطلب ، وساق الحديث مثل ما في المتن إلى آخره.

ثم قال : فلزم بريهة أبا عبد الله عليه‌السلام حتى مات أبو عبد الله عليه‌السلام ، ثم لزم موسى بن جعفر عليه‌السلام حتى مات في زمانه ، فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده ، وقال : هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه ، قال : فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله.

قوله : أنا به عالم ، تقديم الظرف لإفادة الحصر الدال على كمال العلم به « كيف ثقتك بتأويله » أي كيف اعتمادك على نفسك في تأويله والعلم بمعانيه « ما أوثقني » صيغة تعجب أي أنا واثق وثوقا تاما بما أعرف من تأويله « أو مثلك » أي كنت أطلبك أو من

__________________

(١) التأنيب : الملامة.


جرى بين أبي الحسن موسى عليه‌السلام وبين بريه فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » فقال بريه أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء قال هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرءوها ونقولها كما قالوا إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري.

٢ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سنان ، عن مفضل بن عمر قال أتينا باب أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكى فبكينا لبكائه

______________________________________________________

يكون مثلك ، ويحتمل أن يكون أو بمعنى الواو ، وكون الترديد من الراوي بعيد.

« ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » أقول : قبله : « إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ » و « ذرية » حال أو بدل من الآلين أو منهما ومن نوح ، أي إنهم ذرية واحدة متشعبة بعضها من بعض ، أو علم بعضهم من بعض ، وعلومهم وكمالاتهم متشابهة فقرأ عليه‌السلام الآية مصدقا لحال موسى عليه‌السلام ولرفع استبعاد كونه في عنفوان شبابه عالما بتلك العلوم الغريبة الكاملة ، وقد يقال : ذرية هنا منصوب على الإغراء ، أي ألزموهم واطلبوهم ، ولا يخفى ما فيه « وَاللهُ سَمِيعٌ » لأقوال الناس « عَلِيمٌ » بصفاتهم ونياتهم وقابليتهم فيختار للإمامة والخلافة من يستحقهما « أنى لكم التوراة » أي من أين حصل لكم التوراة « نقرؤها كما قرءوها » أي من غير تحريف وزيادة ونقص ، أو بلهجتهم ولغتهم « ونقولها كما قالوا » أي نفسرها كما فسروا « يسأل عن شيء » نعت لحجة.

الحديث الثاني : ضعيف.

« فتوهمنا » أي ظننا ، واختلف في اليأس فقيل هو إدريس ، وقيل : هو من أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين قالوا إنه بعث حزقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل ، وقيل : إن اليأس صاحب البراري والخضر صاحب الجزائر ، ويجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات ، وذكر وهب أنه ذو الكفل.


ثم خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت أصلحك الله أتيناك نريد الإذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكيت فبكينا لبكاءك قال نعم ذكرت إلياس النبي وكان من عباد أنبياء بني إسرائيل فقلت كما كان يقول في سجوده ثم اندفع فيه بالسريانية فلا والله ما رأينا قسا ولا جاثليقا أفصح لهجة منه به ثم فسره لنا بالعربية فقال كان يقول في سجوده أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي

______________________________________________________

وأقول : في البصائر وغيره أن هذا الدعاء وهذه القصة لإلياس عليه‌السلام ، وقال ـ الفيروزآبادي : اندفع في الحديث أفاض والفرس أسرع في سيره ، وقال : « القس » بالفتح رئيس النصارى في العلم كالقسيس ، وقال : « جاثليق » بفتح الثاء المثلثة رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام ، ويكون تحت يد بطريق أنطاكية ثم المطران (١) تحت يده ، ثم الأسقف يكون في كل بلد من تحت المطران ، ثم القسيس ثم الشماس ، وهو الذي يحلق وسط رأسه لازما للبيعة ، انتهى.

ولهجة الرجل بفتح اللام وسكون الهاء وفتحها لغته التي جبل عليها واعتادها في التكلم ، وضمير « منه » له عليه‌السلام و « به » للكلام ، ويقال : ظمئ بالهمزة كعلم إذا عطش أشد العطش ، وأظمأ غيره ، وفي القاموس : « الهاجرة » نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ، لأن الناس يسكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا من شدة الحر ، انتهى.

ونسبة الإظماء إلى الهواجر على الإسناد المجازي ، كقولهم : صام نهاره ، أو المفعول مقدر أي أظمأت نفسي وهواجري ، والأول أظهر وكذا القول في نسبة الإسهار إلى الليل ، وفي الصحاح : العفر بالتحريك التراب ، وعفره في التراب يعفره عفرا وعفره تعفيرا أي مرغه ، انتهى.

__________________

(١) المطران : رئيس الكهنة وهو فوق الأسقف ودون البطريق وهي مقتطعة من لفظة « ميتريبوليتس » اليونانية ومعناها المدينة الأم لأن كرسى المطران يكون عادة في مدينة أو قصبة.


قال فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك قال فقال إن قلت لا أعذبك ثم عذبتني ما ذا ألست عبدك وأنت ربي قال فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك إني إذا وعدت وعدا وفيت به.

باب

أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم‌السلام وأنهم

يعلمون علمه كله

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن

______________________________________________________

« ثم عذبتني ما ذا » أي أي شيء يكون ينافي عدلك ، ولعله عليه‌السلام جوز أن يكون وعده تعالى مشروطا بشرط فتضرع ليعلم أنه غير مشروط بل مطلق ، مع أنه يحتمل أن يكون وجوب الوفاء بالوعد شرعيا لا عقليا يقبح تركه ، وإن كان خلاف المشهور.

باب

أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم‌السلام وأنهم يعلمون علمه كله

الحديث الأول مختلف فيه « ما ادعى أحد » أي غير الأئمة عليهم‌السلام والمراد بالقرآن كله ألفاظه وحروفه جميعا ، والمراد بكما أنزل ، ترتيبه وإعرابه وحركاته وسكناته وحدود الآي والسور ، وهذا رد على قوم زعموا أن القرآن ما في المصاحف المشهورة ، وكما قرأه القراء السبعة وأضرابهم ، واختلف أصحابنا في ذلك ، فذهب الصدوق ابن بابويه وجماعة إلى أن القرآن لم يتغير عما أنزل ولم ينقص منه شيء ، وذهب الكليني والشيخ المفيد قدس الله روحهما وجماعة إلى أن جميع القرآن عند الأئمة عليهم‌السلام ، وما في المصاحف بعضه ، وجمع أمير المؤمنين صلوات الله عليه كما أنزل بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخرج إلى الصحابة المنافقين فلم يقبلوا منه ، وهم قصدوا لجمعه في زمن عمر وعثمان


كله كما أنزل إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمة من بعده عليهم‌السلام.

______________________________________________________

كما سيأتي تفصيله في كتاب القرآن.

قال شيخنا السديد المفيد روح الله روحه في جواب المسائل السروية أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله وتنزيله ، وليس فيه شيء من كلام البشر وهو جمهور المنزل ، والباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا عند المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام ، لم يضع منه شيء ، وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع ، الأسباب دعته إلى ذلك ، منها قصوره عن معرفة بعضه ، ومنها ما شك فيه ، ومنها ما عمد بنفيه ، ومنها ما تعمد إخراجه عنه ، وقد جمع أمير المؤمنين عليه‌السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره وألفه بحسب ما وجب من تأليفه ، فقدم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شيء منه في موضعه ، فلذلك قال جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : أما والله لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا ، وساق الكلام إلى أن قال : غير أن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم‌السلام أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نعتداه إلى زيادة فيه ولا نقصان منه حتى يقوم القائم عليه‌السلام ، فيقرأ الناس القرآن على ما أنزل الله وجمعه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنما نهونا عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف ، لأنها لم تأت على التواتر ، وإنما جاءت بها الآحاد ، والواحد قد يغلط فيما ينقله ، ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين ـ الدفتين غرر بنفسه من أهل الخلاف وأغرى به الجبارين وعرض نفسه للهلاك فمنعونا عليهم‌السلام عن قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين لما ذكرناه ، انتهى.

والأخبار من طريق الخاصة والعامة في النقص والتغيير متواترة ، والعقل يحكم بأنه إذ كان القرآن متفرقا منتشرا عند الناس ، وتصدي غير المعصوم لجمعه يمتنع عادة أن يكون جمعه كاملا موافقا للواقع ، لكن لا ريب في أن الناس مكلفون بالعمل بما في المصاحف وتلاوته حتى يظهر القائم عليه‌السلام ، وهذا معلوم متواتر من طريق أهل البيت عليهم‌السلام وأكثر أخبار هذا الباب مما يدل على النقص والتغيير وسيأتي كثير منها في الأبواب


٢ ـ محمد بن الحسين ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن المنخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء.

٣ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن القاسم بن الربيع ، عن عبيد بن عبد الله بن أبي هاشم الصيرفي ، عن عمرو بن مصعب ، عن سلمة بن محرز قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه وعلم تغيير الزمان وحدثانه إذا أراد الله بقوم خيرا أسمعهم ولو أسمع من لم يسمع لولى معرضا كأن لم يسمع ثم أمسك هنيئة ثم قال ولو وجدنا أوعية أو مستراحا

______________________________________________________

الآتية لا سيما في كتاب القرآن ، وسنشبع القول فيه هناك إنشاء الله تعالى.

الحديث الثاني ضعيف.

والمنخل بضم الميم وفتح النون وتشديد المعجمة المفتوحة ، وربما يقرأ منخل بسكون النون وتخفيف الخاء.

والمراد بظاهره ألفاظه وبباطنه معانيه ، أو بالأول ما في المصاحف ، وبالباطن ما سقط أو بالظاهر المعاني الظاهرة وبالباطن المعاني الكامنة التي لا يعلمها إلا الأئمة عليهم‌السلام والأول أظهر.

الحديث الثالث ضعيف

« إن من علم ما أوتينا » أي مما أوتينا من العلم ويحتمل أن يكون المراد مما أوتينا الإمامة ، أي إن من العلوم اللازمة للإمامة « وأحكامه » بالفتح تخصيص بعد التعميم ، والمراد الأحكام الخمسة أو بالكسر أي ضبطه وإتقانه ، وفي القاموس : حدثان الأمر بالكسر : أوله وابتداؤه ، ومن الدهر : نوبة وأحداثه « انتهى » أي حوادث الدهر ونوازله.

« أسمعهم » أي بمسامعهم الباطنة ، ولو أسمع ظاهرا من لم يسمع باطنا لولي معرضا كان لم يسمع ظاهرا ، وقد مر تمام القول فيه في باب فضل الإمام وصفاته « ثم أمسك » أي عن الكلام « هنيئة » أي ساعة يسيرة كما في المغرب ، والأوعية جمع وعاء بالكسر والمد أي قلوبا كاتمة للإسرار ، حافظة لها « أو مستراحا » أي من لم يكن قابلا


لقلنا « وَاللهُ الْمُسْتَعانُ ».

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله المؤمن ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن قال الله عز وجل فيه تبيان كل شيء.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ

______________________________________________________

لفهم الأسرار وحفظها كما ينبغي لكن لا يغشيها ولا يذيعها ولا يترتب ضرر على اطلاعه عليها فيستريح النفس بذلك.

الحديث الرابع : ضعيف.

« إني لأعلم كتاب الله » أي لفظه ومعناه من أوله إلى آخره أي كله بترتيب نزوله « كأنه في كفى » أي يدي مبالغة في الإحاطة به « فيه خبر السماء » من أحوال الأفلاك وحركاتها وحالات الملائكة ودرجاتها وحركات الكواكب ومداراتها ، إلى غير ذلك من الأمور الكائنة في العلويات والمنافع المتعلقة بالفلكيات « وخبر الأرض » من جوهرها وطبقاتها ومقدارها ، وما في أجوافها ومعادنها ونباتها ويحتمل شموله لجميع العناصر « وخبر ما كان وخبر ما هو كائن » من أخبار السابقين وأحوال اللاحقين ، وأخبار جميع الحوادث من الدنيا والآخرة « فيه تبيان كل شيء » الذي في المصحف في سورة النحل « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » (١) فيحتمل أن يكون في قراءتهم عليهم‌السلام كذلك ، أو نقل بالمعنى ، والظاهر أنه من تصحيف النساخ والرواة.

الحديث الخامس : ضعيف.

« قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ » أي آصف بن برخيا وقال البيضاوي : هو آصف بن برخيا وزيره ، أو الخضر أو جبرئيل أو ملك أيده الله به ، أو سليمان نفسه ويكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم ، وأن هذه الكرامة كانت بسببه ،

__________________

(١) سورة النحل : ٨٩.


أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » (١) قال ففرج أبو عبد الله عليه‌السلام بين أصابعه فوضعها في صدره ثم قال وعندنا والله علم الكتاب كله.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن عمن ذكره جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن بريد بن معاوية قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام « قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » (٢) قال إيانا عنى

______________________________________________________

والخطاب في « أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » على الاحتمال الأخير للعفريت وعلى غيره لسليمان عليه‌السلام « وآتيك » يحتمل الفعلية والاسمية ، والطرف : تحريك الجفن للنظر ، فوضع موضعه ، ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف وصف برد الطرف ، [ والطرف ] بالارتداد ، والمعنى أنك ترسل طرفك نحو شيء فقبل أن ترده أحضر عرشها بين يديك ، وهذا غاية في الإسراع ومثل فيه.

وقال : المراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة أو اللوح.

وأقول : ظاهر الخبر أن المراد بالكتاب القرآن ، ويحتمل الجنس أيضا ، فالمراد عندنا علم جميع الكتب ، واحتمال اللوح في غاية البعد و « كله » إما مرفوع والضمير للعلم ، أو مجرور والضمير للكتاب.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » صدر الآية هكذا : و « يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً » أي كفى الله شاهدا « بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ » بما أظهر من الآيات وأبان من الدلائل على نبوتي « وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ».

قال الطبرسي قيل فيه أقوال : « أحدها » أنه هو الله « والثاني » أن المراد به مؤمنوا أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام وسلمان وتميم الداري « والثالث » أن المراد به علي بن أبي طالب وأئمة الهدى عليهم‌السلام ، ويؤيد ذلك ما روي عن الشعبي أنه قال : ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وروى عاصم

__________________

(١) سورة النمل : ٤٠.

(٢) سورة الرعد : ٤٣.


وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

باب

ما أعطي الأئمة عليهم‌السلام من اسم الله الأعظم

١ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل قال أخبرني شريس الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض

______________________________________________________

ابن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : ما رأيت أحدا اقرأ من علي بن أبي طالب عليه‌السلام للقرآن ، انتهى.

وقال السيد في الطرائف : روى الثعلبي من طريقين أن المراد بقوله : ومن عنده علم الكتاب ، علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

« وعلى أولنا » أي وإن كنا في العلم سواء وعندنا جميعا علم الكتاب ، لكن علي عليه‌السلام له الفضل علينا بالسبق وكثرة الجهاد وتأسيس الإسلام وكون علمنا منه عليه‌السلام.

باب ما أعطي الأئمة عليهم‌السلام من اسم الله الأعظم

أقول : كلمة « من » للتبعيض أو البيان.

الحديث الأول : مجهول.

« على ثلاثة وسبعين حرفا » أي كلمة فإنه يطلق على واحد من حروف التهجي وعلى الكلمة ، وعلى الكلام المختصر ، وقيل : أي وجها كقوله تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » (١).

« فخسف بالأرض » اعلم أنه معلوم أن السرير تجرك في مسافة قريبة من مسافة شهرين في أقل من مقدار طرف العين إلى سليمان عليه‌السلام.

__________________

(١) سورة الحج : ١١.


كما كانت أسرع من طرفة عين ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

______________________________________________________

وربما يستشكل في ذلك بوجهين : « الأول » كيف يمكن تحقق تلك الحركة في هذا الزمان القليل؟ « والثاني » أنه على تقدير جوازه كيف لم تخرب الأبنية والمساكن الواقعة فيما بين المكانين؟

والجواب عن الأول أن الحركة قابلة للسرعة إلى غير النهاية ، مع أن الحركة أسرع من ذلك واقعة ، فإن كل جزء من فلك الأفلاك يتحرك في مقدار ذلك الزمان آلاف فرسخ ، وجبرئيل يتحرك من العرش إلى الأرض عند المسلمين في مثل ذلك الزمان ولا نسبة بين المسافتين ، فهذا محض استبعاد.

وعن الثاني أن هذه الحركة تحتمل وجوها : « الأول » أن يكون تحرك السرير في الهواء حتى نزل على سليمان ، وهذا مخالف للأخبار « الثاني » أن يكون تحركت الأرض التي عليها السرير إلى المكان الذي عليها سليمان عليه‌السلام ، بأن يكون انخسف ما بينهما حتى التقت قطعا الأرض « الثالث » أن تكون الحركة في جوف الأرض بأن يكون الله تعالى خرق الأرض وحرك السرير أو الأرض التي هو عليها حتى خرج السرير من تحت مجلس سليمان « الرابع » أن يكون بتكاثف بعض أجزاء الأرض وتخلخل بعضها.

فبعض الروايات ظاهرة في الثاني ، وبعضها في الثالث ، وعلى الثالث لا يرد الإيراد الثاني أصلا وعلى الثاني والرابع يمكن أن يكون الله تعالى حرك وزعزع الجبال والمساكن والأشجار الواقعة فيما بينهما يمينا وشمالا ، حتى لا تمنع حركة موضع السرير ، وظاهر هذا الخبر هو الوجه الثاني.

وقال الجوهري : « استأثر » فلان بالشيء أي استبد به « في علم الغيب » أي كائنا هو في سائر الغيوب التي تفرد بعلمها أو معه « ولا حول ولا قوة إلا بالله » أي وقوع جميع هذه الأمور بحول الله وقوته لا بقدرة العباد.


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد ، عن زكريا بن عمران القمي ، عن هارون بن الجهم ، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام لم أحفظ اسمه قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن عيسى ابن مريم عليه‌السلام أعطي حرفين كان يعمل بهما وأعطي موسى أربعة أحرف وأعطي إبراهيم ثمانية أحرف وأعطي نوح خمسة عشر حرفا وأعطي آدم خمسة وعشرين حرفا وإن الله تعالى جمع ذلك كله لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا أعطي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنين وسبعين حرفا وحجب عنه حرف واحد.

٣ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن علي بن محمد النوفلي ، عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام قال سمعته يقول اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبإ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب.

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

« أعطي حرفين » أي زائدا على ما أعطي من قبله من الأنبياء ، كان يعمل بهما أيضا ، وإن احتمل أن لا تكون الأسماء العظام مما يورث ، أو يكون لكل نبي مناسبة لنوع من الأسماء كان عمله بها ، وأما نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان جامعا لجميع الأسماء إلا اسما واحدا استأثر الله به ، وكان لمرتبته الجامعة عاملا بالجميع ، وذلك في قوله « جمع ذلك » إشارة إلى الأربعة والخمسين التي أعطاه الله الأنبياء وزاده ثمانية عشر حرفا.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« فانخرقت له الأرض » أي شقت لتتحرك القطعة التي عليها السرير من وجه الأرض أو من تحته أو تحركت الأرض ، قال الجوهري : خرقت الأرض خرقا أي جبتها ، والخريق : المطمئن من الأرض وفيه نبات.


باب

ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن عبد الله بن محمد ، عن منيع بن الحجاج البصري ، عن مجاشع ، عن معلى ، عن محمد بن الفيض ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كانت عصا موسى لآدم عليه‌السلام فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران وإنها لعندنا وإن عهدي بها آنفا وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها وإنها لتنطق إذا استنطقت أعدت لقائمنا عليه‌السلام يصنع بها ما كان يصنع موسى وإنها لتروع و « تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » وتصنع ما تؤمر به إنها حيث أقبلت « تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » يفتح لها شعبتان إحداهما في الأرض والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعا تلقف ما يأفكون بلسانها.

٢ ـ أحمد بن إدريس ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول ألواح موسى عليه‌السلام عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيين.

______________________________________________________

باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف.

وفي القاموس راع أفزع كروع لازم متعد ، وقال : لقفه كسمعه : تناوله بسرعة ، والإفك : الكذب ، وهو تضمين من الآية الكريمة حيث قال « وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ » (١) قال البيضاوي أي ما يزورونه من الإفك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه ، ويجوز أن تكون « ما » مصدرية ، وهي مع الفعل بمعنى المفعول ، انتهى.

ولعل المراد هنا ما يجمع المخالفون من عساكرهم وأدوات حربهم ، وقيل : كتبهم التي يفترون فيها على ربهم.

الحديث الثاني : مجهول.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١١٧.


٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي سعيد الخراساني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن القائم إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا شرابا ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه فمن كان جائعا شبع ومن كان ظامئا روي فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن أبي الحسن الأسدي ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف.

والوقر بالكسر : الحمل الثقيل أو الأعم ، وقيل : وحدة العين في زمن القائم عليه‌السلام وكثرتها في زمن موسى عليه‌السلام إشارة إلى أن مشرب أصحاب القائم عليه‌السلام واحد لا اختلاف بينهم أصلا ، والنجف : اسم مدفن أمير المؤمنين عليه‌السلام لوقوعه على مرتفع ، قال في القاموس : النجف محركة وبهاء ، مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد ، ويكون في بطن الوادي وقد يكون ببطن من الأرض ، أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها ، والنجف محركة التل ومسناة بظاهر الكوفة يمنع ماء السيل أن يعلو مقابرها ومنازلها.

الحديث الرابع : ضعيف.

وفي البصائر أبي الحصين الأسدي.

وفي القاموس : العتمة : وقت صلاة العشاء ، قال الخليل : هو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق ، وقال : الهمهمة ترديد الصوت في الصدر ، والكلام الخفي ، انتهى.

والثاني تأكيد الأول وهما من كلام أبي جعفر عليه‌السلام ، وكذا قوله : وليلة مظلمة أي والحال أن الليلة مظلمة ، أو في ليلة مظلمة ويمكن أن يكون همهمة ثانيا من كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام فتكون مرفوعة ، أو كلتاهما من كلامه عليه‌السلام على أنه


بعد عتمة وهو يقول همهمة همهمة وليلة مظلمة خرج عليكم الإمام عليه قميص آدم وفي يده خاتم سليمان وعصا موسى عليهما‌السلام.

٥ ـ محمد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن بشر بن جعفر ، عن مفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول أتدري ما كان قميص يوسف عليه‌السلام قال قلت لا قال إن إبراهيم عليه‌السلام لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه‌السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب فلما ولد يوسف عليه‌السلام علقه عليه فكان في عضده حتى كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله « إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ » (١) فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنة قلت جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص قال إلى أهله ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

______________________________________________________

خبر مبتدإ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي همهمة وليلة مظلمة مقرونتان ، أو بنصب الليلة كقولهم : كل رجل وضيعته.

وفي بصائر الدرجات : خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة على أصحابه بعد عتمة وهم في الرحبة وهو يقول : همهمة في ليلة مظلمة خرج عليكم الإمام « إلخ » وهو أصوب ، ولعل قميص آدم عليه‌السلام قصرت وضاقت حتى استوت على قامته عليه‌السلام.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

والتميمة : عوذة تعلق على الإنسان ، من باب التفعيل أي عقده « وجد يعقوب ريحه » أي في كنعان وبينهما مسيرة تسعة أيام من البدو حين أقبل به إليه يهود أو قيل : كان بينهما ثمانون فرسخا « لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ » بكسر النون وحذف الياء أي تنسبوني إلى النفد ، وهو بالتحريك : نقصان عقل يحدث من هرم ، قيل : وجواب لو محذوف تقديره لصدقتموني أو لقلت أنه قريب.

__________________

(١) سورة يوسف : ٩٤.


باب

ما عند الأئمة من سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومتاعه

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن سعيد السمان قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له أفيكم إمام مفترض الطاعة قال فقال لا قال فقالا له قد أخبرنا عنك الثقات أنك تفتي وتقر وتقول به ونسميهم لك فلان وفلان وهم أصحاب ورع وتشمير وهم ممن لا يكذب فغضب أبو عبد الله عليه‌السلام فقال ما أمرتهم بهذا فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا.

فقال لي أتعرف هذين قلت نعم هما من أهل سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان أن سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند عبد الله بن الحسن فقال كذبا لعنهما الله والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه اللهم

______________________________________________________

باب ما عند الأئمة عليهم‌السلام من سلاح رسول الله (ص) ومتاعه

الحديث الأول : مجهول.

« فقال لا » قال عليه‌السلام ذلك تقية ، ولعله أراد تورية : ليس فينا إمام لا بد له من الخروج بالسيف بزعمكم ، وفي المصباح المنير : التشمير في الأمر السرعة فيه والخفة ، ومنه قيل : شمر في العبادة إذا اجتهد وبالغ ، وشمر ثوبه رفعه « وهم ممن لا يكذب » على بناء المجرد المعلوم ، أو بناء التفعيل المجهول « ما أمرتهم بهذا » فيه أيضا تورية لأنه عليه‌السلام كان أمرهم بالتقية ولم يأمرهم بالإذاعة عند المخالفين ، لكن ظاهره يوهم إنكار أصل القول « اللهم إلا أن يكون رآه » أي عبد الله أو أبوه ، فالمراد أنهما لم يرياه رؤية كاملة يوجب العلم بعلاماته وصفاته ، فضلا عن أن يكون عندهما ، وفي المصباح : مقبض السيف وزان مسجد وفتح الباء لغة ، وهو حيث يقبض باليد ، وقال : مضرب السيف بفتح الراء وكسرها المكان الذي يضرب به منه ، وفي الصحاح : قدر شبر من طرفه.


إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه وما أثر في موضع مضربه.

وإن عندي لسيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن عندي لراية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه ولامته ومغفره فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن عندي لراية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المغلبة وإن عندي ألواح موسى وعصاه وإن عندي لخاتم سليمان بن داود وإن عندي الطست الذي كان موسى يقرب به القربان وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة.

______________________________________________________

والغرض أنه إن كانا صادقين في كونه عند عبد الله فليسألاه عن العلامتين فيخبرا ، وفي النهاية اللامة مهموزة : الدرع وقيل : السلاح ، ولامة الحرب أداته وتترك الهمزة تخفيفا ، والمغفر بكسر الميم ، وفي المغرب هو ما يلبس تحت البيضة ، والبيضة أيضا ، وأصل الغفر الستر ، وقال الأصمعي : المغفر زرد ينسج من الدرع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة ، انتهى.

والمغلبة كمكحلة اسم آلة من الغلبة ، أو اسم فاعل من باب التفعيل ، أو اسم مفعول من باب التفعيل ، أي ما يحكم له بالغلبة قال في القاموس : المغلب المغلوب مرارا أو المحكوم له بالغلبة ، ضد ، انتهى.

« وإن عندي الطست » إلخ. القربان كان عظيما عند بني إسرائيل ، وكان الأنبياء والأوصياء صاحب قربانهم ، وهو مذكور في توراتهم وفي الصحاح : النشاب بالضم مشددة : السهام ، الواحدة نشابة « لمثل الذي جاءت به الملائكة » أي السلاح ويفسره ما بعده ، وهو إشارة إلى قوله سبحانه في قصة الطالوت : « وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ » (١) وقيل : التابوت كان صندوق التوراة وكان من خشب الشمشاد مموها بالذهب نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين ، وكان موسى عليه‌السلام إذا قاتل قدمه فتسكن

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٤٨.


ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم أوتوا النبوة ومن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة ولقد لبس أبي درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخطت على الأرض خطيطا ولبستها أنا فكانت وكانت وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله.

______________________________________________________

نفوس بني إسرائيل فلا يفرون ، وقيل : كانت فيه صور الأنبياء ، وأما وجه حمل الملائكة فقيل : رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة وهم ينظرون إليه ، وقيل : كان بعده مع أنبيائهم يستفتحون به حتى أفسدوا فغلبهم الكفار عليه ، وكان في أرض جالوت إلى أن ملك طالوت ، فأصابهم بلاء حتى هلكت خمس مدائن فتشأموا بالتابوت ، فوضعوه على ثورين فساقهما الملائكة إلى طالوت.

وقال علي بن إبراهيم في تفسيره : هو التابوت الذي أنزل الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في أليم ، فكان في بني إسرائيل يتبركون به ، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه ، وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات ، فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم ، فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله منهم ، فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت كما قال الله تعالى : « إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ » إلى قوله « فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ » فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين ، فخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان ، وتفصيله في كتابنا الكبير.

« فكانت وكانت » أي كانت قريبة من الاستواء وكانت زائدة أو كانت كذلك وكانت أوفق ، وقيل : يعني قد يصل إلى الأرض وقد لا يصل ، يعني لم يختلف على وعلى أبي اختلافا محسوسا ذا قدر ، وقيل : أي فكانت لي وكانت لأبي سواء ، وقيل : أي فكانت وكانت كذلك والتكرير لإفادة تكرير اللبس « ملأها » أي لم يفضل عنه ولم يقصر ، وكان موافقا لبدنه ، ولعل هذا غير الدرع الذي استواؤه على البدن من علامات الإمامة ،


٢ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول عندي سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أنازع فيه ثم قال إن السلاح مدفوع عنه لو وضع عند شر خلق الله لكان خيرهم ثم قال إن هذا الأمر يصير إلى من يلوى له الحنك فإذا كانت من الله فيه المشيئة خرج فيقول الناس ما هذا الذي كان ويضع الله له يدا على رأس رعيته.

______________________________________________________

أو هذا الدرع يستوي في أول الإمامة على كل إمام وعلى القائم عليه‌السلام دائما ، أو الاستواء في الموضعين بمعنيين مختلفين.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« لا أنازع فيه » أي لا يمكن الله المخالفين على جبرنا على أخذه منا ، أمر لا يمكنهم إنكار كونه عندنا ، أو هو من مواريث الإمامة ليس لسائر الورثة فيه شركة « مدفوع عنه » أي لا يصيبه ضرر كما سيأتي في خبر ابن حكيم ، أو لا يصيب من هو عنده معصية ولا منقصة.

قوله : « لو وضع » تفسير له أو لا يمكن للمخالفين غصبه منا « إلى من يلوي له الحنك » يقال لويت الحبل واليد ليا فتلته ، ولوى رأسه وبرأسه : أماله.

والأظهر عندي أنه إشارة إلى إنكار الناس لوجوده وظهوره ، والاستهزاء بالقائلين له أو حك الأسنان غيظا أو حنقا به بعد ظهوره ، وكلاهما شائع في العرب ، وقيل : كناية عن الإطاعة والانقياد له جبرا ، وقيل : أي يتكلم عنه ، وقيل : أصحابه محنكون ولا يخفى بعده ، وعلى التقادير المراد به القائم عليه‌السلام.

« ما هذا الذي كان » تعجب من قضاياه وأحكامه القريبة وسفك دماء المخالفين أو من قهره واستيلائه ، ويحتمل على الأول أن تكون « ما » نافية ، أي ليس هذا المسلك مثل الذي كان في زمن الرسول وسائر الأئمة صلوات الله عليهم ووضع اليد كناية عن اللطف والشفقة أو القهر والغلبة للتربية كما مر في كتاب العقل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد يجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم.


٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المتاع سيفا ودرعا وعنزة ورحلا وبغلته الشهباء فورث ذلك كله علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لبس أبي درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات الفضول فخطت ولبستها أنا ففضلت.

٥ ـ أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال سألته عن ذي الفقار سيف

______________________________________________________

الحديث الثالث : صحيح.

والمتاع ما يتمتع به في البيت كالفروش والأواني والستور ، و « في » بمعنى مع أو للظرفية ، وقال الجوهري : العنزة أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زج كزج الرمح ، وقال الفيروزآبادي : الرحل مركب للبعير ومسكنك ، وما تستصحبه من الأثاث وفي الصحاح : الشهبة من الألوان : البياض الذي غلب على السواد.

وأقول : الخبر يحتمل وجهين : « الأول » أن يكون المراد بالترك البقاء إلى مرض الموت ، وبالتوريث إعطاءه إياه عند الموت ، والثاني : أن يكون المعنى أنه سلم جميع ميراث الوصي إليه في مرضه الذي مات فيه سوى الأشياء الخمسة ، فإنها كانت معه إلى موته وانتقلت بعده إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

الحديث الرابع : ضعيف.

وقال في النهاية : فيه إن اسم درعه كان ذات الفضول لفضلة كان فيها وسعة.

الحديث الخامس : صحيح ظاهرا لكن في السند غرابة إذ أحمد بن أبي عبد الله ليس في الرجال إلا أحمد بن محمد بن خالد البرقي وهو لا يروي عن الرضا عليه‌السلام وقد يروي عن الجواد والهادي عليهما‌السلام ومحمد بن عيسى العبيدي أعلى منه مرتبة فكيف يروي عنه ،


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أين هو قال هبط به جبرئيل عليه‌السلام من السماء وكانت حليته من فضة وهو عندي.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن محمد بن حكيم ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال السلاح موضوع عندنا مدفوع عنه لو وضع عند شر خلق الله كان خيرهم لقد حدثني أبي أنه حيث بنى بالثقفية وكان

______________________________________________________

ولعل فيه اشتباها.

وقال في النهاية : فيه أنه كان اسم سيفه ذا الفقار لأنه كان فيه فقر صغار حسان والمفقر من السيوف الذي فيه خروز مطمئنة ، انتهى.

وحلية السيف بالكسر : زينته ، وسيأتي الخبر في الروضة بسند آخر عن الرضا عليه‌السلام ، وفيه : مكان حليته حلقته ، وعلى التقديرين يدل على جواز كون حلية السيف أو حلقته من فضة كما ذكره الأصحاب ، وفيه رد على العامة القائلين بأن ذا الفقار كان مما غنمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الكفار ، قال في القاموس : ذا الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرا ، فصار إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم صار إلى علي عليه‌السلام.

الحديث السادس : حسن.

« لقد حدثني أبي » نقل هذا الحكاية لتأييد كونه مدفوعا عنه « حيث بنى بالثقفية » أي تزوج الامرأة التي كانت من قبيلة ثقيف ، وأدخلت عليه ، قال الجزري الابتناء والبناء الدخول بالزوجة ، والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها ، فيقال : بنى الرجل أهله ، قال الجوهري : ولا يقال بنى بأهله ، وهذا القول فيه نظر ، فإنه قد جاء في غير موضع من الحديث وغير الحديث وعاد الجوهري استعمله في كتابه ، انتهى.

وأقول : هذا الحديث أيضا يصحح قول الجزري « وقد كان شق له في الجدار » أي كان قبل ذلك شق للسلاح في الجدار شق وأخفي فيه لئلا يصل إليه ضرر ، ولا


قد شق له في الجدار فنجد البيت فلما كانت صبيحة عرسه رمى ببصره فرأى حذوه خمسة عشر مسمارا ففزع لذلك وقال لها تحولي فإني أريد أن أدعو موالي في حاجة فكشطه فما منها مسمار إلا وجده مصرفا طرفه عن السيف وما وصل إليه منها شيء.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن حجر ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عما يتحدث الناس أنه دفعت إلى أم سلمة صحيفة مختومة فقال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قبض ورث علي عليه‌السلام علمه وسلاحه وما هناك ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين عليه‌السلام

______________________________________________________

يطلع عليه أحد « فنجد البيت » أي زين للزفاف ، قال في القاموس : النجد ما ينجد به البيت من فرش وبسط ووسائد ، والتنجيد : التزيين « فرأى حذوه » أي بحذاء السلاح أو الشق « ففزع لذلك » مخافة أن يكون وصل إلى السيف شيء من المسامير فانكسر.

فإن قيل : كيف فزع عليه‌السلام مع علمه بأنه مدفوع عنه؟ قلت : يمكن أن يكون الفزع ظاهرا ، والكشط ليعلم الناس ذلك ، أو يكون العلم بكونه مدفوعا عنه حصل بعد ذلك ، أو يكون معلوما أنه لا يتكسر وكان يجوز عليه‌السلام أن يحدث فيه نقص ، أو كان الدفع معلوما وكشف ليعلم كيف دفع « وقال لها تحولي » أي أخرجي من البيت ، وكان ذلك لئلا تطلع عليه ، والكشط الكشف والإزالة.

الحديث السابع : حسن.

« وما هناك » أي عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من آثار الأنبياء والأوصياء وكتبهم ، تعميم بعد التخصيص « فلما خشينا أن نغشى » على صيغة المتكلم المجهول بمعنى نهلك أو نقلب أو نؤتى ، والحاصل إنا خشينا أن نستشهد في كربلاء فيقع في أيدي الأعادي أو يأخذوا منا قهرا عند ضعفنا ، قال الفيروزآبادي : غشيه الأمر وتغشاه وأغشيته إياه وغشيه بالسوط كرضيه : ضربه وفلانا : أتاه ، انتهى.


فلما خشينا أن نغشى استودعها أم سلمة ثم قبضها بعد ذلك علي بن الحسين عليه‌السلام قال فقلت نعم ثم صار إلى أبيك ثم انتهى إليك وصار بعد ذلك إليك قال نعم.

٨ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن عمر بن أبان قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما يتحدث الناس أنه دفع إلى أم سلمة صحيفة مختومة فقال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قبض ورث علي عليه‌السلام علمه وسلاحه وما هناك ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين عليه‌السلام قال قلت ثم صار إلى علي بن الحسين ثم صار إلى ابنه ثم انتهى إليك فقال نعم.

٩ ـ محمد بن الحسين وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين عليه‌السلام فقال للعباس يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته فرد عليه فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح قال فأطرق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

______________________________________________________

« استودعها » أي الحسين عليه‌السلام عند ذهابه إلى العراق.

الحديث الثامن : صحيح.

الحديث التاسع : ضعيف وآخره مرسل.

« تأخذ تراث محمد » الاستفهام كان لمصلحة مع علمه بعدم قبوله لئلا يتفطن المنافقون أن هذا من علامات الإمامة فيحتالوا في أخذها منهم وسلبها عنهم ، كما أخذوا فدك ، وإلا فقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله مأمورا بأن يسلمها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والتراث بضم التاء : الميراث ، وأصل التاء فيه الواو ، والعدة : الوعد في الخير ، والهاء عوض عن الواو والعدات جمعها « من يطيقك » أي يطيق فعالك وفي القاموس : الإطاقة القدرة على الشيء وقد طاقة طوقا وأطاقه والمبارأة : المعارضة ، والريح مشهورة بالسخاء لكثرة نفعها من سياق السحاب والأمطار ، وذر وكل ما تلقاه ، وعدم أخذها معها ، وهذا المثل مشهور بين العرب والعجم ، قال الجوهري : فلان يباري فلانا أي يعارضه ويفعل مثل فعله وهما يتباريان


هنيئة ثم قال يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه فقال بأبي أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح.

قال أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ثم قال يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه فقال نعم بأبي أنت وأمي ذاك علي ولي قال فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من إصبعه فقال تختم بهذا في حياتي قال فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في إصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم.

ثم صاح يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية والقميص وذي الفقار والسحاب

______________________________________________________

وفلان يباري الريح سخاء ، ويقال : أطرق أي سكت ولم يتكلم ، و « أرخى عينيه » ينظر إلى الأرض وهنيئة وهنية بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء تصغير هنو بكسر الهاء وسكون النون بمعنى وقت ، اجتمعت الواو والياء مع سكون سابقتهما فانقلبت الواو ياء وأدغمت ، والتأنيث باعتبار ساعة.

وضمير « سأعطيها » ونظيريه للتراث باعتبار الوصية أو باعتبار الأشياء المعهودة و « حقها » القيام بلوازمها كما ينبغي أو استحقاقها و « ذاك » إشارة إلى مجموع الثلاثة أعني إنجاز العدات وقضاء الدين وقبض التراث و « علي » باعتبار الأولين « ولي » باعتبار الثلاث.

« قال فنظرت » الضمير في « قال » راجع إلى علي عليه‌السلام أو العباس على اختلاف النسخ فيما سيأتي ، وفي سائر الكتب ما يؤيد الثاني « حين وضعته في إصبعي » في بعض النسخ : حين وضعه في إصبعه ، فعلى الأول الظاهر أن فاعل « قال » في الموضعين علي عليه‌السلام وعلى الثاني العباس ، فعلى الثاني التمني ظاهر لأنها عرضت عليه أولا ، وعلى الأول فالمعنى حب الشيء ومراقبته مجازا.

وفيما روى الصدوق في العلل عن أبان أيضا هكذا قال : فنظرت إلى الخاتم حين وضعه علي عليه‌السلام في إصبعه اليمنى ، وهو يؤيد الثاني ، وفي النهاية فيه : كان اسم عمامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله السحاب ، سميت به تشبيها بسحاب المطر لانسحابه في الهواء


والبرد والأبرقة والقضيب قال فو الله ما رأيتها غير ساعتي تلك يعني الأبرقة فجيء بشقة كادت تخطف الأبصار فإذا هي من أبرق الجنة فقال يا علي إن جبرئيل أتاني بها وقال يا محمد اجعلها في حلقة الدرع واستذفر بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعا أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف والقميصين القميص الذي

______________________________________________________

والبرد بالضم نوع من الثياب معروف ، والأبرقة سميت بها لبريقها ، أو لكونها ذات لونين ، قال في القاموس : الأبرق : الحبل الذي فيه لونان ، وكل شيء اجتمع فيه سواد وبياض فهو أبرق « انتهى ».

والقضيب هو الغصن ، والمراد به العصا سميت به لكونها مقطوعة من الشجر والقضب : القطع « يعني الأبرقة » تفسير عن الصادق عليه‌السلام لضمير « رأيتها » وفي القاموس : الشقة بالكسر من العصا والثوب وغيره : ما شق مستطيلا ، والقطعة المشقوقة ونصف الشيء إذا شق ، وفي النهاية : الشقة جنس من الثياب ، وقيل : هي نصف ثوب « انتهى ».

وخطف الشيء يخطفه استبله وذهب به بسرعة « واستدفر بها » لعله كان واستثفر بها وأريد به الشد على الوسط ، قال في النهاية : فيه أنه أمر المستحاضة أن تستثفر هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا ، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها ، فتمنع بذلك سيل الدم ، وهو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها ، وفي صفة الجن : مستثفر من ثيابهم ، هو أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه كما يفعل الكلب بذنبه « انتهى » وأما ما في النسخ بالذال ففي القاموس : الذفر محركة شدة ذكاء الريح كالذفرة ومسك أذفر ، ففيه تضمين معنى الشد مع الإشارة إلى طيب رائحتها ، فصار الحاصل تطيب بها جاعلا لها مكان المنطقة ، أو يكون « مكان المنطقة » متعلقا باجعلها ، وقيل : الاستدفار : جعل الشيء صلبا شديدا ، في القاموس : الذفر كطمر الصلب الشديد ، ولا يخفى ما فيه.

وفي النهاية خصف الرجل نعله خصفا وهو فيه كرقع الثوب.


أسري به فيه والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجمع وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه.

ثم قال يا بلال علي بالبغلتين الشهباء والدلدل والناقتين العضباء والقصواء والفرسين الجناح كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحيزوم وهو الذي كان يقول أقدم حيزوم والحمار عفير فقال اقبضها في حياتي.

______________________________________________________

وقال : دلدل في الأرض : ذهب ومر ، يدلدل ويتدلدل في مشية إذا اضطرب ، ومنه الحديث : كان اسم بغلته دلدل ، وقال فيه : كان اسم ناقته العضباء هو علم لها منقول من قولهم ناقة عضباء أي مشقوقة الأذن ، وقال بعضهم : إنها كانت مشقوقة الأذن والأول أكثر ، وقال الزمخشري : هو منقول من قولهم ناقة عضباء وهي قصيرة اليد وقال القصوى لقب ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقصوري : الناقة التي قطع طرف أذنها ولم تكن ناقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قصواء ، وإنما كان هذا لقبالها ، وقيل : كانت مقطوعة الأذن.

وقال الجوهري : الركض تحريك الرجل وركضت الفرس إذا استحثثته ليعدو.

« وهو الذي كان يقول » أي النبي عليه‌السلام حين يريده « أقدم حيزوم » فيجيب ويقبل ، أو جبرئيل حين أراد نصرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما سيأتي في الروضة في حديث طويل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في صفة غزوة بدر ، قال : فأقبل علي عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله أسمع دويا شديدا وأسمع : أقدم حيزوم ، وما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه؟ فقال : هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل « الخبر ».

ولا ينافي هذا كون حيزوم اسم فرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن قال الجوهري : حيزوم اسم فرس من خيل الملائكة ونحوه ، قال الفيروزآبادي : وقال الجزري في حديث بدر أقدم حيزوم ، جاء في التفسير أنه اسم فرس جبرئيل عليه‌السلام ، أراد أقدم يا حيزوم ، فحذف حرف النداء ، والياء فيه زائدة ، وقال هو أمر بالأقدام وهو التقدم في الحرب والإقدام : الشجاعة وقد تكسر همزة أقدم ، ويكون أمرا بالتقدم لا غير ، والصحيح


فذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام أن أول شيء من الدواب توفي عفير ساعة قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقبا فرمى بنفسه فيها فكانت قبره.

وروي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال إن ذلك الحمار كلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار.

______________________________________________________

الفتح من أقدم « انتهى ».

وقال الطيبي : قيل : من باب نصر ، وقال النووي : كلمة زجر للفرس « انتهى ».

وأقول : لا عبرة بقولهم بعد ورود الخبر المعتبر ، ولعلهم توهموا ذلك من ظاهر الرواية ، وقد عرفت أنه يحتمل أن يكون الخطاب لفرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ركبه هو أو أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، وقيل : يحتمل أن يكون هذا الفرس جاء به جبرئيل عليه‌السلام من السماء فأعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما ذكرنا أظهر.

وقال الجوهري : « يعفور » بلا لام حمار للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو هو عفير كزبير « انتهى » وتوفي بصيغة الماضي المجهول أو المعلوم ، و « ساعة » منصوب مضاف إلى الجملة ، وعامله « قطع » والخطام بالكسر : ما يقاد به الدابة ، وبنو خطمة بفتح الخاء وسكون الطاء حي من الأنصار ، و « قبا » بضم القاف مقصورا وممدودا قرية بالمدينة ، ولا يستبعد من كلام الحمار من يؤمن بالقرآن (١) وبكلام هدهد والنمل وغيرهما.

__________________

(١) ليس الاستبعاد في هذه المرسلة من جهة تكلّم الحمار مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يجاب عنه بكلام الهدهد والنمل ، بل الاستبعاد من جهة أنّ الحمار كيف يعرف أبوه وجدّه حتّى يحدّث عنهم ، وقال بعض الأفاضل : ولا يتعقّل معنى صحيح لهذا المرسلة تحمل عليه ، ولعلّها ممّا وضعه الزنادقة استهزاء بالمحدّثين السذج كما أنّهم وضعوا كثيرا من الأحاديث لتشويه صورة الدين ، والله أعلم.


باب

أن مثل سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل التابوت في بني إسرائيل

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن سعيد السمان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل كانت بنو إسرائيل أي أهل بيت وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن السكين ، عن نوح بن دراج ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيثما دار التابوت دار الملك فأينما دار السلاح فينا دار العلم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيثما دار التابوت أوتوا النبوة وحيثما دار السلاح فينا فثم الأمر قلت فيكون السلاح مزائلا للعلم قال لا.

______________________________________________________

باب أن مثل سلاح رسول الله (ص) مثل التابوت في بني إسرائيل

الحديث الأول : مجهول وهو جزء من الخبر الأول من الباب المتقدم ، والسند واحد.

الحديث الثاني : موثق.

الحديث الثالث : صحيح.

« حيثما دار التابوت » أي بالاستحقاق من غير قهر لا كما كان عند جالوت و « ما » في حيثما وأينما كافة ، و المزايلة المفارقة ، والسؤال لاستعلام أنه هل يمكن أن يكون السلاح عند من لا يكون عنده علم جميع ما تحتاج إليه الأمة كبني الحسن؟ قال : لا ، فكما أنه دليل للإمامة فهو ملزوم للعلم أيضا.


٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إنما مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل أينما دار التابوت دار الملك وأينما دار السلاح فينا دار العلم.

باب

فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها‌السلام

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله بن الحجال ، عن أحمد بن عمر الحلبي ، عن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له جعلت فداك إني أسألك عن مسألة هاهنا أحد يسمع كلامي قال فرفع أبو عبد الله عليه‌السلام سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال يا أبا محمد سل عما بدا لك قال قلت جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علم عليا عليه‌السلام بابا يفتح له منه ألف باب قال فقال يا أبا محمد علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عليا عليه‌السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب قال قلت هذا والله العلم قال فنكت ساعة في الأرض ثم قال إنه لعلم وما هو بذاك.

______________________________________________________

الحديث الرابع : صحيح.

باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها‌السلام

الحديث الأول : صحيح.

« قال فرفع » لعل رفع الستر لإيهام أنهم عليهم‌السلام لا يعلمون ما في خلف الستر والجدران إلا بالاستعلام لنوع من المصلحة ، أو تكون أحوالهم مختلفة ، وفي بعض الأحوال يحتاجون إلى ذلك لأنه لم يكن جميع العلوم حاضرة عندهم ، بل يحتاجون إلى مراجعة إلى بعض الكتب ، أو إلى روح القدس ، والمراد بالباب أولا النوع ، وثانيا القواعد الكلية التي تستنبط منها الأحكام ، أو بالأول القواعد الكلية وبالثاني الجزئيات المتفرعة عليها كما يومئ إليه بعض الأخبار. « هذا والله العلم » أي غاية العلم ، أو العلم الكامل العظيم من علومهم و « النكت » أن تضرب في الأرض بقضيب فتؤثر فيها فعل المتفكر أو المهموم « ثم قال إنه لعلم » أي علم معتد به عظيم ، « وما هو بذاك » أي ما توهمت


قال ثم قال يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة قال قلت جعلت فداك وما الجامعة قال صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش وضرب بيده إلي فقال تأذن لي يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت قال فغمزني بيده وقال حتى أرش هذا كأنه مغضب قال قلت هذا والله العلم قال إنه لعلم وليس بذاك.

ثم سكت ساعة ثم قال وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر قال قلت وما الجفر قال وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل قال قلت إن هذا هو العلم قال إنه لعلم وليس بذاك.

ثم سكت ساعة ثم قال وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها‌السلام وما يدريهم ما مصحف

______________________________________________________

أنه أعظم العلوم ، أو العلم الكامل الممتاز في جنب علومهم « وما يدريهم » أي المخالفين أو أكثر الشيعة « وأملاه » بصيغة الماضي ، وكذا « خط » والإملاء أن تقول كلاما ويكتب غيرك « من فلق فيه » أي مشافهة ، قال الجزري : كلمني من فلق فيه بالكسر ويفتح أي من شقه.

« وضرب بيده إلى » كان « إلى » هنا بمعنى « على ».

« إنما أنا لك » اللام للملكية أي عبد لك « كأنه مغضب » أي أخذ بشدة ويدل على تأثير إبراء ما لم يجب خلافا للأكثر « هذا والله العلم » إشارة إلى مجموع ما سبق أو الأخير ، وقال الجوهري : الأدم جمع الأديم وقد يجمع على أدمة ، وفي القاموس : الأديم الجلد أو أحمرة أو مدبوغة ، جمعه أدمة وأدام ، والأدم اسم للجمع ، وقال : الجفر من أولاد الشاء ما عظم واستكرش ، أو بلغ أربعة أشهر ، والبئر لم تطو أو طوى بعضها ، والجفر : جعبة من جلود لا خشب فيها أو من خشب لا جلود فيها « انتهى ».

« مثل قرآنكم » أي القرآن الذي عند الإمام « ما فيه من قرآنكم » أي فيه


فاطمة عليها‌السلام قال قلت وما مصحف فاطمة عليها‌السلام قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد قال قلت هذا والله العلم قال إنه لعلم وما هو بذاك.

ثم سكت ساعة ثم قال إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال إنه لعلم وليس بذاك.

قال قلت جعلت فداك فأي شيء العلم قال ما يحدث بالليل والنهار الأمر من بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن حماد بن

______________________________________________________

علم بما كان وما يكون.

فإن قلت : في القرآن أيضا بعض الأخبار؟

قلت : لعله لم يذكر فيه ما في القرآن.

فإن قلت : يظهر من بعض الأخبار اشتمال مصحف فاطمة عليها‌السلام أيضا على الأحكام؟

قلت : لعل فيه ما ليس في القرآن.

فإن قلت : قد ورد في كثير من الأخبار اشتمال القرآن على جميع الأحكام والأخبار مما كان أو يكون؟

قلت : لعل المراد به ما نفهم من القرآن لا ما يفهمون عليهم‌السلام منه ، ولذا قال عليه‌السلام : قرآنكم ، على أنه يحتمل أن يكون المراد لفظ القرآن ، ثم الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها عليها‌السلام على الأخبار فقط ، فيحتمل أن يكون المراد عدم اشتماله على أحكام القرآن.

« علم ما كان وما هو كائن » أي من غير جهة مصحف فاطمة عليها‌السلام أيضا.

الحديث الثاني : ضعيف


عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها‌السلام قال قلت وما مصحف فاطمة قال إن الله تعالى لما قبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل على فاطمة عليها‌السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين عليه‌السلام يكتب كل ما سمع ـ حتى أثبت من ذلك مصحفا قال ثم قال أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن عندي الجفر الأبيض قال قلت فأي شيء فيه قال زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليه‌السلام والحلال والحرام ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآنا وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة

______________________________________________________

« تظهر الزنادقة » يخطر بالبال أن المراد بهم ابن أبي العوجاء وابن المقفع وأضرابهما ممن ناظر الصادق عليه‌السلام معهم ، وهذا التاريخ قبل وفاته عليه‌السلام بعشرين سنة ، وكان هذا الوقت وقت طغيانهم وكثرتهم كما يظهر من الروايات والتواريخ ، وقيل : المراد بهم خلفاء بني العباس فإنهم روجوا كتب الفلاسفة والزنادقة ، وفي السنة المذكورة كتب أو لهم إبراهيم السفاح كتابا إلى أهل خراسان وجعل أبا مسلم المروزي أميرا عليهم ، وكان ذلك مادة شوكة بني العباس.

والملك : جبرئيل عليه‌السلام كما سيأتي أو غيره ، بأن يكونا أتيا معا أو كل منهما في زمان ، والمراد بالشكاية مطلق الإخبار أو كانت الشكاية لعدم حفظها عليها‌السلام جميع كلام الملك ، وقيل : لرعبها عليها‌السلام من الملك حال وحدتها به وانفرادها بصحبته ولا يخفى بعد ذلك عن جلالتها ، ويقال : جعل يفعل كذا ، أي أقبل وشرع.

الحديث الثالث : حسن

« وفيه ما يحتاج الناس إليه » لعل الضمائر كلها أو الأخيرين راجعة إلى الخبر


وأرش الخدش.

وعندي الجفر الأحمر قال قلت وأي شيء في الجفر الأحمر قال السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل فقال له عبد الله بن أبي يعفور أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن فقال إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرا لهم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عمن ذكره ، عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن في الجفر الذي يذكرونه لما يسوؤهم لأنهم لا يقولون الحق والحق فيه فليخرجوا قضايا علي وفرائضه إن كانوا صادقين وسلوهم عن الخالات والعمات وليخرجوا مصحف فاطمة عليها‌السلام فإن فيه وصية فاطمة عليها‌السلام ومعه سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله عز وجل يقول فأتوا « بِكِتابٍ

______________________________________________________

لا المصحف ، فلا ينافي الأخبار الدالة على أنه ليس في مصحفها الأحكام « ولو طلبوا الحق » أي أنهم يدعون أنا نطلب ثار الحسين عليه‌السلام أو رفع المنكرات وإزالة الباطل وأهله ، ويطلبون ذلك بالباطل كادعاء الإمامة بغير الحق وإنكار إمامة الأئمة عليهم‌السلام وحقوقهم ، ولو طلبوا الحق بإذن الإمام وفي أوانه لكان خيرا لهم.

الحديث الرابع : مرسل.

« إن في الجفر الذي يذكرونه » أي الأئمة الزيدية من بني الحسن ، ويفتخرون به ويدعون أنه عندهم « لما يسوؤهم » لاشتماله على مصحف فاطمة عليها‌السلام ، وفيه : أنهم لا يملكون ولا يجوز لهم الخروج ، وأيضا فيه الأحكام الحقة الواقعية وهم لا يعرفونها ولا يعلمون بها « فليخرجوا قضايا علي في الأحكام وفرائضه » في المواريث « إن كانوا صادقين » في أن الجفر عندهم « وسلوهم عن » خصوص مواريث « الخالات والعمات » فإنهم لا يعلمونها ويعلمون بأحكام المخالفين فيها « فإن فيه » أي في مصحفها « وصية فاطمة » في أوقاتها وأولادها أو وصية جبرئيل لفاطمة عليها‌السلام في أمر أولادها وما يقع عليهم


مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » (١)

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة قال سأل أبا عبد الله عليه‌السلام بعض أصحابنا عن الجفر فقال هو جلد ثور مملوء علما قال له فالجامعة قال تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش.

قال فمصحف فاطمة عليها‌السلام قال فسكت طويلا ثم قال إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل عليه‌السلام يأتيها فيحسن عزاءها

______________________________________________________

« ومعه » أي مع المصحف « سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » وهما في مكان واحد « فأتوا بكتاب من قبل هذا » لعله عليه‌السلام نقل بالمعنى أو في قراءتهم كذلك ، وفيما عندنا : « ائْتُونِي بِكِتابٍ » والآية في سياق الاحتجاج على المشركين حيث قال : « قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا » أي من قبل القرآن فإنه ناطق بالتوحيد « أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ » أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به « إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » في دعواكم ، والاستشهاد بالآية لبيان أنه لا بد في إثبات حقية الدعوى إما إظهار الكتاب من الكتب السماوية أو بقية علوم الأنبياء والأوصياء المحفوظة عند الأئمة عليهم‌السلام ، وهم عاجزون عن الإتيان بشيء منهما ، أو لبيان أنه يكون أثارة من علم وهي من عندنا.

الحديث الخامس : صحيح.

« عن الجفر » يعني الأبيض « هو جلد ثور » لعل الجلد وعاء الكتب لا أنها مكتوبة فيه ، وفي القاموس : الفالج الجمل الضخم ذو السنامين يحمل من السند للفحلة « إنكم لتبحثون » أي تفتشون « عما تريدون » أي عما ينبغي لكم أن تريدوه ويتعلق

__________________

(١) سورة الأحقاف : ٣.


على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي عليه‌السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليها‌السلام.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن صالح بن سعيد ، عن أحمد بن أبي بشر ، عن بكر بن كرب الصيرفي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس وإن الناس ليحتاجون إلينا وإن عندنا كتابا إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط علي عليه‌السلام صحيفة فيها كل حلال وحرام وإنكم لتأتونا بالأمر فنعرف إذا أخذتم به ونعرف إذا تركتموه.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن فضيل بن يسار وبريد بن معاوية وزرارة أن عبد الملك بن أعين قال لأبي عبد الله عليه‌السلام إن الزيدية والمعتزلة قد أطافوا بمحمد بن عبد الله فهل له سلطان فقال والله إن

______________________________________________________

غرضكم به ، وعما لا ينبغي لكم إرادته ولم يتعلق غرضكم به ، وفيه تنبيه على أنه ينبغي للإنسان أن يتعلم ما ينفعه ولا يتكلف علم ما لم يؤمر به ولا ينفعه في العقائد الضرورية والأعمال المطلوبة.

الحديث السادس : مجهول

« إملاء رسول الله » بالرفع أي هو إملاؤه وكذا « خط » مرفوع « وصحيفة » منصوب بالبدلية من قوله « كتابا » أو مرفوع أيضا بالخبرية « لتأتونا بالأمر » أي من الأمور التي تأخذونها عنا من الشرائع والأحكام فنعلم أيكم يعمل به وأيكم لا يعمل به.

الحديث السابع : حسن.

ومحمد هو ابن عبد الله بن الحسن من أئمة الزيدية الملقب بالنفس الزكية خرج على الدوانيقي وقتل كما سيأتي قصته ، ولعل الكتابين الجفر ومصحف فاطمة عليها‌السلام « في واحد منهما » أي من الكتابين ، أو من الأنبياء والملوك ، وذكر الأنبياء على المبالغة أو على التهكم وقيل : هما جزءان من المصحف أحدهما متعلق بالنبي والآخر بالملك


عندي لكتابين فيهما تسمية كل نبي وكل ملك يملك الأرض لا والله ما محمد بن عبد الله في واحد منهما.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن فضيل بن سكرة قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال يا فضيل أتدري في أي شيء كنت أنظر قبيل قال قلت لا قال كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها‌السلام ليس من ملك يملك الأرض إلا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا.

باب

في شأن « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » وتفسيرها

١ ـ محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى

______________________________________________________

وقال : النبي : من خرج من بلد [ إلى بلد ] بقصد السلطنة إذا لم يتم له ما قصد ، في القاموس : نبأ من أرض إلى أرض : إذا خرج ونفى كونه نبيا لأنه قتل في المدينة قبل خروجه إلى أرض أخرى ، ولا يخفى ما فيه.

الحديث الثامن : (١)

« قبيل » أي قبيل هذا الوقت ، وفيه (٢) قدح لنسب خلفاء مصر ، إلا أن يقال : المراد ولد الحسن الموجودون في ذلك الزمان (٣).

باب في شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها

الحديث الأول : ضعيف. على المشهور بالحسن بن العباس ، لكن يظهر من كتب

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) على فرض صحّة الحديث ولكنّه مجهول بفضيل بن سكرة.

(٣) ولا يبعد أن يكون مراده عليه‌السلام ـ على فرض صحّة الخبر ـ أنّهم لا يملكون الأرض كما ملكه ساير الخلفاء من بني العباس ولا ينالون الخلافة العامة.


عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الحسن بن العباس بن الحريش ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام بينا أبي عليه‌السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض له فقطع عليه أسبوعه حتى أدخله إلى دار جنب الصفا فأرسل إلي فكنا ثلاثة فقال مرحبا يا ابن رسول الله ثم وضع يده على رأسي وقال بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه.

يا أبا جعفر إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك وإن شئت سلني وإن شئت سألتك وإن شئت فاصدقني وإن شئت صدقتك قال كل ذلك أشاء قال فإياك أن ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال إنما يفعل ذلك من في قلبه علمان

______________________________________________________

الرجال أنه لم يكن لتضعيفه سبب إلا رواية هذه الأخبار العالية الغامضة التي لا يصل إليها عقول أكثر الخلق ، والكتاب كان مشهورا عند المحدثين وأحمد بن محمد روى هذا الكتاب مع أنه أخرج البرقي عن قم بسبب أنه كان يروي عن الضعفاء ، فلو لم يكن هذا الكتاب معتبرا عنده لما تصدى لروايته والشواهد على صحته عندي كثيرة.

« والاعتجار » التنقب ببعض العمامة ، ويقال : قيض الله فلانا لفلان أي جاء به وأتاحه له « فقطع عليه أسبوعه » أي طوافه « فقال مرحبا » أي لقيت رحبا وسعة ، وقيل : أي رحب الله بك مرحبا ، فجعل المرحب موضع الترحيب ، وقيل : أتيت سعة « بارك الله فيك » أي زاد الله في علمك وكمالك.

قوله عليه‌السلام « يا با جعفر » أي ثم التفت إلى أبي وقال يا أبا جعفر ، : قوله : « بأمر تضمر لي غيره » أي لا تخبرني بشيء يكون في علمك شيء آخر يلزمك لأجله القول بخلاف ما أخبرت كما في أكثر علوم أهل الضلال ، فإنه يلزمهم أشياء لا يقولون بها ، أو المعنى أخبرني بعلم يقيني لا يكون عندك احتمال خلافه ، فقوله : « علمان » أي احتمالان متناقضان أو أراد به لا تكتم عني شيئا من الأسرار ، فقوله عليه‌السلام : « إنما يفعل ذلك » أي في غير مقام التقية ، وقيل : إشارة إلى بطلان طريقة أهل الاجتهاد ، فإنهم يقولون ظن المجتهد يفضي به إلى علم ، وظنية الطريق لا ينافي علمية الحكم ، فيضمرون في جميع


يخالف أحدهما صاحبه وإن الله عز وجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف قال هذه مسألتي وقد فسرت طرفا منها.

أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف من يعلمه قال أما جملة العلم فعند الله جل ذكره وأما ما لا بد للعباد منه فعند الأوصياء قال ففتح الرجل عجيرته واستوى جالسا وتهلل وجهه وقال هذه أردت ولها أتيت زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء فكيف يعلمونه قال كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى لأنه كان نبيا وهم محدثون وأنه كان يفد إلى الله عز وجل فيسمع الوحي وهم لا يسمعون فقال صدقت يا ابن رسول الله سآتيك بمسألة صعبة.

أخبرني عن هذا العلم ما له لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فضحك أبي عليه‌السلام وقال أبى الله عز وجل أن يطلع على علمه إلا ممتحنا للإيمان

______________________________________________________

أحكامهم الاجتهادية أنه إذا تعلق ظنهم بخلاف ما حكموا به رجعوا عن ذلك الحكم وحكموا بخلافه ، وادعوا العلم في كلتا الصورتين.

« ففتح الرجل عجيرته » أي اعتجاره أو طرف العمامة الذي اعتجر به ، والتهلل الإضاءة والتلألؤ بالسرور « إن علم ما لا اختلاف فيه » مصدر مضاف إلى المفعول « من العلم » من إما للبيان والعلم بمعنى المعلوم ، أو للتبعيض أي من جملة العلوم.

قوله عليه‌السلام : « كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمه » أي بعض علومهم كذلك ، وإلا فجل علومهم كان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يعلمون على هذا الوجه أيضا وإن كانوا سمعوا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقال : وفد إليه أي قدم وورد « فضحك أبي » لعل ضحكه عليه‌السلام كان لهذا النوع من السؤال الذي ظاهره الامتحان تجاهلا مع علمه بأنه عارف بحاله ، أو لعده المسألة صعبة وليست عنده عليه‌السلام كذلك ، وحاصل الجواب أن ظهور هذا العلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دائما في محل المنع ، فإنه كان في سنين من أول بعثته مكتتما إلا عن أهله ، لخوف عدم قبول الخلق منه حتى أمر بإعلانه ، وكذلك الأئمة


به كما قضى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلا بأمره فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » وايم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كف فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء.

ثم أخرج سيفا ثم قال ها إن هذا منها قال فقال أبي إي والذي اصطفى محمدا على البشر قال فرد الرجل اعتجاره وقال أنا إلياس ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك وسأخبرك بآية أنت تعرفها إن خاصموا بها فلجوا.

______________________________________________________

عليهم‌السلام يكتمون عمن لا يقبل منهم حتى يؤمروا بإعلانه في زمن القائم عليه‌السلام « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ » أي تكلم به جهارا « وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » ولا تلتفت إلى ما يقولون من الاستهزاء وغيره « وأيم » مخفف أيمن جميع يمين ، وهو مبتدأ محذوف الخبر أي أيمن الله يميني ، « إنما نظر في الطاعة » أي طاعة الأمة أو طاعته « وخاف الخلاف » أي مخالفة الأمة.

قوله : تعذب أرواح الكفرة ، قيل : إشارة إلى الذين أحياهم في الرجعة « ثم أخرج » أي إلياس عليه‌السلام « سيفا ثم قال : ها » وهو حرف تنبيه ، أو بمعنى خذ « إن هذا منها » أي من تلك السيوف الشاهرة في زمانه عليه‌السلام ، لأن اليأس من أعوانه عليهما‌السلام ولعل رد الاعتجار لأنه مأمور بأن لا يراه أحد بعد المعرفة الظاهرة.

وقوله : « قوة لأصحابك » أي بعد أن تخبرهم به أنت وأولادك المعصومون عليهم‌السلام « إن خاصموا بها » أي أصحابك أهل الخلاف « فلجوا » أي ظفروا وغلبوا.


______________________________________________________

ثم اعلم أن حاصل هذا الاستدلال هو أنه قد ثبت أن الله سبحانه أنزل القرآن في ليلة القدر على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه كان ينزل الملائكة والروح فيها من كل أمر ببيان وتأويل سنة فسنة ، كما يدل عليه فعل المستقبل الدال على التجدد الاستمراري ، فنقول : هل كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طريق إلى العلم الذي يحتاج إليه الأمة سوى ما يأتيه من السماء من عند الله سبحانه إما ليلة القدر أو في غيرها أم لا ، والأول باطل لقوله تعالى : « إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (١) فثبت الثاني ، ثم يقول : فهل يجوز أن لا يظهر هذا العلم الذي يحتاج إليه الأمة أم لا بد من ظهوره لهم ، والأول باطل لأنه إنما يوحى إليه ليبلغ إليهم ويهديهم الله عز وجل ، فثبت الثاني ثم نقول : فهل لذلك العلم النازل من السماء من عند الله إلى الرسول اختلاف بأن يحكم في زمان بحكم ثم يحكم في ذلك الأمر بعينه في ذلك الزمان بعينه بحكم آخر أم لا؟ والأول باطل لأن الحكم إنما هو من عند الله عز وجل ، وهو متعالي عن ذلك كما قال تعالى : « وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً » (٢) ثم نقول فمن حكم بحكم فيه اختلاف كالاجتهادات المتناقضة هل وافق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فعله ذلك أم خالفه ، والأول باطل لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن في حكمه اختلاف ، فثبت الثاني ، ثم نقول : فمن لم يكن في حكمه اختلاف فهل له طريق إلى ذلك الحكم من غير جهة الله إما بغير واسطة أو بواسطة ، ومن دون أن يعلم تأويل المتشابه الذي يقع بسببه الاختلاف أم لا؟ والأول باطل فثبت الثاني ثم نقول : فهل يعلم تأويل المتشابه إلا الله والراسخون في العلم الذين ليس في علمهم اختلاف أم لا؟ والأول باطل لقوله تعالى : « وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » (٣) ثم نقول فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو من الراسخين هل مات صلى‌الله‌عليه‌وآله وذهب بعلمه ذلك ولم يبلغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته أم بلغه؟ والأول باطل ، لأنه لو فعل ذلك

__________________

(١) سورة النجم : ٤.

(٢) سورة النساء : ٨٢.

(٣) سورة آل عمران : ٧.


قال فقال له أبي إن شئت أخبرتك بها قال قد شئت قال إن شيعتنا إن قالوا لأهل الخلاف لنا إن الله عز وجل يقول لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » إلى آخرها فهل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم من العلم شيئا لا يعلمه في تلك الليلة أو يأتيه به جبرئيل عليه‌السلام في غيرها فإنهم سيقولون لا فقل لهم فهل كان لما علم بد من أن يظهر فيقولون لا فقل لهم فهل كان فيما أظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الله عز ذكره اختلاف فإن قالوا لا فقل لهم فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف فهل خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقولون نعم فإن قالوا لا فقد نقضوا أول كلامهم

______________________________________________________

فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده فثبت الثاني ، ثم نقول : فهل خليفته من بعده كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطأ والاختلاف في العلم أم هو مؤيد من عند الله بحكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يأتيه الملك فيحدثه من غير وحي ورؤية أو ما يجري مجرى ذلك وهو مثله إلا في النبوة والأول باطل لعدم إغنائه حينئذ لأن من يجوز عليه الاختلاف لا يؤمن عليه الاختلاف في الحكم ، ويلزم التضييع من ذلك أيضا فثبت الثاني.

فلا بد من خليفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله راسخ في العلم عالم بتأويل المتشابه مؤيد من عند الله لا يجوز عليه الخطأ ولا الاختلاف في العلم ، يكون حجة على العباد وهو المطلوب.

هذا إن جعلنا الكل دليلا واحدا ، ويحتمل أن يكون دلائل كما سنشير إليه ولعله أظهر.

قوله عليه‌السلام « أو يأتيه » معطوف على « لا يعلمه » فينسحب عليه النفي ، والمعنى : هل له علم من غير تينك الجهتين كما عرفت « فقد نقضوا أول كلامهم » حيث قالوا لا اختلاف فيما أظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الله فهذا يقتضي أن لا يكون في علم من لا يخالفه في العلم أيضا اختلاف.

وبهذا يتم دليل على وجود الإمام ، لأن من ليس في علمه اختلاف ليس إلا المعصوم المؤيد من عند الله تعالى.


فقل لهم « ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ».

فإن قالوا من الراسخون في العلم فقل من لا يختلف في علمه فإن قالوا فمن هو ذاك فقل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب ذلك فهل بلغ أو لا فإن قالوا قد بلغ فقل فهل مات صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف فإن قالوا لا فقل إن خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤيد ولا يستخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا من يحكم بحكمه وإلا من يكون مثله إلا النبوة ـ وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده.

فإن قالوا لك فإن علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من القرآن فقل « حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها » إلى قوله « إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ » (١) فإن قالوا لك لا يرسل الله عز وجل إلا إلى نبي فقل هذا الأمر الحكيم

______________________________________________________

قوله : « فقل لهم ما يعلم تأويله » هذا إما دليل آخر سوى مناقضة كلامهم على أنهم خالفوا رسول الله أو على أصل المدعى ، وهو إثبات الإمام.

قوله عليه‌السلام : « فقل من لا يختلف في علمه » لعله استدل عليه على ذلك بمدلول لفظة الرسوخ ، فإنه بمعنى الثبوت ، والمتزلزل في علمه المنتقل عنه إلى غيره ليس بثابت فيه.

قوله عليه‌السلام : « فإن قالوا لك إن علم رسول الله كان من القرآن » لعل هذا إيراد على الحجة وتقريره : أن علم رسول الله لعله كان من القرآن فقط وليس مما يتجدد في ليلة القدر شيء؟ فأجاب عليه‌السلام بأن الله عز وجل يقول : « فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » فهذه الآية تدل على تجدد الفرق والإرسال في تلك الليلة المباركة بإنزال الملائكة والروح فيها من السماء إلى الأرض دائما ، ولا بد من وجود من يرسل إليه الأمر دائما.

ثم قوله : « فإن قالوا لك » سؤال آخر تقريره : أنه يلزم مما ذكرتم جواز إرسال الملائكة إلى غير النبي مع أنه لا يجوز ذلك ، فأجاب عنه بمدلول الآية التي

__________________

(١) سورة الدخان : ٢ ـ ٤.


الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلى سماء أو من سماء إلى أرض فإن قالوا من سماء إلى سماء فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية فإن قالوا من سماء إلى أرض وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك فقل فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه فإن قالوا فإن الخليفة هو حكمهم فقل « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » إلى قوله « خالِدُونَ » (١) لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا وهو مؤيد ومن أيد لم يخط وما في الأرض عدو لله عز ذكره إلا وهو مخذول ومن خذل لم يصب كما أن الأمر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض كذلك لا بد

______________________________________________________

لا مرد لها ، وقوله : « وأهل الأرض » جملة حالية.

قوله : « فهل لهم بد » لعله مؤيد للدليل السابق بأنه كما أنه لا بد من مؤيد ينزل إليه في ليلة القدر فكذلك لا بد من سيد يتحاكم العباد إليه ، فإن العقل يحكم بأن الفساد والنزاع بين الخلق لا يرتفع إلا به ، فهذا مؤيد لنزول الملائكة والروح على رجل ليعلم ما يفصل به بين العباد ، ويحتمل أن يكون استئناف دليل آخر على وجود الإمام. « فإن قالوا فإن الخليفة التي في كل عصر هو حكمهم » بالتحريك « فقل » إذا لم يكن الخليفة مؤبدا معصوما محفوظا من الخطإ فكيف يخرجه الله ويخرج به عباده من الظلمات إلى النور ، وقد قال سبحانه : « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » الآية ، والحاصل أن من لم يكن عالما بجميع الأحكام وكان ممن يجوز عليه الخطأ فهو أيضا محتاج إلى خليفة آخر لرفع جهله ، والنزاع الناشئ بينه وبين غيره.

وأقول : يمكن أن يكون الاستدلال بالآية من جهة أنه تعالى نسب إخراج المؤمنين من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم إلى نفسه ، فلا بد من أن يكون من يهديهم منصوبا من قبل الله تعالى مؤيدا من عنده ، والمنصوب من قبل الناس طاغوت يخرجهم من النور إلى الظلمات.

« لعمري » بالفتح قسم بالحياة « إلا وهو مؤيد » لقوله : « يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٨.


من وال فإن قالوا لا نعرف هذا فقل لهم قولوا ما أحببتم أبى الله عز وجل بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يترك العباد ولا حجة عليهم.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام ثم وقف فقال هاهنا يا ابن رسول الله باب غامض أرأيت إن قالوا حجة الله القرآن قال إذن أقول لهم إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون وأقول قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة

______________________________________________________

إِلَى النُّورِ » « ولما قلنا : من أنه لو لم يكن كذلك لكان محتاجا إلى إمام آخر » كذلك لا بد من وال أي من يلي الأمر ويتلقاه من الملائكة والروح ، ويدل الناس على الأمر الحكيم.

« فإن قالوا لا نعرف هذا » أي الوالي أو الاستدلال المذكور ونفى معرفتهم إياه نظير قوله تعالى : « قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ » (١) و « قولوا ما أحببتم » نظير قوله تعالى : « اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ » (٢) وقوله : « تَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ » (٣) وهذا الكلام متعارف بعد مكابرة الخصم « قال ثم وقف » أي ترك أبي الكلام « فقال » أي إلياس ، وقيل : ضمير وقف أيضا لا ليأس ، أي قام تعظيما والأول أظهر.

« باب غامض » أي شبهة مشكلة استشكلها المخالفون لقول عمر عند إرادة النبي الوصية : حسبنا كتاب الله ، وقيل : الغامض بمعنى السائر المشهور من قولهم : غمض في الأرض إذا ذهب وسار. « إن القرآن ليس بناطق » أي ليس القرآن بحيث يفهم منه الأحكام كل من نظر فيه ، فإن كثيرا من الأحكام ليست في ظاهر القرآن ، وما فيه أيضا تختلف فيه الأمة وكل منهم يستدل بالقرآن على مذهبه ، فظهر أن القرآن إنما يفهمه الإمام ، وهو دليل له على معرفة الأحكام ، والمراد أن القرآن لا يكفي بسياسة الأمة وإن سلم أنهم يفهمون معانيه ، بل لا بد من آمر وناه وزاجر يدعوهم إلى العمل بالقرآن ، ويحملهم عليه ، ويكون هو معصوما عاملا بجميع ما أمر به فيه منزجرا عن كل ما نهى عنه فيه.

فقوله : « وأقول قد عرضت » مشيرا إلى ما ذكرنا أولا دليل آخر والحكم

__________________

(١) سورة هود : ٩١.

(٢) سورة فصلت : ٤٠.

(٣) سورة المرسلات : ٤٦.


ما هي في السنة والحكم الذي ليس فيه اختلاف وليست في القرآن أبى الله لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض وليس في حكمه راد لها ومفرج عن أهلها.

فقال هاهنا تفلجون يا ابن رسول الله أشهد أن الله عز ذكره قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم

______________________________________________________

الذي ليس فيه اختلاف « أي الضروريات أو السنة المتواترة أو ما أجمعت عليه الأمة » وليست في القرآن أي في ظاهر القرآن وما يفهمه منه علماء الأمة إذ جميع الأحكام في القرآن ، ولكن لا يمكن استنباطه إلا للإمام « أن تظهر » أي الفتنة وهو مفعول « أبى » وقوله : « وليس في حكمه » جملة حالية والضمير في حكمه راجع إلى الله « في الأرض » أي في غير أنفسهم كالمال « أو في أنفسهم » كالدين أو القصاص ، إشارة إلى قوله تعالى : « ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » (١).

قال البيضاوي : في الأرض كجدب وعاهة « وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ » كمرض وآفة « إِلاَّ فِي كِتابٍ » أي إلا مكتوبة في اللوح ، مثبتة في علم الله « مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها » أي نخلقها ، والضمير للمصيبة أو للأرض أو للأنفس « إِنَّ ذلِكَ » أي إن ثبته في كتاب « عَلَى اللهِ يَسِيرٌ » لاستغنائه فيه عن العدة والمدة « لِكَيْلا تَأْسَوْا » أي أثبت وكتب لئلا تحزنوا « عَلى ما فاتَكُمْ » من نعم الدنيا « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » بما أعطاكم الله منها ، فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر.

ولعل حاصل كلامه عليه‌السلام أنه كثيرا ما يعرض للناس شبهة في أمر من أمور الدين مما يتعلق بأنفسهم وأموالهم ، وليس في ظاهر الكتاب والسنة ما يزيل تلك الشبهة ، وهذه مصيبة عرضت لهم ، ولا بد أن تكون تلك المصيبة في علمه سبحانه قبل وقوعها ، لأن المصيبة الواقعة في الآية نكرة في سياق النفي يفيد العموم ، والمصيبة أعم من أن تكون

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.


من الدين أو غيره فوضع القرآن دليلا ـ قال فقال الرجل هل تدري يا ابن رسول الله دليل ما هو قال أبو جعفر عليه‌السلام نعم فيه جمل الحدود وتفسيرها عند الحكم فقال أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه أو في نفسه أو في ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.

قال فقال الرجل أما في هذا الباب فقد فلجتهم بحجة إلا أن يفتري خصمكم على الله فيقول ليس لله جل ذكره حجة ولكن أخبرني عن تفسير « لِكَيْلا

______________________________________________________

في أمور الدين أو الدنيا ، فلا يختص بالبلايا والأمراض والآفات ، بل يعم المصائب الدينية وما أشكل عليهم من الأحكام ، وإليه أشار عليه‌السلام بقوله : « من الدين أو غيره » وإذا ثبت علمه تعالى بعروض تلك الشبهة لهم فلا بد في حكمته ولطفه أن يرفع تلك الشبهة عنهم إما بصريح الكتاب والسنة أو بإمام يزيح علتهم ويكون عالما بحكم جميع ما يعرض لهم ، والأولان مفقودان فتعين الثالث.

« فوضع القرآن دليلا » أي للإمام فإنه يمكنه أن يستنبط منه تفاصيل الأحكام ، أو لسائر الخلق إلى جمل الأحكام ولا بد في علمهم بتفاصيلها من الرجوع إلى الإمام ، ويمكن أن يكون عليه‌السلام فسر الكتاب في الآية بالقرآن ، وأفاد أنه لا يعلم ذلك من القرآن إلا الإمام ، فثبت الاحتياج إليه ، والأول أظهر.

قوله : « من حكم » بالتحريك وفي أكثر النسخ من حكمه ، فربما يقرأ بالفتح اسم موصول فحكمه مبتدأ وقاض خبره ، والجملة صلة للموصول ، والمجموع اسم ليس ، ونسبة القضاء إلى الحكم على المبالغة نحو جد جده ، أو بالكسر فيكون صلة للخروج الذي يتضمنه معنى القضاء في قاض ، أي قاض خارج من حكمه بالصواب ، والمراد بالفلج بالحجة أما إتمام الحجة فالاستثناء منقطع ، أو إلزام المخالفين وإسكاتهم فالاستثناء متصل « إلا أن يفتري خصمكم على الله » أي يكابر ويعاند بعد إتمام الحجة « ويقول ليس لله جل ذكره حجة » أي إمام ليعيد مدعاه بعد إتمام الحجة على نقيضه ، أو ينكر وجوب اللطف على الله واشتراط التكليف بالعلم.


تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » (١) مما خص به علي عليه‌السلام « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » قال في أبي فلان

______________________________________________________

قوله : مما خص علي عليه‌السلام به ، هذا من كلام أبي جعفر عليه‌السلام ، ففي الكلام حذف يعني قال : مما خص علي به ، يعني الخلافة والإمامة ، وكأنه سقط من النساخ ، ويحتمل أن يكون من كلام إلياس عليه‌السلام.

قوله : قال في أبي فلان وأصحابه ، أقول : هذا الكلام يحتمل وجوها من التأويل :

الأول : ما خطر ببالي القاصر وهو أن الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه يعني عمر وعثمان. والخطاب معهم ، فقوله : « لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » أي لا تحزنوا على ما لكم من النص والتعيين للخلافة والإمامة ، وخص علي عليه‌السلام به حيث نص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخلافة عليه وحرمكم عنها « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الخلافة الظاهرية بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أي خلاكم وإرادتكم ولم يجبركم على تركها ، ومكنكم من غصبها من مستحقها « واحدة مقدمة » أي قوله : لا تأسوا ، إشارة إلى قضية متقدمة وهي النص بالخلافة في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « وواحدة مؤخرة » أي قوله : ولا تفرحوا ، إشارة إلى واقعة مؤخرة وهي غصب الخلافة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يخفى شدة انطباق هذا التأويل على الآية فإنه يصير حاصلها هكذا : ما تحدث مصيبة وقضية في الأرض وفي أنفسكم إلا وقد كتبناها والحكم المتعلق بها في كتاب من قبل أن تخلق المصيبة أو الأنفس لكيلا تأسوا على ما فاتكم من الخلافة وتعلموا أن الخلافة لا يستحقها إلا من تنزل عليه الملائكة والروح بالوقائع والأحكام المكتوبة في ذلك الكتاب ، ولا تفرحوا بما يتيسر لكم من الخلافة وتعلموا أنكم لا تستحقونه وأنه غصب ، وسيصيبكم وباله ، فظهر أن ما ذكره الباقر عليه‌السلام قبل ذلك السؤال أيضا كان إشارة إلى تأويل صدر تلك الآية ، فلذا سئل إلياس عليه‌السلام عن تتمة الآية ، ويحتمل وجها آخر مع قطع النظر عما أشار إليه أو لا بأنا قدرنا المصائب الواردة على الأنفس قبل خلقها ، وقدرنا الثواب على من وقعت عليه والعقاب على من تسبب لها ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم وتعلموا أنها لم تكن مقدرة لكم فلذا لم يعطكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » للعقاب

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.


______________________________________________________

المترتب عليه.

الثاني : ما أفاده والدي العلامة قدس الله روحه وهو أن السؤال عن هذه الآية لبيان أنه لا يعلم علم القرآن غير الحكم إذ كل من يسمع تلك الآية يتبادر إلى ذهنه أن الخطابين لواحد ، لاجتماعهما في محل واحد ، والحال أن الخطاب في قوله لكيلا تأسوا ، لعلي عليه‌السلام لما فاته من الخلافة ، وفي قوله : ولا تفرحوا ، لأبي بكر وأصحابه لما غصبوا الخلافة فقوله : « واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة » لبيان اتصالهما وانتظامهما في آية واحدة ، فلذا قال الرجل : أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ، حيث تعلمون بطون الآيات وتأويلاتها وإسرارها وموارد نزولها.

الثالث : ما ذكره الفاضل الأسترآبادي حيث قال : لا تأسوا ، خطاب مع أهل البيت عليهم‌السلام ، ولا تحزنوا على مصيبتكم للذي فات عنكم ، ولا تفرحوا خطاب مع المخالفين ، أي لا تفرحوا بالخلافة التي أعطاكم الله إياها بسبب سوء اختياركم ، وإحدى الآيتين مقدمة والأخرى مؤخرة فاجتمعتا في مكان واحد في تأليف عثمان.

الرابع : ما قيل أن قوله : لكيلا تأسوا ، خطاب للشيعة حيث فاتهم خلافة علي عليه‌السلام ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، خطاب لمخالفيهم حيث أصابتهم الخلافة المغصوبة وإحدى القضيتين مقدمة على الأخرى.

الخامس : ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : من في « مما » للتبعيض ، والظرف حال تفسير وما عبارة عن التفسير الذي خص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام به ، ولا تفرحوا بما آتاكم بتقدير : وعن تفسير لا تفرحوا بما آتاكم ، والمقصود السؤال عن تفسيرهما الذي خص رسول الله عليا عليه‌السلام به ، قال : في أبي فلان أي في أبي بكر ، وهذا تفسير الكلمة الثانية وهي ولا تفرحوا بما آتاكم ، قدمه للاهتمام به وهو مبني على أن المخاطبين بالثانية غير المخاطبين بالأولى ، نظير « يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ » وعلى أنه أهل دولة الباطل إن علموا أن أهل الحق لا يأسون على ما فاتهم


وأصحابه واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة : « لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » مما خص به علي عليه‌السلام « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآلهفقال الرجل أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل وذهب فلم أره.

٢ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعا ثم قال هل تدرون ما أضحكني قال فقالوا لا قال زعم ابن عباس أنه من « الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » فقلت له هل رأيت الملائكة يا ابن عباس

______________________________________________________

لعلمهم بكل مصيبة قبل وقوعه وكرامتهم عند الله تكدرت عليهم دولتهم وما آتاهم ، وكثرت آلامهم في أنفسهم ، وتأنيث « واحدة » باعتبار الكلمة أو الفقرة « مقدمة » بشد المهملة المكسورة وصف الأولى بأنها لإعزاز المخالفين بها « مؤخرة » بشد المعجمة المكسورة وصف للثانية بأنها لإذلال المخاطبين فيها « لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ » مبتدأ خبره « مما خص به علي عليه‌السلام » والجملة استيناف بياني ، والمراد أنه مما نزل في علي عليه‌السلام وأوصيائه ، وهذا تفسير للكلمة الأولى ، وتغيير الأسلوب في « وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » من الفتنة إلى آخره لأن كونها مما خص به أبو بكر وأصحابه معلوم مما مر ، ولا يحسن إعادته ، فمن في قوله « من الفتنة » لبيان « ما آتاكم » والمراد بالفتنة الامتحان بدولة الدنيا كما في قوله تعالى : « اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً » (١) ولا يخفى بعد تلك الوجوه وظهور ما ذكرنا أو لا على المتدبر.

الحديث الثاني : سنده كما تقدم.

والاستضحاك كأنه مبالغة في الضحك وفي القاموس : اغرورقت عيناه ، أي دمعتا كأنهما غرقا في دمعهما « انتهى ».

و « دموعا » تميز وقيل : هو مصدر دمعت عينه كمنع إذا ظهر منه الدمع ، وهو مفعول له أو جمع دمع بالفتح وهو ماء العين ، فهو بتقدير « من » مثل : الحوض ملآن ماء ، أو هو مفعول فيه.

« هل رأيت الملائكة » إشارة إلى تتمة الآية ، إذ هي هكذا : « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا

__________________

(١) سورة الأنفال : ٢٥.


تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » (١) وقد دخل في هذا جميع الأمة فاستضحكت.

ثم قلت صدقت يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف قال فقال لا فقلت ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت ثم ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفه فأتي به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع قال أقول لهذا القاطع أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع صالحه على ما شئت وأبعث به إلى ذوي عدل قلت جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره ونقضت القول الأول

______________________________________________________

رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ » (٢) فيظهر منه أنه عليه‌السلام فسر الآية بأن هذا الخطاب من الملائكة يكون في الدنيا بحيث يسمعون كلامهم ، وذهب جماعة إلى أن الخطاب في الدنيا وهم لا يسمعون ، أو عند الموت وهم يسمعون وما ذكره عليه‌السلام ألصق بالآية فالمراد بالاستقامة الاستقامة على الحق في جميع الأقوال والأفعال ، وهو ملزوم العصمة.

قوله عليه‌السلام : « صدقت » أي في قولك « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » لكن لا ينفعك إذ الأخوة لا يستلزم الاشتراك في جميع الكمالات ، أو قال ذلك على سبيل المماشاة والتسليم ، أو على سبيل التهكم ، وضحكه عليه‌السلام لوهن كلامه وعدم استقامته.

قوله « وابعث به إلى ذوي عدل » أقول : سيأتي هذا الجزء من الخبر في كتاب الديات ، وفيه « أو ابعث إليها ذوي عدل » ولعل البعث للأرش كما قال به ابن إدريس وبعض أصحابنا حيث رد والخبر بالضعف وقالوا بثبوت الأرش ، بأن يفرض كونه عبدا مقطوع الأصابع ، ثم عبدا مقطوع اليد وينسب التفاوت إلى دية الحر ، فحكمه أولا على القاطع بإعطاء تمام الدية على الاحتياط من طرف الجاني ، أو البعث لتقويم الأصابع ليسقط من دية اليد ، فيكون قولا آخر لم يقل به أحد ، والاختلاف إما بين

__________________

(١) سورة فصلت : ٣.

(٢) سورة فصلت : ٣٠.


أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود وليس تفسيره في الأرض اقطع قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الأصابع هكذا حكم الله ليلة ينزل فيها أمره إن جحدتها بعد ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها على ابن أبي طالب قال فلذلك عمي بصري قال وما علمك بذلك فو الله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك.

قال فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله ثم لقيته فقلت يا ابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس قال لك علي بن أبي طالب عليه‌السلام إن ليلة القدر في كل سنة وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وإن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت من هم فقال أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون فقلت لا أراها كانت إلا مع رسول الله فتبدى لك الملك الذي يحدثه فقال كذبت يا عبد الله رأت عيناي

______________________________________________________

تقويم قوله « صالحه » وبين قوله « وابعث » أو بينهما وبين قوله « أعطه دية كفه » أو لاختلاف المقومين فلا يبتني عليه حكم الله ، وفيه نظر ، أو المراد بالاختلاف الحكم بالظن الذي يزول بظن آخر كما عرفت سابقا.

قوله عليه‌السلام : اقطع قاطع الكف ، عمل به أكثر أصحابنا وإن ضعف الخبر عندهم ، قوله : « فلذلك عمي بصري » الظاهر أن هذا تصديق واعتراف منه بذلك كما يدل ما سيأتي لا استفهام إنكار كما يتراءى من ظاهره ، ثم بعد اعترافه قال له عليه‌السلام : وما علمك بذلك؟ وقوله : « فو الله » من كلام الباقر عليه‌السلام و « إن » نافية وقائل « فاستضحكت » أيضا الباقر عليه‌السلام ، وقوله : « ما تكلمت بصدق » إشارة إلى اعترافه ، ثم لما استبعد ابن عباس في اليوم السابق علمه عليه‌السلام بتلك الواقعة ذكر عليه‌السلام تفصيلها بقوله : « قال لك » إلخ ، ليظهر لابن عباس علمه بتفاصيل تلك الواقعة.

قوله : فتبدأ لك الملك ، لعله بإعجاز علي عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون المراد ظهور كلام الملك له ، وقال الملك رأت عيناي ما حدثك به علي عليه‌السلام من نزول الملائكة لأني كنت من جملة الملائكة النازلين عليه ، ولم تره عينا علي عليه‌السلام لأنه محدث


الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن وعى قلبه ووقر في سمعه ثم صفقك بجناحه فعميت قال فقال ابن عباس ما اختلفنا في شيء فحكمه إلى الله فقلت له فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين قال لا فقلت هاهنا هلكت وأهلكت.

______________________________________________________

ولا يرى الملك عند إلقاء الحكم « ووقر في سمعه » كوعد أي سكن وثبت « ثم صفقك » أي الملك وهو كلام الباقر عليه‌السلام ، والصفقة : الضربة يسمع لها صوت.

قوله : ما اختلفنا ، لعل غرضه أن الله يعلم المحق منا والمبطل ، تعريضا بأنه محق ، أو غرضه الرجوع إلى القرآن في الأحكام ، وأنه لا يلزم أن يكون في الأمة من يعلم المختلف فيه ، فأجاب عليه‌السلام بأن القرآن لا يرفع الاختلاف ، وبعبارة أخرى إذا كان الحكم مردودا إلى الله وليس عند الله في الواقع إلا حكم واحد ، فكيف تحكمون تارة بأمره وتارة بضده ، وهل هذا إلا مخالفة لله في أحد الحكمين التي هي سبب الهلاك والإهلاك.

ثم اعلم أن هذه المناظرة بين أبي جعفر عليه‌السلام وابن عباس لا بد أن يكون في صغره عليه‌السلام وفي حياة أبيه عليه‌السلام إذ ولادة أبي جعفر عليه‌السلام كانت سنة سبع وخمسين ، ووفاة ابن عباس سنة ثمان وستين ، ووفاة علي بن الحسين عليهما‌السلام سنة خمس وتسعين.

ثم إنه لا خلاف بين الإمامية في أن ليلة القدر وفضلها باقية بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى انقراض الدنيا ، وفي كل منها يكون تنزل الملائكة والروح ، وإليه ذهب أكثر العامة ، قال المازري (١) : أجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر لتظافر الأحاديث وكثرة رؤية الصالحين لها ، وقال عياض : وشذ قوم فقالوا كانت خاصة بهم فرفعت. « انتهى »

__________________

(١) المأزري منسوب إلى مأزر وهي بليدة بجزائر صقلية ، والمأرزي هو عبد الله محمّد بن على التميمي من فقهاء العامة ومحدّثيهم ، له شرح كتاب صحيح مسلم وسماه كتاب المعلم بفوائد كتاب مسلم ، وعليه بني القاضي عياض كتاب الإكمال وهو تكملة لهذا الكتاب ، توفي سنة ٥٣٦. قاله الوجدي في دائرة المعارف.


٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال الله عز وجل في ليلة القدر « فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » (١) يقول ينزل فيها كل أمر حكيم والمحكم ليس بشيئين إنما هو شيء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم

______________________________________________________

الحديث الثالث : السند كما مر.

وقيل : المستفاد من هذا الحديث أن معنى إنزال القرآن في ليلة القدر إنزال بيانه بتفصيل مجمله وتأويل متشابهه وتقييد مطلقة وتفريق محكمه عن متشابهه ، وبالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان كما قال سبحانه : « شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » (٢) يعني في ليلة القدر منه « هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ » تنبيه لقوله عز وجل : « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » أي محكم « أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ » فقوله : « فِيها يُفْرَقُ » وقوله « والفرقان » معناهما واحد.

وروي في معاني الأخبار بإسناده عن الصادق عليه‌السلام أن القرآن جملة الكتاب ، والفرقان المحكم الواجب العمل به ، وقد قال تعالى : « إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ » (٣) أي حين أنزلناه نجوما (٤) « فَإِذا قَرَأْناهُ » عليك حينئذ « فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ » أي جملته « ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ » أي في ليلة القدر بإنزال الملائكة والروح فيها عليك وعلى أهل بيتك من بعدك بتفريق المحكم من المتشابه ، بتقدير الأشياء وتبيين أحكام خصوص الوقائع التي تصيب الخلق في تلك السنة إلى ليلة القدر الآتية ، وفي بعض الأخبار أنه لم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر وأنه لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن.

وقال في الفقيه : تكامل نزول القرآن في ليلة القدر ، وهو مؤيد لما قلنا ، وفسر عليه‌السلام الحكيم بمعنى المحكم في ضمن قوله : « والمحكم ليس بشيئين » وفسر المحكم

__________________

(١) سورة الدخان : ٤.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

(٣) سورة القيامة : ١٧.

(٤) أي في أوقات معينة.


الله عز وجل ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر الناس بكذا وكذا وإنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله عز وجل الخاص والمكنون العجيب المخزون ـ مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثم قرأ « وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ

______________________________________________________

بما لا يحتمل غير معناه كما هو المشهور في تفسيره ، لأنه هو الذي ليس بشيئين إنما هو شيء واحد لا اختلاف فيه ، وأما الذي يحتمان غير معناه فهو شيئان ولا بد فيه من الاختلاف.

وأقول : الحكيم فعيل بمعنى المفعول ، أي المعلوم اليقيني ، من حكمه كنصره إذا أتقنه ومنعه عن الفساد كأحكمه ، والمراد بشيئين أمران متنافيان كما يكون في المظنونات ، فيدل ما في سورة الدخان وما في سورة القدر على أن الحكم النازل من عنده سبحانه في ليلة القدر هو الحكم اليقيني الحتمي الواقعي ، ولا بد من عالم بذلك الحكم وإلا فلا فائدة في إنزاله ، وليس العالم بذلك إلا الإمام المعصوم المؤيد من عند الله سبحانه ، فيدل على أنه لا بد في كل عصر إلى انقراض التكليف من إمام مفترض الطاعة عالم بجميع أمور الدين ، دقيقها وجليلها و « الطاغوت » الشيطان والأوثان وكل ما عبد من دون الله أو صد عن عبادة الله أو أطيع بغير أمر الله ، فعلوت من الطغيان ، قلبت عينه ولامه والمراد بالعلم الخاص ، العلم اللدني المتعلق بمعرفة الله سبحانه وصفاته وغير ذلك مما لم يتعلق بأفعال العباد كما مر ، وبالمكنون العجيب المخزون إما خصوصيات الحوادث والأمور البدائية وأسرار القضاء أو الأعم منها ومما لا يصل إليه عقول أكثر الخلق من غوامض الأسرار والحقائق ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام « اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة (١) ».

« وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ » قال البيضاوي : أي ولو ثبت كون الأشجار أقلاما ، وتوحيد شجرة ، لأن المراد تفصيل الآحاد « وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ

__________________

(١) رواه الشريف الرضي قدس‌سره الشريف في نهج البلاغة في الخطب ( الخطبة الخامسة ).


مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ». (١)

٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » صدق الله عز وجل أنزل الله القرآن في ليلة القدر « وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ » قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أدري قال الله عز وجل : « لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ » ليس فيها ليلة القدر قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهل

______________________________________________________

أَبْحُرٍ » أي والبحر المحيط سبعة مداد ممدود بسبعة أبحر ، فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من مداد الدواة وأمدها ، ورفعه للعطف على محل « أن » ومعمولها ، « ويمده » حال ، أو الابتداء على أنه مستأنف والواو للحال « ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ » بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد ، وإيثار (٢) جمع القلة للإشعار بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير « إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ » لا يعجزه شيء « حَكِيمٌ » لا يخرج عن علمه وحكمته أمر.

الحديث الرابع (٣)

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي بالمقال أو بلسان الحال « خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر » إنما قيد بذلك لئلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه وغيره ، والمراد بعدم كونها فيها عدمها مطلقا ، أو المراد قطع النظر عنها وعن فضلها ، فقد روي في خبر الصحيفة السجادية على من ألهمها السلام ، عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم‌السلام ، أن رسول الله أخذته نعسة (٤) وهو على منبره فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة (٥) يردون الناس على أعقابهم القهقرى ، فاستوى رسول الله جالسا والحزن يعرف في وجهه ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية « وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً » (٦) يعني بني أمية ، قال : يا جبرئيل أعلى عهدي يكونون وفي زمني؟ قال : لا ولكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمس

__________________

(١) سورة لقمان : ٢٧.

(٢) كذا في جميع النسخ والظاهر أنّ اللفظة مصحف « التيان بجمع .... ».

(٣) كذا في النسخ.

(٤) النسعة : فترة في الحواس تقرب النوم.

(٥) نزا على الشيء : وثب.

(٦) سورة الإسراء : ٦٠.


______________________________________________________

وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا ، ثم لا بد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ، ثم ملك الفراعنة.

قال : وأنزل الله تعالى في ذلك « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ » يملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر ، قال : فأطلع الله تعالى نبيه عليه‌السلام أن بني أمية تملك سلطان هذه الأمة وملكها طول هذه المدة إلى آخر الخبر ، وسيأتي في هذا الكتاب مثله أيضا في باب ليلة القدر.

واختلف في معنى كونها خيرا من ألف شهر ، فقيل : المراد أن العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر كما في رواية الصحيفة ، وهي تحتمل وجوها :

الأول : أن يكون المراد أن الله سلب فضل ليلة القدر في مدة ملكهم عن العالمين سوى أهل البيت المعصومين عليهم‌السلام ، فعبادة ليلة القدر أفضل من عبادة تلك المدة لعدم كون ليلة القدر فيها.

الثاني : أنه تعالى سلب فضلها عن بني أمية ، فالمراد بالعبادة العبادة التقديرية لعدم صحة عباداتهم ، أي لو كانت مقبولة لكانت عبادة ليلة القدر أفضل منها ، لسلب فضل ليلة القدر عنهم.

الثالث : أن يكون بيان مدة ملكهم وأنها تقريبا ألف شهر ، وقوله : « ليس فيها ليلة القدر » أي مع قطع النظر عن ليلة القدر ، لا أن الله سلبها في تلك المدة عنهم أو مطلقا.

الرابع : أن يكون المراد أن الثواب الذي يمنحه الله على العمل فيها خير من سلطنة بني أمية وشوكتهم واقتدارهم في تلك المدة ، والحاصل أن امتياز هذا الثواب من سائر المثوبات الأخروية كامتياز ملك بني أمية بالنسبة إلى سائر الاعتبارات والدرجات الدنيوية وإلا فقد ورد أن ثواب تسبيحة خير من ملك سليمان ويرد هذا الوجه كثير من الأخبار.


تدري لم هي خير من ألف شهر قال لا قال لأنها « تَنَزَّلُ » فيها « الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ » وإذا أذن الله عز وجل بشيء فقد رضيه « سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام « لأنها تنزل فيها الملائكة والروح » اعلم أنه اختلف في الروح ، فروي عن ابن عباس أنه جبرئيل وبه قال أكثر المفسرين ، وقيل : هو ملك أعظم من جبرئيل ومن سائر الملائكة ، وقيل : ليس هو من جنس الملك بل هو خلق أشرف وأعظم من الملائكة وبه وردت أكثر أخبارنا واستدلوا عليهم‌السلام بهذه الآية وبقوله تعالى : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ » (١) على المغايرة للعطف المقتضي لها.

واختلفوا أيضا في معنى نزول القرآن في ليلة القدر ، فقيل : المراد ابتداء نزوله ، وقيل : نزول جملته من اللوح إلى السفرة ، وقيل : إلى السماء الدنيا ، وقيل : كان ينزل مجموع ما ينزل في السنة في ليلة القدر إلى السفرة ، ويحتمل نزول جملته على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولا ثم كان ينزل بحسب المصالح منجما (٢) وقد مر وجه آخر آنفا ، وسيأتي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثم نزل في طول عشرين سنة.

واختلف أيضا في تعيينها ، فقال بعض العامة : بأنها مشتبهة في ليالي السنة كلها ، ومنهم من قال : مشتبهة في شعبان وشهر رمضان ، والأكثرون منهم على أنها في شهر رمضان ، فذهب بعضهم إلى أنها أول ليلة منه ، وبعضهم إلى أنها ليلة سبع عشر منه ، وبعضهم إلى أنها ليلة سبع وعشرين ، ولا خلاف عندنا في عدم خروجها من الليالي الثلاث : تسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين والأكثرون على الأخيرين ، بل نقل شيخ الطائفة (ره) الإجماع على كونها في فرادى العشر الأواخر ، وأكثر أخبارنا وردت في الأخيرتين ، وكثير منها في الثالث والعشرين ، وسيأتي تمام القول فيه في بابها إنشاء الله تعالى.

قوله عليه‌السلام « فقد رضيه » هذا إما تفسير للإذن بالرضا ، أو لبيان أن من ينزلون

__________________

(١) سورة النبأ : ٣٨.

(٢) سورة أي في أوقات معينة.


الْفَجْرِ » يقول تسلم عليك يا محمد ملائكتي وروحي بسلامي من أول ما يهبطون إلى مطلع الفجر.

ثم قال في بعض كتابه « وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً » (١) في

______________________________________________________

عليه هو مرضي لله « تسلم عليك » هذا أحد التفاسير لهذه الآية ، وهو أن الملائكة والروح يسلمون على من ينزلون إليه إلى طلوع الفجر ، وذكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المثال ، أو لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مصداقه في زمان نزول الآية ، قال الطبرسي (ره) « بِإِذْنِ رَبِّهِمْ » أي بأمر ربهم كما قال : « وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ » (٢) وقيل : بعلم ربهم كما قال « أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ » (٣).

« مِنْ كُلِّ أَمْرٍ » من الخير والبركة كقوله : « يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » أي بأمر الله وقيل : بكل أمر من رزق وأجل إلى مثلها من العام القابل ثم قال : « سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ » أي هذه الليلة إلى آخرها سلامة من الشرور والبلايا وآفات الشيطان وهو تأويل قوله : « فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ » (٤) عن قتادة ، وقال مجاهد : يعني أن ليلة القدر سالمة عن أن يحدث فيها سوء أو يستطيع شيطان أن يعمل فيها ، وقيل : معناه سلام على أولياء الله وأهل طاعته ، فكلما لقيهم الملائكة في هذه الليلة سلموا عليهم من الله تعالى عن عطاء والكلبي ، وقيل : إن تمام الكلام عند قوله : بإذن ربهم ، ثم ابتدأ فقال : من كل أمر سلام ، أي بكل أمر فيه سلام ومنفعة وخير وبركة ، لأن الله يقدر في تلك الليلة كل ما فيه خير وبركة ، ثم قال : هي حتى مطلع الفجر ، أي السلامة والبركة والفضيلة تمتد إلى وقت طلوع الفجر ، ولا تكون في ساعة منها فحسب ، بل تكون في جميعها ، انتهى.

قوله تعالى : « وَاتَّقُوا فِتْنَةً » الخطاب للمؤمنين المذكورين في سابق الآية بقوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » والفتنة : الكفر والضلال « لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا » الآية ، أقول : فيها قراءتان إحداهما « لا تُصِيبَنَ » وهي المشهورة والأخرى « لتصيبن » باللام المفتوحة

__________________

(١) سورة الأنفال : ٢٥.

(٢) سورة مريم : ٦٤.

(٣) سورة النساء : ١٦٦.

(٤) سورة الدخان : ٣.


« إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » وقال في بعض كتابه : « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ

______________________________________________________

وقال الطبرسي (ره) : هي قراءة أمير المؤمنين عليه‌السلام وزيد بن ثابت وأبو جعفر الباقر عليه‌السلام وغيرهم ، فعلى الأول قيل : إنه جواب الأمر على معنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ، وقيل : صفة لفتنة ولا للنفي أو للنهي على إرادة القول ، وقيل : جواب قسم محذوف ، وقيل. إنه نهى بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم فإن وباله يصيب الظالم خاصة ، وقيل : كلمة « لا » زائدة وقيل : إن أصلها لتصيبن فزيدت الألف للإشباع ، وعلى القراءة الثانية جواب للقسم ، فما ذكره عليه‌السلام شديد الانطباق على القراءة الثانية ، ولعله كانت النسخة كذلك فحرفها النساخ تبعا للقراءة المشهورة وكذا ينطبق على القراءة الأولى على بعض محتملاتها ، ككونه نهيا أو لا زائدة أو مشبعة.

وأما على سائر المحتملات فيمكن أن يقال أنه لما ظهر من الآية انقسام الفتنة إلى ما يصيب الظالمين خاصة وما يعمهم وغيرهم فسر عليه‌السلام الأولى بذلك.

وتفصيله أن الفتنة فتنتان فتنة تصيب الذين ظلموا منهم خاصة وهي إنكارهم ليلة القدر بعد النبي عليه‌السلام أصلا ورأسا ، وارتدادهم على أعقابهم كفرا ونفاقا ، وأصحاب هذه الفتنة ليسوا مخاطبين في هذه الآية لأنهم ليسوا بأهل للخطاب ولا ينفعهم النصح ، وفتنة أخرى لا تصيبن الذي ظلموا خاصة بل تعمهم وغير الظالمين ، وهي عدم المبالاة بمعرفة صاحب هذا الأمر بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن ليلة القدر بعده لمن؟ وإن تنزل الملائكة والروح فيها على من؟ وأصحاب هذه الفتنة أهل الحيرة الذين لا يهتدون إلى الحق سبيلا ، وهم المخاطبون بهذه الآية يقول الله لهم : اجتهدوا في معرفة الأمور المذكورة وتعرفوها من قبل أن يخرج طريق تعرفها من أيديكم ، وهذا معنى اتقاء الفتنة ، والآية الثانية نزلت في جماعة فروا من الزحف في غزوة أحد ، مرتدين على أعقابهم زعما منهم أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قتل حين نادى إبليس فيهم بذلك ، وهم في الحقيقة أهل الفتنة الأولى ، المنكرون لبقاء ليلة القدر بعد الرسول ، بل لبقاء الدين أيضا يقول الله تعالى لهم « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ » كسائر الرسل الذين مضوا فإنه سيمضي كما


الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ » (١) يقول في الآية الأولى إن محمدا حين يموت يقول أهل الخلاف لأمر الله عز وجل مضت ليلة القدر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهذه فتنة أصابتهم

______________________________________________________

مضوا ، فإذا مضى لم يمض معه الدين حتى تنقلبوا بعده كفارا ، أف لكم ولأيمانكم ، كلا بل الدين باق بعده والأمر وصاحب الأمر باق ، وليلة القدر باقية ، وتنزل الملائكة والروح فيها على صاحب الأمر باق ما بقيت الدنيا وأهلها ، وأنه يكون بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله خليفة بعد خليفة ووصي بعد وصي ونزول أمر بعد نزول أمر.

فقوله عليه‌السلام : « يقول في الآية الأولى » إلى آخره ، إشارة إلى ما قلناه ، وبيان لارتباط إحدى الآيتين بالأخرى ، وتنبيه على أن الذين ظلموا في الأولى هم المشار إليهم بالانقلاب على الأعقاب في الثانية بالحقيقة ، وقوله عليه‌السلام « أهل الخلاف لأمر الله » إشارة إلى أصحاب الفتنة الأولى ، وقوله : « بها ارتدوا » إشارة إلى أنهم في الحقيقة هم المرتدون في تلك الغزوة على أعقابهم ، وأنهم بهذه الفتنة ارتدوا ، وقوله : « لأنهم إن قالوا » تعليل لقولهم يمضي ليلة القدر ، وارتدادهم عن الدين وذلك لأنهم إن اعترفوا ببقاء ليلة القدر فلا بد لهم من الاعتراف بالحق كما بينه عليه‌السلام.

وبعبارة أخرى لعل المراد بالذين ظلموا الثلاثة الغاصبون للخلافة ، فإنهم ظلموا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وغصبوا حقوقهم ، وكونهم محل نزول الملائكة والروح ، وكون إنا أنزلناه في ليلة القدر نازلا فيهم ، فأنكروا النص جهارا وكفروا وارتدوا ، وهم الذين ارتدوا يوم أحد بظنهم أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قتل ، فأظهروا الكفر وولوا وفروا ، وعزموا على أن يتركوا الدين بالكلية ولم يقروا بخليفة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم به الدين ، والفتنة التي شملت غيرهم هو اشتباه الأمر عليهم ، وتمسكهم بالبيعة الباطلة والإجماع المفتري كما بقي الناس إلى هذا الزمان ، فالتحذير إنما هو عن هذه الفتنة ، وقيل : المراد بالذين ظلموا المشركون صريحا والمنافقون ، وذلك لأنهم لا يصدقون بليلة القدر في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصلا فلا يقولون بذهابها بعد رسول الله

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٨.


خاصة وبها ارتدوا على أعقابهم لأنهم إن قالوا لم تذهب فلا بد أن يكون لله عز وجل فيها أمر وإذا أقروا بالأمر لم يكن له من صاحب بد.

٥ ـ وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان علي عليه‌السلام كثيرا ما يقول : ما اجتمع التيمي والعدوي عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقرأ : إنا أنزلناه بتخشع وبكاء فيقولان ما أشد رقتك لهذه السورة فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما رأت عيني ووعى قلبي ولما يرى قلب هذا من بعدي فيقولان وما الذي رأيت وما الذي يرى قال فيكتب لهما

______________________________________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله و « من » في منكم للسببية أو للابتداء ، والظرف خبر مبتدإ محذوف ، أي هي منكم خاصة والجملة استئناف بياني للسابق ، والاستفهام في « افإن » توبيخي والانقلاب على الأعقاب ، الارتداد عن دين الإسلام بالقول بأن ليلة القدر مضت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمراد بالشاكرين المقرين بنعمة الوصي ، العالم بكل ما يحتاج إليه الأمة إلى انقراض التكليف ، يقول في الآية الأولى هذا تفسير لآية سورة الأنفال « وبها ارتدوا » تفسير لآية آل عمران بأن المراد بالانقلاب على الأعقاب الفتنة المذكورة في الآية الأولى ، وهو القول بذهاب ليلة القدر ، والمراد بالأمر ما يعلم في ليلة القدر ، وبتحديث الملائكة والروح ، وصاحب الأمر الإمام الذي تنزل الملائكة والروح إليه.

الحديث الخامس : مثل السند السابق.

قوله عليه‌السلام : كثيرا ما يقول ما اجتمع ، لعل كلمة ما أخيرا زيدت من النساخ وفي كتاب تأويل الآيات الظاهرة مكان « فيقولان ما أشد » « إلا ويقولون » وهو أصوب ، والتيمي أبو بكر ، والعدوي عمر.

« لما رأت عيني » إشارة إلى الملائكة المنزلين في تلك الليلة « ووعى قلبي » أي ما حدثته من تبيين الأمور وإحكام الأحكام.

« ولما يرى قلب هذا من بعدي » يعني من الملائكة وتحديثهم إياه وأشار بهذا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإنما نسب الجميع إلى القلب لأنه عليه‌السلام لا يراهم بالعين عند الإلقاء كما مر « وما الذي رأيت » سؤالهما عن المرئي بالعين والقلب معا ، أي


في التراب « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ » قال ثم يقول هل بقي شيء بعد قوله عز وجل : « كُلِّ أَمْرٍ » فيقولان لا فيقول هل تعلمان من المنزل إليه بذلك فيقولان أنت يا رسول الله فيقول نعم فيقول هل تكون ليلة القدر من بعدي فيقولان نعم قال فيقول فهل ينزل ذلك الأمر فيها فيقولان نعم قال فيقول إلى من فيقولان لا ندري فيأخذ برأسي ويقول إن لم تدريا فادريا هو هذا من بعدي قال فإن كانا ليعرفان تلك الليلة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من شدة ما يداخلهما من الرعب.

٦ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال يا معشر الشيعة خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلجوا فو الله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنها لسيدة دينكم وإنها لغاية علمنا يا معشر الشيعة خاصموا « بحم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ » فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله

______________________________________________________

ما الذي ترى؟ وما الذي تعلمان؟ فبين عليه‌السلام بالكتابة إن المرئي بالعين الملائكة ، والمفهوم بالقلب كل من أمور الدين والحوادث التي تحدث في السنة ، ثم صرح بالتعميم بقوله : وهل بقي. إلخ.

قوله عليه‌السلام « فإن كانا ليعرفان » إن مخففة من المثقلة ، وضمير الشأن مقدر ، يعني إن الشأن أنهما ليعرفان البتة تلك الليلة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لشدة الرعب الذي تداخلهما فيه والرعب إما لأخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنزول الملائكة أو بمحض النزول بالخاصية أو بإلقاء الله سبحانه الرعب في قلوبهم لإتمام الحجة.

الحديث السادس : السند مشترك.

« تفلجوا » من باب ضرب ونصر ، أي تظفروا وتغلبوا « وإنها لسيدة دينكم » أي أعظم الحجج التي يرجعون إليها في إثبات دينكم « وإنها لغاية علمنا » أي دالة على نهاية علمنا لكشفها عن ليلة القدر التي يحصل لنا فيها غرائب العلم ومكنوناتها ويحتمل أن تكون الغاية بمعنى الراية والعلامة « فإنها لولاة الأمر خاصة » أي هذه


ص يا معشر الشيعة يقول الله تبارك وتعالى : « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » (١) قيل يا أبا جعفر نذيرها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال صدقت فهل كان نذير وهو حي من البعثة في أقطار الأرض فقال السائل لا قال أبو جعفر عليه‌السلام : أرأيت بعيثه أليس نذيره كما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعثته من الله عز وجل نذير فقال بلى قال :

______________________________________________________

الآيات إنما هي للأئمة المعصومين بعد النبي صلوات الله عليه وعليهم وفي شأنهم ، ليست لغيرهم يعني هذا الإنزال إنما هو عليهم بعده ، وهذا الإنذار إنما يكون بهم بعده وإرسال الأمر المذكور فيهما إنما هو إليهم خاصة.

« وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » قال الفيروزآبادي نذر بالشيء كفرح علمه فحذره وأنذره بالأمر إنذارا وبضم وبضمتين ، ونذيرا : أعلمه وحذره وخوفه في إبلاغه والنذير والإنذار والمنذر « انتهى » والمعنى ما من أهل عصر من الماضين إلا مضى فيهم إمام علمهم بكل أمر ، فكيف يكون أهل هذا العصر بدون نذير ، وكذلك أهل الأعصار الآتية إلى انقراض التكليف « نذيرها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ضمير نذيرها إما راجع إلى الأمة في زمان نزول الآية فالكلام على الاستفهام وقوله عليه‌السلام : « صدقت » ظاهر ، أو إلى جميع الأمة فيكون غرض السائل الاعتراض بأنه يكفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذيرا لجميع الأمة فتصديقه لأصل كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذيرا لجميع الأمة لكن بتوسط جماعة من المنذرين بواسطة في حياته وبعد وفاته.

والحاصل أنه عليه‌السلام أخذ في الاحتجاج على السائل للاضطرار إلى النذير في كل قرن حتى في قرنه ، فقال : « فهل كان نذير وهو حي من البعثة » وهي بالتحريك جمع بعيث بمعنى المبعوث أو بالكسر مصدر « في أقطار الأرض » أي كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذيرا يستلزم أن يعين جماعة للإنذار من قبله ، لأنه لم يكن يمكنه أن ينذر جميع الأمة بنفسه ، فالصحابة الذين كان يبعثهم لهداية الخلق كانوا نذراء من قبله كما أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذير من قبل الله فلما سلم السائل المقدمتين ألزمه عليه‌السلام بأنه لا بد أن يكون له نائب في الإنذار بعد وفاته أيضا وإلا لم ينذر جميع الأمة ، مع أنه مبعوث إلى جميعهم ، فيلزم

__________________

(١) سورة الفاطر : ٢٢.


فكذلك لم يمت محمد إلا وله بعيث نذير قال فإن قلت لا فقد ضيع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من في أصلاب الرجال من أمته قال وما يكفيهم القرآن قال بلى إن وجدوا له مفسرا قال وما فسره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال بلى قد فسره لرجل واحد وفسر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال السائل يا أبا جعفر كان هذا أمر خاص لا يحتمله العامة قال أبى الله أن يعبد إلا سرا حتى يأتي إبان أجله الذي يظهر فيه دينه كما أنه كان رسول الله مع خديجة مستترا حتى أمر بالإعلان قال السائل ينبغي لصاحب هذا الدين أن يكتم قال أوما كتم علي بن أبي طالب عليه‌السلام يوم أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ظهر أمره قال بلى قال فكذلك أمرنا « حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ».

______________________________________________________

أن يكون قد ضيع من في أصلاب الرجال من أمته كما أنه لو لم يبعث في حال حياته إلى من غاب عنه في أقطار الأرض لكان قد ضيعهم ، والفرق بين البعث في حال الحياة وبعد الوفاة إنه تلزم العصمة في الثاني دون الأول لأنه مع وجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمكن تغييرهم وعزلهم إن صدرت منهم معصية أو شيء ينافي استحقاق النيابة ، بخلاف النذير بعد الوفاة ، فإنه ليس للخلق أن يعزلوا من نصبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خليفة عليهم فلا بد من عصمته وكمال علمه وأخلاقه.

« وما يكفيهم القرآن »؟ استفهام ، وكذا قوله : « وما فسره ».

« كان هذا » أي اختصاص علم القرآن برجل واحد نذير في كل زمان « لا يحتمله العامة » أي المخالفون وجمهور الناس ، والإبان بكسر الهمزة وتشديد الباء : أول المدة ، والأجل : المدة ومنتهاها وضمير « أجله » راجع إلى الله ، في القاموس : إبان الشيء حينه وأوله « ينبغي لصاحب هذا الدين » بتقدير الاستفهام على الإنكار ، والكتاب عبارة عن وجوب التقية والكتمان ، « وأجله » عن آخر مدته.


٧ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الدنيا ولقد خلق فيها أول نبي يكون وأول وصي يكون ولقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة من جحد ذلك فقد رد على الله عز وجل علمه لأنه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون

______________________________________________________

الحديث السابع : السند مشترك.

« أول ما خلق الله الدنيا » فيه إشعار بتقديم الليل على النهار ، ويمكن أن يكون المراد أول ليلة من ليالي الدنيا « ولقد خلق فيها أول نبي » أي آدم عليه‌السلام. « وأول ووصى » أي شيث عليه‌السلام ، ويمكن أن يكون الخلق في الأخير أو في الجميع بمعنى التقدير.

قيل : ولعل السر في كون خلق ليلة القدر مع أول خلق الدنيا وخلق أول نبي أو وصي يكون فيها أن ليلة القدر يدبر فيها كل أمر يكون في الدنيا ويقدر فيها كل شيء يوجد في العالم ، وتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر إلى نبي أو وصي كما تقرر ذلك كله في النصوص ، وتعيين الوصي للنبي إنما يكون في تلك الليلة ، فلو كانت الدنيا متقدمة على ليلة القدر لزم أن يكون إمضاؤها قبل تدبيرها وتقديرها ، ولو كانت ليلة القدر متقدمة على الدنيا لزم أن لا تنزل الملائكة والروح فيها لفقد المنزل إليه.

ثم إن الدنيا إنما كانت دنيا لدنوها من الإنسان بالإضافة إلى الآخرة ، فهما حالتان للإنسان فلا دنيا قبل إنسان ، ولا إنسان قبل نبي أو وصي إذ لا يقوم هذا النوع إلا بحجة كما بين في الأخبار فخلق النبي الأول والوصي الأول من حيث كونه وصيا إنما يكون في ليلة القدر ولا ليلة القدر ولا دنيا إلا وفيهما نبي أو وصي ولا نبي ولا وصي إلا ولهما ليلة القدر.

قوله عليه‌السلام « فقد رد على الله عز وجل علمه » لأن علم الله في الأمور المتجددة في كل سنة لا بد أن ينزل في ليلة القدر إلى الأرض ، فيكون حجة على الأنبياء


إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة مع الحجة التي يأتيهم بها جبرئيل عليه‌السلام قلت والمحدثون أيضا يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة عليهم‌السلام قال أما الأنبياء والرسل صلى الله عليهم فلا شك ولا بد لمن سواهم من أول يوم خلقت فيه الأرض إلى آخر فناء الدنيا أن تكون على أهل الأرض حجة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحب من عباده.

وايم الله لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم وايم الله

______________________________________________________

والمحدثين لنبوتهم وولايتهم ، فالراد لليلة القدر هو الراد على الله علمه ، الجاحد أن يكون علمه في الأرض أو المراد بالعلم المعلوم ، أي فقد رد على الله ما يعلمه من نزول العلوم فيها على الأوصياء « لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون » أي بإمامتهم وخلافتهم أو بكل أمر حكيم ، أو لا يستقيم أمورهم « إلا أن يكون » أي إلا بأن يكون ، والمراد بالحجة ما يفيد العلم اليقيني التي « يأتيهم بها جبرئيل » أي في غير تلك الليلة.

« فلا شك » أي في نزول جبرئيل عليهم ، وإنما أبهم عليه‌السلام الأمر في الأوصياء للتقية أو لقصور عقل السائل ، لئلا يتوهم النبوة فيهم ، وقيل : أعرض عنه إلى غيره تنبيها له على أن هذا السؤال غير مهم له ، وإنما المهم له التصديق بنزول الأمر على الأوصياء ليكون حجة لهم على أهل الأرض ، وأما أن النازل بالأمر هل هو جبرئيل أو غيره ، فليس العلم به بمهم له.

وأقول : الظاهر أن قوله « قلت » كلام الحسن بن العباس الراوي وضمير « قال » لأبي جعفر عليه‌السلام ، وقوله : « أن يكون (١) » أي من أن يكون و « حجة » إما مرفوع فالعائد مقدر ، وحاصل الكلام وأما من سواهم أي من سوى الأنبياء من أول الدنيا إلى آخره فلا بد من أن يكون على أهل الأرض حجة لهم أو بسببهم ، ثم بين الحجة بقوله « ينزل ذلك » أي الحكم والأمر « في تلك الليلة إلى من أحب من عباده » أي إليهم ، فهذا من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر ، لبيان أن المنزل إليه لا بد أن يكون من أحب العباد ، وإما منصوب بكونه خبر يكون واسمه الضمير الراجع إلى الموصول ،

__________________

(١) سورة وفي المتن « تكون » بالتاء والأمر سهل.


مامات آدم إلا وله وصي وكل من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها ووضع لوصيه من بعده وايم الله إن كان النبي ليؤمر فيما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من آدم إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أوص إلى فلان ولقد قال الله عز وجل في كتابه لولاة الأمر من بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة : « وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » إلى قوله « فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » (١) يقول :

______________________________________________________

والمعنى أن من سوى الأنبياء لا بد من أن يكون حجة على العباد بكمال علمهم ، وكونهم عالمين بجميع ما يرد عليهم من الحوادث والأحكام ، ولا يكون ذلك إلا بنزول الملائكة إليهم في تلك الليلة ، وجملة « ينزل » أيضا بيان كما مر.

ويؤيد الأول أن هذا الخبر رواه مؤلف كتاب تأويل الآيات الظاهرة وفيه هكذا : « ولا بد لمن سواهم من أول يوم خلقت فيه الأرض إلى آخر فناء الدنيا من أن يكون على أهل الأرض حجة ينزل ذلك الأمر في تلك الليلة إلى من أحب من عباده وهو الحجة » بناء على إرجاع هو إلى النزول ويحتمل إرجاعه إلى من أحب ، فيوافق الثاني أيضا وهذان الوجهان مما خطر بالبال.

وقيل : المراد بمن سواهم سائر أهل الأرض سواء كان محدثا أم لا ، وقوله « على أهل الأرض » من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر أي عليهم ، يعني أن إتيان جبرئيل الأنبياء والرسل ينسب إلى من سواهم أيضا ، لأنه لا بد لهم من ذلك الإتيان ، ليكون على أهل الأرض حجة فكونه منسوبا إلى المحدثين بطريق أولى ، ولا يخفى ما فيه.

« ووضع » على بناء المعلوم أو المجهول ، أي وضع الله أو النبي وقرر نزول الأمر لوصيه ، وربما يقرأ وضع بالتنوين عوضا عن المضاف إليه عطفا على الأمر ، وفي تأويل الآيات « ووضعه لوصيه ».

« إن كان النبي » أن بكسر الهمزة مخففة عن المثقلة وضمير الشأن فيه مقدر « كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » وبعد ذلك : « وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ

__________________

(١) سورة النور : ٥٥.


أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتى يبعث النبي الذي يليه « يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » يقول يعبدونني بإيمان لا نبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن قال غير ذلك « فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » فقد مكن ولاة الأمر بعد محمد بالعلم ونحن هم فاسألونا فإن صدقناكم فأقروا وما أنتم بفاعلين أما

______________________________________________________

وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » فيقول ، تفسير للآية أي يقول الله ، وفي تأويل الآيات « يقول » وفي بعض نسخ الكتاب أيضا.

« أستخلفكم » بصيغة المتكلم « لعلمي » أي لحفظه « كما استخلف » بصيغة الغائب المعلوم على الالتفات ، أو المجهول أو بصيغة المتكلم ، وفي تأويل الآيات « كما استخلفت » وهو أظهر.

« بإيمان لا نبي بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وفي تأويل الآيات : أن لا نبي ، يعني أن نفي الشرك عبارة عن أن لا يعتقد النبوة في الخليفة الظاهر الغالب أمره « ومن قال غير ذلك » هذا تفسير لقوله تعالى : « وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » يعني من كفر بهذا الوعد بأن قال مثل هذا الخليفة لا يكون إلا نبيا ولا نبي بعد محمد فهذا الوعد غير صادق أو كفر بهذا الوعد بأن قال إذا ظهر أمره هذا نبي أو قال ليس بخليفة لاعتقاده الملازمة بين الأمرين ، فقوله عليه‌السلام : « غير ذلك » إشارة إلى الأمرين ، والسر في هذا التفسير أن العامة لا يعتقدون مرتبة متوسطة بين مرتبة النبوة ومرتبة آحاد أهل الإيمان من الرعية في العلم اللدني بالأحكام ، ولهذا ينكرون إمامة أئمتنا زعما منهم أنهم كسائر آحاد الناس ، فإذا سمعوا منهم من غرائب العلم أمرا زعموا أنهم عليهم‌السلام يدعون النبوة لأنفسهم ، ولذا قال هشام بن عبد الملك مشيرا إلى الباقر عليه‌السلام هذا نبي أهل الكوفة.

« فقد مكن ولاة الأمر بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعلم » أي مكنهم في الخلافة أو في الدين بما أعطاهم من العلم الكامل لا ببسط اليد ، فإنه مختص ببعضهم ، أو الباء بمعنى في ،


علمنا فظاهر وأما إبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين منا حتى لا يكون بين الناس اختلاف فإن له أجلا من ممر الليالي والأيام إذا أتى ظهر وكان الأمر واحدا.

وايم الله لقد قضي الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله علينا ولنشهد على شيعتنا ولتشهد شيعتنا على

______________________________________________________

أوضمن التمكين معنى التوكيل ، وفي بعض النسخ « فقد مكن ووكل » ولعله من إضافة الناسخ ، والظاهر أنه إشارة إلى قوله تعالى : « وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ » وفسر تمكين الدين لهم بتمكينهم في الدين بوفور العلم ، وهذا عام يشمل جميعهم ، وقوله : « وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ » إشارة إلى غلبتهم في زمان القائم عليه‌السلام ، ولذا قال : « أما علمنا فظاهر » أي في كل زمان ومن كل أحد منا.

« وأما أبان أجلنا » إشارة إلى تبديل الخوف بالأمن « وكان الأمر » أي الدين واحدا لا اختلاف فيه.

قوله عليه‌السلام « ولذلك » أي لعدم الاختلاف « جعلهم شهداء » لأن شهادة بعضهم على بعض بالحقية لا تكون إلا مع التوافق وكذا على غيرهم لا تتأتى إلا مع ذلك ، إذ الاختلاف في الشهادة موجب لرد الحكم ، ويحتمل أن يكون المراد بالمؤمنين الأئمة عليهم‌السلام أي حكم الله حكما حتما أن لا يكون بين أئمة المؤمنين اختلاف ، وأن يكونوا مؤيدين من عنده تعالى ، ولكونهم كذلك جعلهم الشهداء على الناس ، والظاهر أن قوله « أن لا يكون » بيان للأمر وقيل : المراد بالأمر الذي ينزل في ليلة القدر « وأن لا يكون » مفعول له أي لأن لا يكون.

و « جعلهم شهداء » إشارة إلى قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ » (١) فإن جعلنا الخطاب

__________________

(١) سورة الحج : ٧٨.


الناس أبى الله عز وجل أن يكون في حكمه اختلاف أو بين أهل علمه تناقض.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام فضل إيمان المؤمن بجملة ـ إنا أنزلناه وبتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها كفضل الإنسان على البهائم وإن الله عز وجل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنه لا يتوب منهم ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين ولا أعلم أن في هذا الزمان جهادا إلا الحج والعمرة والجوار.

______________________________________________________

متوجها إلى جميع المؤمنين فيكون شهادتهم عليهم‌السلام داخلة في شهادة الرسول ، ويكون شهادتهم على الناس إشارة إلى الشهادتين الأخيرتين معا ، وإن جعلناه متوجها إلى الأئمة فذكر شهادة الشيعة استطرادي أو شهادة الشيعة بمنزلة شهادتهم وداخلة فيها.

قوله عليه‌السلام : « فضل إيمان المؤمن » أي فضل المؤمن من حيث الإيمان ، أو يقدر مضاف في قوله « على من ليس مثله » أي على إيمان من ليس مثله « لكمال عذاب الآخرة » أي إنما يدفع عنهم في الدنيا ليكمل لهم العذاب في الآخرة.

« لمن علم » أي كون الدفع لكمال عذاب الآخرة وشدته إنما هو لمن علم أنه لا يتوب ، وأما من علم أنه يتوب فإنما يدفع لعلمه بأنه يتوب.

ولما ذكر الجهاد هنا وفي الآية المشار إليها سابقا ، وكان مظنة أن يفهم السائل وجوب الجهاد في زمانه عليه‌السلام مع عدم تحقق شرائطه مع المخالفين ، أو مع من يخرج من الجاهلين أزال عليه‌السلام ذلك التوهم بقوله : « ولا أعلم » أي هذه الأعمال قائمة مقام الجهاد لمن لم يتمكن عنه ، أو قوله تعالى : « جاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ » شاملة لهذه الأمور أيضا ، والمراد بالجوار المحافظة على الذمة والأمان ، أو رعاية حق المجاورين في المنزل ، أو مطلق المجاورين والمعاشرين والتقية منهم وحسن المعاشرة معهم والصبر على أذاهم ، وقيل : كأنه عليه‌السلام شبه العبادات الثلاث بالجهاد لما فيها من جهاد النفس على مشاقها ، ولا سيما ما يتحمل من أذى الأعداء الجاهلين للحق ، وقيل : المراد بالجوار مجاورة العلماء وكسب التفقه في الدين ولا يخفى بعده.


٨ ـ قال وقال رجل لأبي جعفر عليه‌السلام يا ابن رسول الله لا تغضب علي قال لما ذا قال لما أريد أن أسألك عنه قال قل قال ولا تغضب قال ولا أغضب قال أرأيت قولك في ليلة القدر وتنزل الملائكة والروح فيها إلى الأوصياء يأتونهم بأمر لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمه أو يأتونهم بأمر كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمه وقد علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات وليس من علمه شيء إلا وعلي عليه‌السلام له واع قال أبو جعفر عليه‌السلام ما لي ولك أيها الرجل ومن أدخلك علي قال أدخلني عليك القضاء لطلب الدين قال فافهم ما أقول لك.

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به لم يهبط حتى أعلمه الله جل ذكره علم ما قد كان وما سيكون وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر وكذلك كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر كما كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال السائل أوما كان في الجمل تفسير قال بلى ولكنه إنما يأتي بالأمر من الله تعالى في ليالي القدر إلى النبي وإلى الأوصياء افعل كذا وكذا لأمر قد كانوا علموه أمروا كيف يعملون فيه قلت فسر لي هذا قال لم يمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا حافظا لجملة العلم وتفسيره قلت فالذي كان يأتيه في ليالي

______________________________________________________

الحديث الثامن السند مشترك.

« وتنزل الملائكة » بصيغة المصدر ، مجرور عطف على « ليلة القدر » يعني ما قولك في شأن ليلة القدر وفي الملائكة والروح فيها « وقد علمت » بصيغة المتكلم أو الخطاب.

« ما لي ولك » ليس هذا على وجه الغضب حتى ينافي وعده ، بل على سبيل المصلحة والتأديب ، وبيان أن المسألة غامضة لا يفي عقله بفهمها ولذا كرر السائل السؤال ، وتقرير شبهته أن الجملة إن كانت مشتملة على كل ما اشتمل عليه التفسير فما الذي يأتيهم في ليلة القدر من العلم؟ وإن لم تكن مشتملة على الجميع وكان يبقى من العلم ما لم يأتهم بعد ، وإنما يأتيهم في ليالي القدر ، فيلزم أن لا يعلم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك الباقي.


القدر علم ما هو قال الأمر واليسر فيما كان قد علم قال السائل فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا قال هذا مما أمروا بكتمانه ولا يعلم تفسير

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام « الأمر واليسر » لعل المراد أنه كان يعلم العلوم على الوجه الكلي الذي يمكنه استنباط الجزئيات منه ، وإنما يأتيه تفصيل أفراد تلك الكليات لمزيد التوضيح ولتسهيل الأمر عليه في استعلام الجزئيات.

ثم ذكر عليه‌السلام بعد ذلك فائدة أخرى لنزول الملائكة في ليلة القدر ، وهي أن إخبار ما يلزمهم إخباره وإمضاء ما أمروا بإمضائه من التكاليف موقوف على تكرير الإعلام في ليلة القدر ، ويحتمل أن يكون المراد بالجمل ما يقبل البداء من الأمور وبالتفسير والتفصيل تعيين ما هو محتوم وما يقبل البداء كما يظهر من سائر الأخبار ، ولما كان علم البداء غامضا وفهمه مشكلا أبهم عليه‌السلام على السائل ولم يوضحه له ، فقوله عليه‌السلام « هذا مما أمروا بكتمانه » أي أمروا بكتمان أمر البداء عن غير أهله لقصور فهمهم ، وأنهم قبل أن يعين لهم الأمور البدائية والمحتومة لا يجوز لهم الإخبار بها ، ولذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لو لا آية في كتاب الله لأخبرت بما يكون إلى يوم القيامة فقوله « لا يعلم تفسير ما سألت » أي لا يعلم ما يكون محتوما وما ليس بمحتوم في السنة قبل نزول الملائكة والروح إلا الله.

وأما قوله « لا يحل لك » فهو إما لقصوره عن فهم معنى البداء ، أو لأن توضيح ما نزل في ليلة القدر والعلم بخصوصياته مما لا يمكن لسائر الناس غير الأوصياء عليهم‌السلام الإحاطة به ، ويؤيد هذا قوله « فإن الله تعالى أبى » وعلى الأول يمكن تعميم الأنفس على وجه يشمل خواص أصحابهم وأصحاب أسرارهم مجازا كما ورد : سلمان منا أهل البيت.

والحاصل أن توضيح أمر البداء وتفصيله لأكثر الخلق ينافي حكمه البداء إذ هذه الحكمة لا تحصل لهم إلا بجهلهم بأصله ليصير سببا لإتيانهم بالخيرات وتركهم الشرور والسيئات ، كما أومأنا إليه في باب البداء ، أو بالعلم بكنه حقيقة ذلك ، وهذا


ما سألت عنه إلا الله عز وجل.

قال السائل فهل يعلم الأوصياء ما لا يعلم الأنبياء قال لا وكيف يعلم وصي غير علم ما أوصي إليه قال السائل فهل يسعنا أن نقول إن أحدا من الوصاة يعلم

______________________________________________________

لا يتيسر لعامة الخلق ، ولذا منعوا عن تعلم علم النجوم والخوض فيه ، والتفكر في مسائل القضاء والقدر وهذا بين لمن تأمل فيه ، وأيضا الإحاطة بكيفيات ما ينزل في ليلة القدر وتفصيلها وكنه حقيقتها إنما يحصل بعد الإحاطة بغرائب أحوالهم وشؤونهم ، وهذا مما تعجز عنه عقول عامة الخلق ولو أحاطوا بشيء من ذلك لطاروا إلى درجة العلو والارتفاع ، ولذا كانوا عليهم‌السلام يتقون من شيعتهم أكثر من مخالفيهم ، ويخفون أحوالهم وأسرارهم منهم خوفا من ذلك ، ولعله يشير إلى هذا قولهم عليهم‌السلام : إن علمنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وفي بعض الأخبار لا يحتمله ملك مقرب ، إلخ ، وإليه يومي أيضا قولهم عليهم‌السلام : لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله.

قال الفاضل الأسترآبادي (ره) في قوله عليه‌السلام : « هذا مما أمروا بكتمانه » يفهم من كلامه عليه‌السلام أن الله تعالى علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جل نقوش اللوح المحفوظ المتعلقة بما مضى وما سيكون ، ونقوش اللوح المحفوظ قسمان : قسم منه لله فيه المشية والبداء يجري فيه ، وقسم محتوم لا يجري فيه البداء ، والنقوش المتعلقة بكل سنة تصير محتومة في ليلة القدر وتنزل الملائكة والروح فيها بالإذن فيما صار محتوما وأما قوله عليه‌السلام : وهذا مما قد أمروا بكتمانه ، فمعناه أنهم مأمورون بكتمان خصوصيات ما ينزل عليهم في ليلة القدر ، وأما قوله : ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله فمعناه أنه لا يعلم ما يصير محتوما في كل سنة قبل أن يصير محتوما إلا الله تعالى وأما قوله : لا يستطيعون « إلخ » فمعناه أنه لا يجوز لهم العمل بمقتضى علمهم إلا بعد العلم بأنه صار محتوما وبعد الإذن في العمل ، وأما قوله : لا يحل لك ، ففيه احتمالات : أحدها : أنه لا يحل له ذلك لأن ذهنه قاصر عن فهم أنه لا


مالا يعلم الآخر قال لا لم يمت نبي إلا وعلمه في جوف وصيه وإنما « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ » في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد قال السائل وما كانوا علموا ذلك الحكم قال بلى قد علموه ولكنهم لا يستطيعون إمضاء شيء منه حتى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة قال السائل يا أبا جعفر لا أستطيع إنكار هذا قال أبو جعفر عليه‌السلام من أنكره فليس منا.

______________________________________________________

قصور في البداء ، وثانيها : أنه لا يحل له السؤال عن خصوصيات ما ينزل في ليلة القدر ويؤيد ذلك أنه عليه‌السلام أجاب السائل مرارا كثيرة بوجوه واضحة ولم يأت في شيء منها بذكر مثال مخصوص ، ويؤيده قوله عليه‌السلام : قال عز وجل « إلخ » هذا هو الذي سنح لي في حل هذا المقام والله أعلم بما قال حجته عليه‌السلام « انتهى ».

وقيل : لما كرر السائل سؤاله وأعاد بعد الجواب الواضح ما كان يسأله أولا وجزم عليه‌السلام بأنه ليس من شأنه أن يفهم ذلك عدل عن جوابه بالبيان إلى جوابه بالأمر بالكتمان ، وأنه لا يعلم تفسير ذلك وبيانه لمثل هذا الرجل بحيث يفهم أو يسكت سوى الله سبحانه أي الإفهام إنما هو بيد الله سبحانه ، وإنما المعلم فاتح للمتعلم ومعد لأن يصير بحيث يفهم من الله عز وجل ما يلقيه ، وإنما أمروا بكتمانه لأنهم عليهم‌السلام أمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم ، فمن لم يكن مقدار عقله صالحا لفهم أمر وجب كتمان ذلك الأمر عنه ، فلما عاد في المرة التاسعة لسؤاله ذلك حرم عليه السؤال ، فما أصبره بأبي وأمي على مخاطبته والرفق في جوابه ، صلوات الله عليه « انتهى ».

« في جوف وصيه » أي كل وصي له ، فكلهم يعلمون ما يعلم النبي وقد مر أن علم الوصي لا يزيد على علم النبي ، فلا بد أن يكونوا متساويين في العلم ، ولعله عليه‌السلام قال ذلك على وفق فهم السائل أو هو مبني على ما ورد في الأخبار أنه كل ما يحدث من علم الإمام فيعرض أولا على روح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم الوصي الذي بعده إلى أن ينتهي إلى إمام الزمان عليه‌السلام.

وقوله : « لا أستطيع إنكار هذا » استفهام ، أي هل إنكار ذلك غير مجوز لي


قال السائل : يا أبا جعفر أرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه قال لا يحل لك أن تسأل عن هذا أما علم ما كان وما سيكون فليس يموت نبي ولا وصي إلا والوصي الذي بعده يعلمه أما هذا العلم الذي تسأل عنه فإن الله عز وجل أبى أن يطلع الأوصياء عليه إلا أنفسهم قال السائل يا ابن رسول الله كيف أعرف أن ليلة القدر تكون في كل سنة قال إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كل ليلة مائة مرة فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين فإنك ناظر إلى تصديق الذي سألت عنه.

٩ ـ وقال قال أبو جعفر عليه‌السلام لما ترون من بعثه الله عز وجل للشقاء على

______________________________________________________

« أن يطلع » من باب الأفعال « إلا أنفسهم » بضم الفاء أي اطلاع كل منهم صاحبه ، وربما يقرأ بفتح الفاء أفعل التفضيل من النفيس ، أي خواص شيعتهم ، وقد مر أن الأول أيضا يحتمل شموله لخواص الشيعة ، فلا حاجة إلى هذا التكلف.

قوله : عليه‌السلام فإنك ناظر « إلخ » أي تنكشف لك بعلامة إنها ليلة القدر أو يظهر لك منه تعيين ليلة القدر ، وإن كان فيه أيضا إيماء إلى أنها ليلة القدر ، وذلك إذا كان مع الإخلاص التام وسائر الشرائط.

الحديث التاسع : بالسند السابق.

« لما ترون من بعثه الله » اللام موطئة للقسم وما موصولة ، وعبارة « من أجناد الشياطين وأزواجهم » إلحاقا لهم بغير ذوي العقول ، والرؤية بمعنى الزيارة ، والضمير لما باعتبار التعدد في المعنى « ومن بعثه » مفعول يرون واستعيرت البعثة هنا للتخلية وعدم الحيلولة كما مر مرارا كقوله تعالى « بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا » (١) و « من » بيان لما أو للتبعيض ، و « أزواجهم » في أكثر النسخ بالراء والحاء المهملتين ، فيمكن أن يكون عطف تفسير للأجناد لبيان أنهم أجسام لطيفة أو المراد بأرواحهم أرواح من مات منهم من شياطين الإنس ، وفي بعض النسخ « وأزواجهم » بالزاء المعجمة والجيم وهو

__________________

(١) سورة الإسراء : ٥.


أهل الضلالة من أجناد الشياطين وأزواجهم أكثر مما ترون خليفة الله الذي بعثه للعدل والصواب من الملائكة قيل يا أبا جعفر وكيف يكون شيء أكثر من الملائكة قال كما شاء الله عز وجل قال السائل يا أبا جعفر إني لو حدثت بعض الشيعة بهذا الحديث لأنكروه قال كيف ينكرونه قال يقولون إن الملائكة عليهم‌السلام أكثر من الشياطين قال صدقت افهم عني ما أقول إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا وجميع الجن والشياطين تزور أئمة الضلالة ويزور إمام الهدى عددهم من الملائكة حتى

______________________________________________________

أصوب ، أي أشباههم وقرنائهم من الإنس و « أكثر » خبر الموصول ، وفي بعض النسخ « بل أكثرها ».

« ترون » بالتاء ، فقوله : « من بعثه الله » أي ممن بعثه الله أو بدل « ما » أو « ما » مصدرية ، وقوله : خليفة الله أي لخليفة الله كما قيل ، والأول أظهر ، والذي هو أصوب عندي أنه كان : لما يزور ، في الموضعين فصحف كما تدل عليه تتمة الكلام.

قوله عليه‌السلام : كما شاء الله ، لعله عليه‌السلام حمل كلامه أولا على أن مراده بالملائكة بعضهم وهم النازلون على الإمام ، فلذا قال كما شاء الله ، أي لا استبعاد في ذلك إذا تعلقت به مشية الله ثم لما صرح بأنه فهم من كلامه عليه‌السلام أن الجن والشياطين أكثر من جميع الملائكة أجاب عليه‌السلام بأنه لم يكن غرضي ذلك بل إنما أردت أنهم أكثر من عدد الملائكة الذين يزورون الإمام في ليلة القدر باعتبار أن الله تعالى يضاعف عدد الشياطين في تلك الليلة ، فقوله عليه‌السلام « صدقت » أي في أن الملائكة أكثر من الشياطين ، ويمكن حمل الكلام على جميع الملائكة وقوله : صدقت ، على أن التصديق لقول الشيعة لا لقولهم وهذا أنسب بقوله : كما شاء الله ، لكنه مخالف لكثير من الأخبار الدالة على أن ليس شيء من خلق الله أكثر من الملائكة ، ويمكن على الوجه الأول مع حمل الملائكة في كلام السائل على الجميع أن يكون مراده عليه‌السلام بقوله ما شاء الله ، أن جميع خلق الله من غير الملائكة ، أكثر من الملائكة وإن كان صنف الملائكة أكثر من كل صنف مما سواهم ، ثم بين عليه‌السلام مراده ودفع توهم السائل في الجواب الثاني.


إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر خلق الله أو قال قيض الله عز وجل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالإفك والكذب حتى لعله يصبح فيقول رأيت كذا وكذا فلو سأل ولي الأمر عن ذلك لقال رأيت شيطانا أخبرك بكذا وكذا حتى يفسر له تفسيرا ويعلمه الضلالة التي هو عليها.

وايم الله إن من صدق بليلة القدر ليعلم أنها لنا خاصة لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

وقال المحدث الأسترآبادي (ره) حاصل كلامه أن زيارة أجناد الشياطين للرجل الذي هو صاحبهم أكثر من زيارة الملائكة لصاحب الأمر وذلك لأن زيارة الملائكة لصاحب الأمر عليه‌السلام إنما يكون في ليلة القدر ، وزيارتهم لصاحبهم يكون في ليلة القدر ويكون في غيرها ، « انتهى ».

ولا يخفى ما فيه إذ عبارة الخبر صريحة في أن الملائكة أيضا يزورون إمام الهدى كل يوم ، فالأصوب ما ذكرنا.

وقال الجوهري : « قيض الله » فلانا لفلان ، أي جاءه به وأتاحه له ، ومنه قوله تعالى : « وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ » (١) انتهى ، والإفك ـ بالكسر ـ الكذب ، فالعطف للتفسير وقد يقال : الكذب من حيث أنه مخالف للواقع كذب ، ومن حيث أنه يصرف السامع عن الحق إفك ، قال الجوهري : الإفك الكذب ، والإفك بالفتح مصدر قولك : أفكه يأفكه إفكا أي قلبه وصرفه عن الشيء ومنه قوله تعالى : « قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا » (٢).

« فلو سأل » أي إمام الجور « ولي الأمر عن ذلك » أي عمار أي وسمع « لقال » أي ولي الأمر و « يعلمه » من الإعلام وضمير الفاعل راجع إلى ولي الأمر ، والمفعول إلى ولي الضلالة ، كضمير « هو » وضمير « عليها » إلى الضلالة.

« إن من صدق بليلة القدر » أي أنها باقية بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن نزول الملائكة فيها إلى أحد من الأئمة (٣) « لقول رسول الله » الاستشهاد إما لأن المراد بوليكم

__________________

(١) سورة فصلت : ٢٥.

(٢) سورة الأحقاف : ٢٢.

(٣) في نسخة « الأمّة » بدل الأئمة لكنّه خلاف الظاهر.


لعلي عليه‌السلام حين دنا موته هذا وليكم من بعدي فإن أطعتموه رشدتم ولكن من لا يؤمن بما في ليلة القدر منكر ومن آمن بليلة القدر ممن على غير رأينا فإنه لا يسعه في الصدق إلا أن يقول إنها لنا ومن لم يقل فإنه كاذب إن الله عز وجل أعظم من أن ينزل الأمر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق فإن قال إنه ينزل إلى الخليفة الذي هو عليها فليس قولهم ذلك بشيء وإن قالوا إنه ليس ينزل إلى أحد فلا يكون أن ينزل شيء إلى غير شيء وإن قالوا وسيقولون ليس هذا بشيء فقد ضلوا ضلالا بعيدا.

______________________________________________________

ولى أمر ليلة القدر ، أو لأن المراد بالولي الأولى بأمر الإمامة المتولي لإصلاحهم ، ومن يجب عليهم طاعته كما مر في تفسير قوله سبحانه : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » (١) ولا يقول عاقل بنزول الملائكة والروح إلى غير من هو كذلك ، مع كونه بين الأمة لا سيما مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إن أطعتموه رشدتم »

« منكر » أي لنا ولفضلنا وإمامتنا وكوننا مخصوصين بليلة القدر « فإنه كاذب » أي في الإقرار بليلة القدر ، أو في أنه لا يعتقد أنها فينا.

قوله « إلى الخليفة الذي هو عليها » الظاهر أن المراد به خليفة الجور وضمير عليها راجع الضلالة أو الخلافة ، وقيل : إلى الأرض ، وقيل : ضمير عليها راجع إلى خليفة الجور ، والمراد بالخليفة إمام العدل ولا يخفى بعده ، فعلى الأول المراد بقوله : ليس بشيء ، أن بطلانه ظاهر مما تقدم ، وعلى الثاني المراد أنه مخالف لمذهبهم.

« فإن قالوا وسيقولون » في بعض النسخ بالواو (٢) وهو الصواب ، نظير قوله تعالى : « فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا » (٣).

« ليس هذا بشيء » أي هذا الكلام الأخير أو سائر ما مر مباهتة وعنادا « فقد ضلوا » أي ضلالهم ظاهر بين لا يحتاج إلى بيان ، وفي بعضها بدون الواو فالمعنى : فإن قالوا لا ينزل إلى أحد فسيقولون بعد التنبيه أو الرجوع إلى أنفسهم ليس هذا بشيء ،

__________________

(١) سورة المائدة : ٥٥.

(٢) يظهر منه أن نسخة الشارح (ره) « فسيفولون » بالفاء.

(٣) سورة البقرة : ٢٤.


باب

في أن الأئمة عليهم‌السلام يزدادون في ليلة الجمعة

١ ـ حدثني أحمد بن إدريس القمي ومحمد بن يحيى ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن أيوب ، عن أبي يحيى الصنعاني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لي يا أبا يحيى إن لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشأن قال قلت جعلت فداك وما ذاك الشأن قال يؤذن لأرواح الأنبياء الموتى عليهم‌السلام وأرواح

______________________________________________________

فقوله : فقد ضلوا تفريع على جميع ما تقدم أو يكون « سيقولون » مفعول قالوا أي إن قال المخالفون سيقول الشيعة بعد غيبة إمامهم أو بعد التأمل في دلائلنا ليس هذا ، أي أنه لا بد من نزول الملائكة والروح إلى إمام بشيء فقد ضلوا ضلالا بعيدا ، ولا يخفى بعدهما والصواب النسخة الأولى والله يعلم.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام يزدادون في ليلة الجمعة

الحديث الأول : ضعيف.

والشأن بالفتح والهمز وقد يلين : الخطب والأمر والحال ، والتنكير للتفخيم ، وقوله : من الشأن ، مبالغة فيه. وقال في النهاية : فيه فأقاموا بين ظهرانيهم وبين أظهرهم ، وقد تكرر في الحديث والمراد بها أنهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم ، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا ومعناه أن ظهرا منهم قد أمه وظهرا خلفه فهو مكفوف من جانبيه أو من جوانبه إذا قيل بين أظهرهم ثم كثر استعماله حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا ، وقال في حديث أبي ذر قلت : يا رسول الله كم الرسل؟ قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جم الغفير هكذا جاءت الرواية ، قالوا : والصواب جما غفيرا يقال : جاء القوم جما غفيرا والجماء الغفير وجماءا غفيرا أي مجتمعين كثيرين ، والذي أنكر من الرواية صحيح فإنه يقال : الجم الغفير ، ثم حذف الألف واللام وأضاف من باب صلاة الأولى ومسجد الجامع ، وأصل الكلمة من الجموم والجمة وهو الاجتماع والكثرة ، والغفير من الغفر وهو التغطية والستر ، « انتهى ».


الأوصياء الموتى وروح الوصي الذي بين ظهرانيكم يعرج بها إلى السماء حتى توافي عرش ربها فتطوف به أسبوعا وتصلي عند كل قائمة من قوائم العرش ركعتين ثم ترد إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سرورا ويصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جم الغفير.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن يوسف الأبزاري ، عن المفضل قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام ذات يوم وكان لا يكنيني قبل ذلك يا أبا عبد الله قال قلت لبيك قال إن لنا في كل ليلة جمعة سرورا قلت زادك الله وما ذاك قال إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العرش ووافى الأئمة عليهم‌السلام معه ووافينا معهم فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد ولو لا ذلك لأنفدنا.

______________________________________________________

فالمعنى هنا مثل الأنبياء والرسل الكثيرين ، أو مثل الشيء الكثير أي علما كثيرا ويؤيد الخبر ما رواه في البصائر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : والله إن أرواحنا وأرواح النبيين لتوافي العرش كل ليلة جمعة ، فما ترد في أبداننا إلا بجم الغفير من العلم.

وذهاب روح الإمام الحي إما في البدن المثالي أو أصل الروح بناء على تجسمه في المنام ، أو يكون المراد تعلق أرواحهم المقدسة بالملأ الأعلى ويكون الصلاة على الاستعارة والمجاز ، والإيمان الإجمالي بتلك الأمور أولى وأسلم.

الحديث الثاني : ضعيف.

« وكان لا يكنيني » أي لا يدعونني بالكنية قبل هذا اليوم ، وفي هذا اليوم دعاني به وقال : يا أبا عبد الله ، وهذا افتخار من المفضل لأن الكنية عندهم من أفضل أنواع التعظيم ، ويقال : وافيت القوم وأوفيتهم أي أتيتهم « إلا بعلم مستفاد » أي مع علم جديد « ولو لا ذلك لأنفدنا » على بناء الفاعل من باب الأفعال ، أي صرنا ذوي نفاد العلم ، قال الجوهري : نفد الشيء بالكسر نفادا : فنى ، وأنفدته أنا وأنفد القوم : ذهبت أموالهم


٣ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن عبد الله بن محمد ، عن الحسين بن أحمد المنقري ، عن يونس أو المفضل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من ليلة جمعة إلا ولأولياء الله فيها سرور قلت كيف ذلك جعلت فداك قال إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العرش ووافى الأئمة عليهم‌السلام ووافيت معهم فما أرجع إلا بعلم مستفاد ولو لا ذلك لنفد ما عندي.

باب

لو لا أن الأئمة عليهم‌السلام يزدادون لنفد ما عندهم

١ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن صفوان بن يحيى قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول كان جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول لو لا أنا نزداد لأنفدنا.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن صفوان ، عن أبي الحسن مثله.

______________________________________________________

أو فني زادهم ، انتهى.

ثم اعلم أنه يحتمل أن يكون بقاء ما عندهم من العلم مشروطا بتلك الحالة أو يكون المستفاد لما علموه مجملا ويمكنهم استنباط التفصيل منه ، وألا يجوز لهم الإظهار بدون ذلك كما مر في الباب السابق ، أو المعنى أنفدنا من علم مخصوص سوى الحلال والحرام لم يفض على النبي والأئمة المتقدمين صلوات الله عليهم وإن أفيض في ذلك الوقت ، وذلك إما من المعارف الربانية أو من الأمور البدائية ، كما مر منا الإشارة إليهما ، ويؤيد الأخير كثير من الأخبار.

الحديث الثالث : ضعيف.

باب لو لا أن الأئمة عليهم‌السلام يزدادون لنفد ما عندهم

الحديث الأول ضعيف بسنده الأول على المشهور ، صحيح بسنده الثاني.


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ذريح المحاربي قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا ذريح لو لا أنا نزداد لأنفدنا.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن ثعلبة ، عن زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول لو لا أنا نزداد لأنفدنا قال قلت تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أما إنه إذا كان ذلك عرض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر إلينا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض

______________________________________________________

الحديث الثاني صحيح.

الحديث الثالث صحيح ويدل على أنهم عليهم‌السلام في جميع النشئات مترقون في الكمالات ، وأن أنوارهم وأرواحهم مرتبطة بعضها ببعض ، وترقياتهم على نهج واحد ، والكلام في العلم الذي يزداد قد مر.

وروي في البصائر بسنده عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك سمعتك وأنت تقول غير مرة : لو لا أنا نزداد لأنفدنا ، قال : أما الحلال والحرام فقد والله أنزله الله على نبيه بكماله ، وما يزداد الإمام في حلال ولا حرام ، قال : فقلت : فما هذه الزيادة؟ قال : في سائر الأشياء سوى الحلال والحرام ، قال : قلت : فتزدادون شيئا يخفى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : لا إنما يخرج الأمر من عند الله فيأتي به الملك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول : يا محمد ربك يأمرك بكذا وكذا ، فيقول : انطلق به إلى علي فيأتي عليا فيقول : انطلق به إلى الحسن ، فيقول : انطلق به إلى الحسين فلم يزل هكذا ينطلق إلى واحد بعد واحد حتى يخرج إلينا ، قلت : فتزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : ويحك يجوز أن يعلم الإمام شيئا لم يعلمه رسول الله والإمام من قبله.

الحديث الرابع مرسل.


أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ليس يخرج شيء من عند الله عز وجل حتى يبدأ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم بأمير المؤمنين عليه‌السلام ثم بواحد بعد واحد لكيلا يكون آخرنا أعلم من أولنا.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى

الملائكة والأنبياء والرسل عليهم‌السلام

١ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن القاسم ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن لله تبارك وتعالى علمين علما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه وعلما استأثر به فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا ذلك وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا.

علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم ومحمد

______________________________________________________

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم‌السلام.

الحديث الأول ضعيف بسنده الأول صحيح بسنده الثاني.

« وعلما استأثر به » أي تفرد به ولم يعلمه أحدا وهو العلم البدائي الذي يتغير به ما أفضى إلى الأنبياء والأوصياء ، فهذا العلم لم يصل إلى أحد ، أو المراد به نوع آخر من المعارف الربانية التي لم يطلع عليها بعد أحدا « فإذا بدا لله في شيء منه » أي علم المصلحة في تغيير ما قضى ، وكتب في لوح المحو والإثبات ، وتعلقت مشيته بإظهار هذا العلم المكنون ، قال الجوهري : بدا الأمر بدوا مثل قعد قعودا أي ظهر ،


ابن يحيى ، عن العمركي بن علي جميعا ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام مثله.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن لله عز وجل علمين علما عنده لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلما نبذه إلى ملائكته ورسله فما نبذه إلى ملائكته ورسله فقد انتهى إلينا.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن ضريس قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن لله عز وجل علمين علم مبذول وعلم مكفوف فأما المبذول فإنه ليس من شيء تعلمه الملائكة والرسل إلا نحن نعلمه وأما المكفوف فهو الذي عند الله عز وجل في أم الكتاب إذا خرج نفذ.

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن

______________________________________________________

وبدا له في الأمر بداء ممدودا أي نشأ له فيه رأي ، انتهى.

والمعنى الأخير في حقه سبحانه مجاز كما مر تحقيقه في باب البداء.

الحديث الثاني : ضعيف.

الحديث الثالث : مجهول.

« علم كذا » في أكثر النسخ بالرفع فهو مبتدأ ، أي علم منهما و « مبذول » خبره ، وكذا قوله « علم مكفوف » أي مصون ممنوع عن الخلق ، وفي نسخة الشهيد الثاني (ره) علما مبذولا وعلما مكفوفا ، بدلا من العلمين و « أم الكتاب » اللوح المحفوظ إذا خرج بإعلام الملك وإرساله ، أو بالوحي والإلهام بلا واسطة « نفذ » أي وصل إلى رسول الله والأئمة صلوات الله عليهم ، أو يصير نافذا جاريا لا بداء فيه بخلاف العلم الأول ، فإنه كان يجري فيه البداء.

الحديث الرابع : صحيح ، وهنا أيضا في نسخة الشهيد الثاني بالنصف في الموضعين.


علي بن النعمان ، عن سويد القلاء ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن لله عز وجل علمين علم لا يعلمه إلا هو وعلم علمه ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله عليهم‌السلام فنحن نعلمه.

باب

نادر فيه ذكر الغيب

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن معمر بن خلاد قال سأل أبا الحسن عليه‌السلام رجل من أهل فارس فقال له أتعلمون الغيب؟ فقال قال أبو جعفر عليه‌السلام يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم وقال سر الله عز وجل أسره إلى جبرئيل عليه‌السلام وأسره جبرئيل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسره محمد إلى من شاء الله.

______________________________________________________

باب نادر فيه ذكر الغيب

الحديث الأول : صحيح.

« يبسط لنا العلم فنعلم » أي علمنا الغيب إنما هو بتعليمه سبحانه قد يبسط لنا فنعلم ، وقد يقبضه عنا لبعض المصالح فلا نعلم « سر الله » أي هو سر الله والضمير الراجع إلى العلم المبسوط أو إلى العلم الذي يحتاج الناس إليه ويسألونهم عنه بقرينة المقام ، فالمراد بالعلم المبسوط والمقبوض غير ذلك مما يحدث بالليل والنهار وفي ليالي الجمعة وليالي القدر وغيرها ، ولو عمم القبض والبسط في جميع العلوم فلا بد من تخصيصه بغير ما يحتاج الناس إليه من أمور الدين بل كل ما يسألون عنه فإنه قد ورد أنه لا يكون الإمام يسأل عن أمر ويقول : لا أدري.

ويؤيد ما ذكرنا سابقا ما رواه الصفار بإسناده عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إذا مضى الإمام يفضي من علمه في الليلة التي يمضي فيها إلى الإمام القائم من بعده مثل ما كان يعلم الماضي؟ قال : وما شاء الله من ذلك يورث كتبا ولا يوكل إلى نفسه ، ويزاد في ليله ونهاره ، والمراد بمن شاء الله أمير المؤمنين أو مع سائر الأئمة عليهم‌السلام.


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن سدير الصيرفي قال سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » (١) قال أبو جعفر عليه‌السلام إن الله عز وجل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله فابتدع السماوات والأرضين ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون أما تسمع لقوله تعالى : « وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » (٢).

فقال له حمران أرأيت قوله جل ذكره : « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً » (٣) فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » وكان والله محمد ممن

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول ، « بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » البديع فعيل بمعنى مفعل أي مبدعهما ، أو بمعنى المفعول فالوصف بحال متعلق الموصوف ، أي مبدع سماواته وأرضه ، قال الفيروزآبادي : البديع المبتدع والمبتدع ، وبدعه كمنعه أنشأه كابتدعه « بعلمه » أي كما يقتضيه العلم بالمصلحة بلا استعانة بمثال كان قبله أي قبل الابتداع ، ولم يكن قبلهن سماوات ولا الأرضون لينشئهما ويضعهما على مثالهما « أما تسمع » استدلال بابتداع السماوات والأرضين بقوله تعالى : « وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » إذ لو كان حينئذ سماء وأرض لكان عرشه عليهما ، وهذا صريح في حدوث السماوات والأرضين بل جميع الأشياء « أرأيت » أي أخبرني.

« عالِمُ الْغَيْبِ » أي هو عالم الغيب والضمير لقوله : ربي ، في قوله قبل ذلك « أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً » والغيب ما غاب عن الشخص إما باعتبار زمان وقوعه كالأشياء الماضية والآتية ، أو باعتبار مكان وقوعه كالأشياء الغائبة عن حواسنا في وقتنا ، وإما باعتبار خفائه في نفسه كالقواعد التي ليست ضروريات ولا مستنبطة منها بالفكر ، وضد الغيب الشهادة « فَلا يُظْهِرُ » أي لا يطلع « عَلى غَيْبِهِ أَحَداً » من عباده « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » قال الطبرسي : يعني الرسل ، فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية معجزة لهم ، ومعناه من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة ،

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٠١.

(٢) سورة هود : ٩.

(٣) سورة الجن : ٢٧.


ارتضاه وأما قوله « عالِمُ الْغَيْبِ » فإن الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يفضيه إلى الملائكة فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشيئة فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه فأما العلم الذي يقدره الله عز وجل فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم إلينا.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن عباد بن سليمان ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن سدير قال كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله عليه‌السلام إذ خرج إلينا وهو مغضب فلما أخذ مجلسه قال يا عجبا لأقوام

______________________________________________________

فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من المصلحة.

قوله عليه‌السلام : فهو العلم الذي انتهى ، لعل المراد به أنه لا بداء فيه غالبا ، لا مطلقا كما يظهر من كثير من الأخبار ، أو يخص بالعلم المحتوم ، أو بالذي يظهر في ليلة القدر أو بما يحدث في الليل والنهار.

أقول : وروى علي بن إبراهيم لهذه الآية تأويلا آخر حيث قال : إلا لمن ارتضى من رسول يعني على المرتضى من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو منه ، قال الله : « فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً » قال : في قلبه العلم ، ومن خلفه الرصد ، يعلمه علمه ويزقه العلم زقا ، ويعلمه الله إلهاما والرصد التعليم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعلم النبي أنه قد بلغ رسالات ربه وأحاط علي بما لدى الرسول من العلم وأحصى كل شيء عددا ، ما كان وما يكون منذ يوم خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة من فتنة أو زلزلة أو حتف أو قذف أو أمة هلكت فيما مضى أو تهلك فيما بقي ، وكم من إمام جائر أو عادل يعرفه باسمه ونسبه ، ومن يموت موتا أو يقتل قتلا وكم من إمام مخذول لا يضره خذلان من خذله ، وكم من إمام منصور لا ينفعه نصر من نصره.

الحديث الثالث مجهول.

« وهو مغضب » على المجهول أي غضبا ربانيا لجماعة يزعمون أنه الرب ،


يزعمون أنا نعلم الغيب ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي قال سدير فلما أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك ونحن نعلم أنك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب قال فقال يا سدير ألم تقرأ القرآن قلت بلى قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل : « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ » قال قلت جعلت فداك قد قرأته قال فهل عرفت الرجل وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب قال قلت أخبرني به قال قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟

______________________________________________________

تعالى الله عن ذلك أو يزعمون أنه يعلم جميع الغيوب وفي جميع الأحوال أو على الجارية « فقال : يا عجبا » أي يا عجب ائتني فهذا أوانك أو يا قوم اعجبوا عجبا « فما علمت » لعله عليه‌السلام قال ذلك تورية لئلا ينسب إلى الربوبية وأراد علما مستندا إلى الأسباب الظاهرة ، أو علما غير مستفاد ، مع أنه يحتمل أن يكون الله تعالى أخفى عليه ذلك في تلك الحال لنوع من المصلحة كما مر.

« ولا ننسبك » الظاهر أنه إخبار أي لا ننسبك إلى إنك تعلم الغيب بنفسك من غير استفادة أو الغيوب المختصة به تعالى ، ويحتمل أن يكون استفهاما إنكاريا « والبحر الأخضر » هو المحيط يسمى بذلك لخضرته وسواده بسبب كثرة مائه ، وإنما لم يخبر عليه‌السلام عن تعيين الشخص لعدم الاهتمام به وعدم مدخليته فيما هو بصدد بيانه.

___________________

(١) سورة النمل : ٤٠.

(٢) مع قطع النظر عن ضعف الحديث هذا الاحتمال اقرب بمراد المعصوم ظاهراً وأنسب بسياق الحديث والاول لايناسب شأن الامام وبعيد عما يظهر في المقام.


قال قلت جعلت فداك ما أقل هذا فقال يا سدير ما أكثر هذا أن ينسبه الله عز وجل إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضا « قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » قال قلت : قد قرأته جعلت فداك قال أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه قلت لا بل من عنده علم الكتاب كله قال فأومأ بيده إلى صدره وقال :

______________________________________________________

« ما أكثر » لعل هذا رد لما يفهم من كلام سدير من تحقير العلم الذي أوتى آصف عليه‌السلام بأنه وإن كان قليلا بالنسبة إلى علم كل الكتاب فهو في نفسه عظيم كثير لانتسابه إلى علم الذي أخبرك بعد ذلك برفعة شأنه ويحتمل أن يكون هذا مبهما يفسره ما بعده ويكون الغرض بيان وفور علم من نسبه الله إلى مجموع علم الكتاب ولعل الأول أظهر ، وأظهر منهما ما في البصائر حيث روي عن إبراهيم بن هشام عن محمد بن سليمان وفيه « ما أكثر هذا لمن لم ينسبه ».

وبهذا السند في البصائر « لمن ينسبه » والظاهر أنه سقطت كلمة « لم » والمعنى حينئذ بين ، وعلى التقادير يقرأ أخبرك على صيغة المتكلم ، ويمكن أن يقرأ على ما في الكتاب بصيغة الغيبة أي أخبرك الله بأنه أتى بعرش بلقيس في أقل من طرفة عين.

وحاصل الجواب أحد وجهين : الأول ، أن يكون الغرض بيان عدم المنافاة بين أن يخفى الله عليهم في وقت من الأوقات لبعض المصالح بعض الأمور الجزئية ، وبين أن يكونوا متهيئين لعلم كل الكتاب إذا أراد الله تعالى لهم ذلك ، أو يكونوا محتاجين إلى مراجعة لتحصيل بعض العلوم ولا يكون لهم جميع العلوم بالفعل.

والثاني : أن يكون الغرض بيان أن ما ذكره عليه‌السلام أولا كان للتقية من المخالفين أو من ضعفاء العقول من الشيعة ، لئلا ينسبوهم إلى الربوبية ولعله أظهر وأرفق بسائر الأخبار ، وعلى التقادير فيه دلالة على أن الجنس المضاف يفيد العموم ،

___________________

(١) سورة الرعد : ٤٣.


علم الكتاب والله كله عندنا علم الكتاب والله كله عندنا.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو

______________________________________________________

وفيه خلاف بين الأصوليين.

الحديث الرابع : موثق.

وحاصله أنه لا يعلم الغيب إلا بتعليم الله سبحانه وبه يجمع بين الآيات والأخبار الواردة في ذلك فإنه تعالى قال : « وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ » وقال سبحانه : « قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَ » وقال عز وجل : « وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ » وقال جل وعلا : « وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ » وقال عز من قائل : « فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ » وقال جل جلاله حاكيا عن نوح عليه‌السلام « وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ » وقال سبحانه : « وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » وقال تعالى : « قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ » وقال تبارك وتعالى « إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ » وقال عز وعلا « قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ » وقال جل من قائل « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ».

فالآية الأولى تدل على أن الله تعالى يطلع من يجتبي من رسله على بعض الغيوب.

___________________

(١) سورة ال عمران : ١٧٩.

(٢) سورة الانعام : ٥٠.

(٣) سورة الانعام : ٥٩.

(٤) سورة الاعراف : ١٨٨.

(٥) سورة يونس : ٢٠.

(٦) سورة هود : ٣١.

(٧) سورة هود : ١٢٣.

(٨) سورة النمل : ٦٥.

(٩) سورة لقمان : ٣٤.

(١٠) سورة سبأ : ٤٨.

(١١) سورة الجن : ٢٦.


ابن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

وأما الثانية فقال الطبرسي رحمه‌الله : ولا أعلم الغيب الذي يختص الله بعلمه وإنما أعلم قدر ما يعلمني الله من أمر البعث والنشور والجنة والنار وغير ذلك « إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ » يريد ما أخبركم إلا بما أنزل الله إلى.

وقال في الثالثة : معناه وعنده خزائن الغيب الذي فيه علم العذاب المستعجل وغير ذلك لا يعلمها أحد إلا هو أو من أعلمه به وعلمه إياه ، وقيل : معناه وعنده مقدورات الغيب يفتح بها على من يشاء من عباده بإعلامه به وتعليمه إياه وتيسيره السبيل إليه ، ونصب الأدلة له ويغلق عمن يشاء ولا ينصب الأدلة.

وقال في الرابعة : معناه ولله علم ما غاب في السماوات والأرض ، لا يخفى عليه شيء منه ، ثم قال : وجدت بعض المشايخ ممن يتسم بالعدل والتشيع قد ظلم الشيعة الإمامية في هذا الموضع من تفسيره ، فقال : هذا يدل على أن الله تعالى يختص بعلم الغيب خلافا لما تقوله الرافضة أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون الغيب ولا نعلم أحدا منهم استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق ، وإنما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد ، وهذا صفة القديم سبحانه ، العالم لذاته ، لا يشركه فيه أحد من المخلوقين ، ومن اعتقد أن غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة فهو خارج عن ملة الإسلام.

وأما ما نقل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ورواه عنه الخاص والعام من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها ، كإخباره عن صاحب الزنج وعن ولاية مروان بن الحكم وأولاده ، وما نقل من هذا الفن عن أئمة الهدى عليهم‌السلام فإن جميع ذلك متلقى من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما أطلعه الله عليه فلا معنى لنسبة من روى عنهم هذه الأخبار المشهورة إلى أنه يعتقد كونهم عالمين بالغيب ، وهل هذا إلا سب قبيح وتضليل لهم بل تكفير ، ولا يرتضيه من هو بالمذاهب خبير ، والله يحكم بينه وإليه المصير.

وقال (ره) في قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ » أي استأثر الله سبحانه به


عن الإمام يعلم الغيب فقال لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك.

______________________________________________________

ولم يطلع عليه أحدا من خلقه « وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ » فيما يشاء من زمان ومكان « وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ » ذكر أم أنثى ، صحيح أم سقيم ، واحد أم أكثر « وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً » أي ما ذا تعمل في المستقبل « وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ » أي في أي أرض يكون موته ، وقد روي عن أئمة الهدى عليهم‌السلام أن هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل والتحقيق غيره تعالى ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

والحاصل أن مقتضى الجمع بين الآيات والأخبار حملها على أن نفي الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام ، وإلا فظاهر أن عمدة معجزات الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام من هذا القبيل ، وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضا الأخبار بالغائبات ، ونحن أيضا نعلم كثيرا من المغيبات بأخبار الله تعالى ورسوله وأئمة الهدى عليهم‌السلام ، كالقيامة وأحوالها ، والجنة والنار ، والرجعة وقيام القائم عليه‌السلام ونزول عيسى عليه‌السلام وغير ذلك من أشراط الساعة ، والعرش والكرسي والملائكة.

وأما الخمسة التي وردت في الآية فتحتمل وجوها :

الأول : أن يكون المراد أن تلك الأمور لا يعلمها على التعيين والخصوص إلا الله تعالى ، فإنهم عليهم‌السلام إذا أخبروا بموت شخص في اليوم الفلاني فيمكن أن لا يعلموا خصوص الدقيقة التي تفارق الروح والجسد مثلا ، ويحتمل أن يكون ملك الموت أيضا لا يعلم ذلك.

الثاني : أن يكون العلم الحتمي بها مختصا به تعالى ، وكلما أخبر الله من ذلك كان محتملا للبداء.

الثالث : أن يكون المراد عدم علم غيره تعالى بها إلا من قبله ، فيكون كسائر الغيوب ، ويكون التخصيص بها لظهور الأمر فيها أو لغيره من الوجوه.

الرابع : أن الله تعالى لم يطلع على تلك الأمور كلية أحدا من الخلق على وجه لا بداء فيه ، بل يرسل حتمها على وجه الحتم في زمان قريب من حصولها كليلة القدر


باب

أن الأئمة عليهم‌السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا

١ ـ علي بن محمد وغيره ، عن سهل بن زياد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن بدر بن الوليد ، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم.

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن بدر بن الوليد ، عن أبي الربيع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم.

______________________________________________________

أو أقرب من ذلك ، وهذا وجه قريب تدل عليه الأخبار الكثيرة ، إذ لا بد من علم ملك الموت بخصوص الوقت ، كما ورد في الأخبار وكذا ملائكة السحاب بوقت نزول المطر ، وكذا المدبرات من الملائكة بأوقات وقوع الحوادث.

قال الشيخ المفيد قدس‌سره في كتاب المسائل : أقول : إن الأئمة من آل محمد عليهم‌السلام قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه ، وذلك ليس بواجب صفاتهم ، ولا شرطا في إمامتهم ، وإنما أكرمهم الله تعالى به ، وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم والتسجيل بإمامتهم ، وليس ذلك بواجب عقلا ولكنه وجب لهم من جهة السماع ، فأما إطلاق القول بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بين الفساد ، لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء لا بعلم مستفاد ، وهذا لا يكون إلا الله عز وجل ، وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامية إلا من شذ منهم من المفوضة ومن انتمى إليهم من الغلاة.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا

الحديث الأول : ضعيف.

« علم » على بناء المجرد المعلوم ، أو على بناء التفعيل المجهول ، ويؤيد الثاني الخبر الآتي.

الحديث الثاني : مجهول.


٣ ـ محمد بن يحيى ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن أبي عبيدة المدائني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أراد الإمام أن يعلم شيئا أعلمه الله ذلك.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون

إلاباختيار منهم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن سليمان بن سماعة وعبد الله بن محمد ، عن عبد الله بن القاسم البطل ، عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أي إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير فليس ذلك بحجة لله على خلقه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محمد بن بشار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ببغداد ممن كان ينقل عنه قال :

______________________________________________________

الحديث الثالث : مجهول أيضا ، والإعلام أما بالإلهام أو بإلقاء روح القدس.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم

الحديث الأول : ضعيف.

« لا يعلم ما يصيبه » أي من الخير والشر والعافية والبلاء في مدة عمره « وإلى ما يصير » أي من الموت أو الشهادة.

الحديث الثاني : مجهول.

وفي القاموس : القطيعة كشريفة : محال ببغداد أقطعها المنصور أناسا من أعيان دولته ليعمروها ويسكنوها ثم عد القطائع إلى أن قال : وقطيعتا الربيع بن يونس الداخلة والخارجة « ممن كان ينقل عنه » أي كان من المحدثين يعتمد الناس على حديثهم ، وفي رواية الصدوق : ممن كان يقبل قوله ، وقال في آخره : قال الحسن : وكان الشيخ من خيار العامة شيخ صدوق مقبول القول ثقة ثقة جدا عند الناس.


قال لي : قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في فضله ونسكه فقلت له من وكيف رأيته قال جمعنا أيام السندي بن شاهك ـ ثمانين رجلا من الوجوه المنسوبين إلى الخير فأدخلنا على موسى بن جعفر عليه‌السلام فقال لنا السندي يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به ـ ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا وإنما ينتظر به أن يقدم فيناظر أمير المؤمنين وهذا هو صحيح موسع عليه في جميع أموره فسلوه قال ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل وإلى فضله وسمته فقال موسى بن جعفر عليه‌السلام أما ما ذكر من

______________________________________________________

« بعض من يقولون » أي الشيعة ، وفي بعض النسخ بالخطاب و « نسكه » بضمتين أي عباداته ، ويجيء مصدرا أيضا كالنسك ، ومثلثة « جمعنا » على صيغة المجهول ، و « ثمانين » منصوب على الاختصاص أو حال عن ضمير « جمعنا ».

وفي العيون ونحن ثمانون والسندي بن شاهك بفتح الهاء كان صاحب حرس هارون الرشيد « من الوجوه » أي المعتبرين المشهورين بين الناس بالفضل والصلاح ، قال الفيروزآبادي : الوجه سيد القوم « هل حدث به حدث » أي مكروه وآفة من جراحة وسم ونحوها « قد فعل به » على المجهول والضمير المرفوع راجع إلى الحدث أو القائم مقام الفاعل مقدر حذف للتعميم ، أي فعل به كل مكروه ، وفي رواية الصدوق أنه قد فعل مكروه في ذلك « ويكثرون » أي القول في ذلك « وهذا فراشه » الواو للحال « وإنما ينتظر به » على المعلوم أي هارون أو على المجهول ، وفي العيون « وإنما ينتظره » أي يقدم فيناظره أمير المؤمنين وها هو ذا هو صحيح.

« والسمت » هيئة أهل الخير وسيماء أهل الصلاح أي لم يكن لنا مجال السؤال لشغل القلب بفضله وسمته ، وقال الجوهري : النفر بالتحريك : عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة ، وقال : الارتعاد : الاضطراب ، و « مثل » منصوب بنيابة المفعول المطلق ، والسعفة بالتحريك : ورقة النخل وجريدته.


التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في سبع تمرات وأنا غدا أخضر وبعد غد أموت قال فنظرت إلى السندي بن شاهك يضطرب ويرتعد مثل السعفة.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن عبد الله بن أبي جعفر قال حدثني أخي ، عن جعفر ، عن أبيه أنه أتى علي بن الحسين عليه‌السلام ليلة قبض فيها بشراب فقال يا أبت اشرب هذا فقال يا بني إن هذه الليلة التي

______________________________________________________

أقول : روى الصدوق أن الذي فعل به عليه‌السلام ذلك الفضل بن يحيى البرمكي لعنه الله بعث إليه عليه‌السلام مائدة فلما أحضرته رفع يده إلى السماء فقال : يا رب أنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم لكنت قد أعنت على نفسي ، قال : فأكل فمرض ، فلما كان من غد بعث إليه بالطبيب ليسأله عن العلة فقال له الطبيب : ما حالك؟ فتغافل عنه ، فلما أكثر عليه أخرج عليه راحته (١) فلما رآها الطبيب قال : هذه علتي وكانت حضرة وسط راحته على أنه سم فاجتمع في ذلك الموضع ، قال : فانصرف الطبيب إليهم فقال : والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم ثم توفي عليه‌السلام.

ويمكن أن يكون للملعونين كليهما فيه مدخل ، بل ليحيى البرمكي لعنه الله أيضا كما سيأتي في الخبر.

وروى الصدوق عن محمد بن سليمان النوفلي في حديث طويل قال في آخره : حمل موسى بن جعفر عليهما‌السلام من البصرة إلى بغداد سرا وحبس ، ثم أطلق ثم سلم إلى السندي بن شاهك فحبسه وضيق عليه ثم بعث إليه الرشيد بسم في رطب وأمره أن يقدمه إليه ويحتم إليه في تناوله منه ، ففعل فمات عليه‌السلام.

الحديث الثالث : ضعيف.

« بشراب » لعله كان دواء أتى به ليشربه ويتداوى به ، فأظهر عليه‌السلام أنها الليلة التي قدر فيها وفاته ولا ينفع الدواء « فقال : يا أبه » وفي بعض النسخ يا أباه ، وفي بعضها يا أبت والكل صحيح ، قال في القاموس : قالوا في النداء : يا أبت بكسر التاء وضمها

__________________

(١) الراحة : باطن اليد.


أقبض فيها وهي الليلة التي قبض فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن الحسن بن الجهم قال قلت للرضا عليه‌السلام إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الإوز في الدار صوائح تتبعها نوائح وقول أم كلثوم ـ لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي

______________________________________________________

ويا أبه بالهاء ويا أبتاه ويا أباه ، انتهى.

وقالوا أصل يا أبه يا أبي قلبت الياء ألفا للتخفيف ، ثم حذفت الألف اكتفاء بفتحة ما قبلها ثم أدخلت الهاء للوقف.

وقال الصدوق : سمه صلوات الله عليه الوليد بن عبد الملك لعنه الله ، ثم اعلم أن هذا التاريخ مخالف للمشهور كما سيأتي في تاريخه عليه‌السلام ، فإن المشهور أن وفاته عليه‌السلام كان في المحرم ووفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إما في صفر على مذهب الشيعة ، أو في ربيع الأول بزعم المخالفين ، إلا أن يكون المراد الليلة بحسب الأسبوع ، وإن كان فيه أيضا مخالفة لما ذكره الأكثر لأنهم ذكروا في وفاته عليه‌السلام يوم السبت وفي وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وردت الأخبار الكثيرة أنها كانت يوم الاثنين لكن خصوص اليوم ضبطه بعيد ، ولعله لذلك لم يعين المصنف فيما سيأتي اليوم ولا الشهر.

الحديث الرابع : ضعيف.

« وقوله » مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي مروي أو واقع ، وكذا قوله : « وقول أم كلثوم » ويحتمل أن يكون من قبيل كل رجل وضيعته ، فيتحمل في قوله وقوع النصب والرفع ، والواو في قوله « وقوله » يحتمل العطف والحالية ، و « الإوز » بكسر الهمزة وفتح الواو وتشديد الزاي : البط وقيل : الكبير منه ، وقوله : صوائح خبر مبتدإ محذوف أي هي صوائح « تتبعها نوائح » نعت له أي هذه الصوائح وصياحها علامة لنوائح تكون بعدها.

أقول : ذكر المفيد (ره) في الإرشاد أنه عليه‌السلام لما طلع الصبح في تلك الليلة شد


بالناس فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف عليه‌السلام أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه فقال ذلك كان ولكنه خير في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عز وجل.

______________________________________________________

إزاره وخرج وهو يقول :

اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك

ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك (١)

فلما خرج إلى صحن داره استقبلته الإوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردونهن فقال : دعوهن : فإنهن نوائح ثم خرج فأصيب عليه‌السلام.

وقال ابن شهرآشوب : فلما طلع الفجر أتاه ابن النباح فنادى : الصلاة ، فقام فاستقبلته الإوز فصحن في وجهه ، فقال : دعوهن فإنهن صوائح تتبعها نوائح ، وتعلقت حديدة على الباب في مئزره (٢) فشد إزاره وأنشد البيت المتقدم.

« كان هذا مما لم يجز تعرضه » وفي بعض النسخ : لم يحل ، ومنشأ الاعتراض أن حفظ النفس واجب عقلا وشرعا ، ولا يجوز إلقاؤها إلى التهلكة « فقال عليه‌السلام ذلك كان ولكنه خير » في بعض النسخ بالخاء المعجمة أي خيره الله بين البقاء واللقاء فاختار لقاء الله ، وهذه النسخة مناسبة لعنوان الباب وهو مبني على منع كون حفظ النفس واجبا مطلقا ، ولعله كان من خصائصهم عدم وجوب ذلك عند اختيارهم الموت ، وحكم العقل في ذلك غير متبع ، مع أن حكم العقل بالوجوب في مثل ذلك غير مسلم.

قال المحدث الأسترآبادي (ره) : أقول : أحاديث هذا الباب صريحة في أن المقدمة المشهورة بين المعتزلة من أن حفظ النفس واجب عقلا غير مقبولة ، ولو خصصناها بحالة رجاء الخلاص ، انتهى.

وفي بعض النسخ « حير » بالحاء المهملة أي إنسي وأغفل عنه في ذلك الوقت ، ويؤيده ما رواه الصفار في البصائر عن أحمد بن محمد عن إبراهيم بن أبي محمود عن بعض أصحابنا قال : قلت للرضا عليه‌السلام : الإمام يعلم إذا مات؟ قال : نعم ، يعلم بالتعليم ممن

__________________

(١) حيازيم جمع حيزوم وسط الصدر ، وشدّ الحيازيم كناية عن الصبر.

(٢) المئزر : الإزار.


______________________________________________________

تقدم في الأمر ، قلت : علم أبو الحسن بالرطب والريحان المسمومين الذين بعث إليه يحيى بن خالد؟ قال : نعم ، قلت : فأكله؟ قال : أنساه لينفذ فيه الحكم.

وعن أحمد بن محمد عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت : الإمام يعلم متى يموت؟ قال : نعم ، قلت : حيث ما بعث إليه يحيى بن خالد برطب وريحان مسمومين علم به؟ قال : نعم ، قلت : فأكله وهو يعلم فيكون معينا على نفسه؟ فقال : لا يعلم قبل ذلك ليتقدم فيما يحتاج إليه ، فإذا جاء الوقت ألقى الله على قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم.

وأقول : هذا الوجه وإن كان مؤيدا بالخبر لكنه مناف لظواهر أكثر الأخبار الواردة في هذا الباب ، ويمكن أن يكون هذا لضعف عقول السائلين عن فهم ما هو الجواب في هذا الباب ، وفي بعض النسخ « حين » بالحاء المهملة والنون أخيرا قال الجوهري : حينه : جعل له وقتا ، يقال حينت الناقة إذا جعلت لها في كل يوم وليلة وقتا نحلبها فيه ، انتهى.

فالمعنى أنه كان بلغ الأجل المحتوم المقدر ، وكان لا يمكن الفرار منه ، ولعله أظهر الوجوه ، وحاصله أن من لا يعلم أسباب التقديرات الواقعية يمكنه الفرار عن المحذورات ويكلف به ، وأما من كان عالما بجميع الحوادث فكيف يكلف الفرار ، وإلا يلزم عدم وقوع شيء من التقديرات فيه ، بل هم عليهم‌السلام غير مكلفين بالعمل بهذا العلم في أكثر التكاليف ، فإن النبي وأمير المؤمنين صلى الله عليهم كانا يعرفان المنافقين ويعلمان سوء عقائدهم ولم يكونا مكلفين بالاجتناب عنهم وترك معاشرتهم وعدم مناكحتهم أو قتلهم وطردهم ، ما لم يظهر منهم شيء يوجب ذلك وكذا علم أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعدم الظفر بمعاوية وبقاء ملكه بعده لم يصر سببا لأن يترك قتاله ، بل كان يبذل في ذلك غاية جهده إلى أن استشهد صلوات الله عليه ، مع أنه كان يخبر بشهادته واستيلاء معاوية بعده على شيعته ، وكذا الحسين صلوات الله عليه كان عالما بغدر أهل العراق به وأنه يستشهد هناك مع أولاده وأقاربه وأصحابه ، ويخبر بذلك مرارا


______________________________________________________

ولم يكن مكلفا بالعمل بهذا العلم ، بل كان مكلفا بالعمل بظاهر الأمر حيث بذلوا نصرتهم وكاتبوه وراسلوه ووعدوه البيعة وتابعوا مسلم بن عقيل رضي الله عنه.

وسئل الشيخ السديد المحقق المفيد قدس الله روحه في المسائل العكبرية الإمام عندنا مجمع على أنه يعلم ما يكون فما بال أمير المؤمنين عليه‌السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان؟ وما بال الحسين بن علي عليهما‌السلام سار إلى الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول في سفرته تيك ولم لما حضر وعرف أن الماء قد منع منه وأنه إن حضر أذرعا قريبة ونبع الماء لم يحفر وأعان على نفسه حتى تلف عطشا؟ والحسن عليه‌السلام وادع معاوية وهادنه وهو يعلم أنه ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه عليه‌السلام؟

فأجاب (ره) وقال : أما الجواب عن قوله : أن الإمام يعلم ما يكون فإجماعنا أن الأمر على خلاف ما قال ، وما أجمعت الشيعة على هذا القول ، وأن إجماعهم ثابت على أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ، ويكون على التفصيل والتمييز ، وهذا يسقط الأصل الذي بني عليه الأسئلة بأجمعها ، ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ، ويكون بإعلام الله تعالى له ذلك فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله لدعواه فيه من غير حجة ولا بيان ، والقول بأن أمير المؤمنين عليه‌السلام يعلم قاتله والوقت الذي كان يقتل فيه ، فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول ، وجاء أيضا بأنه يعلم قاتله على التفصيل ، فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل ، ولو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون ، إذ كان لا يمتنع أن يتعبده الله تعالى بالصبر على الشهادة والاستسلام على القتل ، فيبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به ، بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها ، ولا يكون أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك ملقيا بيده إلى التهلكة ، ولا معينا على نفسه معونة يستقبح في العقول.


٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال إن الله عز وجل غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم :

______________________________________________________

وأما علم الحسين عليه‌السلام بأن أهل الكوفة خادعوه فلسنا نقطع على ذلك إذ لا حجة عليه من عقل ولا سمع ، ولو كان عالما بذلك لكان الجواب عنه ما قدمناه في الجواب عن علم أمير المؤمنين عليه‌السلام بوقت قتله ، ومعرفة قاتله كما ذكرناه.

وأما دعواه علينا أنا نقول : أن الحسين عليه‌السلام كان عالما بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء حيث كان ممنوعا منه حسبما ذكرناه في أمير المؤمنين عليه‌السلام غير أن ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدمناه ، والكلام في علم الحسن عليه‌السلام بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدم وقد جاء الخبر بعلمه بذلك وكان شاهد الحال له يقضي به ، غير أنه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه له إلى معاوية ، وكان في ذلك لطف في بقائه إلى حال مضيه ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولده ودفع فساد في الدين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته وكان عليه‌السلام أعلم بما صنع لما ذكرناه وبينا الوجوه فيه ، انتهى.

وسئل العلامة الحلي طيب الله تربته عن مثل ذلك في أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأجاب (ره) بأنه يحتمل أن يكون عليه‌السلام أخبر بوقوع القتل في تلك الليلة أو في أي مكان يقتل وأن تكليفه عليه‌السلام مغاير لتكليفنا ، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة صلوات الله عليه في ذات الله تعالى كما يجب على المجاهد الثبات وإن كان ثباته يفضي إلى القتل ، انتهى كلامه رفع مقامه.

قوله عليه‌السلام « لتمضي مقادير الله » على بعض الوجوه السابقة اللام للعاقبة.

الحديث الخامس : مرسل.

« غضب على الشيعة » إما لتركهم التقية فانتشر أمر إمامته عليه‌السلام فتردد الأمر بين أن يقتل الرشيد شيعته وتتبعهم أو يحبسه عليه‌السلام ويقتله ، فدعا عليه‌السلام لشيعته واختار البلاء لنفسه ، أو لعدم انقيادهم لإمامهم وخلوصهم في متابعته وإطاعة أو أمره ،


فوقيتهم والله بنفسي.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن مسافر أن أبا الحسن الرضا عليه‌السلام قال له يا مسافر هذا القناة فيها حيتان قال نعم جعلت فداك فقال :

______________________________________________________

فخيره الله تعالى بين أن يخرج على الرشيد فتقتل شيعته إذا يخرج ، فينتهي الأمر إلى ما انتهى إليه.

وقيل : خيرني الله بين أن أوطن نفسي على الهلاك والموت ، أو أرضى بإهلاك الشيعة « فوقيتهم والله بنفسي » يعني فاخترت هلاكي دونهم ، وقيل : أي فخيرني بين إرادة موتي أو موتهم لتحقق المفارقة بيني وبينهم ، فاخترت لقاء الله شفقة عليهم.

الحديث السادس : حسن.

« هذا القناة فيها حيتان » في مناسبة السؤال عن الحيتان في هذا المقام وجوه :

« الأول » ما أفيد أن المعنى علمي بحقية ما أقول كعلمي بكون الحيتان في هذا الماء.

الثاني : ما قيل كأنه عليه‌السلام كان يعجبه القناة التي كانت في داره وحيتانها ولا يخفى ما فيه.

الثالث : ما قيل أيضا أنه مبني على إخباره عليه‌السلام مسافرا بأنه مستحدث في هذه القناة حيتان وهو علامة دنو أجلي.

الرابع : أن يكون إشارة إلى ما رواه الصدوق في العيون بإسناده عن أبي الصلت الهروي في خبر طويل يذكر فيه سمه في العنب وشهادته عليه‌السلام به ، فأوصاه بأشياء منها كيفية حفر القبر واللحد إلى أن قال عليه‌السلام : وإذا فعلوا ذلك يعني الحفر واللحد فإنك ترى عند رأسي نداوة ، فكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ، ففتت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه ، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء ، ثم تغيب ، فإذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه


إني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البارحة وهو يقول يا علي ما عندنا خير لك.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وفي كفنه وفي دخوله قبره فقلت يا أباه والله ما رأيتك منذ اشتكيت أحسن منك اليوم ما رأيت عليك أثر الموت فقال يا بني أما سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام ينادي من وراء الجدار يا محمد تعال عجل؟.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أنزل الله تعالى النصر على الحسين عليه‌السلام حتى كان ما بين السماء والأرض ثم خير النصر أو لقاء الله فاختار لقاء الله تعالى.

______________________________________________________

ينضب (١) الماء ولا يبقى منه شيء ، ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون ، إلى آخر ما أوردناه في الكتاب الكبير ، والمناسبة حينئذ إما لأنه عند مشاهدة الحيتان تذكر عليه‌السلام فأخبر به ، أو لكون هذه الحيتان هي التي تظهر في القبر ، وإن كان بعيدا ، مع أنه لا ضرورة في المناسبة بين الكلامين ، « والبارحة » الليلة الماضية.

الحديث السابع : ضعيف كالموثق.

« اشتكيت » أي مرضت « تعال » بفتح اللام أمر من باب تفاعل أي أقبل ، وكان هذه الأخبار مما لا تكاد تصح إلا بالقول بالأجساد المثالية.

الحديث الثامن : حسن.

« النصر » أي النصرة والمراد سببها أي الملائكة ، وما قيل : أنه اسم ملك فلا يخفى بعده « حتى كان بين السماء » في بعض النسخ « ما بين » ولعله بيان لكثرتهم ، أي ملأ ما بين السماء والأرض أو المراد خير بين الأمرين عند ما كانوا بين السماء والأرض ولم ينزلوا بعد.

__________________

(١) نضب الماء : غار في الأرض.


باب

أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه

لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم

١ ـ أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حماد ، عن سيف التمار قال كنا مع أبي عبد الله عليه‌السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال علينا عين فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا ليس علينا عين فقال ورب الكعبة ورب البنية ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى والخضر عليهما‌السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه

______________________________________________________

باب أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم

الحديث الأول : ضعيف.

« جماعة » منصوب على الاختصاص أو على الحالية عن ضمير « كنا ».

« علينا ... » استفهام والعين الرقيب والجاسوس و « يمنة ويسرة » بفتحهما منصوبان بالظرفية ، أي في ناحية اليمين وناحية اليسار ، والبنية كصنيعة الكعبة « ولم يعطيا علم ما هو كائن » أي جميعها ، وإلا فكان قصة الغلام من جملة ما يكون ، إلا أن يقال المراد به الأمور المتعلقة بما سيكون ومتعلق ذلك الأمر كان الغلام الموجود ، لكن قد أوردنا في باب أحوال موسى والخضر من كتابنا الكبير ما يأبى عن هذا التأويل والأول أظهر ، وفي البصائر هكذا : ولم يعطيا علم ما هو كائن وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطي علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فورثناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراثة.

فإن قيل : سؤاله عليه‌السلام ينافي علمه عليه‌السلام بما كان وما هو كائن؟

قلت : قد مر وسيأتي أنهم عليه‌السلام ليسوا بمكلفين بالعمل بهذا العلم فلا بد لهم من العمل بما يوجب التقية ظاهرا ، أو يقال لعلهم يحتاجون في العلم على هذا الوجه


من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وراثة.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن يونس بن يعقوب ، عن الحارث بن المغيرة وعدة من أصحابنا منهم عبد الأعلى وأبو عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي سمعوا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون قال ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب الله عز وجل إن الله عز وجل يقول فيه تبيان كل شيء.

٣ ـ علي بن محمد ، عن سهل ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم ، عن جماعة بن سعد الخثعمي أنه قال كان المفضل عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له المفضل جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء قال لا الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء.

______________________________________________________

إلى مراجعة إلى الكتب أو توجه إلى عالم القدس في بعض الأحيان.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« فيه تبيان كل شيء » لعله نقل بالمعنى ، فإن في المصاحف « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » أو كان في قراءتهم عليهم‌السلام كذلك.

الحديث الثالث : وفي الرجال : جماعة بن سعد الجعفي وضعفه ابن الغضائري « خبر السماء » أي الخبر النازل من السماء سواء نزل عليه بالتحديث أو نزل على من قبله وقيل : المراد به أحوال السماوات وما فيها وأهلها والأول أظهر ، وكون مثل هذا العالم بين العباد لطف ورأفة بالنسبة إليهم ليرجعوا إليه في كل ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم والله أرأف من أن يمنعهم مثل هذا اللطف ، ويفرض طاعة من ليس كذلك فيصير سببا لمزيد تحيرهم ، وذكر الصباح والمساء على المثال أو لأنهما وقت الاستفادة ، أو لأنه ينزل ما يحتاج إليه الإمام في اليوم صباحا ، وما يحتاج إليه في الليل مساء.


٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس الكناسي قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول وعنده أناس من أصحابه عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض

______________________________________________________

الحديث الرابع : صحيح.

« ثم يكسرون حجتهم » أي على المخالفين لأن حجتهم على المخالفين أن إمامهم يعلم ما لا يعلم إمامهم ، ولا بد أن يكون الإمام كاملا في العلم ، وإمام المخالفين ناقص جاهل ، فإذا اعترفوا في إمامهم أيضا بالجهل كسروا وأبطلوا حجتهم وخصموا أنفسهم (١) أي قالوا بشيء إن تمسك به المخالفون غلبوا عليهم ، فإن لهم أن يقولوا : لا فرق بين إمامنا وإمامكم ، أو المعنى كسروا حجتهم في هذا الكلام إذ للمعارض لهم في هذا المدعى أن يحتج عليهم بأن خليفة الرسول والقائم مقامه لا بد أن يكون مثله في الصفات بالعقل والنقل ، وخصموا أنفسهم أي قالوا بشيء ينافي ما ادعوه في الإمامة ، يقال : خصمه كضربه إذا غلب عليه في الخصومة.

« وينقصونا حقنا » مأخوذ من نقص ، المتعدي إلى مفعولين ، يقال : نقصه حقه إذا لم يؤد إليه حقه أو حقنا بدل من الضمير « ويعيبون ذلك » أي أداء حقنا وعرفان أمرنا على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا من الكتاب والسنة ، فأقروا بغاية علمنا « والتسليم لأمرنا » أي الإذعان والتصديق بما أوصل إليه من الأمور المنسوبة إلينا من وفور علومنا وفضائلنا وعلو درجاتنا أو لأمر الإمامة لأن القول به يستلزم القول بكمالهم في جميع الأمور.

__________________

(١) كذا في الأصل وتوافقه نسخة من المخطوطين ، وفي نسخة « ويخصمون أنفسهم أي يقولون ..... » وكذا فيما يأتي ، ولعلّه من الناسخ ، غيره ليوافق المتن.


ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم فقال له حمران جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليه‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز ذكره وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا فقال أبو جعفر عليه‌السلام يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم أجراه فبتقدم علم إليهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قام علي والحسن والحسين عليه‌السلام وبعلم صمت من صمت منا ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله عز وجل وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله

______________________________________________________

« ثم يخفى » ثم للتراخي في المرتبة و « مواد العلم » ما يمكنهم استنباط علوم الحوادث والأحكام وغيرهما منه مما ينزل عليهم في ليلة القدر وغيرها ، والمادة الزيادة المتصلة « فيما يرد عليهم » أي من القضايا وما يسألون عنه من الأخبار و « من » في قوله « مما فيه » لبيان العلم فيما يرد عليهم وقوام دينهم ، كما يكون في القضايا والأحكام كذلك يكون في الإخبار بالحوادث والغيوب ، لأنه سبب لصحة أيمانهم وزيادة يقينهم في إمامة أئمتهم.

« وأ رأيت » أي أخبرني ما كان من تلك الأمور لأي سبب كان ، فإن هذا يوهم عدم علمهم بما يكون قبل وقوعه ، أو يلزم أنهم ألقوا بأيديهم إلى التهلكة كما مر في الباب السابق « على سبيل الاختيار » في أكثر النسخ بالياء المثناة التحتانية ، أي وقع ما وقع عليهم برضاهم ، وبعد أن أخبروا بذلك واختاروه ، ولذا لم يفروا منه وسلموا وفعلوا ما أمروا به ذلك ، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة أي على سبيل الابتلاء والامتحان ، والأول أوفق بما سيأتي في هذا الخبر وبما مر وسيأتي في غيره من الأخبار ، وكذا التفريع في قوله « فبتقدم علم » به أنسب ، والظرفان أعني إليهم ومن رسول الله حالان عن علم أو نعتان له ، والقيام الإعلان بدعوى الإمامة ، والصمت ترك الإعلان وكذا قوله : « ولو أنهم » بيان لكون وقوع تلك الأمور باختيارهم ورضاهم على سبيل التسليم والرضا بقضاء الله.


عزوجل أن يدفع عنهم ذلك وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها فلا تذهبن بك المذاهب فيهم.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام فأقبلت أقول يقولون كذا وكذا قال فيقول قل كذا وكذا قلت جعلت فداك هذا الحلال وهذا الحرام أعلم أنك صاحبه وأنك أعلم الناس به وهذا هو الكلام فقال لي ويك يا هشام لا يحتج الله تبارك وتعالى على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما

______________________________________________________

« حيث » ظرف مكان استعمل في الزمان « إذا لأجابهم » جواب لو « من سلك » أي من انقطاع سلك ، والتبدد التفرق و « الاقتراف » الاكتساب.

والحاصل أنهم ليسوا داخلين تحت قوله : « ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » والخطاب في تلك الآية إنما توجه إلى أرباب الخطايا والمعاصي من الأمة وفيهم إنما هي لرفع درجاتهم « فلا تذهبن بك المذاهب » الباء للتعدية ، والمذاهب الأهواء المضلة ، أي لا تتوهمن أن ذلك لصدور معصية عنهم ، أو لنقص قدرهم وحط منزلتهم عند الله ، أو أنهم لم يكونوا يعلمون ما يصيبهم.

الحديث الخامس : مجهول.

« عن خمسمائة حرف » أي مسألة ، وإطلاق الحرف على الجملة بل على جمل موردة لمعنى واحد شائع « فأقبلت » أي شرعت ، وضمير يقولون للمتكلمين من العامة وقوله « هذا » مبتدأ و « أعلم » خبره « يا هشام » في بعض النسخ « ويسك يا هشام (١) » قال في القاموس ويس كلمة يستعمل في موضع رأفة واستملاح للصبي « يحتج الله »

__________________

(١) والظاهر ما هو في المتن ، و « ويسك » مصحف « ويك ».


يحتاجون إليه.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول لا والله لا يكون عالم جاهلا أبدا عالما بشيء جاهلا بشيء ثم قال الله أجل وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ثم قال لا يحجب ذلك عنه.

باب

أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين

وأنه كان شريكه في العلم

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن عبد الله بن سليمان ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن جبرئيل عليه‌السلام أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برمانتين فأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إحداهما وكسر الأخرى بنصفين

______________________________________________________

استفهام إنكار وفي بعض النسخ : لا يحتج الله.

الحديث السادس : مجهول.

« لا يكون عالم » أي من وصفه الله في كتابه بالعلم ، أو عالم افترض الله على الناس طاعته ، أو من يستحق أن يسمى عالما والأوسط أظهر بقرينة آخر الخبر « جاهلا » أي شيء مما يحتاج الناس إليه « عالما بشيء جاهلا بشيء » بدل تفصيل لقوله جاهلا ، والحاصل أن العالم الحقيقي من يكون عالما بجميع ما يحتاج إليه الأمة وإلا فليس أحد من الناس لا يعلم شيئا والمراد بعلم السماء علم حقيقة السماء وما فيها من الكواكب وحركاتها وأوضاعها ومن فيها من الملائكة ودرجاتهم وأعمالهم وأحوالهم ومنازلهم ، أو المراد به العلم الذي يأتي من جهة السماء ، وكذا علم الأرض يحتمل الوجهين ويمكن التعميم فيهما معا.

باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين (ع) وأنه كان شريكه في العلم عليهما‌السلام

الحديث الأول : مجهول.


فأكل نصفا وأطعم عليا نصفا ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا أخي هل تدري ما هاتان الرمانتان قال لا قال أما الأولى فالنبوة ليس لك فيها نصيب وأما الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه فقلت أصلحك الله كيف كان يكون شريكه فيه قال لم يعلم الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله علما إلا وأمره أن يعلمه عليا عليه‌السلام.

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال نزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برمانتين من الجنة فأعطاه إياهما فأكل واحدة وكسر الأخرى بنصفين فأعطى عليا عليه‌السلام نصفها فأكلها فقال يا علي أما الرمانة الأولى التي أكلتها فالنبوة ليس لك فيها شيء وأما الأخرى فهو العلم فأنت شريكي فيه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن منصور بن يونس ، عن ابن أذينة ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول نزل جبرئيل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله برمانتين من الجنة فلقيه علي عليه‌السلام فقال ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك فقال أما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب وأما هذه فالعلم ثم فلقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصفها ثم قال :

______________________________________________________

« أما الأولى فالنبوة » أي إحداهما بإزاء النبوة والأخرى بإزاء العلم ، ويمكن أن يكون لإحداهما مدخل في تقوية النبوة وللأخرى في تقوية العلم.

قوله : كيف كان ، لما كان المتبادر من الشركة في أمر اختصاص كل من الشريكين بحصة فيه ليس للآخر فيها نصيب وهو ليس بمراد ، سأل عن كيفية الشركة ، وكان فيه مدح الرمان وأنه يوجب تنوير القلب كما صرح به في أخبار أخر.

الحديث الثاني : حسن.

قوله : فهو العلم ، تذكير الضمير للخبر.

الحديث الثالث : موثق.

قوله : وأنا شريكك فيه ، ليس بمناف لما مر في الخبر ، إذ التفاوت إنما هو في


أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه قال فلم يعلم والله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حرفا مما علمه الله عز وجل إلا وقد علمه عليا ثم انتهى العلم إلينا ثم وضع يده على صدره.

باب

جهات علوم الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عمه حمزة بن بزيع ، عن علي السائي ، عن أبي الحسن الأول موسى عليه‌السلام قال قال مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه ماض وغابر وحادث فأما الماضي فمفسر وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا.

______________________________________________________

الإجمال والتفصيل ، والإشارة إلى الصدر للتأكيد ولبيان عدم شركة الغير فيه ، أو كونه محفوظا في صدورهم لم يفتهم منه شيء.

باب

جهات علوم الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : صحيح على الظاهر ، والسائي منسوب إلى قرية من المدينة يقال لها الساية.

« مبلغ علمنا » أي غايته وكماله أو محل بلوغه ومنشإه.

« ماض » أي ما تعلق بالأمور الماضية و « غابر » أي ما تعلق بالأمور الآتية ، قال في القاموس : غبر الشيء غبرا أي بقي والغابر الباقي والماضي وهو من الأضداد « فأما الماضي فمفسر » أي فسره لنا رسول الله « وأما الغابر » أي العلوم المتعلقة بالأمور الآتية المحتومة « فمزبور » أي مكتوب لنا في الجامعة ومصحف فاطمة وغيرهما ، والشرائع والأحكام يمكن إدخالهما في الأول أو في الثاني أو بالتفريق « وأما الحادث » وهو ما يتجدد من الله حتمه من الأمور البدائية ، أو العلوم والمعارف الربانية أو تفصيل المجملات أو الأعم « فقذف في القلوب » بالإلهام من الله تعالى بلا توسط ملك أو نقر في الإسماع ، بتحديث الملك وكونه من أفضل علومهم لاختصاصه بهم ولحصولهم


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن علي بن موسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت أخبرني عن علم عالمكم قال وراثة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن علي عليه‌السلام قال قلت إنا نتحدث

______________________________________________________

بلا واسطة بشر ، أو لعدم اختصاص الأولين بهم إذ قد اطلع على بعضهما بعض خواص الصحابة مثل سلمان وأبي ذر بإخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بل قدر أي بعض أصحابهم عليهم‌السلام بعض مواضع تلك الكتب ، أو لأنها من المعارف الربانية التي هي أشرف العلوم كما مر تفصيله ، ولما كان هذا القول منه عليه‌السلام يوهم ادعاء النبوة فإن الإخبار عن الملك عند الناس مخصوص بالأنبياء ، نفى عليه‌السلام ذلك الوهم بقوله : « ولا نبي بعد نبينا » وذلك لأن الفرق بين النبي والمحدث إنما هو برؤية الملك عنه إلقاء الحكم وعدمها بالإسماع منه وعدمه كما مر.

الحديث الثاني : مجهول.

« وراثة » أي بعض منه كذلك ، وإنما اكتفي به أو لا تقية أو لقصور فهم السائل لئلا يتوهم فهم النبوة ، فلما سأل السائل قال عليه‌السلام : أو ذاك ، أي علمنا إما وارثة أو ذاك الذي ذكرت ، ولم يكن غرضي الحصر بل ذكر نوع منه ، أو العلم الذي لا بد منه في بدو الإمامة ، أو المراد يحتمل ذلك ، وعدم الجزم للمصلحة وهو بعيد ، أو يكون « أو » بمعنى بل كما ذكر في المغني وغيره ردا لإنكاره ، أي بل ذاك أي الوراثة واقع البتة ، أو يكون الألف للاستفهام أي أو يكون ذلك؟ على الإنكار للمصلحة ، والأول أظهر ، ويحتمل أن يكون في الأصل : ذاك أو ذاك ، فسقط الأول من النساخ ، أو يكون : ذاك وذاك ، كما في سائر الروايات عن النضري.

فقد روي في البصائر عن أحمد بن محمد عن البرقي عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن الأرض لا تترك بغير عالم؟ قلت : الذي يعلمه عالمكم ما هو؟ قال : وراثة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن علي بن أبي طالب عليه‌السلام علم يستغني عن الناس ولا يستغني الناس عنه ، قلت : وحكمة يقذف في صدره أو ينكت في أذنه؟ قال : ذاك وذاك.


أنه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم قال أو ذاك.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه عمن حدثه ، عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي الحسن عليه‌السلام روينا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال إن علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع فقال أما الغابر فما تقدم من علمنا وأما المزبور فما يأتينا وأما النكت في القلوب فإلهام وأما النقر في الأسماع فأمر الملك.

______________________________________________________

وبسند آخر عن النضري مثله ، وبسند آخر مثل ما في المتن ، وفي آخره قال : ذاك وذاك ، وبسند آخر عن أبان عمن رواه عنه عليه‌السلام بغير عبارة المتن وفي آخره قال : أو ذاك.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« روينا » على المعلوم من باب ضرب أو المجهول من هذا الباب أو من باب التفعيل ، وعلى الأخير أكثر المحدثين يقال رواه الحديث تروية إذا حمله على روايته « فما تقدم من علمنا » أي معلومنا أي العلم بالأمور الماضية ، أو المراد ما سمعه من الإمام المتقدم في حال حياته وعند موته ، وهو متقدم على الإمامة ، فالمراد بالمزبور ما يقرأه بعد الإمامة في الكتب التي دفعها إليه الإمام المتقدم ، والمراد بالغابر في هذا الخبر الماضي.

وقال في البصائر بعد رواية هذا الخبر : وروى زرارة مثل ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : كيف يعلم أنه كان من الملك ولا يخاف أن يكون من الشيطان إذا كان لا يرى الشخص؟ قال : إنه يلقى عليه السكينة فيعلم أنه من الملك ، ولو كان من الشيطان اعتراه فزع ، وإن كان الشيطان يا زرارة لا يتعرض لصاحب هذا الأمر.

أقول : قال الشيخ المفيد قدس‌سره في كتاب شرح العقائد : « القول في سماع الأئمة عليهم‌السلام كلام الملائكة الكرام وإن كانوا لا يرون منهم الأشخاص » أقول بجواز هذا من جهة العقل ، وأنه ليس بممتنع في الصديقين من الشيعة المعصومين من الضلال وقد جاءت بصحته وكونه للأئمة عليهم‌السلام ومن أسميت من شيعتهم الصالحين الأبرار الأخيار واضحة الحجة والبرهان ، وهو مذهب فقهاء الإمامية وأصحاب الآثار منهم ، وقد أباه بنو نوبخت وجماعة من الإمامية لا معرفة لهم بالأخبار ، ولم يتعمقوا النظر ولا سلكوا طريق الصواب.


باب

أن الأئمة عليهم‌السلام لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الواحد بن المختار قال قال أبو جعفر عليه‌السلام لو كان لألسنتكم أوكية لحدثت كل امرئ بما له وعليه.

٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن عبد الله بن مسكان قال سمعت أبا بصير يقول قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام من أين أصاب أصحاب علي ما أصابهم مع علمهم بمناياهم وبلاياهم قال فأجابني شبه المغضب : ممن ذلك

______________________________________________________

باب أن الأئمة عليهم‌السلام لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه

الحديث الأول : مجهول.

وفي القاموس : الوكاء ككساء : رباط القربة ، وكل ما شد رأسه من وعاء « بما له » أي من المنافع « وبما عليه » من البلايا والمضار.

الحديث الثاني : ضعيف.

« من أين أصاب أصحاب علي عليه‌السلام ما أصابهم » أي من البلاء والشدة والقتل.

والحاصل أن السائل استبعد إصابة العالم بمناياه وبلاياه وما يصيبه ، لأن العلم يوجب الحذر عما ينتهي إليه.

والجواب أن العلم لا يوجب الحذر بوجوه : « الأول » أنهم لم يكونوا مكلفين بالعمل بذلك العلم كما مر تحقيقه « والثاني » أنه ربما لم يكن الحذر مع وجود العلم وذلك ظاهر « والثالث » أنه ربما كان العلم سببا لوقوعه لا رفعه بأن أخبروا بذلك فصار سببا لوقوعه.

وجوابه عليه‌السلام يومئ إلى الأخير ، حيث قال : ممن ذلك إلا منهم ، أي لم يكن


إلا منهم فقلت ما يمنعك جعلت فداك قال ذلك باب أغلق إلا أن الحسين بن علي صلوات عليهما فتح منه شيئا يسيرا ثم قال يا أبا محمد إن أولئك كانت على أفواههم أوكية.

______________________________________________________

ذلك إلا منهم ، وإنما أصابهم البلايا والفتن لأخبارهم بما علموا من ذلك ، فما زعمت مانعا صار مؤيدا ، أو المعنى لم ينفعهم العلم لدفعه لأنهم فعلوا ما استحقوا بذلك نزول البلاء عليهم من عدم إطاعته عليه‌السلام كما ينبغي ، ولا ينافي ذلك علو مرتبتهم ، لأن المقر بين قد يؤاخذون بشيء قليل فيكون إشارة إلى قوله تعالى : « ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » (١).

وقيل : المراد بما أصابهم القرب والمنزلة عند الإمام عليه‌السلام ، واطلاعهم على العلوم الغريبة والأسرار العجيبة ، منضما إلى ما علموا من علم المنايا والبلايا ، والجواب حينئذ أنه لم يكن ذلك إلا منهم لكونهم قابلين مستعدين لذلك « فقلت : ما يمنعك »؟ أي من أن تخبر أصحابك بمناياهم وبلاياهم كما أخبر علي عليه‌السلام؟ فأجاب عليه‌السلام بأن ذلك باب مغلق عليهم لم يؤذن لهم في فتحه إلا يسيرا ، وهو ما أخبر به الحسين عليه‌السلام أصحابه من ذلك « إن أولئك » أي أصحاب الحسين عليه‌السلام « كانت على أفواههم أوكية » وكانوا كاتمين للإسرار فلذا أخبرهم ، وأنتم مذيعون لها فلذا لم يخبركم ، أو المراد أعم من أصحاب الحسين وأصحاب علي عليهما‌السلام ، فالمعنى أنهم كانوا قادرين على ضبط الأسرار وكتمها ، ولم يكتموا حتى قتلوا بذلك فكيف أنتم ولا تقدرون على الكتم ، أو هم كانوا كاتمين لبعض الأسرار وأنتم لا تكتمون شيئا.

__________________

(١) سورة الشورى : ٣٠.


باب

التفويض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الأئمة عليهم‌السلام

في أمر الدين

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي إسحاق النحوي قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فسمعته يقول إن الله عز وجل أدب نبيه على محبته فقال « وَإِنَّكَ لَعَلى

______________________________________________________

باب التفويض إلى رسول الله وإلى الأئمة عليهم‌السلام في أمر الدين

أقول : لعل مراده إثبات التفويض للتقييد بالدين احترازا عن التفويض في الخلق.

الحديث الأول : مجهول بالسند الأول صحيح بالثاني.

والتأديب تعليم الأدب وهو ما يدعو إلى المحامد من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة ، قال في المصباح المنير : أدبته أدبا من باب ضرب علمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق ، وأدبته تأديبا مبالغة وتكثيرا ، ومنه قيل : أدبته تأديبا مبالغة وتكثيرا ، ومنه قيل : أدبته تأديبا إذا عاقبته على إساءته ، لأنه سبب يدعو إلى حقيقة الأدب ، انتهى.

« على محبته » أي على النحو الذي أحب وأراد ، فيكون قائما مقام المفعول المطلق ، أو متعلق بأدب ، و « على » للتعليل أي لمحبة الله ، أو لأن يصير محبا له أو علمه طريق المحبة أو حال عن فاعل أدب أو مفعوله ، أي كائنا على محبته ، وعلى بعض الوجوه الضمير راجع إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل : يعني علمه وفهمه ما يوجب تأدبه بأدب الله ، وتخلقه بأخلاق الله لحبه إياه ، أو حالكونه محبا له وهذا مثل قوله سبحانه : « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ » (١) أو علمه ما يوجب محبة الله له أو محبة لله التي هي سبب لسعة

__________________

(١) سورة الإنسان : ٨.


خُلُقٍ عَظِيمٍ » (١) ثم فوض إليه فقال عز وجل : « وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (٢) وقال عز وجل : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » (٣) قال ثم قال وإن نبي الله فوض إلى علي وائتمنه فسلمتم وجحد الناس فو الله لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا ونحن فيما بينكم وبين الله عز وجل ما جعل الله لأحد خيرا في خلاف أمرنا.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي إسحاق قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ثم ذكر نحوه.

______________________________________________________

الخلق وعظم الحلم ، انتهى.

والخلق بالضم وبضمتين : السجية والطبع ، والمراد هنا استجماع كمال العلم وكمال العمل.

« ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ » أي ما أمركم به أو إباحة لكم فاقبلوه واعملوا به « وَما نَهاكُمْ عَنْهُ » أي تحريما أو الأعم منه ومن التنزيه « فَانْتَهُوا » أي فاتركوه وجوبا أو الأعم.

وقال الطبرسي (ره) أي ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه وارضوا به وما أمركم به فافعلوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، فإنه لا يأمر ولا ينهى إلا عن أمر الله ، وهذا عام في كل ما أمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونهى عنه ، وإن نزل في آية الفيء ، انتهى.

« نحن فيما بينكم وبين الله » أي لا واسطة بينكم وبينه تعالى إلا نحن ولا يقبل منكم الأقوال والأفعال إلا بمتابعتنا.

ثم اعلم أن التفويض يطلق على معان بعضها منفي عنهم عليهم‌السلام ، وبعضها مثبت لهم.

فالأول التفويض في الخلق والرزق والتربية والإماتة والإحياء فإن قوما قالوا

__________________

(١) سورة القلم : ٤.

(٢) سورة الحشر : ٧.

(٣) سورة النساء : ٨٠.


______________________________________________________

إن الله تعالى خلقهم وفوض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون وهذا يحتمل وجهين :

« أحدهما » أن يقال : إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون لها حقيقة فهذا كفر صريح ، دلت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به.

وثانيها : أن الله تعالى يفعلها مقارنا لإرادتهم كشق القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حية وغير ذلك من المعجزات ، فإن جميعها إنما تقع بقدرته سبحانه مقارنا لإرادتهم لظهور صدقهم فلا يأبى العقل من أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثم خلق كل شيء مقارنا لإرادتهم ومشيتهم ، وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحا (١) لكن الأخبار الكثيرة مما أوردناها في كتاب بحار الأنوار يمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صريحا ، مع أن القول به قول بما لا يعلم ، إذ لم يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم ، وما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها فلم توجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم ، مع أنه يمكن حملها على أن المراد بها كونهم علة غائبة لإيجاد جميع المكنونات (٢) وأنه تعالى جعلهم مطاعا في الأرضين والسماوات ، ويطيعهم بإذن الله تعالى كل شيء حتى الجمادات ، وأنهم إذا شاءوا أمرا لا يرد الله مشيتهم ، لكنهم لا يشاءون إلا أن يشاء الله.

وما ورد من الأخبار في نزول الملائكة والروح لكل أمر إليهم ، وأنه لا ينزل من السماء ملك لأمر إلا بدأ بهم فليس لمدخليتهم في تلك الأمور ، ولا للاستشارة بهم فيها ، بل له الخلق والأمر تعالى شأنه ، وليس ذلك إلا لتشريفهم وإكرامهم وإظهار رفعة مقامهم.

وقد روى الطبرسي (ره) في الاحتجاج عن علي بن أحمد القمي قال : اختلف

__________________

(١) أي مواجهة.

(٢) في نسخة « الممكنات » وهو الظاهر.


______________________________________________________

جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا ، فقال قوم : هذا محال لا يجوز على الله ، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل ، وقال آخرون : بل الله عز وجل أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا ، وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا ، فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه ، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر عليه‌السلام ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته : أن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فأما الأئمة عليهم‌السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم ، وإعظاما لحقهم.

وروى الصدوق في العيون عن الرضا عليه‌السلام في معنى قول الصادق عليه‌السلام : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ، قال : من زعم أن الله تعالى يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ، ومن زعم أن الله عز وجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهم‌السلام فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك ، الخبر.

الثاني : التفويض في أمر الدين ، وهذا أيضا يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون الله تعالى فوض إلى النبي والأئمة صلوات الله عليهم عموما أن يحلوا ما شاءوا ويحرموا ما شاءوا من غير وحي وإلهام ، أو يغيروا ما أوحى إليهم بآرائهم وهذا باطل لا يقول به عاقل ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينتظر الوحي أياما كثيرة لجواب سائل ولا يجيبه من عنده ، وقد قال تعالى : « وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (١).

وثانيهما : أنه تعالى لما أكمل نبيه بحيث لم يكن يختار من الأمور شيئا إلا ما يوافق الحق والصواب ، ولا يحل بباله ما يخالف مشيته سبحانه في كل باب ، فوض إليه

__________________

(١) سورة النجم : ٤.


______________________________________________________

تعيين بعض الأمور كالزيادة في ركعات الفرائض وتعيين النوافل من الصلاة والصيام ، وطعمة الجد ، وغير ذلك مما سيأتي بعضها في هذا الكتاب إظهارا لشرفه وكرامته عنده ، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحي ، ولا الاختيار إلا بالإلهام ، ثم كان يؤكد ما اختاره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوحي ، ولا فساد في ذلك عقلا ، وقد دلت النصوص المستفيضة عليه ، وظاهر الكليني وأكثر المحدثين القول به ، والصدوق (ره) وإن أوهم كلامه نفي ذلك يمكن تأويله بما يرجع إلى نفي المعنى الأول ، لأنه قد أورد في كتبه أكثر الأخبار الدالة على المعنى الثاني ، لا سيما في كتاب علل الشرائع ، ولم يردها ولم يتعرض لتأويلها وقال في الفقيه : وقد فوض الله عز وجل إلى نبيه أمر دينه ولم يفوض إليه تعدى حدوده.

الثالث : تفويض أمور الخلق إليهم من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم وتعليمهم وأمر الخلق بإطاعتهم فيما أحبوا وكرهوا وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما لم يعلموا وهو المراد بهذا الخبر ، وهذا معنى حق دلت عليه الآيات والأخبار وأدلة العقل.

الرابع : تفويض بيان العلوم والأحكام إليهم بما أرادوا ورأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم وإفهامهم ، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالأحكام الواقعية ، وبعضهم بالتقية ، ويسكتون عن جواب بعضهم للمصلحة ، ويجيبون في تفسير الآيات وتأويلها وبيان الحكم والمعارف بحسب ما يحتمله عقل كل سائل (١) كما سيأتي ، ولهم أن يجيبوا ولهم أن يسكتوا كما ورد في أخبار كثيرة : عليكم المسألة وليس علينا الجواب ، كل ذلك بحسب ما يريهم الله من مصالح الوقت كما سيأتي في خبر ابن أشيم وغيره.

ولعل تخصيصه بالنبي والأئمة صلوات الله عليه وعليهم لعدم تيسر هذه التوسعة لسائر الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، بل كانوا مكلفين بعدم التقية في بعض الموارد وإن أصابهم الضرر ، وإن كانوا مكلفين بأن يكلموا الناس على قدر عقولهم ، والتفويض بهذا المعنى أيضا حق ثابت بالأخبار المستفيضة ، وتشهد له الأدلة العقلية أيضا.

__________________

(١) وفي بعض النسخ « بحسب ما يحتمله عقلهم ».


______________________________________________________

الخامس : الاختيار في أن يحكموا بظاهر الشريعة أو بعلمهم وبما يلهمهم الله تعالى من الواقع ومخ الحق في كل واقعة ، وهو أحد محامل خبر ابن سنان الآتي ، ودل عليه غيره من الأخبار.

السادس : التفويض في الإعطاء والمنع ، فإن الله تعالى خلق لهم الأرض وما فيها ، وجعل لهم الأنفال والخمس والصفايا وغيرها ، فلهم عليهم‌السلام أن يعطوا من شاءوا وأن يمنعوا من شاءوا ، وهذا المعنى أيضا حق يظهر من كثير من الأخبار.

فإذا أحطت خبرا بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم أخبار هذا الباب ، وعرفت ضعف قول من نفي التفويض مطلقا ، ولما يحط بمعانيه.

قال الصدوق رضي‌الله‌عنه في رسالة العقائد : اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله جل جلاله ، وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة ، وأنه ما صغر الله جل جلاله تصغيرهم شيء ، إلى قوله رحمه‌الله : وكان الرضا عليه‌السلام يقول في دعائه : اللهم إني بريء إليك من الحول والقوة ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم إني أبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق ، اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا ، اللهم لك الخلق ومنك الرزق وإياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين ، اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ، ولا تصلح الإلهية إلا لك فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك ، والعن المضاهئين لقولهم من بريتك اللهم إنا عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، اللهم من زعم أنا أرباب فنحن منه براء ، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن منه براء كبراءة عيسى بن مريم عليهما‌السلام من النصارى ، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون ، واغفر لنا ما يدعون ولا تدع على الأرض منهم ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا.

وروي عن زرارة أنه قال : قلت للصادق عليه‌السلام : إن رجلا من ولد عبد الله بن


______________________________________________________

سنان يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت : إن الله تبارك وتعالى خلق محمدا وعليا صلوات الله عليهما ففوض إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا؟ فقال عليه‌السلام : كذب عدو الله إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية في سورة الرعد : « أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ » (١) فانصرفت إلى الرجل فأخبرته فكأني ألقمته حجرا أو قال : فكأنما خرس.

وقد فوض الله عز وجل إلى نبيه أمر دينه ، فقال عز وجل : « وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (٢) وقد فوض ذلك إلى الأئمة عليهم‌السلام ، وعلامة المفوضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم مشايخ قم وعلماءهم إلى القول بالتقصير ، وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلي مع العبادة ، مع تركهم الصلاة وجميع الفرائض ، ودعوى المعرفة بأسماء الله العظمى ، ودعوى انطباع الحق لهم ، وأن الولي إذا خلص وعرف مذهبهم فهو عندهم أفضل من الأنبياء عليهم‌السلام ، ومن علامتهم دعوى علم الكيمياء ولم يعلموا منه إلا الدغل ونفيف الشبه والرصاص على المسلمين ، انتهى.

وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرح هذا الكلام : الغلو في اللغة هو تجاوز الحد والخروج عن القصد ، قال الله تعالى : « يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَ » (٣) الآية فنهى عن تجاوز الحد في المسيح وحذر من الخروج عن القصد في القول ، وجعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعدية الحد على ما بيناه ، والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته عليهم‌السلام إلى الإلهية والنبوة ، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد ، وهم ضلال كفار ، حكم فيهم أمير المؤمنين صلوات ـ الله عليه بالقتل والتحريق بالنار وقضت الأئمة عليهم‌السلام فيهم بالإكفار والخروج عن الإسلام.

والمفوضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة ،

__________________

(١) الآية : ١٦.

(٢) سورة الحشر : ٧.

(٣) سورة النساء : ١٧١.


٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي عمران ، عن يونس ، عن بكار بن بكر ، عن موسى بن أشيم قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عز وجل فأخبره بها ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأول فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين فقلت في نفسي تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كله فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي فسكنت نفسي فعلمت

______________________________________________________

اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم ، ونفي القدم عنهم ، وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم ، ودعواهم أن الله تعالى تفرد بخلقهم خاصة ، وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال.

والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول ، وكان الحلاج يتخصص بإظهار التشيع وإن كان ظاهر أمره التصوف ، وهم قوم ملاحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ، ويدعون للحلاج الأباطيل ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات ، ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات ، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم ، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس.

الحديث الثاني : ضعيف.

« حتى كان قلبي » في البصائر : حتى كاد قلبي ، والشرح : القطع ، قال الجوهري : الشرح : الكشف ومنه تشريح اللحم. وأبو قتادة العدوي بفتح القاف من التابعين من علماء المخالفين اسمه تميم بن نذير « بخلاف ما أخبرني » كأنه كان شريكا للسائل الأول فيما أخبره به في الاستماع والتوجه ، ولذا نسبه إلى نفسه أو يكون السائل أيضا سأل عن الآية أولا فأخبره ، فيكون « صاحبي » بتشديد الياء على التثنية.

ولعل فيه سقطا أو تصحيفا فإنه روى الصفار بسند آخر عن موسى بن أشيم


أن ذلك منه تقية قال ثم التفت إلي فقال لي يا ابن أشيم إن الله عز وجل فوض إلى سليمان بن داود فقال « هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (١) وفوض إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (٢) فما فوض إلى

______________________________________________________

هكذا : قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فسألته عن مسألة فأجابني ، فبينا أنا جالس إذ جاءه رجل فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثم جاء آخر فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، ففزعت من ذلك وعظم علي ، إلى آخر الخبر.

وبسند آخر عن أديم بن الحر قال : سأله موسى بن أشيم يعني أبا عبد الله عليه‌السلام عن آية من كتاب الله فخبر بها فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبره ، قال ابن أشيم : فدخلني من ذلك ما شاء الله إلى قوله : فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبرني والذي سأله ، الخبر.

قوله : إن ذلك منه تقية ، في بعض النسخ بالتاء المثناة الفوقانية وهو ظاهر وفي بعضها بالباء الموحدة أي إبقاء وشفقة على الناس كما قال تعالى : « أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ » (٣) والإبقاء إما لئلا يتضرروا من المخالفين بأخبارهم بخلاف قولهم ، أو لعدم قابليتهم لفهم بعض المعاني فكلمهم على قدر عقلهم ، وفي البصائر في هذه الرواية « منه تعمد » وفي رواية أخرى « تعمد منه » وهو أصوب.

« هذا عَطاؤُنا » قال الطبرسي : أي الذي تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك « فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ » أي فأعط من الناس من شئت وامنع من شئت « بِغَيْرِ حِسابٍ » أي لا تحاسب يوم القيامة على ما تعطي وتمنع ، فيكون أهنأ لك ، وقيل : بغير جزاء أي أعطيناه تفضلا لا مجازاة ، انتهى.

__________________

(١) سورة ص : ٣٩.

(٢) سورة الحشر : ٧.

(٣) سورة هود : ١١٦.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فوضه إلينا.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن زرارة قال سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله عليه‌السلام يقولان إن الله عز وجل فوض إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا هذه الآية : « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ».

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال : « إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ

______________________________________________________

وأقول : التشبيه في أصل التفويض لا في نوعه ، فإن ما فوض إلى سليمان إعطاء الأمور الدنيوية ومنعها ، وما فوض إليهم عليهم‌السلام بذل العلوم والمعارف والأمور الدينية ومنعها بحسب المصالح ، وبالجملة التفويض الوارد في هذا الخبر هو المعنى الرابع من المعاني المتقدمة.

الحديث الثالث صحيح والحجال بياع الحجل وهو الخلخال « لينظر كيف طاعتهم » أي لله أو للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أظهر ، والمراد بالتفويض هنا الوجه الثاني من المعنى الثاني ، لأن قبول ما كان بتعيين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصعب على الخلق فكان التكليف فيه أشد والثواب أعظم ، أو الوجه الثالث لأن طاعة بني نوع واحد بعضهم لبعض مما يكبر في الصدور ، وتشمئز منه النفوس ، وإذا تحقق ذلك كما ينبغي دل عليه إخلاص النية في الطاعة لله عز وجل.

الحديث الرابع : حسن.

وقد تقدم أن قيسا تعلم الكلام من علي بن الحسين عليهما‌السلام وأنه كان فيمن ناظر الشامي عند الصادق عليه‌السلام ، والسياسة الإرشاد بالأمر والنهي والتأديب والزجر ، قال الجوهري : سست الرعية سياسة ، وسوس الرجل أمور الناس على ما لم يسم فاعله إذا ملك أمرهم.


عَظِيمٍ » (١) ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده فقال عز وجل : « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس لا يزل ولا يخطئ في شيء مما يسوس به الخلق فتأدب بآداب الله ثم إن الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة ـ لا يجوز تركهن إلا في سفر وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز الله عز وجل له ذلك كله فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ثم سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله عز وجل له ذلك وحرم الله عز وجل الخمر بعينها وحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك كله وعاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : تعد بركعة ، ضمير تعد راجع إلى الركعتين باعتبار أنهما في حكم ركعة ، أو بتأويل الصلاة ، وقال الفاضل الأسترآبادي رحمه‌الله : توضيح المقام أنه وقع التصريح في الأحاديث المذكورة في كتاب العلل وغيره بأن الله تعالى لاهتمامه بصلاة الوتر وضع الوتيرة لتكون بدلا عن الوتر في حق من يفوته الوتر بنوم أو غيره ، وبأنه ما صلى النبي الوتيرة أصلا لعلمه بأنه لا تفوته أصلا ، وبأنها لا تسقط في السفر لأنها ليست من نوافل صلاة العشاء وبأنها في أصل وضعها كانت ركعتين من جلوس لتعد بركعة قائما ، وتوافق المبدل في كونه وترا ، ثم رخص الله تعالى في الإتيان بها قائما ، انتهى.

ويدل الخبر على أن الخمر هو المأخوذ من عصير العنب فقط.

وقال الجوهري : عاف الرجل الطعام والشراب يعافه عيافا أي كرهه فلم يشربه فهو عاف ، انتهى.

__________________

(١) سورة القلم : ٤.


أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة ثم رخص فيها فصار الأخذ برخصه واجبا على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ولم يرخص لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لأحد ولم يرخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض الله عز وجل بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا لم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلا للمسافر وليس لأحد أن يرخص شيئا ما لم يرخصه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوافق أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الله عز وجل ونهيه نهي الله عز وجل ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى.

______________________________________________________

« نهي إعافة » لما كان أعاف أيضا بمعنى عاف أتى بالمصدر هكذا ، وفي بعض النسخ عافة وكأنه تصحيف عيافة ، أو جاء مصدر المجرد هكذا أيضا.

قوله عليه‌السلام : فصار الأخذ برخصه يدل على أن الأخذ بالمكروه والمندوب من حيث أنه مكروه أو مندوب أي قبول حكمهما والانقياد له واجب « فكثير المسكر » أي عدد كثير من أفراد المسكر يعني سوى الخمر من المسكرات ، لأن الخمر حرمت بتحريم الله تعالى لا بتحريم الرسول ، وقال بعض الأفاضل : يستفاد من فحوى هذا الكلام أن القليل من الأشربة ليس بحرام ، وإنما تحريم القليل مختص بالخمر بعينها وفيه إشكال لما سيأتي أن قليلها وكثيرها حرام كالخمر ، ولعله عليه‌السلام اكتفى بذكر الكثير ، لأن المخاطب لا يحتمل حرمة القليل ، لأنه كان من المخالفين الذين يحلون القليل منه الذي لا يسكر ، انتهى.

وعلى ما ذكره لا حاجة إلى هذه التكلفات وهذا الخبر صريح في الوجه الثاني من المعنى الثاني كما لا يخفى.


٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله عليه‌السلام يقولان إن الله تبارك وتعالى فوض إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا هذه الآية : « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ».

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة مثله.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى أدب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما انتهى به إلى ما أراد قال له « إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » ففوض إليه دينه فقال « وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » وإن الله عز وجل فرض الفرائض ولم يقسم للجد شيئا وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أطعمه السدس فأجاز الله جل ذكره له ذلك وذلك قول الله عز وجل ـ « هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (١)

______________________________________________________

الحديث الخامس : موثق كالصحيح ، وقد تقدم باختلاف في أول السند ، وسنده الثاني صحيح ومطابق لما مر إلا أن فيما مر مكان محمد بن يحيى العدة ، فإن كان أحمد ، ابن محمد بن عيسى كما هو الظاهر فمحمد بن يحيى داخل في عدته ، فلا وجه لا عادة السند ناقصا بعد إيراده كاملا ، وإن كان ابن محمد بن خالد ، فيحصل اختلاف أيضا في أول السند لكنه بعيد.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور ، معتبر عندي.

« فلما انتهى به إلى ما أراد » الباء للتعدية أي أوصله إلى ما أراد من الدرجات العالية والكمالات الإنسانية « ولم يقسم للجد » أي مع الأبوين ، وسيأتي تفصيله في كتاب المواريث.

« وذلك قول الله » أي نظيره إن حملنا هذا عطاؤنا على الأمور الدنيوية كما مر وإن عممناه فالاختلاف بمحض المخاطب لا الخطاب ، وهذا الخبر أيضا صريح في الوجه الثاني من المعنى الثاني.

__________________

(١) سورة ص : ٣٩.


٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دية العين ودية النفس وحرم النبيذ وكل مسكر فقال له رجل وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير أن يكون جاء فيه شيء قال نعم ليعلم من يطيع الرسول ممن يعصيه.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن قال وجدت في نوادر محمد بن سنان ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الأئمة قال عز وجل : « إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ » (١) وهي جارية في الأوصياء عليهم‌السلام.

______________________________________________________

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« من غير أن يكون جاء فيه شيء » أي على الخصوص فلا ينافي الوحي إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في أصل الوضع مجملا.

« من يطع الرسول » أي إطاعة كاملة « ممن يعصيه » من للتميز كما في قوله تعالى « وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ » (٢) على ما قاله ابن مالك ، وهذا الخبر أيضا في الدلالة مثل السابق.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« بِما أَراكَ اللهُ » ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد به بما عرفك الله وأوحى إليك ، ومنهم من زعم أنه يدل جواز الاجتهاد عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يخفى وهنه ، وظاهر الخبر أنه عليه‌السلام فسر الإرادة بالإلهام ، وما يلقي الله في قلوبهم من الأحكام ، فيدل على التفويض إما بالمعنى الخامس ، أو بالثاني من الثاني ، لكن جريانه في الأوصياء محتاج إلى تكلف ، أو بالمعنى الثالث وإن كان بعيدا ، فيكون المعنى : ما فوض الله إلى أحد الحكم بين الناس ورجوع الناس إليه في جميع الأحكام ، وتطبيق الآية عليه غير خفي بعد التأمل.

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٠.

(٢) سورة البقرة : ٢٢٠.


٩ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن زياد ، عن محمد بن الحسن الميثمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول إن الله عز وجل أدب رسوله حتى قومه على ما أراد ثم فوض إليه فقال عز ذكره « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » فما فوض الله إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فوضه إلينا.

١٠ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن الحسين بن عبد الرحمن ، عن صندل الخياط ، عن زيد الشحام قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : « هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » قال أعطى سليمان ملكا عظيما ثم جرت هذه الآية في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان له أن يعطي ما شاء من شاء ويمنع من شاء وأعطاه الله أفضل مما أعطى سليمان لقوله « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ».

______________________________________________________

الحديث التاسع : مجهول ، وهو مثل السابق في الاحتمالات.

الحديث العاشر : مجهول.

« وأعطاه الله أفضل » إلخ ، وجه الأفضلية أن ما أعطي سليمان كان في الرئاسة الدنيوية وأضيف إلى ذلك تفويض الأمور الدينية أيضا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأخير وحده أفضل ، لأنه متعلق بالأمور الباقية الأخروية ، والأول بالأمور الفانية الدنيوية ، واجتمع له صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الأفضل مع الأول ، وهذا أظهر ففيه دلالة على التفويض بالمعنى السادس ، والثاني من الثاني أو الرابع أو الخامس.

ثم اعلم أن بعض من أنكر التفويض في الأحكام مطلقا حمل الأخبار المتقدمة الدالة عليه على أن التفويض عبارة عن استنباط الأحكام من بطون القرآن ، أي ما يظهر بالدلالات الالتزامية دون ظواهرها التي هي المدلولات المطابقية والتضمنية ، وقد علمت أنه لا داعي إلى ارتكاب هذه التكلفات ، والله يعلم درجات أوليائه ومراتبهم.


باب

في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى وكراهية القول

فيهم بالنبوة

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن حمران بن أعين قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ما موضع العلماء قال مثل ذي القرنين وصاحب سليمان وصاحب موسى عليهم‌السلام.

______________________________________________________

باب في أن الأئمة عليهم‌السلام بمن يشبهون ممن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوة.

أقول : المراد بالكراهية هنا الحرمة بل هو موجب الكفر قطعا.

الحديث الأول : حسن.

« موضع العلماء » أي علماء أهل البيت عليهم‌السلام والتشبيه في عدم كونهم أنبياء مع وفور علمهم ووجوب طاعتهم ، وإن كان في المشبه أقوى.

والمراد بصاحب موسى إما يوشع عليه‌السلام كما صرح به في بعض الأخبار أو الخضر عليه‌السلام كما يدل عليه بعضها ، فيدل على عدم نبوة واحد منهما ، ويمكن أن يكون المراد عدم نبوته في تلك الحال ، فلا ينافي نبوته بعد في الأول ، وقيل في الثاني ، ويحتمل أن يكون التشبيه في محض متابعة نبي آخر وسماع الوحي لكن التخصيص يأبى ذلك كما لا يخفى.

ومما يدل على كون المراد بصاحب موسى الخضر عليه‌السلام ما رواه الصفار بإسناده عن الثمالي قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أي شيء المحدث؟ فقال : ينكت في أذنه فيسمع طنينا كطنين الطست ، أو يقرع على قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة علي الطست ، فقلت : نبي؟ قال : لا مثل الخضر ، ومثل ذي القرنين ، وسيأتي التصريح بيوشع في بعض الأخبار الآتية.


٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن أبي العلاء قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إنما الوقوف علينا في الحلال والحرام فأما النبوة فلا.

٣ ـ محمد بن يحيى الأشعري ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن الله عز ذكره ختم بنبيكم النبيين فلا نبي بعده أبدا وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبدا وأنزل فيه تبيان كل شيء وخلقكم وخلق السماوات والأرض ونبأ ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما بعدكم وأمر الجنة والنار وما أنتم صائرون إليه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن الحارث بن المغيرة قال قال أبو جعفر عليه‌السلام

______________________________________________________

الحديث الثاني حسن.

« إنما الوقوف علينا » أي إنما يجب عليكم أن تقوموا عندنا وتعكفوا على أبوابنا و [ لا ] تكونوا معنا لاستعلام الحلال والحرام ، لا أن تقولوا بنبوتنا ، أو إنما لكم أن تقفوا لنا وتقتصروا على الحكم بإثبات علم الحلال والحرام لنا ، وإنا نواب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيان ذلك لكم ، ولا تتجاوزوا بنا إلى إثبات النبوة.

الحديث الثالث صحيح.

« وخلقكم » بسكون اللام إما منصوب بالعطف على تبيان أو مجرور بالعطف على كل شيء « ونبأ ما قبلكم » أي من الأمم والأنبياء وما أنزل إليهم « وفصل ما بينكم » من الشرائع والأحكام أو الأعم منهما ومن سائر الأمور الدينية والدنيوية والمسائل الغامضة « وخبر ما بعدكم من الأمم » وما يحدث في السماوات والأرض وما أنتم صائرون إليه في الدنيا والآخرة من أحوال البرزخ والبعث والنشور ، ومن يصير إلى الجنة أو إلى النار.

الحديث الرابع موثق


إن عليا عليه‌السلام كان محدثا فقلت فتقول نبي قال فحرك بيده هكذا ثم قال أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أوما بلغكم أنه قال وفيكم مثله.

______________________________________________________

« فحرك بيده هكذا » الباء لتقوية التعدية ، والراوي حرك يده إلى فوق حكاية لفعله عليه‌السلام فقال هكذا أي أشار عليه‌السلام بيده هكذا ، مبالغة لنفي النبوة « ثم قال أو كصاحب سليمان » وكلمة « أو » بمعنى بل كما قيل في قوله تعالى : « مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ » (١) أو المعنى لا تقل إنه نبي بل قل : محدث أو كصاحب سليمان ، أو المعنى أن تحديث الملك قد يكون للنبي وقد يكون لغيره كصاحب سليمان « أوما بلغكم » بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدر ، وهذا إشارة إلى ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه سئل عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا؟ فقال : لا نبيا ولا ملكا ، عبد أحب الله فأحبه الله ونصح الله فنصح له ، فبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب ، ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب ، ثم بعثه الثالثة فمكن الله له في الأرض ، وفيكم مثله يعني نفسه ، وروى مثله الزمخشري في الكشاف.

ويحتمل إرجاع الضمير إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكونه معلوما لرواية مثله عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عليا ذو قرني هذه الأمة.

قال النهاية فيه إنه قال لعلي عليه‌السلام : إن لك بيتا في الجنة ، وإنك ذو قرنيها أي طرفي الجنة وجانبيها ، قال أبو عبيد : وأنا أحسب أنه أراد ذو قرني الأمة فأضمر ، وقيل : أراد الحسن والحسين عليهما‌السلام ، ومنه حديث علي عليه‌السلام وذكر قصة ذي القرنين ، ثم قال : وفيكم مثله ، فنرى أنه عنى نفسه لأنه ضرب على رأسه ضربتين إحداهما يوم الخندق ، والأخرى ضربة ابن ملجم ، وذو القرنين هو الإسكندر سمي بذلك لأنه ملك الشرق والغرب ، وقيل : لأنه كان في رأسه شبه قرنين ، وقيل : رأى في النوم أنه أخذ بقرني الشمس ، انتهى.

__________________

(١) سورة الصافات : ١٤٧.


٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له ما منزلتكم ومن تشبهون ممن مضى قال صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن أبي طالب ، عن سدير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن قوما يزعمون أنكم آلهة ـ يتلون بذلك علينا قرآنا « وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ » (١) فقال يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم قال قلت :

______________________________________________________

وأقول : قيل لأنه عاش قرنين ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام عاش قرنين قرنا في حياة النبي وقرنا بعد وفاته ، والذي يظهر من الخبر السابق أن التشبيه باعتبار الضربتين والرجوع إلى الدنيا واستيلائه على شرق الأرض وغربها.

الحديث الخامس حسن.

« صاحب موسى » أي تشبه صاحب موسى « كانا عالمين » استيناف لبيان وجه الشبه ، أي التشبيه في أنها كانا عالمين بالعلوم الدينية وكاملين في صنوف العلم ، ولم يكونا نبيين فلا ينافي كونهم أفضل منهما ومن سائر الأنبياء ، ولا يلزم في كل تشبيه كون المشبه به أفضل من المشبه ، بل يكفي كونه أشهر وأعرف عند المخاطب.

الحديث السادس حسن.

« يتلون علينا » قد مر الكلام فيه في كتاب التوحيد ، وأن هؤلاء الزنادقة زعموا أن إله السماء غير إله الأرض ، وأن الله سبحانه إله السماء وكل إمام إله الأرض وجعلوا قوله : « وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ » جملة مستقبلة معطوفة على حملة الضمير والموصول ، مع أن الآية مسوقة لتأكيد التوحيد ، والظرف في الموضعين متعلق بإله ، لكونه بمعنى المعبود ، « وإله » خبر مبتدإ محذوف هو ضمير الموصول ، والتقدير وهو

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٣.


وعندنا قوم يزعمون أنكم رسل يقرءون علينا بذلك قرآنا ـ « يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ » (١) فقال يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ورسوله ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم ـ يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم قال قلت فما أنتم قال نحن خزان علم الله نحن تراجمة أمر الله نحن قوم معصومون أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض.

______________________________________________________

الذي هو إله في السماء وإله في الأرض ، أي مستحق لأن يعبد فيهما أو الإله بمعنى الخالق ، أي هو الخالق فيهما.

قوله : يقرءون علينا بذلك قرآنا ، لعل مناط استدلالهم بها توهم أن المراد بالرسل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام بناء على زعمهم أن هذا الخطاب كسائر الخطابات القرآنية متوجه إلى الموجودين ، وإلى من سيوجد تبعا ، والجواب أنه يمكن أن يكون الخطاب متوجها إلى الموجود وإلى من مضى تبعا بل على زعمهم يمكن أن يكون إطلاق الرسل عليهم على التغليب الشائع ، وذكر المفسرون أنه نداء وخطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة ، بل على معنى أن كلا منهم خوطب به في زمانه ، وفيه تنبيه على أن الأمر بأكل الطيبات لم يكن له خاصة ، بل كان لجميع الأنبياء ، وحجة على رفض أكلها تقربا إلى الله تعالى ، وقيل : النداء له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والجمع للتعظيم ، والطيبات يحتمل المستلذات أو المحللات ، فإنهم لا يرتكبون المحرمات والشبهات ، ولذا ورد أن الحلال قوت المصطفين.

والتراجمة بفتح التاء وكسر الجيم جمع الترجمان ، أي المفسرون لأوامر الله النازلة في القرآن أو الأعم.

« نحن الحجة البالغة » أي الكاملة ، إشارة إلى قوله تعالى « فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ». (٢)

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٥١.

(٢) سورة الأنعام : ١٤٩.


٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر ، عن ابن مسكان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول الأئمة بمنزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمفأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام محدثون مفهمون

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن القاسم بن محمد ، عن عبيد بن زرارة قال أرسل أبو جعفر عليه‌السلام إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء محمد عليه وعليهم‌السلام محدثون.

______________________________________________________

الحديث السابع ضعيف.

ويدل على أنه لا يحل للأئمة عليهم‌السلام ما يخص حلها بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الزائد على الأربع ، والموهوبة وأشباههما ، واشتراك سائر الخصائص بينه وبينهم صلوات الله عليهم ، إلا أن يحمل ذكر النساء على المثال.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام محدثون مفهمون.

الحديث الأول : ضعيف.

والحكم كان بتريا زيديا (١) وحكي عن علي بن الحسين بن فضال أنه قال : كان الحكم من فقهاء العامة وكان أستاذ زرارة وحمران والطيار قبل أن يروا هذا الأمر ، ولعل إعلامه هذا ليعلم أن زيدا وأضرابه وأحزابه ليسوا مستأهلين للإمامة والوصاية ، لأنه كان يعلم أنهم ليسوا كذلك ، والمحدث كمعظم من يحدثه الملك.

__________________

(١) قال الطريحي رحمه‌الله البُترية ـ بضمّ الموحدة فاسكون ـ فرق من الزيدية قيل : نسبوا إلى المغيرة بن سعد ولقبه الأبتر ، وقيل : البترية هم أصحاب كثير النوّاء الحسن بن أبي صالح وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحدّاد وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه‌السلام فخلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهم الإمامة ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعايشة ويرون الخروج مع ولد علي عليه‌السلام.


٢ ـ محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن زياد بن سوقة ، عن الحكم بن عتيبة قال دخلت على علي بن الحسين عليه‌السلام يوما فقال يا حكم هل تدري الآية التي كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام يعرف قاتله بها ويعرف بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس قال الحكم فقلت في نفسي قد وقعت على علم من علم علي بن الحسين أعلم بذلك تلك الأمور العظام قال فقلت لا والله لا أعلم قال ثم قلت الآية تخبرني بها يا ابن رسول الله قال هو والله قول الله عز ذكره : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث وكان علي بن أبي طالب عليه‌السلام محدثا فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي لأمه : سبحان

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف.

« يعرف قاتله بها » الباء دخلت على الواسطة في الإثبات وتوهم الحكم دخوله على الواسطة في الثبوت ، فطمع في المحال ، وهو كون آية واحدة تبيانا لكل شيء « الآية » منصوب « وتخبرني » بمعنى أخبرني ، والاستفهام مقدر « قال هو والله » تذكير الضمير لمناسبة الخبر أو لرجوعه إلى مطلوب السائل ، أو بتأويل القول ويدل على أنه كان في القرآن « ولا محدث » فأسقطوه.

« فقال له رجل » قيل : « فقال » كلام زياد بن سوقة ، وضمير « له » للحكم ، وهذه الحكاية كانت بعد وفاة علي بن الحسين في مجلس الباقر عليهم‌السلام ، ولا يخفى ما فيه من التكلف.

والذي ظهر لي أنه اشتبه على المصنف (ره) أو النساخ فوصلوا إلى آخر حديث آخر (١) فإنه روى الصفار في البصائر خبر ابن عتيبة إلى قوله : ولا محدث ، وزاد فيه : فقلت : أكان علي بن أبي طالب محدثا؟ قال : نعم ، وكل إمام منا أهل البيت فهو محدث ، ثم روي بسند آخر عن حمران عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أهل بيتي اثنا عشر محدثا ، فقال له عبد الله بن زيد : وكان أخا علي

__________________

(١) وفي نسخة « فوصلوا آخر حديث بأول حديث آخر ... ».


الله محدثا كأنه ينكر ذلك فأقبل علينا أبو جعفر عليه‌السلام فقال أما والله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك قال فلما قال ذلك سكت الرجل فقال هي التي هلك فيها أبو الخطاب فلم يدر ما تأويل المحدث والنبي.

______________________________________________________

لأمه ، سبحان الله وساق الخبر إلى آخره.

وأما كون عبد الله أخا علي بن الحسين عليه‌السلام لأمه فهو مما ذكره العامة في كتبهم ففي مختصر تهذيب الكمال : علي بن الحسين أمه أم ولد اسمها غزالة خلف عليها بعد الحسين زيد مولى للحسين بن علي فولدت له عبد الله بن زيد ، انتهى.

والحق أنه لم يكن أخاه حقيقة بل قيل : إن أم عبد الله كانت أرضعته عليه‌السلام فكان أخا رضاعيا له عليه‌السلام ، وقال ابن داود : عبد الله كان أمة وشيكة ظئر علي بن الحسين عليه‌السلام وكان يدعوها أما وهي التي زوجها فعابه عبد الملك بن مروان بأنه زوج أمه توهما أنها والدته ، وكانت والدته شهربانويه وقد توفيت وهو طفل.

وروى الصدوق في العيون عن الحسين بن محمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن عون بن محمد عن سهل بن القاسم القوشجاني ، قال : قال لي الرضا عليه‌السلام بخراسان :

إن بيننا وبينكم نسب ، قلت : ما هو أيها الأمير ، قال : إن عبد الله بن عامر بن كربز لما افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم ، فبعث بهما إلى عثمان بن عفان ، فوهب إحداهما للحسن والأخرى للحسين عليهما‌السلام ، فماتتا عنده نفساوين وكانت صاحبة الحسين عليه‌السلام نفست بعلي بن الحسين عليه‌السلام فكفل عليا عليه‌السلام بعض أمهات ولد أبيه ، فنشأ وهو لا يعرف أما غيرها ، ثم علم أنها مولاته وكان الناس يسمونها أمه وزعموا أنه زوج أمه ومعاذ الله إنما زوج هذه على ما ذكرنا.

وكان سبب ذلك أنه واقع بعض نسائه ثم خرج يغتسل ، فلقيته أمه هذه ، فقال لها : إن كان في نفسك من هذا الأمر شيء فاتقي الله وأعلميني ، فقالت : نعم ، فزوجها ، فقال ناس : زوج علي بن الحسين عليه‌السلام أمه قال عون : قال لي سهل بن القاسم : ما بقي طالبي عندنا إلا كتب هذا الحديث عن الرضا عليه‌السلام.

« هي التي » الضمير راجع إلى الآية أو إلى مسألة الفرق بين النبي والمحدث ،


٣ ـ أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن إسماعيل قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول الأئمة علماء صادقون مفهمون محدثون.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن محمد بن مسلم قال ذكر المحدث عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال إنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت له جعلت فداك كيف يعلم أنه كلام الملك قال إنه يعطى السكينة والوقار حتى يعلم أنه كلام ملك.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى

______________________________________________________

وأبو الخطاب هو محمد بن مقلاص وكان يقول : أن الأئمة عليهم‌السلام أنبياء لما سمع أنهم محدثون ولم يفرق بين المحدث والنبي ، ثم عدل عنه وكان يقول : إنهم آلهة كما ذكره الشهرستاني في كتاب الملل والنحل.

الحديث الثالث صحيح.

« علماء » أي هم العلماء المذكورون في قوله تعالى : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ » (١) الآية ، وغيرها.

« صادقون » إشارة إلى قوله سبحانه : « وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (٢).

« مفهمون » من جهة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهمهم القرآن وتفسيره وتأويله وغير ذلك من العلوم والمعارف « محدثون » من الملك.

الحديث الرابع : مرسل.

وكنى بالسكينة والوقار عن سكون النفس وطمأنينة القلب اللذين يدلان على أن ما يلقى إليهم من الملك ، والحاصل أنه تعالى يلقى عليه علما ضروريا بذلك أو ينصب له معجزات وعلامات بها يتيقن ذلك.

الحديث الخامس : حسن موثق.

__________________

(١) سورة الزمر : ٩.

(٢) سورة التوبة : ١١٩.


عن الحسين بن المختار ، عن الحارث بن المغيرة ، عن حمران بن أعين قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إن عليا عليه‌السلام كان محدثا فخرجت إلى أصحابي فقلت جئتكم بعجيبة فقالوا وما هي فقلت سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول كان علي عليه‌السلام محدثا فقالوا ما صنعت شيئا إلا سألته من كان يحدثه فرجعت إليه فقلت إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا ما صنعت شيئا إلا سألته من كان يحدثه فقال لي يحدثه ملك قلت تقول إنه نبي قال فحرك يده هكذا أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أوما بلغكم أنه قال وفيكم مثله.

باب

فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن جابر الجعفي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا جابر إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عز وجل : « وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » (١) فالسابقون هم رسل الله عليهم‌السلام

______________________________________________________

باب في (٢) ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : صحيح.

« وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً » أي أصنافا ثلاثة « فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ » الاستفهام للتعجب من علو حالهم ، والجملة الاستفهامية خبر بإقامة الظاهر مقام الضمير ، وسموا أصحاب الميمنة لأنهم عند أخذ الميثاق كانوا على اليمين ، أو يكونون عند الحشر عن يمين العرش أو يؤتون صحائفهم بإيمانهم في القيامة ، أو لأنهم أهل اليمن والبركة وأصحاب المشيمة على خلاف ذلك « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ » أي الذين سبقوا الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق ، أو سبقوا إلى حيازة الفضائل والكمالات ، أو الأنبياء

__________________

(١) سورة الواقعة : ٦ ـ ١١.

(٢) كذا في النسخ.


وخاصة الله من خلقه جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء وأيدهم

______________________________________________________

والأوصياء فإنهم مقدموا أهل الإيمان هم الذين عرفت حالهم ومالهم ، كقول أبي النجم : وشعري شعري (١) ، أو الذين سبقوا إلى الجنة أولئك المقربون ، أي الذين قربت درجاتهم في الجنة وأعليت مراتبهم.

« وخاصة الله » أي الأوصياء الذين اختصهم الله لخلافته.

« جعل فيهم خمسة أرواح » الروح يطلق على النفس الناطقة ، وعلى الروح الحيوانية السارية في البدن ، وعلى خلق عظيم إما من جنس الملائكة أو أعظم من الملائكة كما قال تعالى : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا » (٢) والأرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا مختلفة متباينة بعضها في البدن وبعضها خارجة عنه ، أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة الإنسانية باعتبار أعمالها ودرجاتها ومراتبها في الطاعة ، وكما يطلق عليها العقل الهيولاني والعقل بالملكة ، والعقل بالفعل ، والعقل المستفاد بحسب مراتبها في العلم والمعرفة.

ويحتمل أن يكون روح القوة والشهوة والمدرج كلها الروح الحيوانية وروح القدس النفس الناطقة بحسب كمالاتها ، أو تكون الأربعة سوى روح القدس مراتب النفس ، وروح القدس الخلق الأعظم ، فإن ظاهر أكثر الأخبار مباينة روح القدس للنفس.

ويحتمل أن يكون ارتباط روح القدس متفرعة على حصول تلك الحالة القدسية للنفس فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة ، وعلى تلك الحالة ، وعلى جوهر القدس الذي يحصل له ارتباط بالنفس في تلك الحالة ، كما أن الحكماء يقولون : أن النفس بعد تخليها عن الملكات الرديئة وتحليها بالصفات العلية وكشف الغواشي الهيولائية ونقض العلائق الجسمانية يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط

__________________

(١) أبو النجم العجلي هو الفضل بن قدامة من رجّاز الإسلام وقوله « شعري شعري » جزء بيت وتمامه :

« أنا أبو النجم وشعري شعري

لله درّي ما يجنّ صدري »

كان من شعراء الدولة الأموية ، ومات في أواخر أيّام دولتهم وله حكاية لطيفة مع هشام بن عبد الملك.

(٢) سورة النبأ : ٣٨.


بروح الإيمان فبه خافوا الله عز وجل وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عز وجل وكرهوا معصيته وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الإيمان فبه خافوا الله وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا على طاعة الله وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون.

______________________________________________________

البدن بالروح ، فتطالع الأشياء فيها ويفيض منه عليها آنا فآنا وساعة فساعة ، العلوم والحكم والمعارف ، وبه يأولون علم ما يحدث بالليل والنهار ، وهذا وإن كان مبنيا على أمور أكثرها مخالفة لأصول الدين لكن إنما ذكرنا للتشبيه والتنظير ، وعلم جميع ذلك عند العليم الخبير.

« فبه قدروا على طاعة الله » روح القوة روح بها يقدرون على الأعمال وهي مشتركة بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، لكن لما كان أصحاب اليمين يصرفونها في طاعة الله عبر عنها كذلك ، وكذا روح الشهوة هي ما يصير سببا للميل إلى المشتهيات ، فأصحاب الشمال يصرفونها في المشتهيات الجسمانية واللذات الفانية وأصحاب اليمين يستعملونها في الشهوات الروحانية والأمور الباقية.

والمدرج من قولهم : درج الرجل أي مشى.

وعدم ذكر أصحاب المشيمة لظهور أحوالهم مما مر لأنه ليس لهم روح القدس ولا روح الإيمان ففيهم الثلاثة الباقية التي في الحيوانات أيضا ، ولذا قال سبحانه « إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » (١) وسيأتي تفصيل ذلك في خبر طويل في باب الكبائر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وقال بعض من يذهب مسالك الصوفية والإشراقيين : إنما خلقهم ثلاثة أصناف لأن أصول العوالم والنشئات ثلاثة : عالم الجبروت وهو عالم العقل المجرد عن المادة

__________________

(١) سورة الفرقان : ٤٤.


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن عمر ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن المنخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عن علم العالم فقال لي يا جابر إن في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ثم قال يا جابر إن هذه الأربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن المعلى بن محمد ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره فقال يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أرواح روح الحياة فبه دب ودرج وروح القوة فبه نهض وجاهد

______________________________________________________

والصورة وأصحابه السابقون وفيهم روح القدس ، وعالم الملكوت وهو عالم المثال والخيال المجرد عن المادة دون الصورة ، وأصحابه أصحاب الميمنة وفيهم روح الإيمان ، وعالم الملك وهو عالم المدرج ، وعالم الغيب يشمل الأولين ، وكذا عالم الأرواح ، وربما يطلق الملكوت أيضا على ما يعمهما.

الحديث الثاني : ضعيف.

وروح الحياة هنا هو روح المدرج وقال الجوهري : حدث أمر أي وقع ، والحدث والحادثة والحدثان كله بمعنى ، انتهى.

والمراد هنا ما يمنعها عن أعمالها كرفع بعض الشهوات عند الشيخوخة وضعف القوي بها ، وبالأمراض ، ومفارقة روح الإيمان بارتكاب الكبائر ، وأما من اتصف بروح القدس فلا يصيبه ما يمنعه عن العلم والمعرفة.

« ولا يلهو » أي لا يسهو عن أمر « ولا يلعب » أي لا يرتكب أمرا لا منفعة فيه.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

وإرخاء الستر إرساله ، ودب يدب دبيبا : مشى على هنيئة وسهولة


وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال وروح الإيمان فبه آمن وعدل ـ وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انتقل روح القدس فصار إلى الإمام وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو وروح القدس كان يرى به.

باب

الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم‌السلام

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا

______________________________________________________

« لا ينام » أي لا يعرض صاحبه الغفلة في النوم ، وليس نومه كنوم سائر الناس كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تنام عيني ولا ينام قلبي.

وقال الجوهري : الزهو الكبر والفخر ، وحكى بعضهم الزهو الرجاء الباطل والكذب والاستخفاف « كان يرى به » على بناء المجهول أو المعلوم ، أي كان النبي أو الإمام يرى به ما غاب عنه في أقطار الأرض ، وما في أعنان السماء ، وأما انتقال هذا الروح إن حملناه على خلق آخر غير النفس فانتقاله ظاهر ، وإن حملناه على النفس الكاملة فانتقاله مجاز عن انتقال حالته وحصول شبه تلك الحالة في نفس أخرى.

باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم‌السلام

الحديث الأول : صحيح.

« وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » هذه الآية بعد قوله تعالى : « وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ».

وقال الطبرسي : أي مثل ما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا لك ، « رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » يعني الوحي بأمرنا ومعناه القرآن لأنه يهتدى به ففيه حياة من موت


ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » (١) قال خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده.

______________________________________________________

الكفر ، وقيل : هو روح القدس ، وقيل : هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قالا : ولم يصعد إلى السماء وأنه لقينا. (٢)

« ما كُنْتَ تَدْرِي » يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الوحي « مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » أي ما القرآن ولا الشرائع ومعالم الإيمان ، وقيل : معناه ولا أهل الإيمان أي مسن الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن ، وهذا من باب حذف المضاف « وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً » أي جعلنا الروح الذي هو القرآن نورا ، لأن فيه معالم الدين ، وقيل جعلنا الإيمان نورا لأنه طريق النجاة « نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا » أي نرشده إلى الجنة.

وقال البيضاوي : « رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » يعني ما أوحي إليه ، سماه روحا لأن القلوب تحيي به ، وقيل : جبرئيل عليه‌السلام ، والمعنى أرسلنا إليك بالوحي ما كنت تدري ، أي قبل الوحي وهو دليل على أنه لم يكن متعبدا قبل النبوة بشرع ، وقيل : المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع « وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً » أي الروح أو الكتاب أو الإيمان « نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا » بالتوفيق للقبول والنظر فيه « وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » هو الإسلام ، انتهى.

وقيل : قوله : من أمرنا ، صفة لروحا أو حالا عنه ، يعني أنه من عالم الأمر ، وهو عالم المجرد لا من عالم الخلق وهو عالم الماديات كما قيل في قوله تعالى : « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » (٣) وقوله سبحانه : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » (٤) ومنهم من يحمل الروح على العقل وإنزاله على ارتباطه بالنفس وإشراقه عليها ، وكل ذلك مبني على إثبات مجرد سوى الله ، وهو مما لا يجترئ عليه كما عرفت مرارا لكن يمكن

__________________

(١) سورة الشورى : ٥٢.

(٢) وفي نسخة : « وأنه لفينا » بالفاء.

(٣) سورة الأعراف : ٥٤.

(٤) سورة الإسراء : ٨٥.


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن أسباط بن سالم قال سأله رجل من أهل هيت وأنا حاضر عن قول الله عز وجل « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » فقال منذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صعد إلى السماء وإنه لفينا.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ

______________________________________________________

أن يكون المراد أنه من عالم الملكوت والسماويات والملائكة والروحانيات لا من عالم العناصر والأرضيات ، وقيل : كان المراد بهذا الروح غير روح القدس ، لأن روح القدس لا تفارقهم كما لا تفارقهم الأرواح الأربعة التي دونه ، وهذا الروح قد يفارقهم كما يأتي أنه ليس كلما طلب وجد إلا أن يقال : أن روح القدس فيهم كان يبلغ إلى مقام هذا الروح وتصير متحدا معه.

الحديث الثاني : مجهول.

« وهيت » بالكسر : بلد بالعراق ، وعلى بعض الوجوه المتقدمة يكون الصعود والنزول على الاستعارة والمجاز.

الحديث الثالث : صحيح.

و « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ » قال الطبرسي (ره) : اختلف في الروح المسؤول عنه :

أحدها : أنهم سألوه عن الروح الذي هو في بدن الإنسان ما هو ولم يجبهم ، وسأله عن ذلك قوم من اليهود عن ابن عباس وغيره ، وعلى هذا فإنما عدل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جوابهم لعلمه بأن ذلك ادعى لهم إلى الصلاح في الدين ، ولأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين ، فلو صدر الجواب لازدادوا عنادا ، وقيل : إن اليهود قالت لقريش : سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي وإن لم يجبكم فهو نبي ، فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم ، وأن يكلمهم في معرفة الروح على ما في عقولهم ، ليكون ذلك علما على صدقه ، ودلالة لنبوته.


الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » (١) قال خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمة وهو من الملكوت.

٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي بصير

______________________________________________________

وثانيها : أنهم سألوه عن الروح أهي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك؟ فقال سبحانه : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » ، أي من فعله وخلقه ، وكان هذا جوابا لهم عما سألوه عنه بعينه ، وعلى هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوه عنه هو الذي به قوام الجسد على قول ابن عباس وغيره ، أم جبرئيل على قول الحسن وقتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك ، على ما روي عن علي عليه‌السلام ، أم عيسى فإنه سمي بالروح.

وثالثها : أن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن كيف يلقاك به الملك وكيف صار معجزا؟ وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب والأشعار وقد سمى الله سبحانه القرآن روحا في قوله : و « كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » (٢) فقال سبحانه : قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي أنزله دلالة على نبوتي ، وليس من فعل المخلوقين ولا مما يدخل في إمكانهم ، وعلى هذا فقد وقع الجواب أيضا موقعه ، وأما على القول الأول فيكون معنى قوله : من أمر ربي هو الأمر الذي يعلمه ربي ، ولم يطلع عليه أحد ، انتهى.

والخبر يدل على أنه خلق عظيم ، وظاهره أنه ليس من الملائكة ، بناء على أن جبرئيل أعظم من سائر الملائكة.

« وهو من الملكوت » أي السماويات والروحانيات لا المجردات كما قيل.

الحديث الرابع : حسن.

ويدل على اختصاص الروح بالنبي والأئمة صلوات الله عليهم ، وقد اشتملت الأخبار الكثيرة على أن روح القدس يكون في الأنبياء أيضا لا سيما أولي العزم منهم ، وقد دلت الآية على خصوص عيسى عليه‌السلام ، ويمكن الجمع بوجهين :

__________________

(١) سورة الإسراء : ٨٥.

(٢) سورة الشورى : ٥٢.


قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » قال خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمة يسددهم وليس كل ما طلب وجد.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العلم أهو علم يتعلمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرءونه فتعلمون منه قال الأمر أعظم من ذلك وأوجب أما سمعت قول الله عز وجل : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » ثم قال أي شيء يقول أصحابكم في هذه الآية أيقرون أنه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان فقلت لا أدري جعلت فداك ما يقولون فقال لي بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب

______________________________________________________

الأول : أن يكون روح القدس مشتركا والروح الذي من أمر الرب مختصا ، وقد دل على مغايرتهما بعض الأخبار.

والثاني أن يكون روح القدس نوعا تحته أفراد كثيرة ، فالفرد الذي في النبي والأئمة عليهم‌السلام أو الصنف الذي فيهم لم يكن مع من مضى ، وعلى القول بالصنف يرتفع التنافي بين ما دل على كون نقل الروح إلى الإمام بعد فوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين ما دل على كون الروح مع الإمام من عند ولادته فلا تغفل.

قوله عليه‌السلام : وليس كل ما طلب وجد ، أي ليس حصول تلك المرتبة الجليلة ميسرة بالطلب ، بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، أو المعنى أن ذلك الروح قد يحضر وقد يغيب ، وليس في كل وقت طلب وجد ، فلذا قد يتأخر جوابهم حتى يحضر والأول أظهر.

الحديث الخامس : مجهول.

« الأمر أعظم من ذلك وأوجب » وفي البصائر « وأجل » قيل : إنما كان الأمر أوجب من ذلك لأن الأمرين المذكورين مما يشترك فيه سائر الناس ، فلا بد


ولا الإيمان حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في الكتاب فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم وهي الروح التي يعطيها الله تعالى من شاء فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن سعد الإسكاف قال أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام جبرئيل عليه‌السلام من الملائكة والروح غير جبرئيل فكرر ذلك على الرجل فقال له لقد قلت عظيما من القول ما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام إنك ضال تروي عن أهل الضلال يقول الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ » (١) والروح غير الملائكة صلوات الله عليهم.

______________________________________________________

في الحجة من أمر يمتاز به عن سائر الناس ، لا يحتمل الخطأ والشك.

الحديث السادس : مختلف فيه ، مرسل.

« أَتى أَمْرُ اللهِ » قال المفسرون : لما أوعدهم النبي بإهلاكهم كما فعل يوم بدر أو بقيام الساعة استعجلوا ذلك استهزاء وتكذيبا وقالوا : إن صح ذلك يخلصنا أصنامنا عنه ، فرد عليهم جل شأنه بقوله : « أَتى أَمْرُ اللهِ » أي أمره بالإهلاك ، أو قيام الساعة ، وعبر عنه بالماضي للدلالة على تحقق وقوعه « فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ » لأنه لا حق بكم ولا مرد له « سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ » نزهة عن أن يكون له شريك يدفع عنهم ما أراد بهم « يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ » أي مصاحبين معه فاستدل عليه‌السلام باستدعاء المصاحبة المغايرة.

__________________

(١) سورة النحل : ٢.


باب

وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي كان قبله

عليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن أسباط ، عن الحكم بن مسكين ، عن بعض أصحابنا قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام متى يعرف الأخير ما عند الأول قال في آخر دقيقة تبقى من روحه.

٢ ـ محمد ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن الحكم بن مسكين ، عن عبيد بن زرارة وجماعة معه قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول يعرف الذي بعد الإمام علم من كان قبله في آخر دقيقة تبقى من روحه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن يعقوب بن يزيد ، عن علي بن

______________________________________________________

باب وقت ما يعلم الإمام جميع علوم (١) الإمام الذي قبله عليهم جميعا السلام

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : في آخر دقيقة من روحه ، الضمير في روحه راجع إلى الأول ، وذلك لأن العالم لا بد له أن يكون فيه عالم يكون الحجة على الناس ويكون عنده علم ما يحتاج إليه الناس فإذا قبض ذلك العالم فلا بد من وجود من يصلح أن ينوب منابه ويكون في درجته في ذلك ، قيل : ويحتمل أن يكون الضمير عائدا إلى الأخير ويكون الوجه فيه أن ما عند الأول هو نهاية الكمال الممكن في حقهم عليهم‌السلام ، فإذا بلغه الأخير كمل أمره فيقبض ، وهذا المعنى واضح ولا يأباه الحديث الثالث ، لأن السؤال في ذلك أمر آخر فجاز افتراقهما في المعنى ، انتهى.

وأقول : مع بعده لفظا ومعنى يخالف الأخبار الكثيرة الدالة على أن علم الإمام السابق منتقل جميعا إلى الإمام اللاحق في أول إمامته كما مر.

الحديث الثاني : مجهول كالحسن.

الحديث الثالث : مرسل.

__________________

(١) كذا في النسخ.


أسباط ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له الإمام متى يعرف إمامته وينتهي الأمر إليه قال في آخر دقيقة من حياة الأول.

باب

في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم والشجاعة

والطاعة سواء

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله تعالى « الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » (١) قال :

______________________________________________________

قوله : وينتهي الأمر إليه ، ظاهره حصول الإمامة للاحق قبل ذهاب السابق ، وهو مخالف لما ورد أنه لا يجتمع إمامان في زمان واحد إلا أن يقال : المراد الاجتماع في زمان معتد به ، أو يكون المراد بالأمر في هذا الخبر استحقاق الإمامة واستعدادها التام لأنفسها ، أو العلم بالإمامة تأكيدا.

باب في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم والشجاعة والطاعة سواء

الحديث الأول : ضعيف.

« الَّذِينَ آمَنُوا » في القرآن « والذين » مع العطف ، وقال المفسرون : هو مبتدأ خبره « أَلْحَقْنا بِهِمْ » وقوله « وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ » اعتراض للتعليل ، وقرأ ابن عامر ويعقوب « ذرياتهم » بالجمع وقرأ أبو عمرو « واتبعناهم ذرياتهم » أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان ، وقيل : بإيمان حال من الضمير أو الذرية أو منهما ، والتنكير للتعظيم أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق ، المتابعة في أصل الإيمان.

وقال الطبرسي (ره) : يعني بالذرية أولادهم الصغار والكبار ، لأن الكبار يتبعون الآباء بإيمان منهم ، والصغار يتبعون الآباء بإيمان من الآباء ، فالولد يحكم

__________________

(١) سورة الطور : ٢١.


« الَّذِينَ آمَنُوا » النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وذريته الأئمة والأوصياء صلوات الله عليهم ألحقنا بهم ولم ننقص ذريتهم الحجة التي جاء بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة.

٢ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن داود النهدي ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قال لي نحن في العلم والشجاعة سواء

______________________________________________________

له بالإسلام تبعا لوالده ، واتبع بمعنى تبع ، ومن قرأ « واتبعناهم » فهو منقول بمعنى تبع ويتعدى إلى المفعولين ، والمعنى إنا نلحق الأولاد بالآباء في الجنة والدرجة من أجل الآباء لتقر أعين الآباء باجتماعهم معهم في الجنة كما كانت تقر بهم في الدنيا عن ابن عباس وغيره ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنهم البالغون ألحقوا بدرجة آبائهم وإن قصرت أعمالهم تكرمة لآبائهم ، وإذا قيل : كيف يلحقون بهم الثواب ولم يستحقوه؟ فالجواب أنهم يلحقون بهم في الجميع لا في الثواب والمرتبة ، وروى زاذان عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ثم قرأ هذه الآية ، وروي عن الصادق عليه‌السلام قال : أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة « وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » أي لم ينقص الآباء من الثواب حين ألحقنا بهم ذرياتهم ، يقال ألته يألته ألتا وألته يؤلته إيلاتا ولاته يليته ، وولته يلته ولتا أي نقصه ، انتهى.

وأقول : على تأويله عليه‌السلام الضمير في « ألتناهم » راجع إلى الذرية ، وفي « عملهم » إلى الذين آمنوا ، والمراد بالعمل سياسة الأمة وهدايتهم وإرشادهم إلى مصالحهم ، وعبر عن تلك بما يلزمها من الحجة ووجوب الطاعة أو المراد بالعمل إقامة الحجة على وجوب الطاعة ، وهو من عمل الله أو عمل النبي الذي هو من الآباء ، فالإضافة إما إلى الفاعل أو إلى المفعول ، وقيل : فسر عليه‌السلام العمل بما كانوا يحتجون به على الناس من النص عليهم ، أو من العلم والفهم والشجاعة وغير ذلك فيهم ، وذلك لأنها ثمرة الأعمال والعبادات المختصة بهم ، وفي البصائر الأئمة الذرية الأوصياء.

الحديث الثاني : مجهول.


وفي العطايا على قدر ما نؤمر.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نحن في الأمر والفهم والحلال والحرام نجري مجرى واحدا فأما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام فلهما فضلهما.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : وفي العطايا ، أي عطاء العلم أو المال أو الأعم أي إنما نعطي على حسب ما يأمرنا الله به بحسب المصالح.

الحديث الثالث : حسن.

« نحن في الأمر » أي أمر الإمامة والخلافة ، أو وجوب طاعتنا فيما نأمر ويؤيد الأخير أن في البصائر نحن في الأمر والنهي والحلال والحرام والمراد بالحلال والحرام علمهما ، ويدل على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أفضل من سائر الأئمة ، ويدل بعض الأخبار على فضل الحسنين عليهما‌السلام على سائر الأئمة عليهم‌السلام ، ويفهم من بعضها فضل القائم عليه‌السلام على الثمانية الباقية.

قال الكراجكي فيما عد من عقائد الإمامية : يجب أن يعتقد أن أفضل الأئمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأنه لا يجوز أن يسمى بأمير المؤمنين أحد سواه ، وأن بقية الأئمة صلوات الله عليهم يقال لهم الأئمة والخلفاء والأوصياء والحجج وإن كانوا في الحقيقة أمراء المؤمنين ، فإنهم لم يمنعوا من هذه الاسم لأجل معناه ، لأنه حاصل على الاستحقاق ، وإنما منعوا من لفظه سمة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإن أفضل الأئمة بعد أمير المؤمنين ولده الحسن ثم الحسين ، وأفضل الباقين بعد الحسين إمام الزمان المهدي عليه‌السلام ، ثم بقية الأئمة من بعده سواء على ما جاء به الأثر وثبت في النظر ، انتهى.


باب

أن الإمام عليه‌السلام يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن

قول الله تعالى « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى

أَهْلِها » فيهم عليهم‌السلام نزلت

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن بريد العجلي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام ـ عن قول الله عز وجل « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » (١) قال إيانا عنى أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح « وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » الذي

______________________________________________________

باب أن الإمام يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن قول الله عز وجل « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » فيهم عليهم‌السلام نزلت

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ » قال الطبرسي (ره) فيه أقوال :

أحدها : أنها في كل من ائتمن على أمانة من الأمانات فأمانات الله أوامره ونواهيه ، وأمانات عباده ما يأتمن بعضهم بعضا من المال وغيره عن ابن عباس وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

وثانيها : أن المراد به ولاة الأمر أمرهم الله سبحانه أن يقوموا برعاية الرعية وحملهم على موجب الدين والشريعة ، ورواه أصحابنا عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، قال : أمر الله كل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر إلى من بعده ، ويعضده أنه سبحانه أمر الرعية بعد هذا بطاعة ولاة الأمر ، فروي عنهم عليهم‌السلام أنهم قالوا : آيتان إحداهما لنا والأخرى لكم ، قال الله سبحانه : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها »

__________________

(١) سورة النساء : ٥٨.


في أيديكم ثم قال للناس « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » إيانا عنى خاصة أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا فإن خفتم تنازعا في أمر فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم

______________________________________________________

الآية وقال : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » وهذا القول داخل في القول الأول ، لأنه من جملة ما ائتمن الله سبحانه عليه الأئمة الصادقين وكذلك قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن أداء الصلاة والزكاة والصوم والحج من الأمانة ، ويكون من جملتها الأمر لولاة الأمر بقسمة الغنائم والصدقات ، وغير ذلك مما يتعلق به حق الرعية.

وثالثها : أنه خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة حين قبض منه يوم الفتح ، وأراد أن يدفعه إلى العباس ، والمعول على ما تقدم « وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » أمر الله الولاة والحكام أن يحكموا بالعدل والنصفة ، انتهى.

« الذي في أيديكم » هو تفسير للعدل في الآية ، أي المراد بالعدل الأحكام المشتملة عليه المحفوظة عند الأئمة عليهم‌السلام.

قال المحدث الأسترآبادي رحمه‌الله : الذي في أيديكم ، يعني مكتوب عندكم في كتاب علي عليه‌السلام ، وقوله : « فإن خفتم تنازعا في أمر » يعني إن خفتم من الاختلافات في الفتوى وقوله : يرخص لهم في منازعتهم (١) ، يعني يرخص لهم في الاختلاف في الفتوى ، وفيه دلالات صريحة على أنه لا يجوز الفتوى بالظن ، بل لا بد من السماع من صاحب الشريعة كما هو مذهب علمائنا إلا شرذمة قليلة من المتأخرين ، انتهى.

وأقول : في القرآن الذي عندنا « فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ » وليس فيه : وإلى أولي الأمر منكم ، فقوله : « فإن خفتم تنازعا » يحتمل أن

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « يرخّص في منازعتهم » وتوافقه نسخة الشارح كما يظهر من تفسيره فيما سيأتي.


كذا نزلت وكيف يأمرهم الله عز وجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ».

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عمر قال سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » قال هم الأئمة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤدي الإمام الأمانة إلى

______________________________________________________

يكون تفسيرا لقوله « فَإِنْ تَنازَعْتُمْ » ، بأن يكون المعنى إن أشرفتم على التنازع باختلاف ظنونكم وآرائكم كما في قوله سبحانه : « إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَ » (١) أي أردتم طلاقهن وكقوله تعالى : « إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ » (٢) وهذا شائع.

وأما قوله : « وإلى أولي الأمر منكم » فالظاهر أنه كان في قرآنهم عليهم‌السلام هكذا فأسقطه عثمان لقوله عليه‌السلام : « كذا نزلت » ويحتمل أن يكون تفسيرا للرد إلى الله وإلى أولي الأمر ، لأمر الله والرسول بطاعتهم فالرد إليهم رد إليهما فالمراد بقوله كذا نزلت أي بحسب المعنى ، وقوله : « وكيف يأمرهم الله » رد على المخالفين حيث قالوا معنى قوله سبحانه « فَإِنْ تَنازَعْتُمْ » ، فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر منكم في شيء من أمور الدين ، فارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة ، ووجه الرد أنه كيف يجوز الأمر بإطاعة قوم مع الرخصة في منازعتهم ، فقال عليه‌السلام : إن المخاطبين بالتنازع ليسوا إلا المأمورين بالإطاعة خاصة ، وأن أولي الأمر داخلون في المردود إليهم لفظا أو معنى.

وقوله : « ويرخص في منازعتهم » أي منازعة الناس معهم ، أو منازعة بعضهم لبعض وكلاهما ينافي وجوب الطاعة.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« هم الأئمة » أي هم المخاطبون بها « أن يؤدى » أي أمرهم بأن يؤدى « ولا يخص »

__________________

(١) سورة الطلاق : ١.

(٢) سورة المائدة : ٦.


من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » قال هم الأئمة يؤدي الإمام إلى الإمام من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، عن ابن أبي يعفور ، عن المعلى بن خنيس قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » قال أمر الله الإمام الأول أن يدفع إلى الإمام الذي بعده كل شيء عنده.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يموت الإمام حتى يعلم من يكون من بعده فيوصي إليه.

٦ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن أبي عثمان ، عن المعلى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الإمام يعرف الإمام الذي من بعده فيوصي إليه.

٧ ـ أحمد ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن فضالة بن أيوب ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما مات عالم حتى يعلمه الله عز وجل إلى من يوصي.

______________________________________________________

يحتمل النصب والرفع ، وكذا قوله عليه‌السلام : « ولا يزويها » وفي النهاية : زويت إلى الأرض أي جمعت ، وما زويت عني أي صرفته عني وقبضته ، ومنه حديث أم معبد فيا لقصي ما زوى الله عنكم أي ما نحى عنكم من الخير والفضل.

الحديث الثالث : مجهول.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الخامس : صحيح.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

الحديث السابع : صحيح.


باب

أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد عليهم‌السلام

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء قال حدثني عمر بن أبان ، عن أبي بصير قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل فقال لا والله يا أبا محمد ما ذاك إلينا وما هو إلا إلى الله عز وجل ينزل واحدا بعد واحد.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن عمرو بن الأشعث قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكن عهد من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه.

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن حماد بن عيسى ، عن منهال ، عن عمرو بن الأشعث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

______________________________________________________

باب أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد عليهم‌السلام

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« وذكرت إسماعيل » هو ابنه الأكبر الذي مات في حياته ، وتدعي مع ذلك الإسماعيلية إمامته وذكره له إما كان طلبا لجعله وصيا أو سؤالا عن أنه هل وصى أم لا ، والأول أظهر.

الحديث الثاني : مجهول بالسند الأول ، ضعيف بالسند الثاني.

والعهد الوصية والتقدم إلى المرء في الشيء ومنه العهد الذي يكتب للولاة « حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه » أي إلى إمام العصر أو إلى القائم عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون حتى للتعليل ، أي لو لا ذلك لكان منوطا برأي الناس ، ولم ينته إلى صاحبه الذي يستحقه بل إلى غاصبه ، والأوسط أظهر.


٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن محمد ، عن بكر بن صالح ، عن محمد بن سليمان ، عن عيثم بن أسلم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام أن اتخذ وصيا من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا إلا وله وصي من أهله وكان لداود عليه‌السلام أولاد عدة وفيهم غلام كانت أمه عند داود وكان لها محبا فدخل داود عليه‌السلام عليها حين أتاه الوحي فقال لها إن الله عز وجل أوحى إلي يأمرني أن أتخذ وصيا من أهلي فقالت له امرأته فليكن ابني قال ذلك أريد وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري فلم يلبث داود عليه‌السلام أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« أن اتخذ » أن مفسرة وقيل : يدل على أن الأمر ليس للفور ، والظاهر أن المراد اتخاذ الوصي بعد الوصي الآخر ، وفي هذا الإعلام مصالح يظهر بعضها من الخبر « أن لا أبعث نبيا » له كتاب كداود عليه‌السلام ، أو مطلقا « من أهله » أي من ذريته وأقاربه القريبة « كانت أمه عند داود » أي كانت حية ولم تخرج من عندها.

« فلم يلبث » أي لم يمكث « أن ورد » أن زائدة « يختصمان في الغنم والكرم » إشارة إلى قوله تعالى : « وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ » (١) قال الطبرسي (ره) : النفش ـ بفتح الفاء وسكونها ـ إن تنتشر الإبل والغنم بالليل فترعى بلا راع ، أي اذكر داود وسليمان حين يحكمان في الوقت الذي نفشت فيه غنم القوم أي تفرقت ليلا « وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ » أي بحكمهم عالمين لم يغب عنا منه شيء ، واختلف في الحكم الذي حكما به ، فقيل : إنه زرع وقعت فيه الغنم ليلا فأكلته ، وقيل : كان كرما قد بدت عنا قيده فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم ، فقال سليمان

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٨.


والكرم فأوحى الله عز وجل إلى داود أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك فجمع داود عليه‌السلام ولده فلما أن قص الخصمان قال سليمان

______________________________________________________

غير هذا يا نبي الله ، قال : وما ذاك؟ قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ، روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

وقال الجبائي : أوحى الله تعالى إلى سليمان بما نسخ به حكم داود الذي كان يحكم به قبل ولم يكن ذلك عن اجتهاد ، لأنه لا يجوز للأنبياء أن يحكموا بالاجتهاد وهذا هو الصحيح المعول عليه عندنا ، ويقوي ذلك قوله « فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ » أي علمناه الحكومة في ذلك ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قضى بحفظ المواشي على أربابها ليلا وقضى بحفظ الحرث على أربابه نهارا ، انتهى.

وأقول : لا ريب في أن الأنبياء عليهم‌السلام لا يجوز عليهم الاجتهاد ، واستدلال المخالفين بهذه القضية على جواز ذلك مردود من وجوه :

الأول : أنه يمكن أن يكون حكم سليمان بالوحي كما ذكره الطبرسي (ره).

فإن قيل : كيف يجوز نسخ الشريعة في غير زمان أولي العزم ، فإن كل من كان بعد موسى عليه‌السلام إلى زمان عيسى عليه‌السلام إنما كانوا يحكمون بحكم التوراة ولا يتصور الاختلاف فيه؟

قلنا : يمكن أن يكون نسخ جميع شرائع من قبله أو أكثره مخصوصا بأولى العزم ، وأما نسخ بعض الأحكام الجزئية فلا دليل على عدم جوازه لغير أولي العزم ، على أنه يمكن أن يكون موسى عليه‌السلام أخبر الأنبياء بأن الحكم برقاب الغنم يمتد إلى زمان سليمان ثم بعد ذلك يتغير الحكم وكان لا يعلم ذلك غير الأنبياء من علماء بني إسرائيل ، فأظهر داود عليه‌السلام استحقاق سليمان للخلافة بأن فوض الحكم في ذلك إليه فلا يكون ذلك نسخا ، ولو سمى ذلك نسخا كان نسخا من أولي العزم أيضا.

ويؤيد هذا الوجه ما رواه الصدوق في الفقيه عن أحمد بن عمر الحلبي قال : سألت


عليه‌السلام يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك قال دخلته ليلا قال قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا ثم قال له داود فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل وكان ثمن الكرم قيمة

______________________________________________________

أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : « وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ » قال : كان حكم داود رقاب الغنم ، والذي فهم الله عز وجل سليمان أن الحكم لصاحب الحرث باللبن والصوف في ذلك العام كله.

وما سيأتي في هذا الكتاب في أبواب كتاب المعيشة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن داود عليه‌السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم ، وحكم سليمان عليه‌السلام الرسل والثلة وهو اللبن والصوف في ذلك العام ، وفي رواية أخرى عن أبي بصير عنه عليه‌السلام أنه قال : فحكم داود بما حكمت به الأنبياء عليهم‌السلام من قبله ، وأوحى الله عز وجل إلى سليمان عليه‌السلام أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها ، وكذلك جرت السنة بعد سليمان عليه‌السلام وهو قول الله عز وجل : « وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً » (١) فحكم كل منهما بحكم الله عز وجل.

الثاني : أن يكون حكم داود موافقا لحكم سليمان عليهما‌السلام ، والخطأ إنما كان من قضاة بني إسرائيل ، فأظهر داود عليه‌السلام خطاءهم بذلك ، ويؤيد ذلك ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل وكان له كرم ، فنفشت فيه الغنم بالليل وقضمته ، وأفسدته ، فجاء صاحب الكرم إلى صاحب الغنم ، فقال داود عليه‌السلام : اذهب إلى سليمان ليحكم بينكما فذهبا إليه فقال سليمان عليه‌السلام : إن كانت الغنم أكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها ، وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب الأصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم ، وكان هذا حكم داود ، وإنما أراد أن يعرف

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٩.


الغنم فقال سليمان إن الكرم لم يجتث من أصله وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل فأوحى الله عز وجل إلى داود إن القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره فدخل داود على امرأته فقال أردنا أمرا وأراد الله عز وجل أمرا غيره ولم يكن إلا ما أراد الله عز وجل فقد رضينا بأمر الله عز وجل وسلمنا وكذلك الأوصياء عليهم‌السلام ليس لهم أن يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزون صاحبه إلى غيره.

قال الكليني معنى الحديث الأول أن الغنم لو دخلت الكرم نهارا لم يكن

______________________________________________________

بني إسرائيل أن سليمان وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم ، ولو اختلف حكمهما لقال : « وكنا لحكمهما شاهدين ».

وروى الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن زرارة عنه عليه‌السلام أنه قال : لم يحكما إنما كانا يتناظران ففهما سليمان فيمكن حمل الأخبار السابقة علي التقية ، والمناظرة الواردة في الخبر الأخير يمكن أن يكون على سبيل المصلحة والله يعلم.

وقال الجوهري : جثة قلعه ، واجتثه اقتلعه ، وفي القاموس : الحمل ثمر الشجر ويكسر ، أو الفتح لما بطن من ثمره والكسر لما ظهر ، أو الفتح لما كان في بطن أو على رأس شجرة والكسر لما على ظهر أو رأس ، أو ثمر الشجر بالكسر ما لم يكثر ويعظم فإذا كثر فبالفتح ، انتهى.

« أن القضاء » أي الصواب في القضاء ، والفاء في قوله « فيجازون » للاستئناف والبيان ، نحو قول الشاعر : ألم تسأل الربع القواء فينطق. (١)

قوله : معنى الحديث الأول ، لعل الأول بدل من الحديث ، أي الأول منه

__________________

(١) صدر بيت لجميل بن عبد الله بن معمر ، وعجزة « وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق » والربع : كفلس المنزل. والقواء ـ بالمدّ ككتاب ـ الخالي الذي لا أنيس به. والبيداء ـ كصحراء ـ القفر الذي يبيد من يسلك فيه أي يهلك ، والسملق ـ كجعفر ـ الأرض التي لا تنبت شيئا.


على صاحب الغنم شيء لأن لصاحب الغنم أن يسرح غنمه بالنهار ترعى وعلى صاحب الكرم حفظه وعلى صاحب الغنم أن يربط غنمه ليلا ولصاحب الكرم أن ينام في بيته.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير وجميل ، عن عمرو بن مصعب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول أترون أن الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكنه عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه.

باب

أن الأئمة عليهم‌السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله

عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه

١ ـ محمد بن يحيى والحسين بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن علي بن الحسين بن علي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي جميلة ، عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا لم ينزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

والحاصل معنى أول الحديث وهو سؤال سليمان عن وقت دخول الغنم والكرم وفائدته ، ويقال : أسرحت الماشية أي أنفشتها وأهملتها ، وسيأتي أن هذا التفصيل الذي ذكره الكليني هو قول أكثر الأصحاب ، وذهب ابن إدريس والمحقق ومن تأخر عنه إلى اعتبار التفريط مطلقا.

الحديث الرابع : مجهول.

« حتى انتهى » أي ذكره آباءه ووصية كل منهم إلى صاحبه حتى انتهى إلى نفسه ، وقيل : يعني كرر لفظة « فرجل » أربع مرات بأن يكون الرجل ستة سادسهم نفسه.

باب أن الأئمة عليهم‌السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله تعالى وأمر منه لا يتجاوزونه

الحديث الأول : ضعيف.

« كتابا » حال عن فاعل نزلت أو تميز ، والمراد بالوصية هنا الطومار الذي


كتاب مختوم إلا الوصية فقال جبرئيل عليه‌السلام يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أي أهل بيتي يا جبرئيل قال نجيب الله منهم وذريته ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم عليه‌السلام وميراثه لعلي عليه‌السلام وذريتك من صلبه قال وكان عليها خواتيم قال ففتح علي عليه‌السلام الخاتم الأول ومضى لما فيها ثم فتح الحسن عليه‌السلام الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين عليه‌السلام الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك قال ففعل عليه‌السلام فلما مضى دفعها إلى علي

______________________________________________________

كتب فيه وصية الله للأئمة.

« هذه وصيتك » إنما نسب إليه لأن وصية الله ووصية رسوله واحدة « في أمتك » في ـ للظرفية أو للتعليل ، و « أي » منصوب بتقدير أعني ، أو مجرور مضاف بتقدير عند ، أو مرفوع منون ، أو مبني على الضم لقطعه عن الإضافة ، وهو مبتدأ خبره أهل بيتي كما قيل ، وكذا « نجيب الله » يحتمل الرفع والنصب والجر وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام « ليرثك » بالنصب أو بصيغة أمر الغائب « كما ورثه » أي علم النبوة « إبراهيم » بالرفع أو إبراهيم بالنصب ، فالضمير المرفوع في « ورثة » عائد إلى علي عليه‌السلام وعلى الأول ضمير ميراثه للعلم ، وعلى الثاني لإبراهيم عليه‌السلام.

« ومضى لما فيها » اللام للظرفية كقولهم : مضى لسبيله ، أو للتعليل أو للتعدية أي أمضى ما فيها ، أو يضمن فيه معنى الامتثال والأداء ، والضمير للوصية.

« أن قاتل » أن مفسرة عند أبي حيان ، ومصدرية عند غيره ذكره ابن هشام ، والباء في « بأقوام » للمصاحبة أو التعدية ، واللام في قوله « للشهادة » للعاقبة ، وجملة « لا شهادة » استئنافية أو قوله : للشهادة ولا شهادة كلاهما نعت لأقوام ، أي بأقوام خلقوا للشهادة.

« فلما مضي » أي أشرف على المضي من الدنيا « قبل ذلك » أي قبل المضي.


بن الحسين عليه‌السلام قبل ذلك ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق لما حجب العلم فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي عليه‌السلام ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله عز وجل وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله ففعل ثم دفعها إلى الذي يليه قال قلت له جعلت فداك فأنت هو قال فقال ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي علي قال فقلت أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن

______________________________________________________

« وأطرق » قال الجوهري : أطرق الرجل : سكت فلم يتكلم ، وأطرق أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض ، انتهى. فعلى الأول تأكيد وعلى الثاني كناية عن عدم الالتفات إلى ما عليه الخلق من آرائهم الباطلة وأفعالهم الشنيعة.

« لما حجب » بفتح اللام وتشديد الميم أو بكسر اللام وتخفيف الميم ، فكلمة « ما » مصدرية « واصطنع الأمة » أي أحسن إليهم وربهم بالعلم والعمل ، قال الفيروزآبادي : هو صنيعي أي اصطنعته وربيته ، وصنعت الجارية كعني : أحسن إليها حتى سمنت كصنعت بالضم تصنيعا ، وصنع الجارية بالتشديد أي أحسن إليها وسمنها ، وقال الجزري : فيه اصطنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتما من ذهب أي أمر أن يصنع له ، والطاء بدل من تاء الافتعال لأجل الصاد ، ومنه حديث آدم عليه‌السلام قال لموسى عليه‌السلام : أنت كليم الله الذي اصطنعك لنفسه ، هذا تمثيل لما أعطاه الله من منزلة التقريب والتكريم ، والاصطناع افتعال من الصنيعة وهي العطية والكرامة والإحسان ، انتهى.

« وقم بحق الله » من نشر العلم وهداية الأمة « وقل الحق في الخوف والأمن » الظرف متعلق بقل ، والمعنى أنه لا حاجة لك إلى التقية ، فإن الله يعصمك من الناس ، وقيل : متعلق بالحق أي بين لهم وجوب التقية في الخوف وأنها الحق حينئذ ، ووجوب ترك التقية في الأمن وهو بعيد.

« فقال ما بي » ما نافية ، والباء للإلصاق ، نحو بزيد داء ، أي ما بي بأس وضرر و « إلا » للاستثناء المفرغ ، و « على » للإضرار ، أي أن تروي عند المخالفين ويضرني ،


يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات قال قد فعل الله ذلك يا معاذ قال فقلت فمن هو جعلت فداك قال هذا الراقد وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد.

٢ ـ أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن الكناني ، عن جعفر بن نجيح الكندي ، عن محمد بن أحمد بن عبيد الله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل أنزل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله كتابا قبل وفاته فقال يا محمد هذه وصيتك إلى النجبة من أهلك قال وما النجبة يا جبرئيل فقال علي بن أبي طالب وولده عليه‌السلام وكان على الكتاب خواتيم من ذهب فدفعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه ففك أمير المؤمنين عليه‌السلام خاتما وعمل بما فيه ثم دفعه إلى ابنه الحسن عليه‌السلام ففك خاتما وعمل بما فيه ثم دفعه إلى الحسين عليه‌السلام ففك خاتما فوجد فيه أن اخرج بقوم إلى الشهادة فلا شهادة لهم إلا معك واشر نفسك لله عز وجل ففعل ثم دفعه إلى علي بن الحسين عليه‌السلام ففك خاتما فوجد فيه أن أطرق واصمت والزم منزلك

______________________________________________________

وضمير « مثلها » لهذه المنزلة والعبد الصالح موسى عليه‌السلام.

الحديث الثاني : مجهول ، وأحمد في أول السند هو العاصمي ، وتحير فيه كثير من الأصحاب فلم يعرفوه.

والنجبة بضم النون وفتح الجيم مبالغة في النجيب ، أو بفتح النون جمع ناجب بمعنى نجيب ، قال الفيروزآبادي : النجيب وكهمزة الكريم الحسيب ، انتهى.

والظاهر أن الخواتيم كانت متفرقة في مطاوي الكتاب بحيث كلما نشرت طائفة من مطاويه انتهى النشر إلى خاتم يمنع من نشر ما بعدها من المطاوي ، إلا أن يفض الخاتم.

« وأشر نفسك » أي بعها من الشراء بمعنى البيع ، إشارة إلى قوله تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ » (١).

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٠٧.


« وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ » ففعل ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي عليه‌السلام ففك خاتما فوجد فيه حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله عز وجل فإنه لا سبيل لأحد عليك ففعل ثم دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه حدث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك وصدق آباءك الصالحين ولا تخافن إلا الله عز وجل وأنت في حرز وأمان ففعل ثم دفعه إلى ابنه موسى عليه‌السلام وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده ثم كذلك إلى قيام المهدي صلى الله عليه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال له حمران جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين عليه‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز وجل وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا فقال أبو جعفر عليه‌السلام يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه ثم أجراه فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله قام علي والحسن والحسين وبعلم صمت من صمت منا.

______________________________________________________

« حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ » أي الموت المتيقن لحاقه كل حي « ثم دفعه ابنه » كأنه قال عليه‌السلام : ثم ادفعه إلى ابني فغيره الراوي ، وكذا قوله : ثم دفعه إلى ابنه جعفر ، كان ثم دفعه إلى فغيره الراوي ، ويحتمل أن يكون التفاتا.

وقيل في الأول : ظاهره أن هذا الكلام صدر عنه في آخر عمره بعد دفع الوصية إلى ابنه ولا يخفى بعده.

« إلى قيام المهدي » أي بالإمامة لا ظهوره وخروجه بالسيف.

الحديث الثالث صحيح ، وهو جزء من حديث مر في باب ـ أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون علم ما كان وما يكون ـ وفيه : وحتمه على سبيل الاختيار ، وفيه : فبتقدم علم إليهم ، وقد مضى شرحه هناك.


٤ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحارث بن جعفر ، عن علي بن إسماعيل بن يقطين ، عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال حدثني موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال قلت لأبي عبد الله أليس كان أمير المؤمنين عليه‌السلام كاتب الوصية ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم‌السلام شهود قال فأطرق طويلا ثم قال يا أبا الحسن قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر نزلت الوصية من عند الله كتابا مسجلا نزل به جبرئيل مع أمناء

______________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور ، لكنه معتبر أخذه من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد وهو من الأصول المعتبرة ذكره النجاشي والشيخ في فهرستيهما ، وأورد أكثر الكتاب السيد بن طاوس قدس‌سره في كتاب الطرف ، وما ذكره الكليني (ره) مختصر من حديث طويل قد أوردناه في الكتاب الكبير ، وفيه فوائد جليلة وأمور غريبة.

« أليس » اسمه ضمير الشأن « ورسول الله » الواو للحال ، والإملاء أن يقول أحد ويكتب آخر والإطراق النظر إلى الأرض مع السكوت و « طويلا » مفعول فيه أي زمانا طويلا أو نائب المفعول المطلق أي إطراقا طويلا ، ولعل الإطراق لإفادة أن ما يذكر في الجواب صعب مستصعب لا يذعن به إلا الخواص من الشيعة فيجب صونه عن غيرهم ما أمكن ، وقيل : راجع في ذلك روح القدس « قد كان ما قلت » يدل على أنه كان الإملاء ونزول الكتاب معا والمراد بالأمر الموت أو المرض المنتهى إليه ، أو أمر الله بالوصية وفيه بعد ، والمراد بالمسجل المكتوب تأكيدا أو المحكم (١) أو المختوم أو المرسل [ أ ] والمبذول للأئمة عليهم‌السلام أو الكبير ، أو بسكن الجيم أي كثير الخير ، قال في النهاية : في حديث ابن مسعود افتتح سورة النساء فسجلها أي قرئها قراءة متصلة ، من السجل الصب ، يقال : سجلت سجلا إذا صببته صبا متصلا ، وفي حديث ابن الحنفية قرأ : « هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ » فقال : هي مسجلة للبر والفاجر ، أي هي مرسلة مطلقة في الإحسان إلى كل واحد برا كان أو فاجرا ، والمسجل : الماء المبذول ومنه

__________________

(١) وفي بعض النسخ « المحكوم ».


الله تبارك وتعالى من الملائكة.

فقال جبرئيل يا محمد مر بإخراج من عندك إلا وصيك ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامنا لها يعني عليا عليه‌السلام فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بإخراج من كان في البيت ما خلا عليا عليه‌السلام وفاطمة فيما بين الستر والباب فقال جبرئيل يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمد شهيدا قال فارتعدت مفاصل

______________________________________________________

الحديث : ولا تسجلوا أنعامكم أي لا تطلقوها في زروع الناس ، وقال : السجل الكتاب الكبير ، وفي القاموس : السجل الكتاب الكبير ، وفي القاموس : أسجل : كثر خيره وأسجل الأمر للناس : أطلقه ، والمسجل : المبذول المباح لكل أحد ، وسجل تسجيلا : كتب ، السجل : الكتاب ، العهد ونحوه ، انتهى.

« ضامنا لها » حال عن ضمير إليه ، أي ملتزما للعمل بمقتضاها كما هو حقه « وفاطمة » الواو للحال وهو مبني على أن ما بينهما خارج عن البيت.

« هذا كتاب ما كنت عهدت إليك » أي في ليلة المعراج كما ورد في الأخبار الكثيرة ، وقيل : إشارة إلى إملاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمره تعالى.

أقول : ويظهر مما رواه في الطرف أن نزول الملائكة للوصية في مرضه عليه‌السلام كان مرتين ، حيث روي من كتاب الوصية لابن المستفاد عن الكاظم عليه‌السلام عن أبيه عن جده قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : كنت مسندا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى صدري ليلة من الليالي في مرضه ، وقد فرغ من وصيته ، وعنده فاطمة ابنته وقد أمر أزواجه أن يخرجن من عنده ففعلن ، فقال : يا أبا الحسن تحول من موضعك وكن أمامي ، قال : ففعلت وأسنده جبرئيل عليه‌السلام إلى صدره ، وجلس ميكائيل عليه‌السلام على يمينه ، فقال : يا علي ضم كفيك بعضها إلى بعض ففعلت ، فقال لي : قد عهدت إليك أحدث العهد لك بحضرة أميني رب العالمين : جبرئيل وميكائيل ، يا علي بحقهما عليك إلا أنفذت وصيتي على ما فيها وعلى قبولك إياها بالصبر والورع ومنهاجي وطريقي لا طريق فلان وفلان ، وخذ ما آتاك الله


النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق

______________________________________________________

بقوة ، وأدخل يده فيما بين كفى ـ وكفاي مضمومتان ـ فكأنه أفرغ فيهما شيئا ، فقال : يا علي [ قد ] أفرغت بين يديك الحكمة وقضاء ما يرد عليك ، وما هو وارد لا يعزب عنك من أمرك شيء ، وإذا حضرتك الوفاة فأوص وصيتك من بعدك على ما أوصيك ، واصنع هكذا بلا كتاب ولا صحيفة.

وروي فيه أيضا بهذا الإسناد قال : قال علي عليه‌السلام : كان في وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أولها : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصى به وأسنده بأمر الله إلى وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وكان في آخر الوصية : شهد جبرئيل وميكائيل وإسرافيل على ما أوصى به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقبض وصيه وضمن على ما فيها على ما ضمن يوشع بن نون لموسى بن عمران عليه‌السلام وضمن وصي عيسى بن مريم عليهما‌السلام وعلى ما ضمن الأوصياء من قبلهم إلى آخر ما قال.

وبهذا الإسناد قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند موته وأخرج من كان عنده في البيت غيري ، والبيت فيه جبرئيل والملائكة أسمع الحس ولا أرى شيئا ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاب الوصية من يد جبرئيل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مختومة ، فدفعها إلى فأمرني أن أفضها (١) ففعلت ، وأمرني أن أقرأها فقرأتها ، فقال : إن جبرئيل عندي نزل بها الساعة من عند ربي ، فقرأتها فإذا فيها كل ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوصي به شيئا فشيئا ما تغادر حرفا.

وارتعاد مفاصله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمهابة تغليظ العهد إليه ، وإشهاد الملائكة والتسجيل عليه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « ربي هو السلام » أي السالم مما يلحق الخلق من العيب والعناء والبلاء ، وقيل : المسلم أوليائه والمسلم عليهم « ومنه السلام » أي كل سلامة من عيب وآفة فمنه سبحانه « وإليه يعود السلام » أي التحيات والأثنية وقيل : أي منه بدء السلام وإليه يعود في حالتي الإيجاد والإعدام ، وقيل : أي التقدس والتنزه

__________________

(١) فض الكتاب : كسره وفتحه.


عز وجل وبر هات الكتاب فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له اقرأه فقرأه حرفا حرفا فقال يا علي هذا عهد ربي تبارك وتعالى إلي وشرطه علي وأمانته وقد بلغت ونصحت وأديت فقال علي عليه‌السلام وأنا أشهد لك بأبي وأمي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي فقال جبرئيل عليه‌السلام وأنا لكما على ذلك من الشاهدين فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي أخذت وصيتي وعرفتها وضمنت لله ولي الوفاء بما فيها؟ فقال

______________________________________________________

أو سلامتنا عن الآفات منه بدأت وإليه عادت « وبر » أي أحسن أو وفي بالعهد والوعد « هات » اسم فعل أي أعطني ، وفي القاموس العهد الوصية والتقدم إلى المرء في الشيء والموثق واليمين.

« وأمانته » إشارة إلى ما مر في تفسير قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » (١).

« بأبي وأمي أنت » معترضة والأصل فديت بأبي وأمي بصيغة مخاطب مجهول ، فحذف الفعل وأخر الضمير المتصل فجعل منفصلا ، والبلاغ اسم مصدر من باب التفعيل والأفعال ، أي الإيصال.

« والتصديق » منصوب على أنه مفعول معه ، أو مجرور بالعطف على البلاغ « بموافاتي بها يوم القيامة » أي بالتزام موافاتي ، والموافاة الإتيان مع جماعة والمصدر مضاف إلى المفعول ، أي موافاتك إياي والباء للمصاحبة أو التعدية ، والضمير للوصية ، والمراد بالموافاة بها الإتيان بها كما هو معمولا بها كما هو حقها « فيما أمر الله » في للتعليل و « ما » مصدرية أو في للظرفية وما موصولة كما في السابق ، وعلى التقديرين حال عن أمر جبرئيل والبراءة منهم بالجر تأكيدا أو بالرفع على الابتداء والواو حالية ، وقوله : على الصبر خبر ، وعلى الأول حال عن فاعل « تفي » وحرمة الرجل ما يجب عليه وعلى غيره رعايته وحفظه ، وانتهاكها عدم رعايتها وتناولها بما لا يحل.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٨.


علي عليه‌السلام نعم بأبي أنت وأمي علي ضمانها وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي إني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة فقال : علي عليه‌السلام نعم أشهد فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك فقال نعم ليشهدوا وأنا بأبي أنت وأمي أشهدهم فأشهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئيل عليه‌السلام فيما أمر الله عز وجل أن قال له يا علي تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله والبراءة منهم على الصبر منك وعلى كظم الغيظ وعلى ذهاب حقي وغصب خمسك وانتهاك حرمتك فقال نعم يا رسول الله فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل عليه‌السلام يقول للنبي يا محمد عرفه أنه ينتهك الحرمة وهي حرمة الله وحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي وقلت نعم قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة وعطلت السنن ومزق الكتاب وهدمت الكعبة وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابرا محتسبا أبدا حتى أقدم عليك ثم دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم مثل ما

______________________________________________________

« والذي فلق الحبة » أي شقها للإنبات ، والنسمة بالتحريك النفس من نسيم الريح ، ثم سميت بها النفس أي ذات الروح وبرأها خلقها وإيجادها من كتم العدم « وعلى أن تخضب » عطف على قوله « وعلى كظم الغيظ » وقال الجوهري : العبيط من الدم : الطري الخالص ، وقيل : المراد هنا ما ليس فاسدا بمرض ، والصعق محركة شدة الصوت والفزع ، ويقال : صعق كسمع أي غشي عليه ، ذكره الفيروزآبادي ، وقال : مزقه يمزقه مزقا خرقه ، كمزقه فتمزق ، وعرضه أخيه : طعن فيه. وقال : أحتسب بكذا عند الله : أي أعتده ينوي به وجه الله ، انتهى.

« عليك » الخطاب لله أو للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « لم تمسه النار » أي لم يكن معمولا


أعلم أمير المؤمنين فقالوا مثل قوله فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار ودفعت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلت لأبي الحسن عليه‌السلام بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية فقال سنن الله وسنن رسوله ـ فقلت أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال نعم والله شيئا شيئا وحرفا حرفا أما سمعت قول الله عز وجل : « إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » (١) والله لقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين وفاطمة عليها‌السلام أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه فقالا بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا.

وفي نسخة الصفواني زيادة

______________________________________________________

لبشر بل صنع بمحض قدرة الله ، أو لم يكن من قبيل ذهب الدنيا ليحتاج إلى النار « ألا تذكر » بهمزة الاستفهام ، ولا النافية للعرض ، « ما كان » ما ، استفهامية أو موصولة « سنن الله وسنن رسوله » أي أحكامهما في الحلال والحرام مطلقا أو في خصوص أمر الخلافة وهو أظهر في المقام ، والتوثب الاستيلاء ظلما « إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى » نحن تأكيد لضمير إنا ، من قبيل وضع الضمير المرفوع موضع المنصوب ، وقيل : هو خبر إن على سبيل التمدح وما بعده استيناف بياني ، والإحياء بالبعث وقيل بالهداية « وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا » أي ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة « وَآثارَهُمْ » الحسنة كعلم علموه وخير ارتكبوه ، والسيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم « فِي إِمامٍ مُبِينٍ » يعني اللوح المحفوظ.

وذكر الآية لرفع الاستبعاد عن كتابته في الصحيفة لكون جميع الأشياء مكتوبا في اللوح ويحتمل أن يكون عليه‌السلام فسر الإمام هنا بهذه الصحيفة أو ما يشملهما ، وفي بعض الأخبار أن الإمام المبين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقيل : هو صحيفة الأعمال.

قوله « وفي نسخة الصفواني زيادة » هذا كلام بعض رواة الكليني ، فإن نسخ الكافي كانت بروايات مختلفة كالصفواني هذا ، وهو محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن

__________________

(١) سورة يس : ١٢.


٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن أبي عبد الله البزاز ، عن حريز قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة الناس إليكم فقال إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر فأتاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينعى إليه نفسه وأخبره بما له عند الله وأن الحسين عليه‌السلام قرأ صحيفته التي أعطيها وفسر له ما يأتي بنعي وبقي فيها أشياء لم تقض فخرج للقتال وكانت تلك الأمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لها ومكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قتل فنزلت وقد انقطعت مدته

______________________________________________________

صفوان بن مهران الجمال وكان ثقة فقيها فاضلا ، ومحمد بن إبراهيم النعماني وهارون بن موسى التلعكبري ، وكان بين تلك النسخ اختلاف فتصدى بعض من تأخر عنهم كالصدوق محمد بن بابويه أو الشيخ المفيد رحمة الله عليهما وأضرابهما ، فجمعوا بين النسخ وأشاروا إلى اختلاف الواقع بينها ، ولما كان في نسخة الصفواني هذا الخبر الآتي ولم تكن في سائر الروايات أشار إلى ذلك بهذا الكلام ، وسيأتي مثله في مواضع.

الحديث الخامس : ضعيف « أن لكل واحد منا صحيفة » حاصل الجواب أن الله تعالى جعل لكل واحد منهم شؤونا وأعمالا قدر الله لهم أن يأتوا بها ، فإذا انقضى تلك الأمور كان ذهابهم إلى عالم القدس أصلح لهم ، والنعي خبر الموت « ينعى » في النسخ بصيغة المضارع المجهول وفي بعضها بنعي بصيغة المصدر وباء المصاحبة.

« لم تقض » على بناء المجهول أي كتب فيها أشياء لم تتحقق بعد ، منها أنه يخرج في آخر الزمان في الرجعة وتنصره تلك الملائكة وهو بعد متوقع لم يتحقق ، وقيل : لم يتعلق بها القضاء بأن يكون كتب فيه النصر ثم بد الله فيه ولم يحصل ، والأول أظهر وفي كامل الزيارة لم ينقص.

قوله عليه‌السلام : فنزلت وقد انقطعت مدته ، أقول : يظهر من بعض الأخبار أن


وقتل عليه‌السلام فقالت الملائكة يا رب أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته فانحدرنا وقد قبضته فأوحى الله إليهم أن الزموا قبره حتى تروه وقد خرج فانصروه وابكوا

______________________________________________________

الملائكة عرضوا عليه نصرتهم فلم يقبل ، واختار لقاء الله تعالى ، فيمكن أن يكون هذا في المرة الثانية من نزولهم.

قال السيد بن طاوس رضي‌الله‌عنه في كتاب اللهوف : وروي عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنه قال : سمعت أبي يقول : لما التقى الحسين عليه‌السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب أنزل النصر حتى رفرف (١) على رأس الحسين عليه‌السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله تعالى ، فاختار لقاء الله.

وروي أيضا عن أبي جعفر الطبري عن الواقدي وزرارة بن صالح قالا : لقينا الحسين بن علي عليه‌السلام قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله تعالى ، فقال عليه‌السلام : لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء ولكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي ومصرع أصحابي ولا ينجو منهم إلا ولدي على.

وروى الصدوق في مجالسه عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي صلوات الله عليه فلم يؤذن لهم في القتال ، فرجعوا في الاستئذان وهبطوا وقد قتل الحسين عليه‌السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له منصور.

وأقول : الظاهر أن عدم الإذن منه عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون من الله لكنه بعيد.

قوله عليه‌السلام : وقد خرج ، أي في الرجعة قبل القيامة بقرينة النصرة.

واعلم أن الرجعة أي رجوع جماعة من المؤمنين إلى الدنيا قبل القيامة في زمن

__________________

(١) من رفرف الطائر : إذا بسط جناحيه.


عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصرته وبالبكاء عليه فبكت الملائكة

______________________________________________________

القائم عليه‌السلام أو قبله أو بعده ليروا دولة الحق ويفرحوا بذلك وينتقموا من أعدائهم وجماعة من الكافرين والمنافقين لينتقم منهم مما انفردت به الإمامية وأجمعوا عليه وتواترت به الأخبار ودلت عليه بعض الآيات ، وقد وقعت مناظرات كثيرة في ذلك بين علماء الفريقين وكتب علماؤنا في إثباتها كتبا مبسوطة ، منهم أحمد بن داود الجرجاني ، والحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، والفضل بن شاذان النيسابوري والصدوق محمد بن بابويه ، ومحمد بن مسعود العياشي والحسن بن سليمان تلميذ الشهيد ، وقد ذكرها متكلمو علمائنا كالمفيد وشيخ الطائفة وسيد المرتضى والعلامة والكراجكي رضي الله عنهم وغيرهم من علماء الإمامية ، وجميع كتب الحديث المتداولة الآن مشحونة بذكرها ، وقد أوردت في المجلد الثالث عشر من كتاب بحار الأنوار أزيد من مائتي حديث نقلا عن نيف وأربعين أصلا من الأصول المعتبرة وكلها صريحة في إثبات الرجعة ، وأما رجعة الأئمة صلوات الله عليهم فالأخبار متواترة في رجعة أمير المؤمنين والحسين صلوات الله عليهما ، وفي رجعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا وردت أخبار كثيرة مستفيضة ، وأما سائر الأئمة عليه‌السلام فقد وردت في رجعتهم أيضا روايات كثيرة لكن ليست في الكثرة بتلك المثابة.

وأما خصوصيات الرجعة فقد اختلفت الأخبار فيها هل هي مقارنة لظهور القائم عليه‌السلام أو بعده أو قبله مقارنا له وامتدادات أزمنتهم أيضا مختلفة ، ولا ضرورة في تحقيق تلك الخصوصيات بل يكفي الإيمان مجملا واختلاف الأخبار في خصوصيات شيء لا يوجب إنكار أصله فإن في المعاد وكثير من أصول الدين وردت أخبار مختلفة الظواهر مع أن أصلها قطعي.

ففي بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وأن الرجعة ليست بعامة وهي خاصة لا يرجع إلا من محض الإيمان محضا أو محض الشرك محضا.


تعزيا وحزنا على ما فاتهم من نصرته فإذا خرج يكونون أنصاره.

______________________________________________________

وبأسانيد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن أول من يرجع لجاركم الحسين عليه‌السلام فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر ، وبسند آخر عنه عليه‌السلام قال : إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما‌السلام فأما يوم القيامة فإنما هو بعث إلى الجنة وبعث إلى النار.

وفي الصحيح أيضا عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها ، فقال : إن هذا الذي تسألون عنه لم يجيء أوانه وقد قال الله عز وجل : « بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ » (١).

وفي الموثق عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت : نعم قال : أما يقرءون القرآن « وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً » (٢).

وعن أبي الصباح قال : قال : أبو جعفر عليه‌السلام : عن الكرات تسألني؟ فقلت : نعم ، فقال : تلك القدرة ولا ينكرها إلا القدرية لا تنكر تلك القدرة لا تنكرها.

وروى العياشي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : « ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ » (٣) قال : خروج الحسين عليه‌السلام في الكرة في سبعين رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه ، عليهم البيض المذهبة لكل بيضة وجهان يؤدون إلى الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه وأنه ليس بدجال ولا شيطان ، والحجة القائم عليه‌السلام بين أظهرهم ، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه‌السلام جاء الحجة الموت ، فيكون الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين ابن علي عليه‌السلام ولا يلي الوصي إلا الوصي.

وروى علي بن إبراهيم في الحسن عن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله تعالى

__________________

(١) سورة يونس : ٣٩.

(٢) سورة النمل : ٣٨.

(٣) سورة الإسراء : ٦.


______________________________________________________

« إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ » (١) قال : يرجع إليكم نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ليس منا من لم يؤمن بكرتنا و [ لم ] يستحل متعتنا.

وروى الشيخ في كتاب الغيبة بإسناده عن المفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا قام القائم أتى المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا إنه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم.

وفي المسائل السروية للشيخ المفيد قدس‌سره أنه سئل عما يروي عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام في الرجعة وما معنى قوله : ليس منا من لم يقل بمتعتنا ويؤمن برجعتنا أهي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمن أو لغيره من الظلمة الجبارين قبل يوم القيامة؟ فكتب الشيخ نور الله مرقده بعد الجواب عن المتعة ، وأما قوله عليه‌السلام من لم يؤمن برجعتنا فليس منا فإنما أراد بذلك ما يختصه من القول به في أن الله تعالى يحشر قوما من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختص به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن شاهد به ، قال الله عز وجل في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة : « وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً » (٢) وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة « وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ » فأخبر أن الحشر حشران : عام وخاص ، وقال سبحانه مخبرا عمن يحشر من الظالمين أنه يقول يوم الحشر الأكبر : « رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ » (٣) وللعامة في هذه الآية تأويل مردود.

ثم بسط (ره) القول في ذلك ثم قال : والرجعة عندنا يختص بمن محض الإيمان محضا ، أو محض الكفر دون من سوى هذين الفريقين ، فإذا أراد الله تعالى ذلك على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عز وجل أنهم إنما ردوا إلى الدنيا

__________________

(١) سورة القصص : ٨٥.

(٢) سورة الكهف : ٤٨.

(٣) سورة غافر : ١١.


باب

الأمور التي توجب حجة الإمام عليه‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام إذا مات الإمام بم يعرف الذي بعده فقال للإمام علامات منها أن يكون أكبر ولد أبيه ويكون فيه الفضل والوصية ويقدم الركب فيقول إلى من أوصى فلان فيقال إلى فلان والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان.

______________________________________________________

لطغيانهم على الله ، فيزدادون عتوا فينتقم الله منهم بأوليائه المؤمنين ، ويجعل لهم الكرة عليهم ، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب والنقمة والعقاب ، وتصفو الأرض من الطغاة ، ويكون الدين لله ، والرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة وممحضي النفاق منهم ، دون من سلف من الأمم الخالية ، انتهى.

وذكر السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في أجوبة مسائل الري فصلا مشبعا في ذلك وكذا الشيخ الطبرسي (ره) في مجمع البيان ، والصدوق قدس‌سره في كتاب العقائد ، وقد أوردت جميع ذلك في الكتاب الكبير ، وإنما أوردت هنا قليلا من كثير.

باب الأمور التي توجب حجة الإمام عليه‌السلام.

الحديث الأول : صحيح.

« أن يكون أكبر ولد أبيه » أي إذا كانت الإمامة في الولد ، والحاصل أن هذه العلامة بعد الحسين ومع ذلك مقيد بما إذا لم يكن في الكبير عاهة كما سيأتي أو يقال إنما ذكر عليه‌السلام العلامة لأولاده وأولاد أولاده عليهم‌السلام ، فلا ينافي تخلفه فيمن تقدم والمراد بالفضل الاتصاف بكمال العلم والكرم والشجاعة وسائر الصفات الكمالية والمراد بالوصية وصية الوالد إليه أو وصية الله والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما مر في الباب السابق ، فيكون قوله « ويقدم » علامة أخرى ، وعلى الأول يكون تفسيرا لها ، وفي القاموس : الركب ركاب الإبل ، اسم جمع أو جمع وهم العشرة فصاعدا وقد يكون للخيل.


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن يزيد شعر ، عن هارون بن حمزة ، عن عبد الأعلى قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام المتوثب على هذا الأمر المدعي له ما الحجة عليه قال يسأل عن الحلال والحرام قال ثم أقبل علي فقال ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ويكون عنده السلاح ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان إلى من أوصى فلان فيقولون إلى فلان بن فلان.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قيل له بأي شيء يعرف الإمام قال بالوصية الظاهرة وبالفضل إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه هذا.

______________________________________________________

الحديث الثاني : حسن.

« والمتوثب » المستولي ظلما « يسأل عن الحلال والحرام » أي يسأله من عرف أحكام من تقدم من الأئمة عليهم‌السلام عن المسائل الغامضة والأحكام المشكلة ، فإن كان كاذبا يفتضح كما وقع في الأفطح وغيره ، والحاصل أن هذه العلامة إنما هي للعلماء والخواص فأما العلامة العامة فهي ما يذكر بعد ذلك.

و « ثلاثة » مبتدأ ، و « من الحجة » خبره أو نعت ، والجملة خبره ، والأولوية إما في القرابة والنسب فإن الولد الأكبر أولى في ذلك أو في الأخلاق والفضائل والأعمال ، أي يكون أشبه الناس به في تلك الأمور ، كما قال تعالى : « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » (١) والمراد بالوصية ليس الوصية بالإمامة بل مطلق الوصية.

الحديث الثالث : حسن.

« وبالفضل » أي الزيادة على من عداه في العلم والتقوى والورع « فيقال كذاب » إشارة إلى الطعن في الفم ، والكذب يشمل الكذب في الفتوى وغيره ، والنشر على ترتيب اللف « وما أشبه هذا » إشارة إلى الطعن في الفرج ، لم يصرح عليه‌السلام به لاستهجانه.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦٨.


٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ما علامة الإمام الذي بعد الإمام فقال طهارة الولادة وحسن المنشإ ولا يلهو ولا يلعب.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أحمد بن عمر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال سألته عن الدلالة على صاحب هذا الأمر فقال الدلالة عليه الكبر والفضل والوصية إذا قدم الركب المدينة فقالوا إلى من أوصى فلان قيل إلى فلان بن فلان ودوروا مع السلاح حيثما دار فأما المسائل فليس فيها حجة.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن هشام بن

______________________________________________________

الحديث الرابع : صحيح.

و « طهارة الولادة » أن لا يكون مطعونا في نسبه أو يكون عند الولادة مختونا مسرورا طاهرا غير ملوث بدم وغيره ، والأول أظهر ، والمنشأ مصدر ميمي من أنشأه إذا خلقه أو رباه ، أي يكون مربى بتربية والده في العلم والتقوى ، أو يكون من حين الصبا إلى زمان الإدراك موصوفا بالفضل والكمال ، تظهر منه آثار الخير والسعادة ، ولا يطعن عليه في حال من الأحوال بمعصية ولا دناءة « لا يلهو » أي لا يغفل عما يصلحه في شيء من أحواله « ولا يلعب » أي لا يرتكب أمرا لا فائدة فيه ، أو لا يغتر بزخارف الدنيا لقوله تعالى : « ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ » (١).

الحديث الخامس : صحيح.

والمراد بالكبر كونه أكبر سنا لا بحسب الفضائل فإنه داخل في الفضل « فليس فيها حجة » أي للعوام فلا ينافي ما مر وسيأتي فإنه بالنسبة إلى الخواص والعلماء كما عرفت.

الحديث السادس : مجهول.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٤.


سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الأمر في الكبير ما لم تكن فيه عاهة.

٧ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن أبي بصير قال قلت لأبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك بم يعرف الإمام قال فقال بخصال أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة ويسأل فيجيب وإن سكت عنه ابتدأ

______________________________________________________

« ما لم يكن به عاهة » أي آفة بدنية ، فإن الإمام مبرأ من نقص في الخلقة يوجب شينه أو دينية كعبد الله الأفطح فإنه كان بعد أبي عبد الله عليه‌السلام أكبر ولده لكن كان فيه عاهتان : الأولى أنه كان أفطح الرجلين أي عريضهما ، والثاني أنه كان جاهلا بل قيل فاسد المذهب.

قال المفيد (ره) في الإرشاد : كان أكبر إخوته بعد إسماعيل ولم يكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام ، وكان متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال : أنه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادعى بعد أبيه الإمامة واحتج بأنه أكبر إخوته الباقين فأتبعه جماعة ثم رجع أكثرهم إلى القول بإمامة أخيه موسى عليه‌السلام لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن عليه‌السلام ودلالة حقيته وبراهين إمامته ، وأقام نفر يسير منهم على إمامة عبد الله وهم الملقبة بالفطحية لأن عبد الله كان أفطح الرجلين ، أو لأن داعيهم إلى إمامه عبد الله رجل يقال له : عبد الله بن أفطح.

الحديث السابع : ضعيف.

والخصال جمع خصلة وهي الخلة « أولها » تذكير الأول للتأويل بالفضل والوصف وقيل : هو مبني على جواز تذكير المؤنث لغير الحقيقي نحو « إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » (١) قاله الجوهري ، وضمير « فإنه » لأولها ، والظاهر أن قوله « بإشارة » بيان لقوله بشيء فالمراد بشيء والنص من أبيه عليه ، وقيل : المراد بالشيء العلوم التي علمها أبوه مما يحتاج إليه الأمة ، والباء في قوله : بإشارة للمصاحبة وإن سكت

__________________

(١) سورة الأعراف : ٥٦.


ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان ثم قال لي يا أبا محمد أعطيك علامة قبل أن تقوم فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن عليه‌السلام بالفارسية فقال له الخراساني والله جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها فقال سبحان الله إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك ثم قال لي يا أبا محمد إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام.

باب

ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولاعم

ولا غيرهما من القرابات

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ

______________________________________________________

عنه على بناء المجهول « ويخبر بما في غد » إشارة إلى قوله تعالى : « وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً » (١) فإخباره لا بد أن يكون من قبل الله ، ويحتمل أن يكون هذا على المثال ، والمراد الإخبار بكل أمر مغيب لا سبيل إلى الحس والعقل إليه.

« ويكلم الناس بكل لسان » أي كل قوم بلسانهم « لا تحسنها » أي لا تعلمها حسنا ، يقال : حسن الشيء إذا كان ذا بصيرة فيه.

« أجيبك » بتقدير أن ويجوز نصبه ورفعه ، ويدل على لزوم كون الإمام أفضل من الرعية في جميع الخصال.

باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنه لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرها من القرابات

الحديث الأول : صحيح.

« كما قال » يمكن أن يكون الكاف زائدة و « ما قال الله » فاعل جرت بتأويل

__________________

(١) سورة لقمان : ٣٤.


بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » فلا تكون بعد علي بن الحسين عليه‌السلام إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

______________________________________________________

الآية ، ويحتمل أن يكون فاعل « جرت » الضمير العائد إلى الإمامة ، أي الإمامة التي لا يكون في أخوين جرت من علي بن الحسين ، فيكون « كما قال الله » حالا أو صفة للمصدر المحذوف ، ويؤيده أن في غيبة الشيخ : أنها جرت ، وهو أظهر.

واعلم أن آية « أُولُوا الْأَرْحامِ » نزلت في موضعين من القرآن أحدهما في سورة الأنفال هكذا : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » وثانيهما في سورة الأحزاب هكذا « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً » فأما الأولى فيحتمل أن يكون المراد بها أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض من بعض أو إلى بعض من الأجانب ، فعلى الأخير لا تدل على أولوية الأقرب من الأرحام من الأبعد منهم ، وأما الثانية فيحتمل أيضا أن جعل قوله : من المؤمنين ، بيانا لأولي الأرحام ، وأن جعل صلة للأولى ، فلا يحتمل إلا الأخير ، والظاهر أن المراد هنا الآية الثانية لأنها أنسب بهذا المعنى لمقارنته فيها لبيان حق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه ، فكان الأنسب بعد ذلك بيان حق ذوي أرحامه وقرابته.

ويؤيده ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن عبد الرحيم القصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » فيمن نزلت؟ قال : نزلت في الإمرة ، إن هذه الآية جرت في الحسين بن علي وفي ولد الحسين من بعده ، فنحن أولى بالأمر وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين والمهاجرين ، فقلت : لولد جعفر فيها نصيب؟ قال : لا ، قال : فعددت عليه بطون عبد المطلب ، كل ذلك يقول : لا ، ونسيت ولد الحسن ، فدخلت


______________________________________________________

عليه بعد ذلك فقلت : هل لولد الحسن فيها نصيب؟ فقال : لا يا با عبد الرحمن ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا.

وظاهر الخبر أنه عليه‌السلام جعل قوله : « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » صلة للأولى ، فلعل غرضه عليه‌السلام أولويتهم بالنسبة إلى الأجانب ، ولا يكون ذكر أولاد الحسين عليهم‌السلام للتخصيص بهم ، بل لظهور الأمر فيمن تقدم منهم ، بتواتر النص عليهم بين الخاص والعام.

ويحتمل أن يكون جعل « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » بيانا وفرع على ذلك أولويتهم على الأجانب بطريق أولى مع أنه على تقدير كونه صلة يحتمل أن يكون المراد بعض الأرحام وهم الأقارب القريبة أولى ببعض من غيرهم ، سواء كان الغير من الأقارب البعيدة أو الأجانب ، فالأقارب البعيدة أيضا داخلون في المؤمنين والمهاجرين. ولا يتوهم أنه استدلال بالاحتمال البعيد ، إذ يمكن أن لا يكون غرضه عليه‌السلام الاستدلال بذلك. بل يكون بيانا لمعنى الآية ومورد نزولها ، بل يحتمل أن يكون هذا من بطون الآية وتأويلاتها المختصة بهم ، إذ ورد في الأخبار الاستدلال بها على تقديم الأقارب في الميراث.

والمشهور في نزولها أنه كان قبل نزولها في صدر الإسلام التوارث بالهجرة والموالاة في الدين ، فنسخته الآية ، مع أنه يمكن تخصيص هذا المعنى بالآية الأولى في أكثر الأخبار فلا تنافي ، ولا يتوهم أيضا منافاة قوله تعالى : « إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً » لذلك ، إذ يحتمل أن يكون المراد على هذا التأويل أن الإمرة مختصة بأرحام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكم أن تفعلوا معروفا إلى غيرهم من أوليائكم في الدين ، فأما الطاعة المفترضة فهي مختصة بهم ، أو تكون الآية شاملة للأمرين ، وتكون هذه التتمة باعتبار أحد الجزئين.

ويحتمل أن يكون الخطاب متوجها إلى أولي الأرحام على الالتفات ، والمراد بأوليائهم الخواص التابعين لهم في أوامرهم ونواهيهم ، والمراد بالمعروف تعيينهم للحكومة


______________________________________________________

والقضاء في النواحي ، يعني ليس للمؤمنين والمهاجرين نصيب في تلك الولاية أصلا في وقت من الأوقات إلا أن تفعلوا إلى خواصكم منهم إحسانا بتعيينهم للحكومة والقضاء.

ثم إن خبر الكتاب يحتمل الاستدلال أو بيان مورد النزول للآية الأولى باعتبار المعنى الأول لظهوره ، ولا مانع فيها في اللفظ ولو كان استدلالا يكون وجه الاستدلال أنه يلزم العمل بظاهر الآية إلا فيما أخرجه الدليل ، وفي الحسين عليه‌السلام خرج بالنص المتواتر فجرت بعده ، ولو كان بيانا لمورد النزول فلا إشكال ، وقيل : المراد بأولى الأرحام أرحام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبنته وعمه وابني بنته وبعضهم عبارة من على والحسن والحسين.

« وأولى » بتقدير أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، حذف اكتفاء بما سبق ، بيان ذلك : أن الباء في ببعض ليس كالباء في بالمؤمنين ، فإن هذه دخلت على الوسيلة وتلك دخلت على الرعية فهذه للسببية ، والمراد ببعض فاطمة عليها‌السلام ، فالمراد أن تلك الولاية والإمامة لا تحصل لأحد إلا بشرطين ، الأول : كونه من أولي الأرحام ، والثاني كونه متصلا بمن هو أقرب بالنبي من كل أحد ، وهذا منحصر في علي والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وهم ذوو القربى ، وهي مؤنث أقرب.

« كتاب الله » عبارة عما فرضه الله على الناس وأخبر عنه في الكتب السالفة « من » في « من المؤمنين » ليست كمن في « من أنفسهم » فإنه لا تصرف للمؤمنين والمهاجرين في أولي أرحام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصلا ، فهي للتبعيد أي دون المؤمنين ، نحو « فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ » (١) ونحو « لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً » (٢) ونحو « أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ » (٣) أي ليس للمؤمنين والمهاجرين في تلك الولاية نصيب أصلا.

__________________

(١) سورة زمر : ٢٢.

(٢) سورة آل عمران : ١٠.

(٣) سورة التوبة : ٣٨.


٢ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سمعه يقول أبى الله أن يجعلها لأخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام.

٣ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه سئل أتكون الإمامة في عم أو خال فقال لا فقلت ففي أخ قال لا قلت ففي من قال في ولدي وهو يومئذ لا ولد له.

٤ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

٥ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن ابن أبي نجران ، عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له إن كان كون ولا أراني الله فبمن أئتم فأومأ إلى ابنه موسى قال قلت فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتم قال بولده قلت فإن حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن أئتم قال بولده ثم واحدا فواحدا وفي نسخة الصفواني ثم هكذا أبدا.

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف.

الحديث الثالث : صحيح ، ومخصوص بأولاد الحسين عليه‌السلام كما مر ، أو الغرض بعده عليه‌السلام وهو أظهر ، وفي الإخبار بالولد إعجاز.

الحديث الرابع صحيح.

الحديث الخامس : مجهول.

« إن كان كون » كان تامة والكون حدوث أمر أو حادث ، وهنا كناية عن الوفاة ، لم يصرح به رعاية للأدب ، وقوله : « ولا أراني » معترضة دعائية « فبمن ائتم » أي أقتدي واعتقد فرض طاعته ، والظاهر أنه كان في نسخة الصفواني : ثم هكذا أبدا بدل قوله : « ثم واحدا فواحداً. »


باب

ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة عليهم‌السلام واحدا فواحدا

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد أبي سعيد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (١) فقال نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليه‌السلام فقلت له إن الناس يقولون فما له لم يسم عليا وأهل بيته عليهم‌السلام في كتاب الله عز وجل قال فقال قولوا لهم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسر ذلك لهم ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسر ذلك لهم ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا أسبوعا حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسر ذلك لهم ونزلت « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » ونزلت في علي والحسن والحسين فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي من كنت مولاه فعلي مولاه

______________________________________________________

باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة عليهم‌السلام واحدا فواحدا.

الحديث الأول : صحيح بسنديه وقد مر الكلام في أولي الأمر في باب أن الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمر وفي باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام ، ولعل التخصيص بالثلاثة لكونهم موجودين عند نزول الآية.

« فما له لم يسم » أي لو كانوا مقصودين بالآية لسماهم بخصوصهم وأسمائهم « قولوا لهم » هذا نقض إجمالي « من كل أربعين درهما » أي بعد الوصول إلى النصاب ، والحاصل أنه لم يبين لهم القدر الذي يجب إخراجه « طوفوا أسبوعا » ذكره على المثال.

__________________

(١) سورة النساء : ٥٩.


______________________________________________________

قوله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أقول : هذا من جملة ما ذكره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام في يوم الغدير ، وهو مما تواتر نقله من الخاص والعام ، فقد روى ابن الأثير في جامع الأصول أخذته من عين كتابه نقلا من صحيح الترمذي عن زيد ابن أرقم ، وأبي سريحة ـ الشك من شعبة ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وروى البغوي في المصابيح والبيضاوي في المشكاة عن أحمد والترمذي بإسنادهما عن زيد بن أرقم مثله ، ورويا عن أحمد بإسناده عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل بغدير خم أخذ بيد علي عليه‌السلام فقال : ألستم تعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى ، فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

أقول : قال ابن حجر العسقلاني في المجلد السادس من كتاب فتح الباري في شرح فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام من صحيح البخاري ، وأما حديث : من كنت مولاه فعلي مولاه فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جدا وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ، انتهى.

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله قال : لما بلغ عليا عليه‌السلام أن الناس يتهمونه فيما يذكره من تقديم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له وتفضيله على الناس ، قال : أنشد الله من بقي ممن لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع مقالته في يوم غدير خم إلا قام فشهد بما سمع ، فقام ستة ممن عن يمينه من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهم سمعوه يقول ذلك اليوم وهو رافع بيدي علي عليه‌السلام : من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله ، وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه.


______________________________________________________

وقال في موضع آخر روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ، ويجلس إليه فجاء شاب من الكوفة ، فجلس إليه وقال : يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال : اللهم نعم ، قال : فأشهد بالله أن قد واليت عدوه وعاديت وليه ثم قام عنه.

وقال في موضع آخر ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن علي عليه‌السلام قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة ، فمنهم أنس بن مالك ناشد على الناس في رحبة القصر ، أو قال رحبة الجامع بالكوفة : أيكم سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها وأنس بن مالك لم يقم ، فقال له : يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد فلقد حضرتها؟ فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت ، فقال : إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة ، قال طلحة بن عمير : فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

وروى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال : آليت أن لا أكتم حديثا سألت عنه في علي بعد يوم الرحبة : ذاك رأس المتقين (١) يوم القيامة سمعته والله من نبيكم ثم ذكر كتمان زيد بن أرقم حديث الولاية ، ودعاء علي عليه‌السلام عليه بذهاب بصره ، وأنه عمي بعد ذلك.

وقال في موضع آخر قال عليه‌السلام يوم الشورى : أفيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ قالوا : لا ، انتهى.

وأقول : روى السيوطي في در المنثور عن ابن مردويه وابن عساكر بإسنادهما عن أبي سعيد الخدري قال : لما نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا يوم غدير خم فنادى له

__________________

(١) وفي نسخة « المتقدمين » بدل « المتقين » ولكن الظاهر ما اخترناه.


______________________________________________________

بالولاية ، هبط عليه جبرئيل بهذه الآية « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » (١) وروي أيضا عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بأسانيدهم عن أبي هريرة قال : لما كان يوم غدير خم وهو الثامن عشر من ذي الحجة قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فأنزل الله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » يعني إن كتمت هذه الآية : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » يعني ما نزل على رسول الله يوم غدير خم في علي بن أبي طالب ، وروي عن ابن مردويه بإسناده عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس.

أقول : وقد أوردت الأخبار الواردة في ذلك من طريق الخاصة والعامة في قريب من عشرة كراريس فمن أراد الاطلاع عليها فيرجع إليه وجملة القول فيه : أن الاستدلال بخبر الغدير يتوقف على أمرين :

أحدهما إثبات الخبر ، والثاني إثبات دلالته على خلافته صلوات الله عليه.

أما الأول فلا أظن عاقلا يرتاب في ثبوته وتواتره بعد الإحاطة بما أوردته في الكتاب الكبير ، قال السيد التستري في إحقاق الحق : ذكر الشيخ ابن كثير الشامي الشافعي عند ذكر أحوال محمد بن جرير الطبري إني رأيت كتابا جمع في أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ، وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير ، ونقل عن أبي المعالي الجويني أنه كان يتعجب ويقول : رأيت مجلدا ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر ، مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه ، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون ، وأثبت الشيخ ابن الجزري الشافعي رسالته الموسومة بأسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ، تواتر هذا الحديث من طرق كثيرة ، ونسب منكره إلى الجهل والعصبية ، انتهى.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.


______________________________________________________

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في كتاب الشافي أما الدلالة على صحة الخبر فلا يطالب بها إلا متعنت لظهوره واشتهاره ، وحصول العلم لكل من سمع الأخبار به ، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير والدلالة عليه إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظاهرة المشهورة وأحواله المعروفة وحجة الوداع نفسها لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة ، ثم قال : ومما يدل على صحته إجماع علماء الأمة على قبوله ولا شبهة فما ادعيناه من الإطباق ، لأن الشيعة جعلته الحجة في النص على أمير المؤمنين عليه‌السلام بالإمامة ومخالفو الشيعة أولوه على اختلاف تأويلاتهم وما يعلم أن فرقة من فرق الأمة ردت هذا الخبر أو امتنعت من قبوله ، واستدل قوم على صحة الخبر بما تظاهرت به الروايات من احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام به في الشورى ، حيث قال : أنشدكم الله هل منكم أحد أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده فقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري؟ فقال القوم : اللهم لا ، وإذا اعترف من حضر الشورى من الوجوه واتصل أيضا بغيرهم من الصحابة ممن لم يحضر الموضع ولم يكن من أحد نكير له ، مع علمنا بتوفر الدواعي إلى إظهار ذلك لو كان ، فقد وجب القطع على صحته.

على أن الخبر لو لم يكن في الوضوح كالشمس لما جاز أن يدعيه أمير المؤمنين عليه‌السلام سيما في مثل هذا المقام انتهى ملخص كلامه (ره).

وأما الثاني فلنا في الاستدلال به على إمامته صلوات الله عليه مقامان : « الأول » أن المولى جاء بمعنى الأولى بالأمر والتصرف المطاع في كل ما يأمر « الثاني » أن المراد به هنا هو هذا المعنى.

أما الأول فقد قال السيد رحمه‌الله : من كان له أدنى اختلاط باللغة وأهلها يعرف أنهم يضعون هذه اللفظة مكان أولى ، كما أنهم يستعملونها في ابن العم ، وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى ـ ومنزلته في اللغة منزلته في كتابه المعروف بالمجاز في


______________________________________________________

القرآن لما انتهى إلى قوله : « مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ » (١) أن معنى موليكم أولى بكم وأنشد بيت لبيد شاهدا له :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

وليس أبو عبيدة ممن يغلط في اللغة ، ولو غلط فيها أو وهم لما جاز أن يمسك عن النكير عليه والرد لتأويله غيره من أهل اللغة ممن أصاب ، وما غلط فيه على عادتهم المعروفة في تتبع بعضهم لبعض ورد بعضهم على بعض ، فصار قول أبي عبيدة الذي حكيناه مع أنه لم يظهر من أحد من أهل اللغة ردا له كأنه قول الجميع.

ولا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى : « وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ » (٢) أن المراد بالموالي من كان أملك بالميراث وأولى بحيازته وأحق به.

وقال الأخطل :

فأصبحت مولاها من الناس بعده

وأخرى قريش أن تهاب وتحمدا

وروي في الحديث أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل ، وكلما استشهد به لم يرد بلفظ مولى فيه إلا معنى أولى دون غيره.

قال المبرد بعد أن ذكر تأويل قوله تعالى : « بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا » (٣) والولي والأولى معناهما سواء ، وهو الحقيق بخلقه المتولي لأمورهم.

وقال الفراء في كتاب معاني القرآن : الولي والمولى في كلام العرب واحد ، وفي قراءة ابن مسعود : إنما موليكم الله ورسوله ، مكان « وليكم » وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه في القرآن المعروف بالمشكل : والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام ، أولهن المولى المنعم ، ثم المنعم عليه المعتق ، والمولى الولي ، والمولى الأولى بالشيء ، وذكر شاهدا عليه الآية التي قدمنا ذكرها ، وبيت لبيد ، والمولى : الجار ،

__________________

(١) سورة الحديد : ١٥.

(٢) سورة النساء : ٣٣.

(٣) سورة محمد : ١١.


______________________________________________________

والمولى : ابن العم ، والمولى : الصهر ، والمولى : الحليف ، واستشهد لكل واحد من أقسام المولى بشيء من الشعر لم نذكره ، لأن غرضنا سواه.

وقال أبو عمر غلام تغلب : أقسام المولى ، وذكر في جملة الأقسام أن المولى السيد وإن لم يكن مالكا ، والمولى : الولي.

وقد ذكر جماعة ممن يرجع إلى أمثاله في اللغة أن من جملة أقسام مولى السيد : الذي ليس هو بمالك ولا معتق ، ولو ذهبنا إلى ذكر جميع ما يمكن أن يكون شاهدا فيما قصدناه لأكثرنا ، وفيما أوردناه كفاية ومقنع ، انتهى مختصر كلامه قدس‌سره.

وقال ابن الأثير في النهاية : قد تكرر اسم المولى في الحديث ، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب ، والمالك ، والسيد ، والمنعم ، والمعتق ، والناصر ، والمحب والتابع ، والجار ، وابن العم ، والحليف ، والعقيد ، والصهر ، والعبد ، والمنعم عليه ، وكل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه ، ومنه الحديث : من كنت مولاه فعلي مولاه ، يحمل على أكثر الأسماء المذكورة ، ومنه الحديث أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل ، وروي وليها أي متولي أمرها.

وقال البيضاوي والزمخشري وغيرهما من المفسرين ، في تفسير قوله تعالى : « هِيَ مَوْلاكُمْ » (١) هي أولى بكم ، وقال الزمخشري في قوله تعالى : « أَنْتَ مَوْلانا » (٢) سيدنا ونحن عبيدك ، أو ناصرنا أو متولي أمورنا.

وأما الثاني ففيه مسالك :

المسلك الأول.

أن المولى حقيقة في الأولى ، لاستقلالها بنفسها ورجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها ، لأن المالك إنما كان مولى لكونه أولى بتدبير رقيقه وبحمل جريرته والمملوك مولى لكونه أولى بطاعة مالكه ، والمعتق والمعتق كذلك ، والناصر لكونه أولى

__________________

(١) سورة الحديد : ١٥.

(٢) سورة البقرة : ٢٨٦.


______________________________________________________

بنصرة من نصر والحليف لكونه أولى بنصرة حليفه ، والجار لكونه أولى بنصرة جاره والذب عنه ، والصهر لكونه أولى بمصاهره ، والإمام والوراء (١) لكونه أولى بمن يليه ، وابن العم لكونه أولى بنصرة ابن عمه. والعقل عنه ، والمحب المخلص لكونه أولى بنصرة محبة.

وإذا كانت لفظة مولى حقيقة في الأولى وجب حملها عليها دون سائر معانيها ، هذا الوجه ذكره الشيخ يحيى بن بطريق (ره) في العمدة ، والشيخ أبو الصلاح الحلبي قدس‌سره في تقريب المعارف.

المسلك الثاني.

ما ذكره السيد رضي‌الله‌عنه في الشافي وغيره في غيره ، وهو أن ما يحتمله لفظة مولى ينقسم إلى أقسام ، منها ما لم يكن صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ، ومنها ما كان عليه ، ومعلوم لكل أحد أنه عليه‌السلام لم يرده ، ومنها ما كان عليه ، ومعلوم بالدليل أنه لم يرده ، ومنها ما كان حاصلا له ، ويجب أن يريده ، لبطلان سائر الأقسام واستحالة خلو كلامه من معنى وفائدة ، فالقسم الأول هو المعتق والحليف ، لأن الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته والدفاع عنه ، فيكون منتسبا إليها متعززا بها ، ولم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حليفا لأحد على هذا الوجه ، والقسم الثاني ينقسم إلى قسمين أحدهما معلوم أنه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق والمالك والجار والصهر والخلف والإمام ، إذا عدا من أقسام المولى ، والآخر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة ، وكان ظاهرا شائعا ، وهو ابن العم ، والقسم الثالث الذي يعلم بالدليل أنه لم يرده هو ولاية الدين والنصرة فيه ، والمحبة وولاء المعتق.

والدليل على أنه عليه‌السلام لم يرد ذلك أن كل أحد يعلم من دينه عليه‌السلام وجوب تولي المؤمنين ونصرتهم وقد نطق الكتاب به ، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي

__________________

(١) كذا في النسخ.


______________________________________________________

حكيت في تلك الحال ، ويعلمهم ما هم مضطرون إليه من دينه ، وكذلك هم يعلمون أن ولاء المعتق لبني العم قبل الشريعة وبعدها ، وقول ابن الخطاب في الحال على ما تظاهرت به الرواية لأمير المؤمنين عليه‌السلام أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن يبطل أن يكون المراد ولاء المعتق ، وبمثل ما ذكرناه في إبطال أن يكون المراد بالخبر ولاء المعتق أو إيجاب النصرة في الدين ، استبعد أن يكون أراد به صلى‌الله‌عليه‌وآله قسم ابن العم لاشتراك خلو الكلام عن الفائدة بينهما ، فلم يبق إلا القسم الرابع الذي كان حاصلا له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويجب أن يريده وهو الأولى بتدبير الأمر وأمرهم ونهيهم ، انتهى.

أقول : أكثر المخالفين لجأوا في دفع الاستدلال به إلى تجويز كون المراد الناصر والمحب ، ولا يخفى على عاقل أنه ما كان يتوقف بيان ذلك على اجتماع الناس لذلك في شدة الحر ، بل كان هذا أمر يجب أن يوصي به عليا عليه‌السلام بأن ينصر من كان الرسول ينصره ، ويحب من كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبه ، ولا يتصور في إخبار الناس بذلك فائدة يعتد بها إلا إذا أريد بذلك نوع من النصرة والمحبة يكون للأمراء بالنسبة إلى رعاياهم ، أو أريد به جلب محبتهم بالنسبة إليه ووجوب متابعتهم له حيث ينصرهم في جميع المواطن ، ويحبهم على الدين ، وبهذا أيضا يتم المدعى.

وأيضا نقول على تقدير أن يراد به المحب والناصر أيضا يدل على إمامته عند ذوي العقول المستقيمة والفطرة القويمة بقرائن الحال ، فإنا لو فرضنا أن أحدا من الملوك جمع عند قرب وفاته جميع عسكره ، وأخذ بيد رجل هو أقرب أقاربه وأخص الخلق به ، وقال : من كنت محبة وناصره فهذا محبة وناصره ، ثم دعا لمن نصره ووالاه ، ولعن من خذله ولم يقل هذا لغيره ، ولم يعين لخلافته رجلا سواه ، فهل يفهم أحد من رعيته ومن حضر ذلك المجلس إلا أنه يريد بذلك استخلافه وتطميع الناس في نصرة ومحبته ، وحث الناس على إطاعته وقبول أمره ونصرته على عدوه.

وبوجه آخر نقول : ظاهر قوله : من كنت ناصره فعلي ناصره ، هو أنه يتمشى منه النصرة لكل أحد ، كما كان يتأتى من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يكون ذلك إلا بالرئاسة


______________________________________________________

العامة ، إذ لا يخفى على منصف أنه لا يحسن من أمير قوي الأركان كثير الأعوان أن يقول في شأن بعض آحاد الرعايا : من كنت ناصره فهذا ناصره ، فأما إذا استخلفه وأمره على الناس فهذا في غاية الحسن ، لأنه جعله بحيث يمكن أن يكون ناصر من نصره.

المسلك الثالث :

أنه قد ورد في كثير من روايات الخاصة والعامة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال أولا : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ أو قال : ألستم تعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى ، قال : ألستم تعلمون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى ، فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، فما مهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لا وفرع عليه هذا الكلام قرينة واضحة على أن المراد بالمولى ما ذكره أولا من الأولوية التي أثبتها لنفسه ، ولا ينكر هذا إلا جاهل بأساليب الكلام ، أو متجاهل للعصبية عما تتنازع إليه الأفهام.

قال في الشافي : فأما الدلالة على أن المراد بلفظة مولى في خبر الغدير الأولى ، فهو أن من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم التصريح به ولغيره ، لم يجز أن يريدوا بالمحتمل إلا المعنى الأول ، يبين صحة ما ذكرناه أن أحدهم إذا قال مقبلا على جماعة مفهما لهم ، وله عدة عبيد : ألستم عارفين بعبدي ، فلان ، ثم قال عاطفا على كلامه : فاشهدوا إن عبدي حر لوجه الله ، لم يجز أن يريد بقوله : عبدي بعد أن قدم ما قدمه إلا العبد الذي سماه في أول كلامه دون غيره من سائر عبيده ، ومتى أراد سواه كان عندهم لغوا خارجا عن طريق البيان انتهى.

وأقول : فإذا ثبت أن المراد بالمولى هنا الأولى الذي تقدم ذكره والأولى في الكلام المتقدم غير مقيد بشيء وحال من الأحوال ، فلو لم يكن المراد به العموم لزم الألغاز في الكلام ، ومن قواعدهم المقررة أن حذف المتعلق من غير قرينة دالة على


______________________________________________________

خصوص أمر من الأمور يدل على العموم ، لا سيما وقد انضم إليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أنفسكم؟ فإن للمرء أن يتصرف في نفسه ما يشاء ، ويتولى من أمره ما يريد ، فإذا حكم بأنه أولى بهم من أنفسهم يدل على أن له أن يأمرهم بما يشاء ، ويدبر فيهم ما يشاء في أمر الدين والدنيا ، وأنه لا اختيار لهم معه ، وهل هذا إلا معنى الإمامة والرئاسة العامة.

وأيضا لا يخفى على عاقل أن ما قررهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه إنما أشار به إلى ما أثبت الله له في كتابه العزيز ، حيث قال : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » (١) وقد أجمع المفسرون على أن المراد به ما ذكرناه.

قال الزمخشري في الكشاف : النبي أولى بالمؤمنين في كل شيء من أمور الدين والدنيا من أنفسهم ، ولهذا أطلق ولم يقيد فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم ، وحكمه أنفذ إليهم من حكمها ، وحقه آثر عليهم من حقوقها ، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها ، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداء إذا أعضل خطب ووقاية إذا ألحقت حرب ، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم ، ولا ما تصرفهم عنه ويتبعوا كل ما دعاهم إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصرفهم عنه ، إلى آخر كلامه.

ونحوه قال البيضاوي وغيره من المفسرين.

وقال السيد رضي‌الله‌عنه فأما الدليل على أن لفظة أولى يفيد معنى الإمامة ، فهو أنا نجد أهل اللغة لا يضفون هذا اللفظ إلا فيمن كان يملك ما وصف بأنه أولى به ، وينفذ فيه أمره ونهيه ، ألا تراهم يقولون : السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية وولد الميت أولى بميراثه من كثير من أقاربه ، ومرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه ، ولا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » المراد به بتدبيرهم والقيام بأمرهم ، حيث وجبت طاعته عليهم ، ونحن نعلم أنه لا يكون أولى

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٦.


______________________________________________________

بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد إلا من كان إماما لهم مفترض الطاعة عليهم.

فإن قال : سلمنا أن المراد بالمولى في الخبر ما تقدم من معنى الأولى من أين لكم أنه أراد كونه أولى بهم في تدبيرهم وأمرهم ونهيهم دون أن يكون أراد به أولى بأن يوالوه ويحبوه ويعظموه ويفضلوه؟

قيل له : سؤالك يبطل من وجهين : « أحدهما » أن الظاهر من قول القائل فلان أولى بفلان ، أنه أولى بتدبيره وأحق بأمره ونهيه ، فإذا انضاف إلى ذلك القول أولى به من نفسه زالت الشبهة في أن المراد ما ذكرناه ، ألا تراهم يستعملون هذه اللفظة مطلقة في كل موضع حصل فيه محقق للتدبير والاختصاص بالأمر والنهي كاستعمالهم لها في السلطان ورعيته والوالد وولده والسيد وعبده ، وإن جاز أن يستعملوها مقيدة في غير هذا الموضع ، إذا قالوا فلان أولى بمحبة فلان أو بنصرته أو بكذا وكذا منه ، إلا أن مع الإطلاق لا يعقل عنهم إلا المعنى الأول.

« والوجه الآخر » أنه إذا ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بما قدمه من كونه أولى بالخلق من نفوسهم أنه أولى بتدبيرهم وتصريفهم من حيث وجبت طاعته عليهم بلا خلاف وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين عليه‌السلام في الكلام الثاني جاريا ذلك المجرى يشهد بصحة ما قلناه أن القائل من أهل اللسان إذا قال فلان وفلان ، وذكر جماعة شركاء في المتاع الذي من صفته كذا وكذا ، ثم قال عاطفا على كلامه من كنت شريكه فعبد الله شريكه ، اقتضى ظاهر لفظه أن عبد الله شريكه في المتاع الذي قدم ذكره ، وأخبر أن الجماعة شركاؤه فيه ، ومتى أراد أن عبد الله شريكه في غير الأمر الأول كان سفها غاشا ملغزا.

فإن قيل : إذا سلم لكم أنه عليه‌السلام أولى بهم بمعنى التدبير ووجوب الطاعة من أين لكم عموم وجوب الطاعة في جميع الأمور التي تقوم بها الأئمة ، ولعله أراد به أولى بأن يطيعوه في بعض الأشياء دون بعض؟


______________________________________________________

قيل له : الوجه الثاني الذي ذكرناه في جواب سؤالك المتقدم يسقط هذا السؤال.

ومما يبطله أيضا أنه إذا ثبت أنه عليه‌السلام مفترض الطاعة على جميع الخلق في بعض الأمور دون بعض وجبت إمامته ، وعموم فرض طاعته ، وامتثال تدبيره ، فلا يكون إلا الإمام لأن الأمة مجمعة على أن من هذه صفته هو الإمام ، ولأن كل من أوجب لأمير المؤمنين عليه‌السلام من خبر الغدير فرض الطاعة على الخلق أوجبها عامة في الأمور كلها على الوجه الذي يجب للأئمة عليهم‌السلام ولم يخص شيئا دون شيء.

وبمثل هذا الوجه نجيب من قال : كيف علمتهم عموم القول لجميع الخلق؟ مضافا إلى عموم إيجاب الطاعة لسائر الأمور ، ولستم ممن يثبت للعموم صيغة في اللغة فتغلقون بلفظة من وعمومها ، وما الذي يمنع على أصولكم من أن يكون أوجب طاعته على واحد من الناس أو جماعة من الأمة قليلة العدد ، لأنه لا خلاف في عموم طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعموم قوله من بعده : فمن كنت مولاه ، وإلا لم يكن للعموم صورة ، وقد بينا أن الذي أوجبه ثانيا يجب مطابقته لما قدمه في وجهه وعمومه في الأمور ، وكذا يجب عمومه في المخاطبين بتلك الطريقة ، لأن كل من أوجب من الخبر فرض الطاعة وما يرجع إلى معنى الإمامة ذهب إلى عمومه لجميع المكلفين ، كما ذهب إلى عمومه في جميع الأفعال ، انتهى.

وأما ما زعم بعضهم من أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم وال من والاه ، قرينة على أن المراد بالمولى الموالي والناصر ، فلا يخفى وهنه إذ لم يكن استدلالنا بمحض تقدم ذكر الأولى حتى يعارضونا بذلك ، بل إنما استدللنا بسياق الكلام وتمهيد المقدمة والتفريع عليهما ، وما يحكم به عرف أرباب اللسان في ذلك وأما الدعاء بموالاة من والاه فليس بتلك المثابة ، وإنما يتم هذا لو ادعى أحد أن اللفظ بعد ما أطلق على أحد معانيه لا يناسب أن يطلق ما يناسبه ويدانيه في الاشتقاق على معنى آخر ، وكيف يدعي ذلك عاقل ، مع أن ذلك مما يعد من المحسنات البديعة.


______________________________________________________

بل نقول تعقيبه بهذا يؤيد ما ذكرناه ويقوى ما استثناه بوجوه :

الأول : أنه لما أثبت صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له الرئاسة العامة والإمامة الكبرى ، وهي مما يحتاج إلى الجنود والأعوان ، وإثبات مثل ذلك لواحد من بين جماعة مما يقتضي إلى هيجان الحسد المورث لترك النصرة والخذلان ، لا سيما أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عالما بما في صدور المنافقين الحاضرين من عداوته ، وما انطوى عليه جنوبهم من السعي في غصب خلافته أكد ذلك بالدعاء لأعوانه ، واللعن على من قصر في شأنه ، ولو كان الغرض محض كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناصرا لهم ، أو ثبوت الموالاة بينه وبينهم كسائر المؤمنين لم يكن يحتاج إلى مثل تلك المبالغات والدعاء له بما يدعى للأمراء وأصحاب الولايات.

الثاني : أنه يدل على عصمته اللازمة لإمامته لأنه لو كان يصدر منه المعصية ، لكان يجب على من يعلم ذلك منه منعه وزجره وترك موالاته ، وإبداء معاداته لذلك فدعاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لكل من يواليه وينصره ولعنه على كل من يعاديه ويخذله ، يستلزم عدم كونه أبدا على حال يستحق عليها ترك الموالاة والنصرة.

الثالث : أنه إذا كان المراد بالمولى الأولى كما نقوله كان المقصود منه طلب موالاته ومتابعته ونصرته من القوم ، وإن كان المراد الناصر والمحب كان المقصود بيان كونه صلوات الله عليه ناصرا ومحبا لهم ، فالدعاء لمن يواليه وينصره ، واللعن على من يتركهما في الأول أهم وبه أنسب من الثاني ، إلا أن يأول الثاني بما يرجع إلى الأول في المال كما أومأنا إليه سابقا.

المسلك الرابع :

أن الأخبار المروية من طرق الخاصة والعامة الدالة على أن قوله تعالى « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » نزلت في يوم الغدير تدل على أن المراد بالمولى ما يرجع إلى الإمامة الكبرى ، إذ ما يكون سببا لكمال الدين وتمام النعمة على المسلمين ، لا يكون إلا ما يكون من أصول الدين بل من أعظمها وهي الإمامة التي بها يتم نظام


______________________________________________________

الدنيا والدين ، وبالاعتقاد بها تقبل أعمال المسلمين ، وقال الشيخ جلال الدين السيوطي وهو من أكابر متأخري المخالفين في كتاب الإتقان : أخرج أبو عبيدة عن محمد بن كعب قال : نزلت سورة المائدة في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة ، ومنها « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » وفي الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع ، لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم ، وأخرج مثله من حديث أبي هريرة ، انتهى.

وروى السيوطي أيضا في الدر المنثور بأسانيد أن اليهود قالوا : لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذنا يومها عيدا.

وروى الشيخ الطبرسي (ره) في مجمع البيان عن مهدي بن نزار الحسيني عن عبد الله الحسكاني عن أبي عبد الله الشيرازي عن أبي بكر الجرجاني عن أبي أحمد الأنصاري البصري عن أحمد بن عمار بن خالد عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزلت هذه الآية قال : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي ، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله.

قال : وقال الربيع بن أنس نزل في المسير في حجة الوداع ، انتهى.

وقد مر سائر الأخبار في ذلك.

المسلك الخامس.

أن الأخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » مما يعين بالمولى الأولى والخليفة والإمام ، لأن التهديد بأنه إن لم يبلغه فكأنه لم يبلغ


______________________________________________________

شيئا من رسالاته وضمان العصمة له يجب أن يكون في إبلاغ حكم يكون بإبلاغه إصلاح الدين والدنيا لكافة الأنام ، وبه يتبين للناس الحلال والحرام إلى يوم القيامة يكون قبوله صعبا على الأقوام ، وليس مما ذكروه من الاحتمالات في لفظ المولى ما يظن فيه أمثال ذلك إلا خلافة عليه‌السلام وإمامته ، إذ بها يبقى ما بلغه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحكام الدين ، وبها ينتظم أمور المسلمين ، ولضغائن الناس لأمير المؤمنين عليه‌السلام كان مظنة إثارة الفتن من المنافقين ، فلذا ضمن الله له العصمة من شرهم.

قال الرازي في تفسيره الكبير في بيان محتملات نزول تلك الآية : « العاشر » نزلت هذه الآية في فضل علي عليه‌السلام ، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي.

وقال الطبرسي (ره) : روى العياشي في تفسيره بإسناده عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا : أمر الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينصب عليا عليه‌السلام للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقولوا حابى ابن عمه (١) وأن يطعنوا في ذلك عليه فأوحى الله إليه الآية فقام عليه‌السلام بولايته يوم غدير خم ، وهذا الخبر بعينه حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التأويل ، وفيه أيضا بالإسناد المرفوع إلى حيان بن علي العنزي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في علي فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده عليه‌السلام فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وقد أورد هذا الخبر أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره بإسناده مرفوعا إلى ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في علي ، أمر النبي أن يبلغ فأخذ رسول

__________________

(١) حاجي الرجل : مال إليه منحرفا عن العدل.


______________________________________________________

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أن الله أوحى إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستخلف عليا فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل الله سبحانه هذه الآية تشجيعا له على القيام لما أمره بأدائه.

والمعنى إن تركت تبليغ ما أنزل إليك أو كتمته كنت كأنك لم تبلغ شيئا من رسالات ربك في استحقاق العقوبة.

المسلك السادس :

هو أن الأخبار الخاصية والعامية المشتملة على صريح النص في تلك الواقعة إن لم تدع تواترها معنى ـ مع أنها كذلك ـ فهي تصلح لكونها قرينة لكون المراد بالمولى ما يفيد الإمامة الكبرى والخلافة العظمى ، لا سيما مع انضمام ما جرت به عادة الأنبياء والسلاطين والأمراء من استخلافهم عند قرب وفاتهم ، وهل يريب عاقل في أن نزول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمان ومكان لم يكن نزول المسافر متعارفا فيهما ، حيث كان الهواء على ما روي في غاية الحرارة ، حتى كان الرجل يستظل بدابته ، ويضع الرداء تحت قدميه من شدة الرمضاء (١) والمكان مملوء من الأشواك ، ثم صعوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأقتاب (٢) والدعاء لأمير المؤمنين صلوات الله عليه على وجه يناسب شأن الملوك والخلفاء وولاة العهد ، لم يكن إلا لنزول الوحي الإيجابي الفوري في ذلك الوقت ، لاستدراك أمر عظيم الشأن جليل القدر وهو استخلافه والأمر بوجوب طاعته.

المسلك السابع :

نقول يكفي في القرينة على إرادة الإمامة من المولى فهم من حضر ذلك المكان وسمع هذا الكلام ، هذا المعنى كحسان حيث نظمه في إشعاره المتواترة وغيره من شعراء الصحابة والتابعين وغيرهم ، وكالحارث بن النعمان الفهري كما رويناه

__________________

(١) الرمضاء : شدة الحر.

(٢) الأقتاب جمع القتب : الرحل.


______________________________________________________

في الكتاب الكبير عن الثعلبي وغيره ، أنه هكذا فهم الخطاب حيث سمعه وغيرهم من الصحابة والتابعين على ما أوردناه في الكتاب المذكور في ضمن الأخبار ، ولنعم ما قال الغزالي في كتاب سر العالمين في مقالته الرابعة التي وضعها لتحقيق أمر الخلافة ، بعد عدة من الأبحاث ، وذكر الاستخلاف : لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته صلوات الله عليه وآله في يوم غدير خم باتفاق الجميع ، وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال عمر : بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، فهذا تسليم ورضا وتحكيم ، ثم بعد هذا غلب الهواء بحب الرئاسة وحمل عمود الخلافة وعقود النبوء وخفقان الهواء في قعقعة الرايات اشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهواء فعادوا إلى الخلاف الأول ، فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ، انتهى.

أقول : لا يخفى على من شم رائحة الإنصاف أن تلك الوجوه التي نقلناها عن القوم تتميمات ألحقناها بها ، ونكأت تفردنا بإيرادها لو كان كل منها مما يمكن لمباهات ومعاند أن يناقش فيها فبعد اجتماعها وتعاضد بعضها ببعض لا يبقى لأحد مجال الريب فيها ، والعجب من هؤلاء المخالفين مع ادعائهم غلبة الفضل والكمال ، كيف طاوعتهم أنفسهم أن يبدوا في مقابلة تلك الدلائل والبراهين احتمالا يحكم كل عقل باستحالتها ، ولو كانت مجرد التمسك بذيل الجهالات ، والالتجاء بمحض الاحتمالات مما يكفي لدفع الاستدلالات ، لم يبق شيء من الدلائل إلا ولمباهات فيه مجال ، ولا شيء من البراهين إلا ولجاهل فيه مقال ، فكيف يثبتون الصانع ويقيمون البراهين فيه على الملحدين؟ وكيف يتكلمون في إثبات النبوات وغيره من مقاصد الدين؟ أعاذنا الله وإياهم من العصبية والعناد ، ووفقنا جميعا لما يهدي إلى الرشاد.


وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت الله عز وجل أن لايفرق

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، أقول : الأخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير ، وأشهرها ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني قد تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي وأحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

وبإسناده إلى زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تارك فيكم الثقلين خليفتين ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

وروى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينا خطيبا بما يدعي خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب. وإني تارك فيكم ثقلين أو لهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله تعالى ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا.

وروى ابن الأثير في جامع الأصول نقلا عن صحيح الترمذي عن جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول : إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

وعن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، وهو كتاب الله حبل ممدود من الأرض إلى السماء ، وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.


بينهما حتى يوردهما علي الحوض فأعطاني ذلك وقال لا تعلموهم فهم أعلم منكم

______________________________________________________

وهذا الخبر من المتواترات لم ينكره أحد من المخالفين عند الاحتجاج عليهم ، كقاضي القضاة وغيرهم من المتعصبين ، بل تكلموا في الدلالة على الإمامة وذكر ألفاظه اللغويون ، قال ابن الأثير في النهاية : في الحديث : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، سماهما ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل ، ويقال لكل خطير نفيس ثقل ، فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما ، وتفخيما لشأنهما.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : سميا ثقلين إذ يستصلح الدين بهما ، ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين ، أو لأن الأخذ بهما عزيمة ، انتهى.

وأما الاستدلال بها على إمامة الأئمة عليهم‌السلام ، فقال الشيخ المفيد قدس الله روحه لا يكون شيء أبلغ من قول القائل : قد تركت فيكم فلانا ، كما يقول الأمير إذا خرج من بلده واستخلف من يقوم مقامه لأهل البلد : قد تركت فيكم فلانا يرعاكم ويقوم فيكم مقامي ، وكما يقول من أراد الخروج عن أهله وأراد أن يوكل عليهم وكيلا يقوم بأمرهم : قد تركت فيكم فلانا فاسمعوا له وأطيعوا ، فإذا كان ذلك كذلك فهو النص الجلي الذي لا يحتمل غيره ، إذ خلف في جميع الخلق أهل بيته وأمرهم بطاعتهم والانقياد لهم بما أخبر به عنهم من العصمة ، وأنهم لا يفارقون الكتاب ولا يتعدون الحكم بالصواب.

ونقل السيد ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الشافي عن صاحب المغني أنه اعترض على الاستدلال بهذا الحديث وحديث السفينة وأمثالهما على الإمامة بأن هذا إنما يدل على أن إجماع العترة لا يكون إلا حقا ، لأنه لا يخلو من أن يريد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك جملتهم أو كل واحد منهم ، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يريد بذلك إلا جملتهم ، لأن الكلام يقتضي الجمع ، ولأن الخلاف قد يقع بينهم على ما علمناه من حالهم ، ولا يجوز أن يكون في شيء وضده ، وقد ثبت اختلافهم فيما هذا حاله ، ولا يجوز أن يقال إنهم مع الاختلاف لا يفارقون الكتاب ، وذلك يبين أن المراد به أن ما أجمعوا عليه يكون حقا حتى


______________________________________________________

يصح قوله : لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، وذلك يمنع من أن المراد بالخبر الإمامة ، لأن الإمامة لا تصح في جميعهم وإنما يختص بها الواحد منهم ، ثم قال : وليس لهم أن يقولوا إذا دل على ثبوت العصمة فيهم ولم يصح إلا في أمير المؤمنين عليه‌السلام ثم في واحد واحد من الأئمة فيجب أن يكون هو المراد ، وذلك أن لقائل أن يقول : أن المراد عصمتهم فيما اتفقوا عليه وذلك يكون أليق بالظاهر ، وبعد فالواجب حمل الكلام على ما يصح أن يوافق العترة فيه الكتاب ، وقد علمنا أن كتاب الله دلالة على الأمور ، فيجب أن يحمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العترة على ما يقتضي كونه دلالة وذلك لا يصح إلا بأن يقال أن إجماعها حق ودليل.

ثم أجاب السيد ـ رضي‌الله‌عنه ـ : بأن إجماع أهل البيت عليهم‌السلام حجة يدل على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير فصل ، وعلى غير ذلك مما أجمع أهل البيت عليه ، ويمكن أيضا أن يجعلوه حجة ودليلا ، على أنه لا بد في كل عصر في جملة هذا البيت من حجة معصوم مأمون يقطع على صحة قوله.

ثم قال : فإن قيل : ما المراد بالعترة ، فإن الحكم متعلق بهذا الاسم؟

قلنا : عترة الرجل في اللغة هم نسله كولده وولد ولده ، وفي أهل اللغة من وسع ذلك فقال : إن عترة الرجل هم أدنى قومه إليه في النسب ، فعلى القول الأول يتناول ظاهر هذا الخبر وحقيقته الحسن والحسين عليهما‌السلام وأولادهما ، وعلى القول الثاني يتناول من ذكرناه ومن جرى مجراهم في الاختصاص بالقرب من النسب ، على أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قيد القول بما أزال به الشبهة وأوضح القول بقوله عترتي أهل بيتي ، فوجه الحكم إلى من استحق هذين الاسمين ، ونحن نعلم أن من يوصف من عترة الرجل بأنهم أهل بيته هو ما قدمنا ذكره من أولاده وأولاد أولاده ، ومن جرى مجراهم في النسب القريب.

على أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بين من يتناوله الوصف بأنه من أهل البيت ، فتظاهر الخبر بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام في بيته وجللهم


______________________________________________________

بكسائه ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فنزلت الآية ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله ألست من أهل بيتك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ولكنك على خير.

فخص هذا الاسم بهؤلاء دون غيرهم ، فيجب أن يكون الحكم متوجها إليهم وإلى من ألحق بهم بالدليل ، وقد أجمع كل من أثبت فيهم هذا الحكم أعني وجوب التمسك والاقتداء على أن أولادهم في ذلك يجرون مجراهم ، فقد ثبت توجه الحكم إلى الجميع.

فإن قيل : على بعض ما أوردتموه يجب أن يكون أمير المؤمنين عليه‌السلام ليس من العترة؟ قلنا : من ذهب إلى ذلك من الشيعة يقول : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام وإن لم يتناوله الاسم على الحقيقة كما لا يتناوله اسم الولد فهو عليه‌السلام أبو العترة وسيدها وخيرها والحكم في المستحق بالاسم ثابت له بدليل غير تناول الاسم المذكور في الخبر ، ثم قال رحمه‌الله بعد إيراد اعتراضات : فأما ما يمكن أن يستدل بهذا الخبر عليه من ثبوت حجة مأمون في جملة أهل البيت في كل عصر ، فهو أنا نعلم أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما خاطبنا بهذا القول على جهة إزاحة العلة لنا ، والاحتجاج في الدين علينا والإرشاد إلى ما يكون فيه نجاتنا من الشكوك والريب ، والذي يوضح ذلك أن في رواية زيد بن ثابت هذا الخبر : وهما الخليفتان من بعدي ، وإنما أراد أن المرجع إليهما بعدي فيما كان يرجع إلى فيه في حياتي ، فلا يخلو من أن يريد أن إجماعهم حجة فقط دون أن يدل القول على أن فيهم في كل حال من يرجع إلى قوله ، ويقطع على عصمته ، أو يريد ما ذكرناه فلو أراد الأول لم يكن مكملا للحجة علينا ولا مزيحا لعلتنا ولا مستخلفا من يقوم مقامه فينا ، لأن العترة أولا قد يجوز أن يجمع (١) على القول الواحد ويجوز أن لا يجمع بل يختلف ، فما هو الحجة من إجماعها ليس بواجب (٢) ثم

__________________

(١) وفي المصدر « يجتمع » في الموضعين وهو الظاهر.

(٢) كذا في النسخ وفي المصدر « كما هو الحجة من إجماعنا ليس بواجب » ولا يخلو الكل من التصحيف ظاهرا.


______________________________________________________

ما اجتمعت عليه هو جزء من ألف جزء من الشريعة فكيف يحتج علينا في الشريعة بمن لا نصيب عنده من حاجتنا إلا القليل من الكثير ، وهذا يدل على أنه لا بد في كل عصر من حجة في جملة أهل البيت مأمون مقطوع على قوله ، وهذا دليل على وجود الحجة على سبيل الجملة وبالأدلة الخاصة يعلم من الذي هو حجة منهم على سبيل التفصيل ، على أن المعترض قد حكم بمثل هذه القضية في قوله : إن الواجب حمل الكلام على ما يصح أن يوافق فيه العترة للكتاب ، وأن الكتاب إذا كان دلالة على الأمور وجب في العترة مثل ذلك ، وهذا صحيح ليجمع بينهما في اللفظ والإرشاد إلى التمسك بهما ليقع الأمان من الضلال ، والحكم بأنهما لا يفترقان إلى القيامة ، وإذا وجب في الكتاب أن يكون دليلا وحجة وجب مثل ذلك في قولهم أعني العترة ، وإذا كانت دلالة الكتاب مستمرة غير منقطعة وموجودة في كل حال وممكنة إصابتها في كل زمان ، وجب مثل ذلك في قول العترة المقرون بها ، والمحكوم له بمثل حكمها ، وهذا لا يتم إلا بأن يكون فيها في كل حال من قوله حجة ، لأن إجماعها على الأمور ليس بواجب على ما بينا ، والرجوع إليهما من الاختلاف وفقد المعصوم لا يصح فلا بد مما ذكرناه ، انتهى.

أقول : عدم افتراقهما بحسب ظاهر اللفظ يحتمل وجوها :

أحدها : أن يكون الغرض استمرارها إلى آخر الدهر بحيث لا يكون زمان فيه الكتاب ، وليس فيه العترة وبالعكس.

وثانيها : استمرارها من حيث الإرشاد والهداية والدلالة على ما يوجب العصمة عن الضلال لا مطلقا كما أومأ إليه السيد قدس‌سره.

وثالثها : كونهما متفقين غير مختلفين بأن لا يحكموا بما يخالف الكتاب ولا يحكم الكتاب بما يخالف قولهم وكونهم عالمين بجميع ما في الكتاب غير مخالفين له في شيء ، وهذا يتضمن العصمة.


وقال إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة فلو سكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان ولكن الله

______________________________________________________

ورابعها : كون جميع الكتاب عندهم على ترتيب النزول لفظا ومعنى ، وكونهم عالمين بجميع علم القرآن ظهرا وبطنا ، بل هم القرآن حقيقة لانتقاش نفوسهم المقدسة بلفظ القرآن ومعانيه وإسراره واتصافهم بصفات القرآن وأخلاقه ، وهذا سر ما روي : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان خلقه القرآن ، وما قاله أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا كلام الله الناطق ، وبه يمكن الجمع بين ما ورد من كون القرآن أفضل منهم وكونهم أفضل من القرآن ، بأن يكون المعنى حينئذ أن جهة كونهم قرآنا وكونهم عالمين بجميع علومه أرجح من سائر جهاتهم ، وقد حققنا ذلك مفصلا في كتاب عين الحياة.

وخامسها : كون المراد عدم افتراقهما في وجوب الإيمان بهما ، وأنه لا ينفع الإيمان بأحدهما بدون الآخر ، ولا تحصل معرفة أحدهما إلا بمعرفة الآخر.

وسادسها : كون الكتاب شاهدا على حقيتهم دالا على إمامتهم وكونهم مفسرين للكتاب ، شاهدين على حقيقة مضامينه ، وكونهم محتاجين إلى الكتاب ، فكل منهما محتاج إلى الآخر ، والناس محتاجون إليهما معا ، فلذا أنزل الله الكتاب مجملا ، وجعل أهل البيت عليهم‌السلام مفسرين له ، حاكمين به ، إذ ليس الكتاب ناطقا ينطق بما فيه ويحكم بما يتضمنه ، فلا بد من ناطق ينطق عن الكتاب ويحكم بما فيه ، ويحمل الناس على العمل به ويفسره لهم ، وعلى هذا المعنى دل أكثر الأخبار.

ويدل على بعض المعاني المتقدمة ما رواه الصفار في البصائر عن سعد الإسكاف ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين فتمسكوا بهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : لا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتى يردا علي الحوض.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لادعاها آل فلان وآل فلان ، أي آل العباس وآل جعفر وأضرابهم من أقاربه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو آل تيم وآل عدي لشبهة كون بنتيهما في بيته ،


عز وجل أنزله في كتابه تصديقا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (١) فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليها‌السلام فأدخلهم

______________________________________________________

أولبنتيهما.

قوله : ولكن الله عز وجل أنزل ، إلخ.

أقول : لا خلاف بين الأمة في أن المراد بأهل البيت في آية التطهير أهل بيت نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن اختلف في تعيينهم فقال كثير من المخالفين : أن المراد بهم زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذهبت طائفة منهم إلى أن المراد بهم علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وزوجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقيل : المراد أقارب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممن تحرم عليهم الصدقة ، وذهب أصحابنا رضوان الله عليهم وكثير من الجمهور إلى أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم لا يشاركهم فيها غيرهم.

فمما يدل على ما ذهبنا إليه من أخبار المخالفين ما رواه مسلم في صحيحه وابن الأثير في جامع الأصول عن عائشة : قالت : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة وعليه مرط مرحّل (٢) أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخله ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » ورواه في الطرائف عن البخاري عن عائشة وعن الجمع بين الصحيحين للحميدي ، في الحديث الرابع والستين من أفراد مسلم من طريقين ، وعن صحيح أبي داود في باب مناقب الحسنين عليهما‌السلام وموضع آخر مثله. وروى ابن بطريق بإسناده عن البخاري ومسلم مثله.

ومنها ما رواه الترمذي في صحيحة ، ورواه في جامع الأصول في الموضع المذكور عن أم سلمة قالت : إن هذه الآية نزلت في بيتها : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » قالت : وأنا جالسة عند الباب فقلت

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣.

(٢) المرط ـ بكسر الميم ـ كساء من صوف ونحوه. والمرحل ـ من الثياب ـ ما اشبهت نقوشه رحال الإبل.


______________________________________________________

يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ فقال : إنك إلى خير ، أنت من أزواج رسول الله ، قالت : وفي البيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجللهم بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قال صاحب جامع الأصول : وفي رواية أخرى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جلل على حسن وحسين وعلى وفاطمة ثم قال : هؤلاء أهل بيتي وحامتي (١) أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة : وأنا منهم يا رسول الله؟ قال : إنك إلى خير ، قال : أخرجه الترمذي.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب : لما نزلت : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وعليا وحسنا وحسينا في بيت أم سلمة وقال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ومنها ما رواه الترمذي وصاحب جامع الأصول عن عمرو بن أبي سلمة قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا فاطمة وحسنا وحسينا وجللهم بكساء وعلي عليه‌السلام خلف ظهره ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : وأنا منهم يا نبي الله؟ قال : أنت على مكانك وأنت على خير.

ومنها ما رواه الترمذي وصاحب جامع الأصول عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية قريبا من ستة أشهر يقول : الصلاة أهل البيت ، « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ».

ومنها ما رواه مسلم في صحيحه وصاحب المشكاة في الفصل الأول من الباب المذكور

__________________

(١) الحامة : خاصة من أهله الذين يهتم لهم.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الكساء في بيت أم سلمة ثم قال اللهم إن لكل نبي أهلا

______________________________________________________

عن سعد بن أبي وقاص قال : لما نزلت هذه الآية : « نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » (١) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليه‌السلام فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وقد روي هذه الرواية في جامع الأصول إلا أنه قال : اللهم هؤلاء أهلي ، قال : أخرجه الترمذي.

وروى يحيى بن الحسن بن بطريق في العمدة عن الحافظ أبي نعيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال : نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي فدعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : هؤلاء أهل بيتي ، قال : وقال أبو نعيم : ورواه أحمد بن حنبل يرفعه إلى قتيبة مثله.

قال : وروى أبو نعيم بإسناده عن أبي سعيد أن أم سلمة حدثته أن هذه الآية نزلت في بيتها : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » قالت : وأنا جالسة عند باب البيت قالت : قلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال : أنت إلى خير ، أنت من أزواج النبي ، قالت : ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البيت وعلى وفاطمة والحسن والحسين.

وبإسناده عن أبي هريرة عن أم سلمة قالت : جاءت فاطمة عليها‌السلام ببرمة لها (٢) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صنعت لها حشاة (٣) حملتها على طبق فوضعتها بين يديه فقال لها : أين ابن عمك وابناك؟ قالت : في البيت ، قال : اذهبي فادعهم (٤) ، فجاءت إلى علي فقالت : أجب رسول الله ، قالت أم سلمة : فجاء علي يمشي آخذا بيد الحسن والحسين ، وفاطمة تمشي معهم ، فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة فبسطه فأجلسهم عليه ، فأخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله ، فضمه فوق رؤوسهم وأهوى بيده اليمنى إلى ربه ، فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦١.

(٢) البرمة : القدر من الحجر.

(٣) كذا في جميع النسخ ولم أظفر على المصدر وفي البحار « حساة » بالسين وهو الظاهر ، قال في المنجد : الحساء : طعام يعمل من الدقيق والماء ويطلق اليوم على الطعام المعروف بالشوربا.

(٤) كذا.


وثقلاً وهولاء أهل بيتي وثقلي فقالت ام سلمة : ألست من أهلك؟فقال : إنك

______________________________________________________

وبإسناده عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على عائشة فسألتها عن هذه الآية؟ فقالت : ائت أم سلمة ثم أتيت فأخبرتها بقول عائشة ، فقالت : صدقت في بيتي نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : من يدعو لي عليا وفاطمة وابنيهما؟ الحديث.

وروى موفق بن أحمد الخوارزمي رفعه إلى أم سلمة قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : ائتيني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم فألقى عليهم كساء خيبريا فدكيا قالت : ثم وضع يده عليهم وقال : اللهم إن هؤلاء أهل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وآل محمد إنك حميد مجيد ، قالت أم سلمة ، فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك إلى خير.

وروى مسلم في صحيحة عن يزيد بن حيان ورواه في جامع الأصول عنه قال : انطلقت أنا والحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : والله يا ابن أخي لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي (١) من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا أحدثكم فلا تكلفونيه ، ثم قال قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينا يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد ألا يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى ونور (٢) فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله فرغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين : ومن أهل بيتي يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : أهل بيته من حرم عليه الصدقة ، قال : ومن هم؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ، قال : كل هؤلاء حرم عليهم الصدقة؟ قال : نعم.

__________________

(١) أي أحفظ.

(٢) وفي المنقول عن صحيح مسلم « والنور » معرفا وهو الظاهر.


إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان علي أولى الناس

______________________________________________________

قال صاحب جامع الأصول : وزاد في رواية : كتاب الله فيه الهدى والنور ، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ، ومن أخطأه ضل ، وفي أخرى نحوه ، غير أنه قال : ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله وهو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال : لا أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر فيطلقها فيرجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده ، قال : أخرجه مسلم.

وقد حكى هذه الرواية يحيى بن الحسن بن بطريق عن الجمع بين الصحيحين للحميدي من الحديث الخامس من إفراد مسلم من مسند ابن أبي أوفى بإسناده ، وعن الجمع بين الصحاح الستة لرز بن معاوية العبدري من صحيح أبي داود السجستاني وصحيح الترمذي عن حصين بن سبرة أنه قال لزيد بن أرقم : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، الحديث.

وروى الترمذي في صحيحة وصاحب جامع الأصول عن بريدة قال : كان أحب النساء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ، ومن الرجال علي قال إبراهيم : يعني من أهل بيته.

وروى البخاري في صحيحه في باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله تعالى : « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » (١) ورواه في المشكاة عن عائشة قالت : كنا أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده فأقبلت فاطمة ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما رآها قال : مرحبا بابنتي (٢) ثم أجلسها ، ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى حزنها سارها الثانية ، فإذا هي تضحك ، فلما قام رسول الله سألتها عما سارك؟ قالت : ما كنت لأفشي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سره فلما توفي قلت : عزمت عليك بما لي من الحق عليك لما أخبرتني ، قالت : أما الآن فنعم ، أما حين سارني في المرة الأولى فإنه أخبرني أن جبرئيل

__________________

(١) سورة زمر : ٣٩.

(٢) وفي نسخة ـ كنسخة البحار ـ « يا بنتي ».


بالناس لكثرة ما بلغ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقامته للناس وأخذه بيده فلما مضى

______________________________________________________

كان يعارضني القرآن كل سنة وأنه عارضني به العام مرتين ، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب ، فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنالك ، فبكيت ، فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين؟ وفي رواية فسارني فأخبرني أنه يقبض في وجعه ، فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت ، قال : متفق عليه.

قال ابن حجر في صواعقه : إن أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام لتذكير ضمير عنكم.

وقال الفخر الرازي في التفسير الكبير : اختلف الأقوال في أهل البيت ، والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين عليهم‌السلام منهم ، وعلى منهم ، لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بيت النبي وملازمته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال شيخ الطائفة في التبيان : روى أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وواثلة بن الأسقع أن الآية نزلت في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى وفاطمة والحسن والحسين ، قال : وروي عن أم سلمة أنها قالت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في بيتي فاستدعى عليا وفاطمة والحسن والحسين ، وجللهم بعباء خيبرية ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأنزل الله قوله : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » فقالت أم سلمة : قلت : يا رسول الله هل أنا من أهل بيتك؟ فقال : لا ولكنك إلى خير.

فأقول : قد ظهر من تلك الأخبار المتواترة من الجانبين بطلان القول بأن أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم داخلة في الآية ، وكذا القول بعمومها لجميع الأقارب ، ولا عبرة بما قاله زيد بن أرقم من نفسه (١) مع معارضته بالأخبار المتواترة ويدل أيضا على بطلان

__________________

(١) فيما نقل عنه الشارح في صفحة ٢٤٠ من قوله : « أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده وهم آل علي وآل عقيل ..... ».


علي لم يكن يستطيع علي ولم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي

______________________________________________________

القول بالاختصاص بالأزواج العدول عن خطابهن إلى صيغة الجمع المذكر وسيظهر بطلانه عند تقرير دلالة الآية على عصمة من تناولته ، إذ لم يقل أحد من الأمة بعصمتهن بالمعنى المتنازع فيه ، وكذا القولان الآخران وهو واضح.

إذا تمهد هذا فنقول : المراد بالإرادة في الآية إما الإرادة المستتبعة للفعل أعني إذهاب الرجس حتى يكون الكلام في قوة أن يقال : إنما أذهب الله عنكم الرجس أهل البيت ، أو الإرادة المحضة التي لا يتبعها الفعل حتى يكون المعنى أمركم الله باجتناب المعاصي يا أهل البيت ، فعلى الأول ثبت المدعى ، وأما الثاني فباطل من وجوه :

الأول : كلمة « إنما » تدل على التخصيص كما قرر في محله ، والإرادة المذكورة تعم سائر المكلفين حتى الكفار ، لاشتراك الجميع في التكليف وقد قال سبحانه : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ » (١) فلا وجه للتخصيص بأهل البيت عليهم‌السلام.

الثاني : أن المقام يقتضي المدح والتشريف لمن نزلت الآية فيه حيث جللهم بالكساء ولم يدخل فيه غيرهم ، وخصصهم بدعائه فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي على ما سبق في الأخبار ، وكذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد بيان إذهاب الرجس والمصدر بعده منونا بتنوين التعظيم ، وقد أنصف الرازي في تفسيره حيث قال : في قوله تعالى : « لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » أي يزيل عنكم الذنوب « وَيُطَهِّرَكُمْ » أي يلبسكم خلع الكرامة ، انتهى.

ولامدح ولا تشريف فيما دخل فيه الفساق والكفار.

الثالث : أن الآية على ما مر في بعض الروايات إنما نزلت بعد دعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم وأن يعطيه ما وعده فيهم ، وقد سأل الله تعالى أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم لا أن يريد ذلك منهم ، ويكلفهم بطاعته ، فلو كان المراد هذا النوع من الإرادة لكان نزول الآية في الحقيقة ردا لدعوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إجابة لها وبطلانه ظاهر ، وأجاب المخالفون

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٦.


ولا واحدا من ولده إذا لقال الحسن والحسين إن الله تبارك وتعالى أنزل فينا

______________________________________________________

عن هذا الدليل بوجوه :

الأول : أنا لا نسلم أن الآية نزلت فيهم ، بل المراد بها أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكون الخطاب في سابقها ولا حقها متوجها إليهن ، ويرد عليه أن هذا المنع بمجرده بعد ورود تلك الروايات المتواترة من المخالف والمؤالف غير مسموع وأما السند فمردود بما ستقف عليه في كتاب القرآن مما سننقل من روايات الفريقين أن ترتيب القرآن الذي بيننا ليس من فعل المعصوم حتى لا يتطرق إليه الغلط ، مع أنه روى البخاري والترمذي وصاحب جامع الأصول عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول : فقدت آية في سورة الأحزاب حين نسخت الصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » فألحقناها في سورتها من المصحف ، فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه ، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية ، وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطها بقصتهن ، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان.

ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول : سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري بينهما ، وقد وقع في سورة الأحزاب بعينها ما يشبه هذا ، فإن الله سبحانه بعد ما خاطب الزوجات بآيات مصدرة بقوله تعالى : « قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا » الآية عدل إلى مخاطبة المؤمنين بما لا تعلق فيه بالزوجات بآيات كثيرة ، ثم عاد إلى الأمر بمخاطبتهن وغيرهن بقوله سبحانه : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ ».

وقد عرفت اعتراف الخصم فيما رووا أنه كان قد سقط منها آية فألحقت ، فلا يستبعد أن يكون الساقط أكثر من آية ولم يلحق غيرها.


كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلغ فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما بلغ فيك

______________________________________________________

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا بن سنان إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها.

ولو سلم عدم السقوط أيضا كما ذهب إليه جماعة قلنا : لا يرتاب من راجع التفاسير أن مثل ذلك كثير من الآيات غير عزيز إذ قد صرحوا في مواضع عديدة في سورة مكية أن آية أو آيتين أو أكثر من بينها مدنية وبالعكس ، وإذا لم يكن ترتيب الآيات على وفق نزولها لم يتم لهم الاستدلال بنظم القرآن على نزولها في شأن الزوجات ، مع أن النظر والسياق لو كانا حجتين فإنما يكونان حجتين لو بقي الكلام على أسلوبه السابق ، والتغيير فيها لفظا ومعنى ظاهر ، أما لفظا فتذكير الضمير ، وأما معنى فلان مخاطبة الزوجات مشوبة بالمعاتبة والتأنيب (١) والتهديد ومخاطبة أهل البيت عليهم‌السلام محلاة بأنواع التلطف والمبالغة في الإكرام ، ولا يخفى بعد إمعان النظر المباينة التامة في السياق بينها وبين ما قبلها وما بعدها على ذوي الأفهام.

الثاني : أن الآية لا تدل على أن الرجس قد ذهب ، بل إنما دل على أن الله سبحانه أراد إذهابه عنهم ، فلعل ما أراده لم يتحقق ، وقد عرفت جوابه في تقرير الدليل ، مع أن الإرادة بالمعنى الذي يصح تخلف المراد عنه إذا أطلق عليه تعالى يكون بمعنى رضاه بما يفعله غيره ، أو تكليفه إياه به ، وهو مجاز لا يصار إليه إلا بالدليل.

الثالث : أن إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته وأنتم قد قلتم بعصمتهم من أول العمر إلى انقضائه ، ودفع بأن الإذهاب والصرف كما يستعمل في إزالة الأمر الموجود ، يستعمل في المنع عن طريان أمر على محل قابل له ، كقوله تعالى : « كَذلِكَ

__________________

(١) انبه ـ بتشديد النون ـ : عنفه ولامه.


وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك فلما مضى علي عليه‌السلام كان الحسن عليه‌السلام أولى

______________________________________________________

لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ » (١) وتقول في الدعاء : صرف الله عنك كل سوء وأذهب عنك كل محذور ، على أنا نقول : إذا سلم الخصم منا دلالة الآية على العصمة في الجملة كفى في ثبوت مطلوبنا ، إذ القول بعصمتهم في بعض الأوقات خرق للإجماع المركب.

الرابع : أن لفظة يريد من صيغ المضارع فلم تدل على أن مدلولها قد وقع ، وأجيب بأن استعمال المضارع فيما وقع غير عزيز في الكلام المجيد وغيره ، بل غالب ما استعملت الإرادة على صفة المضارع في أمثاله في القرآن إنما أريد به ذلك كقوله تعالى : « يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ » (٢) « يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ » (٣) « يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ » (٤) « إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ » (٥) « وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ » (٦) وغير ذلك وظاهر سياق الآية النازلة على وجه التشريف والإكرام قرينة عليه ، على أن الوقوع في الجملة كان كما عرفت.

الخامس : أن قوله تعالى : « لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » لا يفيد العموم لكون المعرف بلام الجنس في سياق الإثبات ، وأجيب : بأن الكلام في قوة النفي ، إذ لا معنى لإذهاب الرجس إلا رفعه ، ورفع الجنس يفيد نفي جميع أفراده.

وجملة القول فيه : أن من نظر إلى سياق الأخبار المتقدمة وأنصف من نفسه علم أن الأمر الذي دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل بيته وخصهم به ومنع أم سلمة من الدخول فيهم مع جلالتها وكرامتها ، لا بد أن يكون أمرا جليلا لا يتيسر لسائر الخلق ، ومعلوم من سياق الآية أنه من قبيل إذهاب النقائص والرذائل إذا الرجس ظاهر أنه

__________________

(١) سورة يوسف : ٢٤.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

(٣) سورة النساء : ٢٨.

(٤) سورة الفتح : ١٥.

(٥) سورة المائدة : ٩١.

(٦) سورة النساء : ٦٠.


بها لكبره فلما توفي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك والله عز وجل يقول ـ « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » فيجعلها في ولده إذا لقال الحسين أمر الله بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك وبلغ في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما بلغ فيك وفي أبيك وأذهب الله عني الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك فلما صارت

______________________________________________________

ليس المراد به النجاسات الظاهرة ، وكذا التطهير لا ريب أنه التطهير من الأدناس المعنوية فإذهاب الرجس يكون من الشك والشبهة في أمور الدين ، والتطهير من العيوب والمعاصي ، أو كل منهما للأعم ولو أريد بهما إذهاب بعض الذنوب كالكبائر على ما قيل فأي اختصاص له بأهل البيت ، لا سيما وهم يدعون أن الصحابة كلهم عدول ، فلما ذا منع أم سلمة من الدخول مع كونها عادلة متقية بالاتفاق فلا بد من كون المراد العصمة من جميع الذنوب والمعاصي والشكوك في أمور الدين ، فلا يخلو إما أن يحدث ذلك فيهم هذا الدعاء أو كان قبله أيضا وعلى التقديرين تثبت المطلوب ، إذ ليس في الأمة من يثبت لهم العصمة في حال دون حال ، فإما أن يثبتوا فيهم العصمة في جميع الأحوال كالإمامة أو ينفوا عنهم في جميع الأحوال كأهل السنة ، وأيضا ليس في الأمة من يثبت لهم العصمة ولا يقول بإمامتهم فثبت إمامتهم أيضا ، وتفصيل القول في ذلك موكول إلى كتابنا الكبير.

قوله : والله عز وجل يقول ، الغرض من اعتراض الآية بيان أن الحسن عليه‌السلام لو جعلها في ولده لكان له وجه بمقتضى هذه الآية ، لأن الولد أولى في الرحم من الأخ ، لكن كان هناك مانع من العمل بالآية لخصوص النصوص على الحسين عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون المراد بالآية أن الله تعالى جعل بعض أولي الأرحام أولى بالخلافة من بعض ، وخصهم بها ، فليس ذلك بالميراث حتى يكون له عليه‌السلام أن يصرفها إلى ولده.

وهذا وجه آخر لتأويل الآية غير ما مر.

أو يكون المراد أن الحسين كان أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام من ولد الحسن فكان أولى بالإمامة ، وفيه إشكال لعدم استقامته فيما بعد هذه المرتبة والأول


إلى الحسين عليه‌السلام لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه وعلى أبيه لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه ولم يكونا ليفعلا ثم صارت حين أفضت إلى الحسين عليه‌السلام فجرى تأويل هذه الآية « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي عليه‌السلام وقال الرجس هو الشك والله لا نشك في ربنا أبدا.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثل ذلك.

______________________________________________________

أظهر الوجوه ، ويؤيده أن في تفسير العياشي هكذا : فلما حضر الحسن بن علي لم يستطع ولم يكن ليفعل أن يقول : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ، فيجعلها لولده.

قوله عليه‌السلام : لم يكن أحد من أهل بيته ، أي أخوته وبني أخيه « يستطيع أن يدعى عليه » أي الوصاية ويقول : اجعلني وصيا بعدك « ثم صارت » أي الإمامة « حين أفضت » أي وصلت « إلى الحسين » قال في المغرب : أفضى فلان إلى فلان إذا وصل إليه حقيقة ، وصار في فضائه وساحته ، انتهى.

قوله : يجري ، خبر صارت بحذف العائد أي تجري فيها تأويل هذه الآية ، وفي أكثر النسخ فجرى فالخبر مقدر ، أو صارت تامة بمعنى تغيرت.

« وقال : الرجس هو الشك » يمكن أن يكون المراد ما يشمل الشك في دينه وأحكامه تعالى وشرائعه ، أي ليس لنا شك وتحير في شيء من أمور الدين ، أو يكون الشك في الرب كناية عن المعصية ، فإن من كان في درجة اليقين بالله وباليوم الآخر لا يصدر منه معصية ، كما سيأتي تحقيقه ، قال في القاموس : الرجس بالكسر القذر ويحرك ، ويفتح الراء ويكسر الجيم ، والمأثم وكل ما استقذر من العمل ، والعمل المؤدي إلى العذاب والشك والعقاب والغضب.


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن عبد الرحيم بن روح القصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » فيمن نزلت فقال نزلت في الإمرة إن هذه الآية جرت في ولد الحسين عليه‌السلام من بعده فنحن أولى بالأمر وبرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المؤمنين والمهاجرين والأنصار قلت فولد جعفر لهم فيها نصيب قال لا قلت فلولد العباس فيها نصيب فقال لا فعددت عليه بطون بني عبد المطلب كل ذلك يقول لا قال ونسيت ولد الحسن عليه‌السلام فدخلت بعد ذلك عليه فقلت له هل لولد الحسن عليه‌السلام فيها نصيب فقال لا والله يا عبد الرحيم ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محمد الهاشمي ، عن أبيه ، عن أحمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » قال إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمة عليهم‌السلام إلى يوم القيامة ثم وصفهم الله عز وجل فقال « الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلاة الظهر وقد صلى

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

وقال في المصباح المنير : الإمرة والإمارة بالكسر أمر الولاية وقد مضى القول فيه في الباب السابق.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

وقد مر الكلام في الآية في باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام ، وفي أكثر روايات الخاصة والعامة أنه عليه‌السلام تصدق بخاتمه ، وفي هذه الرواية الحلة وهو بالضم : إزار ورداء ذكره في المغرب ، ويمكن الجمع بينهما بوقوع الأمرين معا ، إما في حالة واحدة


ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كساه إياها وكان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال السلام عليك يا ولي الله و « أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » تصدق على مسكين فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه الصفة مثله فيتصدقون « وَهُمْ راكِعُونَ » والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام من الملائكة والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه « إِنَّما

______________________________________________________

أو حالتين ، وقال عياض : النجاشي لقب لملك الحبشة كما أن كسرى لملك الفرس ، وهرقل وقيصر لملك الروم ، وخاقان لملك الترك ، وتبع لملك اليمن ، والقيل لملك حمير ، والنجاشي الذي كان في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسمه أصحمة وقيل : صحمة وقيل : أصمحة ، وهو الذي هاجر إليه جعفر وأصحابه ، ويدل على أن مثل هذا في الصلاة ليس بفعل كثير كما سيأتي تحقيقه في كتاب الصلاة.

« وصير نعمة أولاده بنعمته » أي جعل الله نعمة أولاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه موصولة بنعمته ، مقرونة بها مذكورة معها ، فلذا أتى بصيغة الجمع فالباء في بنعمته للإلصاق ، ويحتمل التعليل أيضا والظرف مفعول ثان ، والمراد بالنعمة التصدق في الركوع ، والفاء في قوله « فكل » للبيان أو للتفريع ، ويدل على أنه يمكن أن يرى غير النبي والإمام عليهما‌السلام الملائكة بحيث لا يعرفه لما ورد في الأخبار الكثيرة أن الناس رأوا السائل حين سأله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك الخاتم؟.

الحديث الرابع : حسن.

« بولاية علي » أي بتبليغ ولايته وإمامته وكونه أولى بهم من أنفسهم فيكون


وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ » (١) وفرض ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي فأمر الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ »

______________________________________________________

إضافة المصدر إلى الفاعل ، أو طاعته عليه‌السلام فيكون إضافته إلى المفعول كما أنه في قوله : ولاية أولي الأمر كذلك ، لكن الأول أنسب بالآية الأولى ، والثاني بالثانية « وأن يكذبوه » أي بأن يقولوا ليس هذا من عند الله وإنما يقوله لحبه له أو لم يقبلوا الولاية وإن اعترفوا أنه من عند الله ، فإنه بمنزلة التكذيب وهذا بالفقرة السابقة أنسب.

قوله عليه‌السلام : وراجع ربه ، أقول : روى السيد بن طاوس رضي‌الله‌عنه في كتاب إقبال الأعمال في حديث طويل ذكر أنه أخذه من كتب الثقات من الخاصة والعامة عن حذيفة قال : إن الله أنزل على نبيه يعني بالمدينة « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ » (٢) فقالوا : يا رسول الله ما هذه الولاية التي أنتم بها أحق منا بأنفسنا؟ فقال عليه‌السلام : السمع والطاعة فيما أحببتم وكرهتم ، فقلنا : سمعنا وأطعنا فأنزل الله : « وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا » (٣) فخرجنا إلى مكة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول : أنصب عليا علما للناس فبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اخضلّت لحيته (٤) وقال : يا جبرئيل إن قومي حديثو عهد بالجاهلية ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتى انقادوا لي ، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري؟ قال : فصعد جبرئيل وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عليا عليه‌السلام إلى اليمن ، فوافى مكة ونحن مع الرسول.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥٥.

(٢) سورة الأحزاب : ٦.

(٣) سورة المائدة : ٧.

(٤) اخضلّ : ابتلّ.


______________________________________________________

ثم توجه علي عليه‌السلام يوما نحو الكعبة يصلي ، فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمه فأنزل الله : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ » إلى قوله : « وَهُمْ راكِعُونَ » فكبر رسول الله وقرأه علينا ، ثم قال : قوموا نطلب هذه الصفة التي وصف الله بها ، فلما دخل رسول الله المسجد استقبله سائل فقال : من أين جئت؟ فقال : من عند هذا المصلي تصدق علي بهذه الحلقة وهو راكع ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومضى نحو علي عليه‌السلام فقال : يا علي ما أحدثت اليوم من خير؟ فأخبره بما كان منه إلى السائل فكبر ثالثة ، فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض وقالوا : إن أفئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطاعة له فنسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبد له لنا ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبروه بذلك فأنزل الله : « قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي » (١) الآية.

فقال جبرئيل : يا رسول الله أتمه فقال : حبيبي جبرئيل قد سمعت ما تؤامروا به فانصرف جبرئيل ، فقال : كان من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع بمنى : يا أيها الناس إني تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وأنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين ـ وجمع بين سبابتيه ـ ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ، ومن خالفهما فقد هلك ، الأهل بلغت أيها الناس؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم أشهد.

فلما كان في آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله عليه : « إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ » إلى آخرها فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعيت إلى نفسي ، فجاء إلى مسجد الخيف فدخله ونادى : الصلاة جامعة فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه وذكر خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال فيها : أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل طرف بأيديكم فتمسكوا به ، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كإصبعي هاتين ـ وجمع بين سبابتيه ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين سبابته والوسطى ـ فتفضل هذه.

__________________

(١) سورة يونس : ١٥.


______________________________________________________

فاجتمع قوم وقالوا : يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته ، فخرج منهم أربعة ودخلوا إلى مكة ودخلوا الكعبة وكتبوا فيما بينهم إن أمات الله محمدا أو قتل لا يرد هذا الأمر في أهل بيته فأنزل الله تعالى : « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » (١).

وأذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا ، فنزل جبرئيل بضجنان (٢) بإعلان علي عليه‌السلام فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نزل الجحفة فلما نزل القوم وأخذوا منازلهم أتاه جبرئيل فأمره أن يقوم بعلي عليه‌السلام فقال : يا رب إن قومي حديثو عهد بالجاهلية فمتى أفعل هذا يقولوا فعل بابن عمه.

فلما سار من الجحفة هبط جبرئيل فقال : اقرء « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » (٣) الآية ، وقد بلغنا غدير خم في وقت لو طرح اللحم فيه على الأرض لانشوى (٤) وانتهى إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنادى : الصلاة جامعة ولقد كان أمر على أعظم عند الله مما يقدر ، فدعا المقداد وسلمان وأبا ذر وعمارا فأمرهم أن يعمدوا إلى أصل شجرتين فيقموا ما تحتهما فكسحوه (٥) وأمرهم أن يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمرهم بثوب فطرح عليه ثم صعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر ينظر يمنة ويسرة ينتظر اجتماع الناس إليه.

فلما اجتمعوا قال : الحمد لله الذي علا في توحده ودنا في تفرده ، إلى أن قال : أقر له على نفسي بالعبودية ، وأشهد له بالربوبية ، وأؤدي ما أوحى إلى حذار إن لم أفعل أن تحل بي قارعة (٦) أوحى إلى : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ

__________________

(١) سورة الزخرف : ٧٩.

(٢) قال الجزري : ضجنان : موضع أو جبل بين مكّة والمدينة.

(٣) سورة المائدة : ٦٧.

(٤) شوى اللحم : عرضه للنار فنضج ، وانشوى مطاوع شوى.

(٥) قمّ البيت : كنسه. والكسح أيضا بمعناه.

(٦) القارعة : الداهية. النكبة : المهلكة.


______________________________________________________

رَبِّكَ » الآية.

معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزله الله تعالى وأنا أبين لكم سبب هذه الآية ، إن جبرئيل هبط إلى مرارا ، أمرني عن السلام أن أقول في المشهد وأعلم الأبيض والأسود أن علي بن أبي طالب أخي وخليفتي والإمام بعدي ، أيها الناس علمي بالمنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ، وكثرة أذاهم لي مرة سموني أذنا لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه ، حتى أنزل الله : « وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ » محيط (١) ولو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لسميت واعلموا أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار ، وعلى التابعين ، وعلى البادي والحاضر ، وعلى العجمي والعربي وعلى الحر والمملوك ، وعلى الكبير والصغير ، وعلى الأبيض والأسود ، وعلى كل مؤمن موحد ، فهو ماض حكمه. جائز قوله ، نافذ أمره ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدقه.

معاشر الناس تدبروا في القرآن وافهموا آياته ومحكماته ولا تتبعوا متشابهه ، فو الله لا يوضح تفسيره إلا الذي أنا أخذ بيده ورافعها بيدي ، ومعلمكم أن من كنت مولاه فهو مولاه وهو علي.

معاشر الناس إن عليا والطيبين من ولدي من صلبه هم الثقل الأصغر ، والقرآن هو الثقل الأكبر لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ولا تحل إمرة المؤمنين لأحد بعدي غيره ، ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه على درجة دون مقامه متيامنا عن وجه رسول الله فرفعه بيده وقال :

أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : الله ورسوله فقال : ألا من كنت مولاه فهذا على مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، إنما أكمل الله لكم دينكم بولايته وإمامته ، وما نزلت آية خاطب الله بها المؤمنين إلا بدأ به ، ولا شهد الله بالجنة في « هل أتى » إلا له ، ولا أنزلها في غيره ، ذرية كل نبي

__________________

(١) خبر لقوله : علمي بالمنافقين .... والآية في سورة التوبة : ١٦.


______________________________________________________

من صلبه ، وذريتي من صلب علي ، لا يبغض عليا إلا شقي ولا يوالي عليا إلا تقي وفي علي نزلت : « والعصر » وتفسيرها ، ورب عصر القيامة « إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ » أعداء آل محمد ، « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا » بولايتهم « وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ » بموالاة إخوانهم (١) « وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » في غيبة قائمهم.

معاشر الناس « آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل » أنزل الله النور في ثم في علي ثم في النسل منه إلى المهدي الذي يأخذ بحق الله.

معاشر الناس إني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل ، ألا إن عليا الموصوف بالصبر والشكر ، ثم من بعده من ولده من صلبه.

معاشر الناس قد ضل من قبلكم أكثر الأولين ، أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم أن تسلكوا الهدى إليه ، ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه ، أئمة يهدون بالحق إني قد بينت لكم وفهمتكم وهذا على يفهمكم بعدي ، ألا وإني عند انقطاع خطبتي أدعوكم إلى مصافحتي على بيعته ، والإقرار له ، ألا إني بايعت لله وعلى بائع لي وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ».

معاشر الناس أنتم أكثر من أن تصافحوني بكف واحدة قد أمرني الله أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدتم الإمرة لعلي بن أبي طالب ومن جاء من بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه فليبلغ الحاضر الغائب ، فقولوا إنا سامعون مطيعون راضون لما بلغت عن ربك ، نبايعك على ذلك قلوبنا وألسنتنا وأيدينا على ذلك نحيا ونموت ونبعث لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ، أعطينا بذلك الله وإياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت كل عهد وميثاق من قلوبنا وألسنتنا ، لا نبتغي بذلك بدلا ونحن نؤدي ذلك إلى كل من رأينا.

__________________

(١) وفي البحار : « بمواساة إخوانهم ».


« وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي عليه‌السلام يوم غدير خم فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب قال عمر بن أذينة قالوا جميعا غير أبي الجارود وقال أبو جعفر عليه‌السلام وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عز وجل « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » قال أبو

______________________________________________________

فبادر الناس بنعم نعم ، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله ، آمنا به بقلوبنا وتداكّوا (١) على رسول الله وعلي بأيديهم إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد ، وباقي ذلك اليوم إلى أن صليت العشاءان في وقت واحد ، ورسول الله يقول كلما أتى فوج : الحمد لله الذي فضلنا على العالمين.

أقول : قال السيد ـ روح الله روحه ـ اعلم أن موسى نبي الله راجع الله تعالى في إبلاغ رسالته وقال في مراجعته : « إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » وإنما كان قتل نفسا واحدة وأما علي بن أبي طالب فإنه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلي كثيرة ، كل واحد منهم يحتمل مراجعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيقا على أمته كما وصفه الله جل جلاله ، فأشفق عليهم من الامتحان بإظهار ولاية علي عليه‌السلام في أوان ، ويحتمل أن يكون الله جل جلاله أذن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مراجعته لتظهر لأمته أنه ما آثر عليا وإنما الله جل جلاله آثره كما قال : « ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (٢) انتهى.

وفي القاموس : صدع بالحق تكلم به جهارا ، انتهى.

والصلاة منصوبة على الإغراء و « جامعة » حال أو هما مرفوعان بالابتدائية والخبرية ، فيكون خبرا في معنى الأمر.

« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » (٣) قال الطبرسي : قيل فيه أقوال :

__________________

(١) أي ازدحموا.

(٢) سورة القصص : ٣٣.

(٣) سورة النجم : ٤.


جعفر عليه‌السلام يقول الله عز وجل لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة قد أكملت لكم الفرائض.

______________________________________________________

أحدها : أن معناه أكملت لكم فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي بتنزيلي ما أنزلت ، وبياني ما بينت لكم ، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم ، وكان ذلك يوم عرفة عام حجة الوداع عن ابن عباس والسدي واختاره الجبائي والبلخي ، قالوا : ولم ينزل بعد هذا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الفرائض في تحليل ولا تحريم فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضى بعد ذلك بإحدى وثمانين ليلة.

وثانيها : أن معناه اليوم أكملت لكم حجكم وأفردتكم بالبلد الحرام تحجونه دون المشركين عن ابن جبير وقتادة ، واختاره الطبري قال : لأن الله أنزل بعده : « يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ » قال الفراء : هي آخر آية نزلت ، وهذا لو صح لكان لهذا القول ترجيح لكن فيه خلاف.

وثالثها : أن معناه اليوم كفيتكم خوف الأعداء وأظهرتكم عليهم ، كما تقول :

الآن كمل لنا الملك ، والمروي عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنه إنما نزل بعد نصب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا علما للأنام يوم غدير خم ، عند منصرفه عن حجة الوداع ، قالا : وهي آخر فريضة أنزلها الله تعالى ثم لم تنزل بعدها فريضة.

ثم روي عن الحسكاني بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزلت هذه الآية قال : الله أكبر الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ، انتهى.

أقول : قد دل على الأول الأخبار المتواترة من طرق الخاصة والعامة وروى السيد في الطرائف عن ابن المغازلي وتاريخ بغداد للخطيب وروى الصدوق أيضا في مجالسه بأسانيدهم عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي بن أبي طالب


______________________________________________________

عليه‌السلام وقال : ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال له عمر : بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، فأنزل الله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ».

وروى ابن بطريق في المستدرك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم وأمر بما تحت الشجر من شوك فقم ، وذلك في يوم الخميس ، فدعا عليا فأخذ بضبعيه (١) فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض أبطئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » الآية. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر الله أكبر على كمال الدين (٢) وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي ، وبالولاية لعلي من بعدي ، ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله.

ورواه في الطرائف عن ابن مردويه بإسناده عن الخدري.

وروى السيوطي في در المنثور عن ابن مردويه وابن عساكر بإسنادهما عن الخدري قال : لما نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » وروي عن أبي هريرة أيضا مثله ، والأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير.

ومع قطع النظر عن الرواية يمكن أن يكون المراد بإكمال الدين بالولاية أن دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يحفظ ويبقى ويوضح بالوصي ، فمع عدم تعيين الوصي يكون الدين ناقصا في معرض الزوال والضياع ، وأيضا لما كان قبول الأعمال مشروطا بالولاية فمع عدم تعيين الإمام يكون ناقصا ، وبه يكمل جميع أمور الدين وبه يتم النعمة على الخلق بتلك الوجوه ، والأخبار في كون نعمة الله الولاية كثيرة ، وبه يتم دين

__________________

(١) الضبع : العضد.

(٢) وفي بعض النسخ « إكمال الدين » كما مرّ آنفا في رواية الخدري.


٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كنت عنده جالسا فقال له رجل حدثني عن ولاية علي أمن الله أو من رسوله فغضب ثم قال ويحك كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخوف لله من أن يقول ما لم يأمره به الله بل افترضه كما افترض الله الصلاة والزكاة والصوم والحج.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين جميعا ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول فرض الله عز وجل على العباد خمسا أخذوا أربعا وتركوا واحدا قلت أتسميهن لي جعلت فداك فقال الصلاة وكان الناس لا يدرون كيف يصلون فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم ثم نزلت الزكاة فقال يا محمد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم ثم نزل الصوم فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم فنزل شهر

______________________________________________________

الإسلام إذ الاعتقاد بالإمام ركن عظيم من أركانه ، فظهر أن تتمة الآية إنما يناسب المعنى الأول.

الحديث الخامس : مجهول.

الحديث السادس : ضعيف بسنديه.

« أخذوا أربعا » أي المخالفون « ثم نزل الصوم » أي في غير القرآن أو بالآيات المجملة نحو : « وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ » (١) وأنه نزل أو لا « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ » (٢) ثم في تتمة الآيات عين كونه في شهر رمضان ، وعلى التقادير يدل على أنه كان قبل نزول صوم شهر رمضان صوم عاشوراء ثم نسخ به.

قال الطبرسي : في قوله : « أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ » (٣) اختلف في هذه الأيام على

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٥.

(٢) سورة البقرة : ١٨٣.

(٣) سورة البقرة : ١٨٤.


رمضان بين شعبان وشوال ثم نزل الحج فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم.

ثم نزلت الولاية وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة أنزل الله عز وجل

______________________________________________________

وجهين :

أحدهما : أنها غير شهر رمضان وكانت ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ عن معاذ وعطاء عن ابن عباس ، وروي ثلاثة أيام من كل شهر ، وصوم عاشوراء عن قتادة ، ثم قيل : إنه كان تطوعا ، وقيل : بل كان واجبا ، واتفق هؤلاء على أن ذلك منسوخ بصوم شهر رمضان.

والآخر : أن المعنى بالمعدودات شهر رمضان ، انتهى.

« بين شعبان وشوال » الظاهر أنه لم يكن اشتهار الشهر بهذا الاسم في أول الأمر كاشتهاره اليوم ، فرفع بذلك توهم كونه غيره ، أو لأنه لما كان المشهور أن رمضان من الرمض وهو شدة وقع الشمس على الرمل وغيره ، وإنما سموه رمضان لأنهم كانوا يسمون الشهور بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق رمضان أيام رمض الحر فربما يتوهم أنه إنما يسمى بهذا الاسم إذا وقع في ذلك الفصل ، فرفع بهذا القول ذلك التوهم.

وقال المحدث الأسترآبادي : يعني الشهر الذي بين شعبان وشوال لم يكن اسمه شهر رمضان لأن رمضان اسم الله ، انتهى.

وقيل : إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها وقيل : الغرض رفع توهم كون المراد الشهر العددي أي ثلاثين يوما كما زعمه بعض.

قوله عليه‌السلام : « وإنما أتاه ذلك » أي الأمر بالولاية بقوله : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » وقوله : أنزل الله ، أي بعد التبليغ في غدير خم ، وقوله : فقال عند ذلك رجوع إلى أول الكلام وتفصيل لذلك الإجمال ، مع أنه يحتمل أن يكون نزل بعد تبليغ يوم عرفة وبعد تبليغ يوم الغدير أيضا ، وبالجملة في الخبر تشويش ،


« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال عند ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني فأتتني عزيمة من الله عز وجل بتلة أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني فنزلت « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام فقال أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان

______________________________________________________

ومخالفة ظاهر لما ورد في الأخبار الكثيرة أن الآية نزلت يوم الغدير أو بعده وهو أوفق بظاهر الآية ، ولما رواه الصدوق في الخصال بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يوم غدير أفضل الأعياد ، وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة وكان يوم الجمعة ، الخبر.

وهذا الخبر مع صحته صريح في كون الغدير يوم الجمعة ، ويؤيده ما رواه ابن شهرآشوب في المناقب عن ابن عباس أنه قال : اجتمعت في ذلك اليوم خمسة أعياد : الجمعة ، والغدير ، وعيد اليهود والنصارى والمجوس ، ولم يجتمع هذا فيما سمع قبله وكان كمال الدين بولاية علي لما عرفت أنه لما نصب للناس وليا وأقيم لهم إماما صار معولهم على أقواله وأفعاله في جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم ، ثم على خليفته من بعده ، وهكذا إلى يوم القيامة فلم يبق لهم من أمر دينهم ما لا يمكنهم الوصول إلى علمه ، فكمل الدين بهم وتمت النعمة بوجودهم واحدا بعد واحد.

« حديثوا عهد » قريبوا عهد « بالجاهلية » والكفر « يقول قائل » إنه صادق « ويقول قائل » إنه كاذب ، والمعنى يقول قائل : إنه نصبه للقرابة ، ويقول قائل نصبه لحمايته له في جميع أحواله وأشباه هذا الكلام ، « فقلت في نفسي » أي كان هذا الكلام السابق كلاما نفيسا لم أنطق به « فاتتني عزيمة من الله » أي آية حتم لا رخصة فيها « بتلة » أي جازمة مقطوع بها ، يقال : بتلة كنصره وضربه إذا قطعه :


قبلي إلا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه فأوشك أن أدعى فأجيب وأنا مسئول وأنتم مسئولون ـ فما ذا أنتم قائلون فقالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين فقال اللهم اشهد ثلاث مرات ثم قال يا معشر المسلمين هذا وليكم من بعدي فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

قال أبو جعفر عليه‌السلام كان والله علي عليه‌السلام أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الذي ارتضاه لنفسه ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حضره الذي حضر فدعا عليا فقال يا علي إني أريد أن أئتمنك على ما ائتمنني الله عليه من غيبه وعلمه ومن خلقه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه فلم يشرك والله فيها يا زياد أحدا من الخلق ثم إن عليا عليه‌السلام حضره الذي حضره فدعا ولده وكانوا اثني عشر ذكرا فقال لهم يا بني إن الله

______________________________________________________

« إلا وقد عمره الله » من باب نصر أو باب التفعيل ، أي أبقاه مدة « فأوشك » على المعلوم أي قرب و « ما ذا » مفعول « قائلون » قدم عليه.

« كان والله » أي رسول الله أو علي صلى الله عليهما ، والأول أظهر « حضره الذي حضره » أي الموت.

« فلم يشرك والله » أي رسول الله « فيها » أي في الإمامة أو في الخلافة أو في الوصية أو في الأشياء المذكورة وهي غيبة وخلقه ودينه و « زياد » اسم أبي الجارود وهو المنذر.

قوله : وكانوا اثنا عشر ، قال المفيد قدس الله روحه : أولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام سبعة وعشرون ولدا ذكرا وأنثى : الحسن ، والحسين ، وزينب الكبرى ، وزينب الصغرى ـ المكناة بأم كلثوم ـ أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين.

ومحمد المكنى أبو القاسم ، أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية.

وعمر ورقية كانا توأمين أمهما أم حبيب بنت ربيعة.

والعباس وجعفر وعثمان وعبد الله الشهداء مع أخيهم الحسين عليهم‌السلام بطف كربلاء أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم.

ومحمد الأصغر المكنى بأبي بكر ، وعبيد الله ، الشهيدان بالطف أمهما ليلى بنت


عز وجل قد أبى إلا أن يجعل في سنة من يعقوب وإن يعقوب دعا ولده وكانوا اثني عشر ذكرا فأخبرهم بصاحبهم ألا وإني أخبركم بصاحبكم ألا إن هذين ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الحسن والحسين عليه‌السلام فاسمعوا لهما وأطيعوا ووازروهما فإني قد ائتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مما ائتمنه الله عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه فأوجب الله لهما من علي عليه‌السلام ما أوجب لعلي عليه‌السلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يكن لأحد منهما فضل على صاحبه إلا بكبره وإن الحسين كان إذا حضر الحسن لم ينطق في ذلك المجلس حتى يقوم ثم إن الحسن عليه‌السلام حضره الذي حضره فسلم ذلك إلى الحسين عليه‌السلام ثم إن حسينا حضره الذي

______________________________________________________

مسعود الدارمية.

ويحيى وعون أمهما أسماء بنت عميس.

وأم الحسن ، ورملة ، أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي.

ونفيسة وزينب الصغرى وأم هاني وأم الكرام وجمانة المكناة أم جعفر وإمامة وأم سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة رحمة الله عليهن لأمهات شتى.

وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي ذكرا كان سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو حمل : محسنا ، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين ثمانية وعشرون ولدا ، انتهى.

« وإن يعقوب دعا ولده » إشارة إلى قوله تعالى : « أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » (١).

« فأخبرهم بصاحبهم » أي يوسف عليه‌السلام « ووازروهما » أي عاونوهما « إنما وجب الله (٢) » هو كلام أبي جعفر عليه‌السلام « من على » أي بسببه أو من جهته « لم ينطق » أي من الأحكام الشرعية أو لم يقض بين الناس.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٣.

(٢) وفي المتن « فأوجب الله ».


حضره فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسين عليه‌السلام مبطونا لا يرون إلا أنه لما به فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا.

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله.

٧ ـ محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن صباح الأزرق ، عن أبي بصير قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام إن رجلا من المختارية لقيني فزعم أن محمد بن الحنفية إمام فغضب أبو جعفر عليه‌السلام ثم قال :

______________________________________________________

« فدعا ابنته » قال المفيد رحمه‌الله : كان للحسين عليه‌السلام ستة أولاد : علي بن الحسين الأكبر أبو محمد وأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد ، وعلي بن الحسين الأصغر قتل مع أبيه في الطف ، وأمه ليلى بنت أبي مرة ، وجعفر بن الحسين لا بقية له وأمة قضاعية ، وكان وفاته في حياة الحسين عليه‌السلام ، وعبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا في حجره ، وسكينة وأمها الرباب بنت امرئ القيس ، وهي أم عبد الله بن الحسين ، وفاطمة وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله ، انتهى.

« ووصية ظاهرة » عطف تفسير ، أو الكتاب الملفوف كان فيه الإسرار الذي لا ينبغي أن يطلع عليها المخالفون بل غير أهل البيت عليهم‌السلام ، والوصية الظاهرة كتب فيها أنه وصيه وهو أولى بأموره من غيره وسائر ما لا ينبغي إخفاؤه ، وهو حجة إمامته كما مر ، والأول أظهر ، وعلى الثاني المراد بالكتاب الجنس أو الكتاب الملفوف لأنه أهم ، وعلى التقديرين هذا غير ما دفعه إلى أم سلمة قبل ذهابه إلى العراق من ودائع الإمامة كما سيأتي.

« لا يرون » أي لا يعلمون « إلا أنه » متوجه ومهيئ « لما ينزل به » أي الموت ، وهو كناية عن الإشراف على الموت ، وقيل : اللام لام العاقبة نحو : « لدوا للموت ... ».

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

« من المختارية » أي أتباع مختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي خرج يدعي طلب


أفلا قلت له قال قلت لا والله ما دريت ما أقول قال أفلا قلت له إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى إلى علي والحسن والحسين فلما مضى علي عليه‌السلام أوصى إلى الحسن والحسين ولو ذهب يزويها عنهما لقالا له نحن وصيان مثلك ولم يكن ليفعل ذلك وأوصى الحسن إلى الحسين ولو ذهب يزويها عنه لقال أنا وصي مثلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أبي ولم يكن ليفعل ذلك قال الله عز وجل : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » هي فينا وفي أبنائنا.

باب

(الإشارة والنص على أمير المؤمنين عليه‌السلام)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن زيد بن الجهم الهلالي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول لما نزلت ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام وكان من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلموا على علي

______________________________________________________

دم الحسين ، وأظهر أنه بأمر محمد بن الحنفية ، فزعم أصحابه أنه الإمام بعد الحسين عليه‌السلام « أفلا قلت له » المفعول مقدر أي ما يكون حجة عليه ، وفي المصباح : دريت الشيء : علمته « قال الله عز وجل » استئناف لبيان كون علي بن الحسين الإمام دون ابن الحنفية كما مر.

الحديث الثامن (١) : مجهول ، وفي رجال الشيخ زيد بن جهيم الهلالي.

« وكان » عطف على نزلت « والإمرة » بالكسر الولاية فكان جواب لما ، وذكر الفاء لطول الفصل ، وضمير عليهما لأبي بكر وعمر ، لم يصرح بهما تقية ، والتأكيد باعتبار تخصيصهما بالأمر بعد دخولهما في التعميم ، وسؤالهما يدل على عدم إيمانهما

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ، وكأنّ الشارح (ره) جعل البابين بابا واحدا أو كانت نسخته كذلك ، ولذا جعل هذا الحديث الحديث الثامن ، وما بعده الحديث التاسع وهكذا إلى آخر الباب ونحن أثبتنا كلتا الرقمتين قبل كل حديث لئلا يشتبه على القارى فلا تغفل.


بإمرة المؤمنين فكان مما أكد الله عليهما في ذلك اليوم يا زيد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهما قوما فسلما عليه بإمرة المؤمنين فقالا أمن الله أو من رسوله يا رسول الله؟ فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الله ومن رسوله فأنزل الله عز وجل « وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » (١) يعني به قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهما وقولهما أمن الله أو من رسوله « وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها

______________________________________________________

بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتهامهما له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ما يقوله في وصيه إنما يقوله من قبل نفسه ، ولم يؤمنا بقوله تعالى : « وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى » (٢).

« فأنزل الله » إشارة إلى آيات سورة النحل وهي هكذا : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ » (٣) قال البيضاوي : يعني البيعة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الإسلام ، لقوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ » (٤) وقيل : كل أمر يجب الوفاء به ، ولا يلائمه قوله : إذا عاهدتم ، وقيل : النذر ، وقيل : الإيمان بالله « وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ » أيمان البيعة أو مطلق الأيمان « بَعْدَ تَوْكِيدِها » توثيقها بذكر الله ومنه أكد بقلب الواو همزة « وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » شاهدا بتلك البيعة ، فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه « إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » في نقض الأيمان والعهود « وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » أي ما غزلته مصدر بمعنى المفعول « مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ » متعلق بنقضت أي نقضت غزلها بعد إبرام وإحكام « أَنْكاثاً » طاقات نكثت فتلها جمع نكث ، وانتصابه على الحال من غزلها ، والمفعول الثاني لنقضت ، فإنه بمعنى صيرت ، والمراد به تشبيه الناقض بما هذا شأنه وقيل : بريطة بنت سعد بن تيم القرشية فإنها كانت خرقاء (٥) تفعل ذلك « تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » حال من الضمير في لا تكونوا أو في الجار الواقع موقع الخبر ، أي ولا تكونوا متشبهين بامرأة هذا شأنها متخذي أيمانكم مفسدة ودخلا ، وأصل الدخل ما يدخل الشيء ولم يكن منه « أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى

__________________

(١) سورة النحل : ٩١.

(٢) سورة النجم : ٣.

(٣) سورة النحل : ٩١.

(٤) سورة الفتح : ١٠.

(٥) أي حمقاء.


مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ » أئمة هي أزكى من أئمتكم قال قلت جعلت فداك أئمة قال إي والله أئمة قلت فإنا نقرأ « أَرْبى » فقال ما أربى وأومأ بيده فطرحها « إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ » يعني بعلي عليه‌السلام « وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً

______________________________________________________

مِنْ أُمَّةٍ » بأن تكون جماعة أزيد عددا وأوفر مالا من جماعة ، والمعنى لا تغدروا بقوم لكثرتكم وقلتهم أو لكثرة منابذتهم وقوتهم كقريش ، فإنهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم.

« إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ » الضمير لأن تكون أمة ، لأنه بمعنى المصدر أي يختبركم بكونكم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسول الله أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم وقلة المؤمنين وضعفهم ، وقيل : الضمير للربا ، وقيل للأمر بالوفاء « وليبينن لكم ما كنتم فيه تختلفون » إذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب « وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً » متفقة على الإسلام « وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ » بالخذلان « وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ » بالتوفيق « وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » سؤال تبكيت ومجازاة « وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ » تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي « فَتَزِلَّ قَدَمٌ » أي عن محجة الإسلام « بَعْدَ ثُبُوتِها » عليها والمراد أقدامهم ، وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بإقدام كثيرة « وَتَذُوقُوا السُّوءَ » العذاب في الدنيا « بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » بصدودكم عن الوفاء أي صدودكم غيركم عنه ، فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره « وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » في الآخرة.

وقال الطبرسي قدس‌سره في قوله تعالى : « كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها » هي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا تزال ذلك دأبها ، واسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وكانت تسمى خرقاء مكة ، انتهى.


وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَ » يوم القيامة « عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها » يعني بعد مقالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

وفي تفسير العياشي عن زيد بن الجهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : لما سلموا على علي بإمرة المؤمنين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأول : قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين ، فقال : أمن الله أو من رسوله؟ فقال : نعم من الله ومن رسوله ، ثم قال لصاحبه : قم وسلم على علي بإمرة المؤمنين ، فقال : أمن الله ومن رسوله؟ فقال : نعم من الله ومن رسوله ، ثم قال : يا مقداد قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين ، قال : فلم يقل ما قال صاحباه ، ثم قال : يا أبا ذر فسلم على علي بإمرة المؤمنين فقام وسلم ، ثم قال : قم يا سلمان وسلم على علي بإمرة المؤمنين فقام وسلم ، قال : حتى إذا خرجا وهما يقولان : لا والله لا نسلم له ما قال أبدا ، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه : « وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » بقولكم أمن الله ومن رسوله « إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » إلى آخر الخبر.

قوله عليه‌السلام : يعني به ، أي بقوله : « وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » أو « ما تَفْعَلُونَ » والأول أظهر لما مر في رواية العياشي.

قوله : أن تكون أئمة ، لعله على هذا التأويل مفعول له لقوله « تتخذون » أي تضمرون نقض العهد لأن تكون أئمة من أئمة الضلال أزكى من أئمتكم أئمة الهدى ، والمعنى تفعلون ذلك كراهة أن تكون أئمة الحق أزكى من أئمتكم الضالة والظاهر أن في قرآنهم عليهم‌السلام كانت الآية هكذا ، وقد يأول بأن المراد أن أربى هنا معناه أزكى ، والمراد بالأمة في الموضعين الأئمة وهو بعيد ، والإيماء باليد وطرحها لتقوية الإنكار « يعني بعلي » رجوعه إليه عليه‌السلام بقرينة نزول الآية فيه وفي خلافته ، أو هو بيان لحاصل المعنى والضمير راجع إلى أن يكون أئمة لأنه بمعنى المصدر ، أو عوده إليه باعتبار أنه مفهوم من أئمة أنه واحد منهم ، أو إلى أئمة باعتبار أن المراد بها علي عليه‌السلام والجمع للتعظيم كما قيل ، والأول أظهر « يعني بعد مقالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لعله عليه‌السلام فسر الثبوت بما يوجب الثبوت ويقتضيه من النص الصريح عليه عليه‌السلام


في علي عليه‌السلام « وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » يعني به عليا عليه‌السلام « وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ».

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين وأحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول لما أن قضى محمد نبوته واستكمل أيامه أوحى الله تعالى إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم

______________________________________________________

« يعني به » أي سبيل الله « عليا عليه‌السلام » لأن بسلوك سبيل متابعته يوصل إلى الله وثوابه وقربه.

الحديث التاسع : مجهول.

« قضى » على بناء المعلوم ، والمجهول بعيد ، وكذا استكمل و « أن » في قوله : « أن قضى » زائدة لتأكيد اتصال لما بمدخولها ، وفي قوله « أن يا محمد » مفسرة وفي النهاية قضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه « فاجعل العلم » إشارة إلى قوله تعالى : « وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ » (١) وإلى قوله سبحانه : « ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » (٢) فالمراد بالعلم العلوم التي أوحى الله إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالإيمان التصديق بها مع الانقياد المقرون بالإيقان أو العلوم المتعلقة بأصول الدين فيكون تعميما بعد التخصيص ، وربما يقرأ بفتح الهمزة إلى العهود والمواثيق وهو بعيد ، والمراد بالاسم الأكبر إما الاسم الأعظم أو القرآن التام الذي عندهم ، أو هو مع سائر كتب الأنبياء كما سيأتي في الخبر الآتي ، فالمراد بالاسم صاحب الاسم ، أو هو بمعنى العلامة والمراد بميراث العلم ما في الجفر الأبيض من كتب الأنبياء السابقين ، فيكون على بعض الوجوه المتقدمة تأكيدا أو كتب العلماء السابقين سوى الكتب المنزلة.

وقيل : الإضافة لامية والمراد به الخلافة الكبرى وقيل : المراد به التخلق بأخلاق

__________________

(١) سورة الروم : ٥٦.

(٢) سورة الشورى : ٥٢.


وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء.

٣ ـ محمد بن الحسين وغيره ، عن سهل ، عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسين جميعا ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أوصى موسى عليه‌السلام إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى إن الله تعالى له الخيرة يختار من يشاء ممن يشاء وبشر موسى ويوشع بالمسيح عليه‌السلام فلما أن بعث الله عز وجل المسيح عليه‌السلام قال المسيح لهم إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل عليه‌السلام يجيء بتصديقي وتصديقكم

______________________________________________________

الله أي ما أورثه العلم والمراد بآثار علم النبوة جميع علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأكيدا أو كتب الأنبياء تأكيدا أو تأسيسا أو آثار الأنبياء ـ سوى العلم ـ من السلاح والعصا وغيرهما ، وقيل : هي علم الشرائع والأحكام.

أقول : يحتمل أن يكون إشارة إلى ما تتجدد لهم من العلوم في ليلة القدر وغيرها ، فإنها من آثار علم النبوة المترتبة عليه ، فالمراد بجعلها عنده جعله قابلا ومهيئا لذلك ، وربما يقرأ العقب بضم العين وشد القاف المفتوحة جمع عاقب وهو الخليفة في الخير.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

والخيرة بالكسر وكعنبة مصدر باب ضرب : التفضيل ، أو اسم مصدر باب الافتعال كما قيل.

قوله : لهم ، أي للمبعوث إليهم « بتصديقي » أي في الرسالة وصحة الولادة كما نطقت به سورة مريم وغيرها « وتصديقكم » في الإيمان والمتابعة كما في سورة المائدة : « وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا » الآية ، وغير


وعذري وعذركم وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين وإنما سماهم الله تعالى المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل

______________________________________________________

ذلك من الآيات والأخبار « وعذري وعذركم » أي حجتي وحجتكم من قولهم أعذر إذا احتج لنفسه ، أو براءتي مما رميت به من ادعاء الألوهية والولدية وبراءتكم من القول في ذلك ، أو براءتي مما رماني به اليهود وبراءتكم من متابعة من كان كذلك.

والحواريون هم خواص عيسى على نبينا وآله وعليه السلام وأنصاره ، من التحوير بمعنى التبييض ، قيل : إنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب وينقونها من الأوساخ ، وقيل : بل كانوا ينقون نفوس الخلائق من الكدورات وأوساخ صفات الذميمة ، وقال الأزهري : هم خلصان الأنبياء وتأويله : الذين خلصوا ونقوا من كل عيب ، وتسمية الله إياهم بالمستحفظين كأنها إشارة إلى قوله عز وجل في شأن التوراة : « فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ » (١).

« وجرت » أي الوصية أو الخيرة أو السنة ، وقيل : المراد بالميزان الشرع ، وقيل : هو عطف تفسير للكتاب.

قال المحدث الأسترآبادي : مقصوده عليه‌السلام أن المشهور بين الناس في هذا الزمان مما يسمى بالكتاب الكتب الثلاثة ومن جملة الكتب كتاب نوح عليه‌السلام وكتاب صالح وكتاب شعيب وإبراهيم عليهم‌السلام ، وقد أخبر الله أن ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مذكور في صحف إبراهيم وموسى وكانتا عنده ، فإذا كانتا محفوظتين إلى زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف لا يحفظهما هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يدفعهما إلى أحد ، فالذي دفعهما إليه هو صاحب الشريعة ، انتهى.

وأقول : فيه أيضا رد على من زعم أن المستحفظين علماء اليهود والنصارى ، لعدم وجدان هذه الكتب عندهم ، فالمراد بالعقب من المستحفظين الأوصياء أي أولادهم بل ظاهره أن العقب لم يكونوا من بني إسرائيل ، فالمراد بهم أبو طالب وأمير المؤمنين عليهما‌السلام ، وكلمة « من » يحتمل التبعيض والابتداء والبيان أيضا على بعد.

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٤.


شيء الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم يقول الله تعالى : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ » (١) الكتاب الاسم الأكبر وإنما عرف مما يدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان فيها كتاب نوح وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم عليه‌السلام فأخبر الله عز وجل : « إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (٢) فأين صحف إبراهيم إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر وصحف موسى الاسم الأكبر فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

______________________________________________________

قال بعض المحققين : استحفاظهم الاسم الأكبر الذي هو الكتاب الجامع للعلوم الغير المنفك عن الأنبياء ، لعله كناية عن انتقاش قلوبهم الصافية المصيقلة بنور الله ، بما في اللوح المحفوظ ، وصيرورتهم العقل بالفعل ، وبلوغهم رتبة الشهود التام وإلى قابلية الإنسان لهذه الرتبة أشار أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله :

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

وتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين الذي

بأحرفه يظهر المضمر

والعالم الأكبر هو الاسم الأكبر ، إذا العالم ما يعلم به الشيء كالاسم ما يعلم به المسمى ، ومن الأنبياء والأوصياء من أوتي علم الكتاب كله ، ومنهم من أوتي بعضه ، وإلى الأول أشير بقوله عز وجل : « قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » (٣) يعني به أمير المؤمنين عليه‌السلام وإلى الثاني بقوله : « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ » (٤) حيث أتى بمن التبعيضية ، يعني به آصف بن برخيا.

والمراد بقوله : إنما عرف مما يدعى الكتاب ، أن المعروف مما يسمى بالكتاب ليس سوى هذه الثلاثة مع أن كثيرا من الأنبياء كان معهم كتب غير هذه ، منها كذا ومنها كذا ، وقد أخبر الله عن بعضها وليس ذلك بمعروف بين الناس ، فإذا انحصرت

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصحف في سورة الحديد : ٢٥ « لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا .... ».

(٢) سورة الأعلى : ١٨.

(٣) سورة الإسراء : ٩٦.

(٤) سورة النحل : ٤٠.


فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو إسرائيل ودعا إلى الله عز وجل وجاهد في سبيله ثم أنزل الله جل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك فقال رب إن العرب قوم جفاة لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي ولا يعرفون فضل نبوات الأنبياء عليهم‌السلام ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي فقال الله جل ذكره « وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ » (١) « وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ

______________________________________________________

الكتب فيما عرف فأين صحف إبراهيم الذي أخبر الله عنها ، والغرض من هذا الكلام الرد على من زعم أن المراد بالمستحفظين لكتاب الله ، علماء اليهود الحافظين للتوراة ومن يحذو حذوهم في حفظ الألفاظ والقصص.

فبين عليه‌السلام أن المراد بكتاب الله الاسم الأكبر المشتمل على كل ما في العالم من شيء الذي كتبه الرحمن بيده كما قال سبحانه : « أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » (٢) وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أن صحف إبراهيم كانت عشرين صحيفة وصحف إدريس ثلاثين ، وصحف شيث خمسين ، يعني ما كان يتلى من الاسم الأكبر على الناس.

وعن أبي ذر رضي‌الله‌عنه أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كان صحف إبراهيم؟ قال : اقرأ يا أبا ذر « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى » إلى قوله : « صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (٣) يعني فيها أمثال هذه الكلمات.

« إن العرب قوم جفاة » أي بعداء عن الآداب والأخلاق الحسنة ، قال في المغرب : الجفاء هو الغلظ في العشرة والخرق في المعاملة وترك الرفق ، انتهى.

« ولا تخزن عليهم » أقول : هذه الآية بهذا الوجه ليست في المصاحف المشهورة ، إذ في سورة الحجر « لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » (٤) وفي سورة النحل : « وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ » (٥) وفي سورة الزخرف « فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ

__________________

(١) سورة النحل : ١٢٧.

(٢) سورة المجادلة : ٢٢.

(٣) سورة الأعلى : ١٩.

(٤) الآية : ٨٨.

(٥) الآية : ١٢٧.


يَعْلَمُونَ » (١) فذكر من فضل وصيه ذكرا فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك وما يقولون فقال الله جل ذكره يا محمد « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ » (١) ولكنهم يجحدون (٢)

______________________________________________________

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ » (٣) فيحتمل أن يكون عليه‌السلام ذكر الآيتين إحدى السوابق مع الأخيرة فسقط من الرواة أو النساخ ، أو أشار عليه‌السلام إلى الآيتين بذكر صدر إحداهما وعجز الأخرى ، أو يكون نقلا لهما بالمعنى ، أو يكون في مصحفهم عليهم‌السلام كذلك ، والحزن عليهم التأسف على كونهم هالكين.

« سلام » أي ما أدعوكم إليه سلامة لكم من النار ، أو تسلم منكم ، ومتاركة.

« ذكرا » أي قليلا من الذكر بدون إعلان ذلك أي وقوع النفاق في قلوب المنافقين من العرب.

« وَلَقَدْ نَعْلَمُ » أقول : في المصاحف المشهورة في سورة الحجر « وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ » (٤) وفي سورة الأنعام « قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » (٥) الآية والكلام فيه كالكلام فيما مر.

« فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » قيل : معناه أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك جئت من عنده بالمعجزات والآيات ، فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته ، أو المراد أنهم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بألسنتهم ، أو أنهم لا يكذبونك ولا يجحدونك ولكنهم يجحدون بآيات الله ، وذلك أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمى عندهم بالأمين ، يعرفون أنه لا يكذب في شيء ، وكان أبو جهل يقول ما تكذب وإنك عندنا لصدوق وإنما نكذب ما جئتنا به.

وروي أن الأخنس بن شريق قال لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٩.

(٢) راجع كلام الشارح في الآية.

(٣) سورة الزخرف : ٨٩.

(٤) الآية : ٩٧.

(٥) الآية : ٣٣.


بغير حجة لهم وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيه حتى نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه فقال الله جل ذكره « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ » (١)

______________________________________________________

أصادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال له : والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فما ذا يكون لسائر قريش؟

وسيأتي في الروضة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قرأ رجل على أمير المؤمنين صلوات الله عليه هذه الآية فقال : بلى والله لقد كذبوه أشد التكذيب ولكنها مخففة « فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ » لا يأتون بباطل يكذبون به حقك ، وهذا التفسير موافق لما فسرها عليه‌السلام به هيهنا بقوله : ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم ، والمخففة من أكذبه إذا ألفاه (٢) كاذبا ، والمشددة أيضا لا يبعد عن هذا المعنى على ما في كتب اللغة ، قال الفيروزآبادي : أكذبه ألفاه كاذبا وحمله على الكذب وبين كذبه ، وكذب بالأمر تكذيبا وكذابا أنكره ، وفلانا جعله كاذبا ، انتهى.

وإنما وضع الظالمين موضع الضمير للتنصيص بظلمهم في إنكار آياته وتمرنهم (٣) على جحدها ، ويقال : تألفه إذا داراه وآلفة بالتكليف.

« هذه السورة » أي سورة ألم نشرح كما يظهر مما بعده ، وجملة « فاحتج عليهم » معترضة وكأنه أشير بها إلى ما فعل بغدير خم أو إلى أعم منه ومن غيره من المواطن ، وفي بعض النسخ « هذه الآية » أي آية : « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ».

« ونعيت » على بناء المجهول والنعي خبر الموت « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ » في القرآن المشهورة بفتح الصاد من النصب بمعنى التعب والاجتهاد ، يعني إذا فرغت من عبادة عقبها بأخرى وواصل بعضها ببعض ، وقيل : إذا فرغت من الغزو فانصب في العبادة ،

__________________

(١) سورة الانشراح : ٨.

(٢) أي وجده.

(٣) من التمرين.


يقول إذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصيك فأعلمهم فضله علانية فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

______________________________________________________

أو فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء كما ورد في الخبر أيضا ، والمستفاد من هذا الحديث أنه بكسر الصاد من النصب بالتسكين بمعنى الرفع والوضع ، أي إذا فرغت من أمر تبليغ الرسالة فانصب علمك بفتح اللام ، أي ارفع علم هدايتك للناس ، وضع من يقوم به خلافتك موضعك حتى يكون قائما مقامك من بعدك بتبليغ الأحكام وهداية الأنام ، لئلا تنقطع خيط الهداية والرسالة بين الله وبين عباده ، ويكون ذلك مستمرا بقيام إمام مقام إمام إلى يوم القيامة فلعل في مصحفهم عليهم‌السلام كان بالكسر ، أو يقال : لعله ورد بالفتح أيضا بمعنى النصب وإن لم يذكر في الكتب المتداولة في اللغة ، ويحتمل أن يكون تفسيره عليه‌السلام بيانا لحاصل المعنى ، ويكون المقصود أتعب نفسك في نصب وصيك بما تسمع من المنافقين في ذلك.

والعجب من المتعصب الناصب الزمخشري أنه قال في الكشاف : ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد أي فانصب عليا للإمامة ، قال : ولو صح هذا للرافضي لصح للناصبي أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض على وعداوته ، فانظر إلى هذا المتعصب المتعنت كيف عمى الله بصيرته بغشاوة العصبية حتى أتى بمثل هذا الكلام الذي يليق باللئام في هذا المقام.

ولا يخفى فساده على ذوي الأفهام من وجوه :

الأول : أن المناسبة بين الفراغ من تبليغ الرسالة ونصب الإمام لحفظ الشريعة بين ظاهر ، لئلا يكون الناس بعده في حيرة وضلالة ، ولتجري سنة الله تعالى في الأولين ولا مناسبة بين الفراغ وما ذكره بوجه.

والثاني : أن إبداء احتمال مخالف لما ذهب إليه جميع فرق المسلمين لا يكون مساويا لاحتمال ذهب إليه أكثر المتورعين من المؤمنين.

والثالث : أن ما ذكره الإمامية ليس بمحض التشهي والاختراع بل نقلوه عن أئمتهم الذين لا خلاف بين المسلمين في فضلهم وعلو شأنهم ، وهذا الناصب أيضا


من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرات ثم قال لأبعثن

______________________________________________________

كثيرا ما ينقل القراءات والتفاسير عنهم ، وجميع المفسرين يعتمدون على ما نقل عنهم ، فلا يكون ما نقل عنهم بأدون مما رووا عن قتادة وكعب وابن مسعود وغيرهم.

والفاء في قوله : « فقال الله » للبيان وقوله : ثلاث مرات متعلق بقوله : « اللهم ... » إلى آخر الكلام ، أو الجميع « ثم قال » : أي في يوم غزوة خيبر بعد ما مضى أبو بكر مع أصحابه ، فلما رأوا مرحبا اليهودي خرج للمبارزة فروا ثم في اليوم الثاني مضى عمر وأصحابه وفروا وكلمة « ثم » للتراخي بحسب الرتبة لا الزمان إن حملنا الكلام السابق على ما ذكر في يوم الغدير ، وإلا فيمكن حمله على الزماني أيضا.

وهذا الخبر مذكور في كتب العامة بطرق كثيرة ، منها : ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن سلمة بن الأكوع قال : كان علي عليه‌السلام قد تخلف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خيبر وكان رمدا فقال : أنا أتخلف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج فلحق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صبيحتها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، أو قال : يحب الله ورسوله يفتح الله عليه ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا : هذا علي فأعطاه رسول الله الراية ففتح الله عليه.

وروي أيضا بإسناده عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله قال يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فبات الناس يدوكون (١) ليلتهم أيهم يعطاها؟ قال : فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم يرجو أن يعطاها ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيهم ، فو الله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير

__________________

(١) أي يخوضون ويتحدّثون في ذلك.


رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار يعرض بمن رجع يجبن أصحابه ويجبنونه وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي سيد المؤمنين وقال علي عمود الدين وقال هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي وقال الحق مع علي أينما مال

______________________________________________________

لك من أن يكون لك حمر النعم (١) وروي عن أبي هريرة أيضا مثله (٢).

« معرضا (٣) » حال عن فاعل قال ، والتعريض نفي عيب عن أحد لإثباته لآخر ، والمراد أن أبا بكر وعمر لا يحبان الله ورسوله ولا يحبهما الله ولا رسوله وهما فراران ، وإنما ذكر عليه‌السلام الجبن فقط ليعلم عدم المحبة أيضا مع نوع تقية إذ العلة مشتركة ، ولا خفاء في أن سياق هذا الكلام يدل على اختصاص جميع تلك الأوصاف بالمبعوث أخيرا وإلا فلا فائدة في ذكرها.

« يجبن » حال عن فاعل رجع أي يخوف أصحابه ويدعوهم إلى الجبن عند الحرب ، أو ينسبهم إلى الجبن عند الرجوع ويلومهم به ، يقال جبنه تجبينا أي نسبه إلى الجبن « على سيد المؤمنين » أي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أن السيد أولى بعبده منه ، أو أشرفهم وأفضلهم لأنه فاق جميعهم في جميع الكمالات « عمود الدين » أي لا يقوم الدين إلا به كما لا تقوم الخيمة إلا بالعمود.

« هو الذي » التركيب يدل على الحصر أي كل من يضرب الناس بالسيف بعدي فهو على الباطل غيره وغير أوصيائه ، وضمير مال لعلي أو للحق أي سواء قام أو قعد وفي جميع أقواله وأفعاله ، وهذا الحديث رواه ابن مردويه في مناقبه بعدة طرق عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الحق مع على وعلى مع الحق لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، وادعى ابن أبي الحديد صحة هذا الحديث بل تواتره.

__________________

(١) قال النووي : هي الإبل وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشىء وأنّه ليس هناك أعظم منه.

(٢) صحيح مسلم باب فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٣) كذا في النسخ لكن في المتن « يعرض » بدل « معرضا ».


وقال إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا ـ كتاب الله عز وجل وأهل بيتي عترتي أيها الناس اسمعوا وقد بلغت إنكم ستردون علي الحوض فأسألكم عما فعلتم في الثقلين والثقلان كتاب الله جل ذكره وأهل بيتي فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

فوقعت الحجة بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالكتاب الذي يقرأه الناس فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم بالقرآن : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » وقال عز ذكره : « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى » (١) ثم قال « وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » (٢) فكان علي عليه‌السلام

______________________________________________________

« وقال إني تارك فيكم أمرين » هذا الخبر متواتر اتفقت الأمة على قبوله ونقله ، وقد مر الكلام فيه « كتاب الله » مرفوع بتقديرهما كتاب الله أو منصوب بدل تفصيل لأمرين والعترة العشيرة : الأدنون « وقد بلغت » على صيغة المعلوم أي بلغت ما يلزمني تبليغه في أهل بيتي ، أو على المجهول أي بلغني جبرئيل عن الله بالوحي « لا تسبقوهم » أي في الإمامة أو في شيء من الأمور « فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ » المشهور في القراءة فتح الهمزة على حذف المبتدأ ، أي فحكمه أن لله خمسه وقيل : على حذف الخبر أي فثابت أن لله خمسه ، وقرئ بكسرها أيضا والمعنى أن الذي أخذتموه من مال الكفار قهرا مما يطلق عليه اسم الشيء قليلا كان أو كثيرا فحكمه أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وسيأتي أحكامه في محله إنشاء الله.

ولا يخفى ما في تخصيص ذي القربى بالذكر وإعادة اللام وتشريكه مع الرسول في التساهم من التعظيم والاهتمام بشأنه.

« فكان على » أي ذا القربى على حذف الخبر أو كان تامة ، وهذا أحد تأويلات الآية ، وقد ورد في أخبار كثيرة من طريق الخاصة والعامة أنها نزلت في فدك ، فرووا عن أبي سعيد الخدري وغيره أنه لما نزلت الآية أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة فدك ،

__________________

(١) سورة الأنفال : ٤٢.

(٢) سورة الإسراء : ٢٦.


وكان حقه الوصية التي جعلت له والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة فقال « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » (١) ثم قال « وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ

______________________________________________________

ولا تنافي بينهما فإن حق فاطمة عليها‌السلام من ذوي القربى كان فدك ، وحق أمير المؤمنين الوصية ، وقال البيضاوي : و « آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ، من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم ، وقيل : المراد بذي القربى أقارب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

« إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » قال الطبرسي رحمه‌الله : اختلف في معناه على أقوال :

أحدهما : لا أسألكم في تبليغ الرسالة أجرا إلا التواد والتحاب فيما يقرب إلى الله تعالى.

وثانيها : أن معناه إلا أن تودوني في قرابتي منكم وتحفظوني لها فهو لقريش خاصة.

وثالثها : أن معناه إلا أن تؤدوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم ، عن علي بن الحسين وابن جبير وعمرو بن شعيب وجماعة ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

ثم أورد أخبارا كثيرة في ذلك ثم قال : وعلى التقادير ففي المودة قولان :

أحدهما : أنه استثناء منقطع لأن هذا إنما يجب بالإسلام فلا يكون أجرا للنبوة.

والآخر أنه استثناء متصل والمعنى لا أسألكم إلا هذا فقد رضيت به أجرا كما أنك تسأل غيرك حاجة فيعرض المسؤول عليك برا فتقول : اجعل بري قضاء حاجتي ، وعلى هذا يجوز أن يكون المعنى : لا أسألكم أجرا إلا هذا فقد رضيت به أجرا ، ونفعه أيضا عائد إليكم فكأني لم أسألكم أجرا ، انتهى.

وقال إمامهم الرازي في تفسيره : روى الكلبي عن ابن عباس قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة فقال الأنصار : إن

__________________

(١) سورة الشورى : ٢٣.


بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » (١) يقول أسألكم عن المودة التي أنزلت عليكم فضلها مودة القربى

______________________________________________________

هذا الرجل قد هداكم الله على يده وهو ابن أختكم وجاركم في بلدكم فاجمعوا له طائفة من أموالكم ففعلوا ثم أتوه به فرده عليهم ونزل قوله تعالى : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً » أي على الإيمان إلا أن تؤدوا أقاربي ، فحثهم على مودة أقاربه ، ثم قال بعد نقل خبر طويل عن صاحب الكشاف في مودة آل الرسول صلوات الله عليهم وذم بغضهم : وأنا أقول آل محمد هم الذين يؤول أمرهم إليه ، وكل من كان أول أمرهم أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين عليهم‌السلام كان التعلق بينهم وبين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل.

وأيضا اختلف الناس في الآل فقيل : هم الأقارب. وقيل : هم أمته فإن حملناه على القرابة فهم الآل ، وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل ، فثبت أن على جميع التقديرات هم آل ، وأما غيرهم هل يدخلون تحت لفظ الآل فمختلف فيه ، فثبت على جميع التقديرات أنهم آل محمد عليهم‌السلام.

وروى صاحب الكشاف أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقيل : على وفاطمة وابناهما ، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، ثم ذكر الرازي دلائل كثيرة على وجوب محبة الآل.

وأقول : هذه الرواية التي رواها الزمخشري رواها الثعلبي والبيضاوي وغيرهما من المفسرين.

قوله : « وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ » أقول : القراءة المشهورة : الموءودة بالهمزة ، قال الطبرسي : الموءودة هي الجارية المدفونة حيا وكانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها ، فإن ولدت بنتا رمتها في الحفرة وإن ولدت غلاما حبسته ،

__________________

(١) راجع كلام الشارح في تفسير الآية.


بأي ذنب قتلتموهم وقال جل ذكره « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » (١) قال الكتاب هو الذكر وأهله آل محمد عليهم‌السلام أمر الله عز وجل بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال وسمى الله عز وجل القرآن ذكرا فقال تبارك وتعالى « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » (٢) وقال عز وجل « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ

______________________________________________________

أي تسأل فيقال لها : بأي ذنب قتلت؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها ، وقيل : المعنى يسأل قاتلها بأي ذنب قتلت؟ وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : وإذا المودة سئلت بفتح الميم والواو ، وروي عن ابن عباس أنه قال : هو من قتل في مودتنا أهل البيت ، وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : يعني قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قتل في جهاد ، وفي رواية أخرى قال : هو من قتل في مودتنا وولايتنا ، انتهى.

وأقول : الظاهر أن أكثر تلك الأخبار مبنية على تلك القراءة الثانية إما بحذف المضاف أي أهل المودة يسألون بأي ذنب قتلوا أو بإسناد القتل إلى المودة مجازا ، والمراد قتل أهلها أو بالتجوز في القتل والمراد تضييع مودة أهل البيت عليهم‌السلام وإبطالها وعدم القيام بها وبحقوقها ، وبعضها على القراءة الأولى المشهورة بأن يكون المراد بالموؤودة النفس المدفونة في التراب مطلقا أو حيا ، إشارة إلى أنهم لكونهم مقتولين في سبيل الله تعالى ليسوا بأموات بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فكأنهم دفنوا حيا ، وفيه من اللطف ما لا يخفى ، وهذا الخبر يؤيد الوجه الأول لقوله قتلتموهم.

« قال الكتاب الذكر » شبيه بالقلب أي الذكر هو الكتاب [ وعكس لكون الكتاب ] ذاتا ، والذكر صفة أو أن وصف كونه كتابا أشهر من كونه ذكرا وقد مر الكلام في هذه الآيات في باب أن أهل الذكر هم الأئمة عليهم‌السلام ، وقد مر وجه آخر وهو أن الذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم عليهم‌السلام أهله ، وسمى الله هذا بيان لصحة إطلاق الذكر على الكتاب ووقوعه.

« وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » أي ما فيه من المواعظ والعبر والزواجر والثواب والعقاب ،

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧.

(٢) سورة النحل : ٤٦.


لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » (١) وقال عز وجل « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (٢) وقال عز وجل « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى » الله وإلى « الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » (٣) فرد الأمر أمر الناس إلى أولي الأمر منهم الذين أمر بطاعتهم وبالرد إليهم.

فلما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ

______________________________________________________

فتحصل لهم الدواعي على فعل الحسنات وترك السيئات « وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ » الخطاب إلى الرسول وقومه أي يسألكم الناس عما فيه فتجيبون أو يسألكم عن مراقبته ومحافظته وتبليغه ، وسبق الكلام في آية أولي الأمر عن قريب « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ » كذا في المصاحف وفي أكثر النسخ ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول فيكون نقلا بالمعنى ، للإشعار بأن الرد إلى الرسول رد إلى الله ، والذين يستنبطونه عبارة عن بعض الرادين إلى أولي الأمر وهم المستمعون المنصتون للجواب حق الإنصات والاستماع ، و « من » في منهم للابتداء ، والضمير لأولي الأمر ، أو للتبعيض والضمير للرادين إلى أولي الأمر ، أو الذين يستبطونه عبارة عن أولي الأمر والضمير راجع إلى أولي الأمر ، والغرض التنصيص بأنهم هم أهل العلم والاستخراج والاستنباط « أمر الناس » بدل من الأمر ، أي دلت الآيتان على أن الله تعالى فوض أمر الناس إلى أهل بيته وأمرهم بطاعتهم والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.

« بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » أي الوصية والولاية كما مر « إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » دل على أن كل من أنكر ولاية علي عليه‌السلام فهو كافر ، والسمرات جمع سمرة وهي بفتح السين وضم الميم شجرة شائكة يقال لها أم غيلان « فقم شوكهن » على بناء المجهول أي كنس « وأولى بكم » عطف تفسير للإشعار بأن الولي في « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » والأولى في قوله : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » بمعنى واحد.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٤.

(٢) سورة النساء : ٥٩.

(٣) سورة النساء : ٨٢.


يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » (١) فنادى الناس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقم شوكهن ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أيها الناس من وليكم وأولى بكم من أنفسكم فقالوا الله ورسوله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثلاث مرات فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا ما أنزل الله جل ذكره هذا على محمد قط وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه.

فلما قدم المدينة أتته الأنصار فقالوا يا رسول الله إن الله جل ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا فقد فرح الله صديقنا وكبت عدونا وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما تعطيهم فلم يرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم شيئا وكان ينتظر ما يأتيه من ربه فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال ـ « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ولم يقبل أموالهم فقال المنافقون ما أنزل الله هذا على محمد وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه ويحمل علينا أهل بيته يقول أمس من كنت مولاه فعلي

______________________________________________________

والحسكة بفتح المهملتين شوك صلب شبه به النفاق ، قال الجوهري : قولهم في صدره حسكة وحساكة أي ضغن وعداوة ، والقوم : المنافقون المتقلبون ، والضبع بفتح المعجمة وسكون الموحدة العضد كلها أو وسطها بلحمها ، أو الإبط أو ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه ، ذكره الفيروزآبادي ، ورفعها كناية عن إعلاء قدره وإشادة ذكره وجعله مسلطا عليهم « بين ظهرانينا » أي بيننا على سبيل الاستظهار والاستناد إلينا كان ظهرا منا قدامك وظهرا وراءك فأنت مكنوف من جانبيك ، وفي القاموس : كبته يكبته : صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظ وأذله ، انتهى.

والوفود جمع الوفد بالفتح وهم الطوائف الواردون على الملوك لحاجة ، والشماتة الفرح ببلية العدو.

« يقول أمس » أي يوم الغدير والفيء : الغنيمة « وتعرف به ولايتي » أي محبتي

__________________

(١) سورة المائدة : ٦٨.


مولاه واليوم « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ثم نزل عليه آية الخمس فقالوا يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا ثم أتاه جبرئيل فقال يا محمد إنك قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي عليه‌السلام فإني لم أترك الأرض إلا ولي فيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ويكون حجة لمن يولد بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر قال فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب يفتح كل كلمة وكل باب ألف كلمة وألف باب.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وصالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن يحيى بن معمر العطار ، عن بشير الدهان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي توفي فيه ادعوا لي خليلي فأرسلتا إلى أبويهما فلما نظر

______________________________________________________

أو إمارتي وخلافتي المدلول عليها بقوله : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ » في هذه الآية.

وقوله : ألف باب ، تفسير لألف كلمة أو أحدهما متعلق بالأحكام والآخر بغيرها ، ويحتمل أن يكون المراد بألف كلمة وألف باب بقواعد كلية أصولية وقوانين مضبوطة جملة أمكنه أن يستنبط منها أحكاما جزئية ومسائل فرعية تفصيلية لكن لا كاستنباطنا بالظن والتخمين بل استخراجا بالعلم واليقين ، ويؤيده ما رواه الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن موسى بن بكر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يغمى عليه اليوم واليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك كم يقضي من صلاته؟ فقال : ألا أخبرك بما ينتظم به هذا وأشباهه؟ فقال : كلما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده ، وزاد فيه غيره قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وهذا من الأبواب التي يفتح كل باب منها ألف باب.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« ادعوا لي خليلي » قيل : أصل الخلة الانقطاع ، وقيل الاختصاص ، وقيل : الاصطفاء ، وقيل صفاء المودة وخلوصها وإطلاقه على أمير المؤمنين عليه‌السلام بكل الوجوه مناسب ، وقيل : الخلة من تخلل الشيء في القلب ، واختلف في أن الخلة أشد وأرفع


إليهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعرض عنهما ثم قال ادعوا لي خليلي فأرسل إلى علي فلما نظر إليه أكب عليه يحدثه فلما خرج لقياه فقالا له ما حدثك خليلك فقال حدثني ألف باب يفتح كل باب ألف باب.

______________________________________________________

أم المحبة ولكل وجوه « فأرسلتا » أي عائشة وحفصة « فأرسل إلى علي » على بناء المجهول والظرف نائب الفاعل ، وضمير أكب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمير عليه لعلي عليه‌السلام وفي القاموس أكب عليه أقبل ولزم كانكب ، وضمير لقياه لأبويهما.

وقال الشيخ المفيد قدس‌سره : قد تعلق قوم من ضعفة العامة بهذا الخبر على صحة الاجتهاد والقياس ، ثم أجاب عن ذلك بوجوه ، ثم ذكر في تأويل الخبر وجوها : منها : أن المعلم له الأبواب هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح له بكل باب منها ألف باب ووقفه على ذلك ، ومنها أن علمه بكل باب أوجب فكره فيه فبعثه الفكر على المسألة عن شعبه ومتعلقاته ، فاستفاد بالفكر فيه علم ألف باب بالبحث عن كل باب ، ومثل هذا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم ، ومنها : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص له على علامات تكون عندها حوادث ، كل حادثة تدل على حادث إلى أن تنتهي إلى ألف حادثة ، فلما عرف الألف علامة عرفه بكل علامة منها ألف علامة ، والذي يقرب هذا من الصواب أنه عليه‌السلام أخبرنا بأمور تكون قبل كونها ثم قال عقيب أخباره بذلك : علمني رسول الله ألف باب ، فتح لي من كل باب ألف باب.

وقال بعض الشيعة : إن معنى هذا القول أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على صفة ما فيه الحكم على الجملة دون التفصيل ، كقوله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فكان هذا بابا استفيد منه تحريم الأخت من الرضاعة ، والأم من الرضاعة ، والخالة والعمة وبنت الأخ وبنت الأخت ، وكقول الصادق عليه‌السلام : الربا في المكيل والموزون ، فاستفيد بذلك الحكم في أصناف المكيلات والموزونات والأجوبة الأولة لي وأنا أعتمدها ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وأقول : ينافي الثالث ما صرح به في بعض الروايات حيث قال : وعلمني ألف باب من الحلال والحرام ، ومما كان ومما هو كائن إلى يوم القيامة ، ويؤيد الأخير رواية


٥ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف حرف كل حرف يفتح ألف حرف.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صحيفة صغيرة فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أي شيء كان في تلك الصحيفة قال هي الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف.

قال أبو بصير قال أبو عبد الله عليه‌السلام فما خرج منها حرفان حتى الساعة.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن فضيل بن سكرة قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك هل للماء الذي يغسل به الميت

______________________________________________________

موسى بكر المتقدمة ، والظاهر أن المراد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمه ألف نوع من أنواع استنباط العلوم ، يستنبط من كل منها ألف مسألة أو ألف نوع ، والاجتهاد إنما يمنع منه لابتنائه على الظن وهو لا يغني من الحق شيئا فإذا علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفية الاستخراج على وجه يحصل به العلم واليقين بحكمه (١) تعالى فليس من الاجتهاد في شيء.

الحديث الثاني عشر : حسن موثق ، والحرف عبارة عن الكلمة والكلام.

الحديث الثالث عشر : موثق.

وذؤابة كل شيء أعلاه ، وأصله الهمزة قلبت واوا والمراد هنا قبضته أو ما يعلق من قبضته ويجعل فيه بعض الضروريات ، تشبيها بذؤابة المرأة « فما خرج منها » أي لم يظهر للناس « منها حرفان » أي جزءان من ألف جزء أو من ألف ألف جزء.

الحديث الرابع عشر : مجهول.

وفي القاموس : بئر غرس ، في المدينة ، ومنه الحديث في غرس عين من عيون الجنة ، وغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، انتهى.

__________________

(١) في نسخة : « بحكمته تعالى ».


حد محدود قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام إذا مت فاستق ست قرب من ماء بئر غرس فغسلني وكفني وحنطني فإذا فرغت من غسلي وكفني فخذ بجوامع كفني وأجلسني ثم سلني عما شئت فو الله لا تسألني عن شيء إلا أجبتك فيه.

______________________________________________________

والجوامع جمع الجامعة وهي المواضع التي جمعت طرفي الثوب الملفوف على شيء. وفي بعض الروايات بمجامع كفني بهذا المعنى « ثم سلني » هذا السؤال والجواب إما على الحقيقة بإعادة الروح إلى جسده المقدس أو على المجاز باتصال روحاني بين روحيهما المقدسين وانتقاش أحدهما من الآخر كالمرءاتين المتقابلتين ، أو على نحو آخر لا تصل إليه عقولنا القاصرة.

قال الغزالي في رسالة العلم اللدني : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدخل لسانه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم ، وفتح لي كل باب ألف وقال أيضا : لو ثنيت لي الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم ولأهل الفرقان بفرقانهم ، وهذه المرتبة لا تنال بمجرد التعلم بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوة العلم اللدني ، وكذا قال عليه‌السلام لما حكى عن عهد موسى عليه‌السلام : إن شرح كتابه كان أربعين وقرأ ، قال الغزالي : وهذه الكثرة والسعة والانفتاح في العلم لا يكون إلا من لدن إلهي سماوي ، انتهى.

لا يقال : قد مر في الأخبار أنه لم يخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدنيا إلا وعلي عليه‌السلام علم جميع علمه ، فهذا أي علم؟

لأنا نقول : يحتمل أن يكون المراد بجميع علمه ما تحتاج الأمة إليه من أمور الدين والدنيا ويكون هذا غيره ، أو يكون المراد بالموت ما يشمل ما يقرب منه من الأزمان ، أو يراد به الموت بعد هذه الحياة ، مع أنه يمكن أن تكون هذه العلوم لم تكن له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حال حياته بل مما أفيض عليه بعد قطع تعلقه عن العلائق الجسمانية واتصاله بعالم القدس بالكلية كما مر أنه يفاض عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله علم ما يحدث بالليل والنهار للأئمة عليهم‌السلام ، والله يعلم غرائب أسرارهم وأحوالهم.


٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن ابن أبي سعيد ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما حضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الموت دخل عليه علي عليه‌السلام فأدخل رأسه ثم قال يا علي إذا أنا مت فغسلني وكفني ثم أقعدني وسلني واكتب.

٩ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي ، عن يونس بن رباط قال دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له كامل جعلت فداك حديث رواه فلان فقال اذكره فقال حدثني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حدث عليا عليه‌السلام بألف باب يوم توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل باب يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب فقال لقد كان ذلك قلت جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم فقال يا كامل باب أو بابان فقلت له جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف

______________________________________________________

الحديث الخامس عشر : ضعيف.

« فأدخل رأسه » الضميران في أدخل وفي رأسه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي أدخل رأسه تحت الإزار لئلا يواجهه بإخبار موته التي كان يعلم أنه أصعب الأمور عليه ، أو ضمير أدخل للرسول وضمير رأسه لعلي عليه‌السلام أي أدخل رأس على تحت لحافه ليودعه الأسرار كما يدل عليه غيره من الأخبار ، أو الضميران لعلي عليه‌السلام والأوسط أظهر كما روى الصدوق في الخصال بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جلل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام ثوبا ثم علمه ، وذلك ما يقال أنه علمه ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة.

الحديث السادس عشر : ضعيف.

« باب أو بابان » : قال المحدث الأسترآبادي (ره) : ليس من باب شك الراوي فالمقصود ثم باب ووقع الشروع في الآخر ، انتهى ، والحاصل أنه إذا كان بابا وكسرا فيجوز إسقاط الكسر فيكون بابا أو إتمامه فيكون بابين كما هو الشائع عند المنجمين والمحاسبين في الكسور.

« من فضلكم » قيل : أي من علمكم ، والظاهر أن الراوي توهم أن ما حدث


باب إلا باب أو بابان قال فقال وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلا ألفا غير معطوفة.

______________________________________________________

به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم عليا عليه‌السلام كان فضل أهل البيت عليهم‌السلام ، أو أن انتشار الفضل بنسبة انتشار سائر العلوم ، فبين عليه‌السلام أن انتشار الفضل أقل من انتشار سائر العلوم لقصور عقل أكثر الخلق عن فهمها ، بل لم ينتشر من فضائلهم بين الناس إلا أقل من جزء من ألف ألف جزء.

قوله عليه‌السلام : إلا ألفا غير معطوفة ، يعني إلا حرفا واحدا ناقصا أي أقل من حرف واحد ، وإنما اختار الألف لأنها أول الحروف من حروف التهجي وأبسطها وأخفها مؤنة في الكتاب والتكلم وعدم عطفها كناية عن نقصانها فإنها تكتب في رسم الخط الكوفي القديم هكذا فإذا كان طرفها غير مائل كانت ناقصة ، هذا هو المعنى الحق المسموع عن المشايخ الكبار قدس الله أرواحهم.

وقال المحدث الأسترآبادي (ره) احتراز عن الهمزة كناية عن الوحدة ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ألف منقوشة ليس قبلها صفرا وغيره ، انتهى.

ومن حمل الفضل فيما مر على العلم توهم المنافاة بين باب أو بابين ، وبين الحرف الناقص الدال على عدم إتمام باب واحد ، فتصدى لدفع ذلك بحمل البابين على أبواب الفروع ، وهذا على باب من أبواب الأصول وقد عرفت ضعف مبنى الاعتراض ، وربما يقرأ لذلك ألفا بسكون اللام أي بابا واحدا ينحل إلى ألف ، فالمراد بقوله : غير معطوفة أنه لم يعطف عليه شيء آخر.

وأقول : على هذا يمكن أن يكون بناء الأول على الظهور في الجملة ، والثاني على الظهور التام ، أو الأول على الخواص ، والثاني على سائر الشيعة.


باب

الإشارة والنص على الحسن بن علي عليهما‌السلام

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة ، عن أبان ، عن سليم بن قيس قال شهدت وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه‌السلام وأشهد على وصيته الحسين عليه‌السلام ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن عليه‌السلام يا بني أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودفع إلي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين عليه‌السلام ثم أقبل على ابنه الحسين عليه‌السلام فقال وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعها إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد علي بن الحسين عليه‌السلام ثم قال لعلي بن الحسين ـ وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي وأقرئه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومني السلام.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن

______________________________________________________

باب الإشارة والنص على الحسن بن علي عليهما‌السلام

الحديث الأول حسن على الظاهر ، بل صحيح.

إذ كتاب سليم مقبول عند القدماء ، اعتمد عليه الكليني والصدوق وغيرهما ، وهم أعرف بأحوال الرجال ممن تأخر عنهم ، والكتاب معروض على الباقر عليه‌السلام وهو عندنا موجود.

والمراد بالكتاب الجنس ، أي جميع ما في الجفر الأبيض من الكتب ، وكذا المراد بالسلاح جميع ما في الجفر الأحمر من الأسلحة « أن تدفعها » أي الكتب والسلاح و « اقرأ » من باب منع أو الأفعال.

الحديث الثاني : ضعيف


أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما حضره الذي حضره قال لابنه الحسن ادن مني حتى أسر إليك ما أسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلي وأئتمنك على ما ائتمنني عليه ففعل.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال حدثني الأجلح وسلمة بن كهيل وداود بن أبي يزيد وزيد اليمامي قالوا حدثنا شهر بن حوشب أن عليا عليه‌السلام حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصية فلما رجع الحسن عليه‌السلام دفعتها إليه.

٤ ـ وفي نسخة الصفواني أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف ، عن أبي بكر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن عليا صلوات الله عليه حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصية فلما رجع الحسن دفعتها إليه.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أوصى أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الحسن وأشهد على وصيته الحسين عليه‌السلام ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ثم قال لابنه الحسن يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله ودفع إلي

______________________________________________________

والأسرار إبداع السر.

الحديث الثالث : مجهول.

« كتبه » لعل المراد بعض الكتب ، والمراد بالوصية الصحيفة المختومة التي نزلت من السماء وقد مر ذكرها ، « وفي نسخة الصفواني » أي الخبر الآتي كان في نسخة الصفواني ولم يكن في نسخة النعماني وغيرها.

الحديث الرابع حسن.

الحديث الخامس : ضعيف


كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين ثم أقبل على ابنه الحسين وقال أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعه إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين ثم قال لعلي بن الحسين يا بني وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعه إلى ابنك محمد بن علي وأقرئه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومني السلام ثم أقبل على ابنه الحسن فقال يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم.

٦ ـ الحسين بن الحسن الحسني رفعه ومحمد بن الحسن ، عن إبراهيم بن إسحاق

______________________________________________________

« أنت ولي الأمر » أي أمر الخلافة والإمامة « وولي الدم » أي إليك اختيار القصاص.

« فلك » أي فهو جائز لك « فضربة » مبتدأ خبره الظرف ، أو خبر مبتدإ محذوف ، أي فالواجب ضربة والظرف نعته « ولا تأثم » إما نهي أو نفي ، فعلى الأول أي لا تفعل ما يوجب الإثم ـ بالمثلثة ـ بالقاتل أو الزيادة على الضربة الواحدة ، أو قتل غير القاتل كما كان شائعا بين العرب ، لا سيما في الأمراء فإنهم قد كانوا يقتلون بواحد قبيلة ، ويؤيده ما رواه السيد رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة حيث قال في كلام له يوصي به الحسنين عليهما‌السلام : يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون : قتل أمير المؤمنين! ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي ، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا يمثل الرجل ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، والنهي لتعليم الأمة فإن الحسنين عليهما‌السلام كانا مستغنيين عن ذلك ، وعلى الثاني المعنى لا تأثم بالضربة لأنه قصاص ، أو بالزيادة فإنه مستحق لها وهما بعيدان ، ويمكن أن يقرأ على الأول لا تأثم نهيا من باب التفعل أي لا تزد فتكون عند الناس منسوبا إلى الإثم.

الحديث السادس مرسل ، وروى الرضي رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة بعضه.


الأحمري رفعه قال لما ضرب أمير المؤمنين عليه‌السلام حف به العواد وقيل له يا أمير المؤمنين أوص فقال اثنوا لي وسادة ثم قال الحمد لله حق قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب ولا إله إلا الله الواحد الأحد « الصَّمَدُ » كما انتسب أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر والأجل مساق النفس إليه والهرب منه موافاته كم

______________________________________________________

« حف به » أي أحاط ، والعواد جمع عائد وهم الزائرون للمريض « أثنوا لي وسادة » يقال ثنى الشيء كسمع أي رد بعضه على بعض ، والوسادة بالكسر ما يتكأ عليه في المجلس ، وتثنيها إما للجلوس عليها ليرتفع ويظهر للسامعين أو للاتكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس مستقلا « الحمد لله قدره » أي حمدا يكون حسب قدره (١) وكما هو أهله ، قائم مقام المفعول المطلق أو منصوب بنزع الخافض أي على قدره ، وقيل : يحتمل كونه مفعولا عند من لم يشترط كونه شريكا لعامله في الفاعل كما اختاره الرضي (ره) ، والقدر مصدر باب ضرب : التعظيم ، ومنه ما قدروا الله حق قدره ، انتهى.

« متبعين أمره » حال عن فاعل الحمد لأنه في قوة أحمده « كما أحب » أي حمدا يكون محبوبة وموافقا لرضاه « كما انتسب » أي كما نسب نفسه إليه في سورة التوحيد ، ولذا تسمى نسبة الرب « في قراره » متعلق بلاق « ما منه يفر » أي من الأمور المقدرة الحتمية كالموت كما قال تعالى : « قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ » (٢) واللقاء في مدة الفرار وهي الحياة الدنيا ، فإن الإنسان يفر من الموت ما دام حيا وإن كان تعبدا.

والأجل منتهى العمر ، وهو مبتدأ و « مساق النفس » مبتدأ ثان « وإليه » خبره والجملة خبر المبتدأ الأول ، وليس في النهج كلمة إليه ، فيحتمل أن يكون المراد بالأجل منتهى العمر ، والمساق بمعنى ما يساق إليه ، وأن يكون المراد به المدة المضروبة لبقاء الإنسان ، وبالمساق زمان السوق والهرب منه موافاته ، لأن الهرب إنما يكون بعلاج وحركة يفنى بهما بعض المدة ، وإفناء المدة هو الموافاة ، أو

__________________

(١) وفي المتن « حقّ قدره » وعليه يسقط ما ذكره الشارح (ره) من الاحتمالات.

(٢) سورة الجمعة : ٨.


أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه هيهات

______________________________________________________

المعنى أنه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل تدبير يدبره الإنسان يصير سببا لحصول ما يهرب منه كما أن كل دواء ومعالجة إذا صادف قرب مجيء الأجل كان مضرا بالبدن وإن كان بحيث إذا لم يصادفه كان نافعا مجربا عند الأطباء ، مع أن المرض والمزاج في كلتا الصورتين واحد ، بناء على إبطال أفعال الطبيعة ، وإن نفع الأدوية إنما هو فعل الله عند الدواء ، ومع قطع النظر عن ذلك إذا صادف الدواء الأجل يصير أحذق الأطباء جاهلا غافلا عما ينفع المريض ، فيعطيه ما يضره ، وإذا لم يصادف يلهم أجهل الأطباء بما ينفعه كما هو المجرب.

« كم أطردت الأيام » الطرد الإبعاد ، تقول : طردته أي نفيته عني والطريدة ما طردته من صيد وغيره ، وأطردت الرجل على صيغة الأفعال إذا أمرت بإخراجه ، وبحث عن الأمر كمنع أي فتش ، وقيل : الإطراد أدل على العز والقهر من الطرد.

وأقول في تأويله وجوه :

الأول : ما ذكره شراح النهج حيث قالوا : كأنه عليه‌السلام جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه ، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي وأي وقت يكون بعينه ، وفي أي أرض يكون يوما يوما ، فإذا لم أجده في يوم طردته واستقبلت يوما آخر فأبحث فيه أيضا فلا أعلم فأبعده وأطرده واستأنف يوما آخر وهكذا ، حتى وقع المقدر ، قالوا : وهكذا الكلام يدل على أنه عليه‌السلام لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلمه بذلك مجملا ، لأنه قد ثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : ستضرب على هذه وأشار إلى هامته (١) فتخضب منها هذه وأشار إلى لحيته ، وثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : أتعلم من أشقى الأولين؟ قال : نعم عاقر الناقة ، فقال له : أتعلم من أشقى الآخرين؟ قال : لا ، فقال : من يضرب هيهنا فتخضب هذه ، وكلام أمير المؤمنين يدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنه يموت من ضربته ألا تراه يقول : إن ثبتت الوطأة (٢) فذاك « إلخ » وقال بعضهم : ذلك البحث إما بالسؤال

__________________

(١) الهامّة : الرأس وسيأتي في كلام الشارح (ره) أيضا.

(٢) وفي المتن « أن تثبت الوطأة .... ».


علم مكنون أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئا ومحمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا تضيعوا

______________________________________________________

عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدة حياته أو بالفحص والتفرس من قرائن أحواله في سائر أوقاته مع الناس ، و « مكنون هذا الأمر » أي المستور من خصوصيات هذا الأمر ، والمستور الذي هو هذا الأمر ، فالمشار إليه شيء مستور متعلق بوفاته عليه‌السلام ، و « هيهات » أي بعد الاطلاع عليه ، فإنه علم مخزون ، ومن خواص المخزون ستره والمنع من أن يناله أحد.

الثاني : أن يكون المراد بهذا الأمر إخفاء الحق ومظلومية أهله وظهور الباطل وغلبة أصحابه وكثرة أعوانه ، لأنه عليه‌السلام سعى في أول الأمر في أخذ حقه غاية السعي فلم يتيسر وجرت أمور لم يكن يخطر ببال أحد وقوع مثله ، وفي آخر الأمر لما انتهى إليه وحصل له الأنصار والأعوان ، وجاهد في الله حق الجهاد ، وغلب على المنافقين سنحت فتنة التحكيم التي كانت من غرائب الأمور ، ثم بعد ذلك لما جمع العساكر وأعاد الخروج إليهم وقعت الطامة الكبرى ، فالمراد بالمكنون سر ذلك وسببه ، فظهر لي وأبى الله إلا إخفائه عنكم لضعف عقولكم عن فهمه ، إذ هي من غوامض مسائل القضاء والقدر.

الثالث : ما ذكره بعض أفاضل المعاصرين حيث قرأ أطردت على صيغة المعلوم من باب الأفعال يقال : أطرد الشيء إذا تبع بعضه بعضا وجرى ، والأنهار أطردت أي جرت ، وقال : وهذا الأمر إشارة إلى الأجل ومكنونه لمه وسره من المصالح التي جعل الله الآجال كلا في وقته بسببها ، وهو مخالف لما هو المضبوط في نسخ نهج البلاغة فإن أطردت فيها على نسخة المتكلم من باب الأفعال ، والأوسط أحسن الوجوه.

وفي النهج « علم مخزون (١) » ومحمدا منصوب بالإغراء بتقدير ألزموا والفاء للتفريع وفي النهج أما وصيتي فالله لا تشركوا به شيئا ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا تضيعوا سنته يقال : ضيع الشيء تضييعا أي أهمله ، وعمود الفسطاط والبيت : الخشبة التي يقوم بها ،

__________________

(١) أي بدل « علم مكنون ».


سنته أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل امرئ مجهوده وخفف عن الجهلة رب رحيم وإمام عليم ودين قويم.

______________________________________________________

والعمودان التوحيد والنبوة ، وإقامتهما الاعتقاد بهما والعمل بمقتضيات الإيمان بهما ، وقيل : المراد بهما الحسنان عليهما‌السلام ، وقيل : هما المراد بالمصباحين.

« وخلاكم ذم » أي سقط عنكم وأعذرتم فلا ذم عليكم « ما لم تشردوا » كتضربوا يقال : شرد البعير أي نفر وذهب في الأرض ، والغرض النهي عن التفرق واختلاف الكلمة أي لا ذم يلحقكم ما دمتم متفقين في أمر الدين متمسكين بحبل الأئمة الطاهرين أو المراد النهي عن الرجوع عن الدين وإقامة سننه ، وقرأ بعضهم ذم بالكسر أي مضى لكم ذمة وأمان ما لم تشردوا ، ولا يخفى بعده.

« حمل كل امرئ منكم مجهوده » في بعض نسخ النهج « حمل » على صيغة الماضي المجهول من باب التفعيل ، ورفع كلمة « كل » وفي بعضها على المعلوم ونصب كل فالفاعل هو الله سبحانه ، وفي بعضها حمل كضرب على المعلوم ورفع كل والأول أظهر ، والمجهود مبلغ الوسع والطاقة « وخفف عن الجهلة » على بناء المجهول ولعله استدراك لما يتوهم من ظاهر الكلام من أنه سبحانه كلف كل أحد بما هو مبلغ طاقته ونهاية وسعه ، فبين عليه‌السلام أن التكليف على حسب العلم ، والجهال ليسوا بمكلفين بما كلف به العلماء وقد قال الله سبحانه : « إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ » (١) ويدل ظاهره على أن الجاهل معذور في أكثر الأحكام « رب رحيم » خبر مبتدإ محذوف ، أي ربكم رب رحيم ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، أي لكم رب رحيم ، وفي أكثر نسخ النهج خفف على بناء المعلوم ، فقوله : رب فاعله ، ولا يضر عطف الدين والإمام عليه لشيوع التجوز في الإسناد ، قال ابن أبي الحديد : ومن الناس من يجعل رب رحيم فاعل خفف على رواية من رواها فعلا معلوما ، وليس بمستحسن

__________________

(١) سورة النساء : ١٧.


أنا بالأمس صاحبكم وأنا اليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح

______________________________________________________

لأن عطف الدين عليه يقتضي أن يكون الدين أيضا مخففا وهذا لا يصح ، انتهى.

والمراد بالإمام الإمام في كل زمان ، ويحتمل شموله للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أيضا تغليبا ، وربما يخص بالرسول.

« أنا بالأمس صاحبكم » أي كنت صحيحا مثلكم نافذ الحكم فيكم ، أو صاحبكم الذي كنتم تعرفونني بقوتي وشجاعتي « واليوم عبرة لكم » العبرة بالكسر ما يتعظ به الإنسان ويعتبره ليستدل به على غيره ، والمعنى اليوم تعتبرون بإشرافي على الموت وضعفي عن الحراك بعد ما كنت أميرا لكم ، أتصرف في الأمور على حسب إرادتي أو بأن ترونني صريعا بينكم بعد قتل الأقران وصرع الإبطال « إن ثبت الوطأة » في بعض النسخ بصيغة الماضي ، والوطأة بالفتح موضع القدم ، والمرة من الوطء وهو الدوس بالرجل ، والمراد ثبات القدم بالبقاء في الدنيا بأن كان يؤدي الجرح إلى الهلاك ، ودحضت القدم كمنعت أي زلقت وزلت ، وهذا كناية عن الموت « فذاك المراد » أي مرادكم فإنه عليه‌السلام كان آنس بالموت من الطفل بثدي أمه ، أو مرادي لأنه صلوات الله عليه كان راضيا بقضاء الله تعالى ، فمع قضاء الله حياته لا يريد غير ما أراده سبحانه.

ثم الظاهر من سائر الأخبار أنه عليه‌السلام كان عالما بشهادته ووقتها وكان ينتظرها ويخبر بوقوعها ويستنبطها في الليلة التي وعدها ، ويقول : ما منع قاتلي؟ فهذا الكلام من قبيل تصوير العالم نفسه بصورة الشاك لبعض المصالح نحو قوله تعالى « أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ » (١).

والأفياء جمع فيء بالفتح وهو الظل الحادث منه بعد الزوال ، لأن أصله الرجوع « وذرى رياح » أي ما ذرته وجمعته ، شبه ما فيه الإنسان في الدنيا من الأمتعة والأموال بما ذرته الرياح في عدم ثباتها وقلة الانتفاع ، فإنها تجمعها ساعة وتفرقها أخرى ،

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٢.


وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها وعفا في الأرض محطها وإنما كنت

______________________________________________________

أو المراد محال ذروها ، كما أن في النهج ومهب رياح ، قال الفيروزآبادي : ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته وذرته أطارته وأذهبته ، وذرى هو بنفسه وذراوة النبت بالضم ما ارفتّ (١) من يابسه فطارت به الريح ، وما سقط من الطعام عند التذري ، وما ذرأ من الشيء كالذري بالضم ، انتهى.

واضمحل السحاب : تقشع ، والشيء ذهب وفنى ، والجو : ما بين السماء والأرض و « متلفقها » بكسر الفاء أي ما انضم واجتمع ، يقال : تلفق أي انضم والتأم ، ولفق الثوب كضرب أي ضم شقه إلى أخرى فخاطهما ، أو بفتح الفاء مصدرا ميميا ، وعفا أي درس وانمحى ولم يبق له أثر « ومخطها » في أكثر نسخ الكتاب وفي النهج بالخاء المعجمة وهو ما يحدث في الأرض من الخط الفاضل بين الظل والنور ، وانمحاؤها يستلزم انمحاء الظل ، والمخط الأثر والعلامة يقال : خط في الأرض كمد خطأ أي أعلم علامة ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي محط ظلها ، والضميران في متلفقها ومخطها راجعان إلى الغمامة ، وقيل : الضمير في متلفقها راجع إلى الغمامة وفي مخطها إلى ذرى الرياح ، لأن العلامة إنما تحصل من هبوب الرياح ولا يخفى بعده.

والحاصل أني إن مت فلا عجب فإنا كنا في أمور فانية شبيهة بتلك الأمور ، أو لا أبالي فإني كنت في الدنيا غير متعلق بها كمن كان في تلك الأمور ، وفيه حث أيضا للقوم على الزهد في الدنيا وترك الرغبة في زخارفها ، وقيل : أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر الأربعة ، وبالأفياء تركيبها المعرض للزوال ، وبالرياح الأرواح ، وبذراها الأبدان الفائضة هي عليها بالجود الإلهي ، وبالغمامة الأسباب القوية من الحركات السماوية والاتصالات الكوكبية ، والأرزاق المفاضة على الإنسان في هذا العالم التي هي سبب بقائه ، وكنى باضمحلال متلفقها في الجو عن تفرق تلك الأسباب وزوالها ، وبعفاء مخطها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان.

__________________

(١) ارفتّ : انكسر. اندقّ.


جارا جاوركم بدني أياما وستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حركة وكاظمة بعد نطق ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي فإنه أوعظ لكم من الناطق

______________________________________________________

قوله : كنت جارا ، أي مجاورا جاوركم بدني ، إنما خص المجاورة بالبدن لأنها من خواص الأجسام ، أو لأن روحه صلوات الله عليه كانت معلقة بالملأ الأعلى وهو بعد في هذه الدنيا كما قال عليه‌السلام في وصف إخوانه الذين تأوه شوقا إلى لقائهم : كانوا في الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى « وستعقبون » على بناء المفعول من الأعقاب وهو إعطاء شيء بعد شيء ، ويقال : أكل أكلة أعقبه سقما أي أورثه ، والحاصل : يبقى فيكم بعد رحلتي ، وجثة الإنسان بالضم شخصه وجسده « خلاء » أي خالية من الروح والحواس « بعد حركة » في النهج : بعد حراك ، كسحاب بمعناها « وكاظمة بعد نطق » قال الفيروزآبادي كظم غيظه رده والباب أغلقه وكظم كعني كظوما سكت ، وقوم كظم كركع ساكنون ، وفي النهج : وصامتة بعد نطوق.

« ليعظكم » بكسر اللام والنصب كما ضبط في أكثر نسخ النهج ، ويحتمل الجزم لكونه أمرا ، وفتح اللام والرفع أيضا ، وهدأ كمنع هداء وهدوءا بالضم ، أي سكن ، وهدؤى ، في بعض نسخ النهج بالهمزة على الأصل ، وفي بعضها بتشديد الواو بقلب الهمزة واوا ، وفي الصحاح خفت الصوت خفوتا سكن ولهذا قيل للميت خفت إذا انقطع كلامه وسكت ، و « إطراقي » إما بكسر الهمزة كما هو المضبوط في النهج من أطرق إطراقا أي أرخى عينيه إلى الأرض ، كناية عن عدم تحريك الأجفان ، أو بفتحها جمع طرق بالكسر بمعنى القوة كما ذكره الفيروزآبادي ، أو بالفتح وهو الضرب بالمطرقة ، وقيل : جمع طرقة بالفتح أي صنائع الكلام ، يقال : هذه طرقته أي صنعته والأول أظهر وأضبط.

والأطراف جمع طرف بالتحريك كجمل وإجمال والمراد بها الأعضاء والجوارح كاليدين والرجلين أو جمع الطرف بالتسكين وهو تحريك العين والجفن ، إلا أن جمعه لم يثبت إلا عند القتيبي ، وقال الزمخشري : الطرف لا يثني ولا يجمع لأنه مصدر ، وكذا ذكره الجوهري.


البليغ ودعتكم وداع مرصد للتلاقي غدا ترون أيامي ويكشف الله عز وجل عن

______________________________________________________

« ودعتكم » على صيغة المتكلم من باب التفعيل ، « وداع » بالفتح اسم من قولهم ودعته توديعا ، وأما الوداع بالكسر فهو الاسم من قولك وادعته موادعة أي صالحته ، وهو منصوب بالمصدرية ، وفي أكثر نسخ النهج : وداعيكم وداع ، بإضافة وداعي إلى ضمير المفعول ، أي وداعي إياكم وتجوز في مثله الفصل والوصل ، و « وداع » مرفوع بالخبرية ، ورصدته : إذا قعدت له على طريقه تترقبه وأرصدت له العقوبة إذا أعددتها له وحقيقتها جعلتها على طريقه كالمترقبة له ، و « مرصد » في بعض نسخ النهج على صيغة اسم المفعول فالفاعل هو الله تعالى أو نفسه عليه‌السلام كأنه أعد نفسه بالتوطين للتلافي ، وفي بعضها على صيغة اسم الفاعل ، فالمفعول نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو ما ينبغي إعداده وتهيئة ، ويوم التلاقي يوم القيامة ويحتمل شموله للرجعة أيضا.

« غدا » أي زمان مفارقتي إياكم وهو ظرف للأفعال الآتية أي بعد أن أفارقكم ويتولى بنو أمية وغيرهم أمركم « ترون » وتعرفون فضل أيام خلافتي وإني كنت على الحق ويكشف الله لكم أني ما أردت في حروبي وسائر ما أمرتكم به إلا وجه الله عز وجل ، وتعرفون عدلي وقدري بعد قيام غيري مقامي بالأمارة.

قيل : والسر فيه أن الكمل إنما يعرف قدرهم بعد فقدهم إذ مع شهودهم لا يخلو من يعرفهم عن حسد منه لهم ، فكمال قدرهم مخبوء عن عين بصيرته لغشاوة حسده التي عليها « ويكشف الله عن سرائري » لأن بالموت ينكشف بعض ما يستره الإنسان عن الناس من حسناته المتعدية إليهم.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بقوله : غدا أيام الرجعة ويوم القيامة فإن فيهما تظهر شوكتهم ورفعتهم ونفاذ حكمهم في عالم الملك والملكوت ، فهو عليه‌السلام في الرجعة ولي انتقام العصاة والكفار ، وتمكين المتقين والأخيار في الأصقاع والأقطار وفي القيامة ولي الحساب وقسيم الجنة والنار وغير ذلك مما يظهر من درجاتهم ومراتبهم السنية فيهما ، فالمراد بخلو مكانه خلو قبره عن جسده في الرجعة ، أو نزوله عن منبر


سرائري وتعرفوني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي إن أبق فأنا ولي دمي

______________________________________________________

الوسيلة وقيامه على شفير جهنم يقول للنار : خذي هذا واتركي هذا في القيامة.

وفي أكثر نسخ الكتاب : وقيامي غير مقامي ، وهو أنسب بالأخير ، وعلى الأول يحتاج إلى تكلف شديد ، كان يكون المراد قيامه عند الله تعالى في السماوات وتحت العرش وفي الجنان في الغرفات وفي دار السلام كما دلت عليه الروايات ، وفي نسخ النهج وفي بعض نسخ الكتاب : وقيامي غير مقامي ، فهو بالأول أنسب ، ويحتاج في الأخير إلى تكلف تام بأن يكون المراد بالغير القائم عليه‌السلام ، فإنه إمام الزمان في الرجعة وقيام الرسول مقامه للمخاصمة في القيامة.

ويخطر بالبال أيضا أنه يمكن الجمع بين المعنيين فيكون أسد وأفيد بأن يكون : ترون أيامي ، ويكشف الله عن سرائري ، في الرجعة والقيامة لاتصاله بقوله « وداع مرصد للتلاقي » وقوله عليه‌السلام : وتعرفوني ، كلاما آخر إشارة إلى ظهور قدره في الدنيا كما مر في المعنى الأول ، هذا أظهر الوجوه لا سيما على النسخة الأخيرة.

« إن أبق فأنا ولي دمي » صدق الشرطية لا يستلزم وقوع المقدم وقد مر الكلام فيه فلا ينافي ما مر من قوله : وغدا مفارقكم « فالفناء ميعادي » كما قال جل شأنه : « كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ » (١) وقال : « كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ » (٢) وفي بعض النسخ : العفو لي قربة ولكم حسنة ، فيحتمل أن يكون استحلالا من القوم كما هو الشائع عند الموادعة ، أي عفوكم عني سبب مزيد قربي وحسناتكم ، أو عفوي لكم قربة وعفوكم عني حسنة لكم ، فيكون طلب العفو على سبيل التواضع من غير أن يكون منه إليهم جناية ، وفي أكثر النسخ وإن أعف فالعفو لي قربة ، أي إن أعف عن قاتلي ، فقوله : ولكم حسنة أي عفوي لكم حسنة لصعوبة ذلك عليكم حيث تريدون التشفي منه وتصبرون على عفوي بعد القدرة على الانتقام ، أو عفوكم عمن فعل مثل ذلك لكم حسنة لا عفوكم من قاتلي ، فإنه لا يجوز وإن احتمل أن يكون قال ذلك على

__________________

(١) سورة الرحمن : ٢٧.

(٢) سورة القصص : ٨٨.


وإن أفن فالفناء ميعادي وإن أعف فالعفو لي قربة ولكم حسنة « فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا » ... « أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ » فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه إلى شقوة جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة أو تحل به بعد الموت نقمة فإنما نحن له وبه ثم أقبل على الحسن عليه‌السلام فقال يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم.

______________________________________________________

وجه المصلحة.

« فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا » أي عني على الوجه الأول أو عن غير قاتلي ممن له شركة في ذلك كما مر في رواية النهج : لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين ، أو عن جرائم إخوانكم وزلاتهم وظلمهم عليكم ، أو إذا جني عليكم بمثل هذه الجناية ، لئلا يناقض قوله عليه‌السلام : ضربة مكان ضربة ، مع أنه يحتمل أن يكون معناه إن لم تعفو فضربة ، لكن الأمر بالعفو عن مثل هذا الملعون بعيد.

« فيا لها حسرة » النداء للتعجب والمنادي محذوف وضمير لها مبهم ، وحسرة تميز للضمير المبهم ، نحو ربه رجلا ، وأن يكون خبر مبتدإ محذوف والتقدير لأن يكون ، أي يا قوم أدعوكم لأمر تتعجبون منه وهي الحسرة على ذي غفلة ، وهي كون العمر عليه حجة لتضييعه فيما لا يعنيه ، والشقوة بالكسر سوء العاقبة.

« ممن لا يقصر به » الباء للتعدية و « رغبة » فاعل لم يقصر ، وضمير « به » راجع إلى الموصول أي لا تجعله رغبة من رغبات النفس وشهوة من شهواتها قاصرا عن طاعة الله ، هذا هو الظاهر ، وقيل : رغبة تميز عن النسبة وضمير به راجع إلى الله أي ممن لا يقصر بتوفيق الله عن طاعة الله لأجل الرغبة عنها وهو بعيد ، وقد يتوهم تعلق عن طاعة الله بالرعية وهو أبعد « أو تحل » عطف على « يقصر » فينسحب عليه النفي ، والنقمة العقوبة والعذاب.

« فإنما نحن له وبه » أي لله ومملوكه ، ولا نفعل شيئا إلا بعونه أو الضمير للموت أي خلقنا للموت ونحن متلبسون به.


٧ ـ محمد بن يحيى ، عن علي بن الحسن ، عن علي بن إبراهيم العقيلي يرفعه قال قال لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين عليه‌السلام قال للحسن يا بني إذا أنا مت فاقتل ابن ملجم واحفر له في الكناسة ووصف العقيلي الموضع على باب طاق المحامل موضع الشواء والرؤاس ثم ارم به فيه فإنه واد من أودية جهنم.

باب

الإشارة والنص على الحسين بن علي عليهما‌السلام

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح قال الكليني وعدة من أصحابنا ، عن ابن زياد ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول لما حضر الحسن بن علي عليه‌السلام الوفاة قال للحسين عليه‌السلام يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها إذا أنا مت فهيئني ثم

______________________________________________________

الحديث السابع مرفوع ، والكناسة بالضم موضع بالكوفة وكذا طاق المحامل سوق أو محلة بها ، و « وصف » كلام علي بن الحسين والشواء بضم الشين وتشديد الواو جمع الشاوي وهم الذين يشوون اللحم ، وكذا الرؤاس بضم الراء وتشديد الهمزة جمع الرأس وهم الذين يطبخون الرؤوس أو يبيعونها ، ويحتمل فتح الشين والراء فيهما أي بياع الشواء والرؤوس وقد يقرأ الرواس بالواو ، ورده الجوهري حيث قال : يقال لبائع الرؤوس رءاس ، والعامة تقول : رواس « فإنه واد » لعله إنما صار من أودية جهنم لكونه مدفنا لذلك الخبيث عليه لعنة الله أبد الآبدين.

باب الإشارة والنص على الحسين بن علي صلوات الله عليهما

الحديث الأول : ضعيف.

« وقال الكليني » كلام تلامذته وهو في هذا الموضع غريب ، ولعل بكرا أيضا روي عن ابن الجهم أو عن ابن سليمان واحتمال إرسال الأول كما قيل بعيد ، وابن زياد هو سهل.


وجهني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به عهدا ثم اصرفني إلى أمي عليها‌السلام ثم ردني فادفني بالبقيع واعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله وعداوتها لنا أهل البيت فلما قبض الحسن عليه‌السلام ووضع على السرير ثم انطلقوا به إلى مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى عليه الحسين عليه‌السلام وحمل وأدخل إلى المسجد فلما أوقف على قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذهب ذو العوينين (١) إلى عائشة فقال لها إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجت مبادرة على بغل بسرج فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا فقالت نحوا ابنكم عن بيتي فإنه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه فقال لها

______________________________________________________

« ثم ردني » يدل على أن فاطمة عليها‌السلام ليست مدفونة بالبقيع ، ويمكن أن يستدل به على شرعية ما هو الشائع في هذه الأعصار في الروضات المقدسات من تزوير الأموات « ما يعلم الله والناس صنيعها » أي به ، أو ما يعلمه الله ، فصنيعها خبر مبتدإ محذوف ، والمراد بالصنيع الفعل القبيح ، في القاموس : صنع به صنيعا قبيحا فعله ، انتهى.

وفي بعض النسخ صنعها بهذا المعنى وفي بعضها « بغضها ».

« ثم انطلقوا » قرأ بعض الأفاضل ثم إشارة للمكان ، أي في بيته فقوله : انطلقوا جزاء « لما » ويحتمل أن يكون بالضم ويكون قوله فصلى جواب لما أدخل الفاء عليه للفاصلة ، وظاهره كون مصلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجا من المسجد ، ويمكن حمله على المسجد الذي كان في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو ما هو الآن مسقف ويصلي الناس فيه ، وهما متقاربان وذو العوينتين الجاسوس ، قال الجوهري : ذو العينتين الجاسوس ، ولا تقل ذو العوينتين ، وفي القاموس : وذو العينين الجاسوس ، انتهى.

وهذا الخبر يدل على أنه سيجيء بالواو أيضا ويمكن أن يكون عليه‌السلام تكلم باللغة الشائعة بينهم ، ويظهر من بعض الأخبار أنه كان مروان بن الحكم لعنه الله.

__________________

(١) الظاهر « ذو العوينين » كما في الشرح.


الحسين عليه‌السلام قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأدخلت عليه بيته من لا يحب قربه وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة.

٢ ـ محمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن بعض أصحابنا ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما حضرت الحسن بن علي عليه‌السلام الوفاة قال يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد عليهم‌السلام فقال الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني قال ادع لي محمد بن علي فأتيته فلما دخلت عليه قال هل حدث إلا خير قلت أجب أبا محمد فعجل على شسع نعله فلم يسوه وخرج معي يعدو فلما قام بين يديه سلم

______________________________________________________

قوله : قديما ، ظرف « هتكت » وهتكت الحجاب لإدخال أبي بكر وأبه بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير إذنه.

ثم اعلم أن ذكر الخبر في باب النص من جهتين « الأولى » اشتماله على الوصية وقد مر في الأخبار أنها من علامات الإمام « والثانية » أنه عليه‌السلام صلى على أخيه وهي أيضا من علامات الإمامة كما سيأتي ، ولذا ذكره المصنف في هذا الباب ، ثم أن الخبر يدل على مرجوحية ركوب الفروج على السروج.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله : الله ورسوله وابن رسوله أعلم به مني ، أي لا تحتاج إلى أن أذهب وأرى أنت تعلم ذلك بعلومك الربانية ، ويحتمل أن يكون المراد بالنظر النظر الباطني لأنه كان من أصحاب الأسرار ، ولذا قال : أنت أعلم ، أي أنت أحرى بهذا النحو من العلم ومنكم أخذت ما عندي ، ويحتمل أن يكون أراد بقوله : مؤمنا ، ملك الموت ، فإنه كان يقف ويستأذن ، ويمكن أن يكون أتاه الملك بصورة بشر فسأل قنبرا ليعلم أنه يراه أم لا ، أو ليعلم أنه ملك الموت أم لا ، فجوابه أراد به أني لا أرى أحدا وأنت أعلم بما تقول ، وترى ما لا أرى ، وهذا مع بعده أشد انطباقا على ما بعده ، وعلى الأول السؤال كان ليبعثه لطلب محمد بن علي أي أخيه ابن الحنفية ، فلما لم يكن غيره بعثه « فعجل على شسع نعله » وفي بعض النسخ عن شسع أي صار تعجيله مانعا عن عقد شسع نعله ،


فقال له الحسن بن علي عليه‌السلام اجلس فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الأحياء كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى فإن ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض.

______________________________________________________

بل لم يعقده ، وعدا معي.

قوله عليه‌السلام « كلام » أي الوصية والنص على الخليفة « يحيي به الأموات » أي سبب لحياة الأموات بالجهل والضلالة بحياة العلم والإيمان إن قبلوا « ويموت به الأحياء » بالحياة الظاهرة أو بالحياة المعنوية أيضا إن لم يقبلوه ، وموتهم بكفرهم وجهلهم وضلالتهم ، فإن من لا ينتفع به غيره بل يضل غيره فهو في قوة الأموات بل أخس منهم ، أو المعنى أنه كلام يصير الإقرار به سببا للحياة الأبدي ، فالأموات أيضا أحياء به كما قال تعالى : « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » (١) وروى : المؤمن حي في الدارين « ويموت به الأحياء » أي بإنكاره يصير الأحياء بمنزلة الأموات ، وقيل : يحيي به الأموات أي أموات الجهل ويموت به الأحياء أي بالموت الإرادي عن لذات هذه النشأة الذي هو حياة أخروية في دار الدنيا.

« كونوا أوعية العلم » بالإقرار والتعلم منه « ومصابيح الهدى » بهداية غيركم فالأمر لغير الإمام ، ويحتمل شموله له بضبط العلم ومنعه عن غير أهله ، وهداية من يستحقه أو هو تحريص على استماع الوصية وقبولها ونشرها.

« فإن ضوء النهار ... اه » هذا رفع ودفع لما استقر في نفوس الجهلة من أن المتشعبين عن أصل واحد في الفضل سواء ، ولذا يستنكف بعض الأخوة عن متابعة بعضهم وكان الكفار يقولون للأنبياء إنما أنتم بشر مثلنا ، فأزال تلك الشبهة بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة ، فإن كله من الشمس لكن بعضه أضوء من بعض ، كأول الفجر ووقت طلوع الشمس ووقت الزوال وهكذا ، فباختلاف الاستعدادات والقابليات تختلف إفاضة الأنوار على المواد ، ولا مدخلية للانشعاب من أصل واحد ،

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٩.


أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيم عليه‌السلام أئمة وفضل بعضهم على بعض وآتى « داوُدَ زَبُوراً » وقد علمت بما استأثر به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله يا محمد بن علي إني أخاف عليك الحسد وإنما وصف الله به الكافرين فقال الله عز وجل : « كُفَّاراً حَسَداً

______________________________________________________

كذا خطر بالبال وقيل : أي لا تستنكفوا من التعلم وإن كنتم علماء ، فإن فوق كل ذي علم عليم.

وقيل : هذا بيان لما سبق بتشبيه المصدق للإمام بالظل في النهار ، والإمام بالضحى فإن كليهما ضوء والأول مستضيء بالثاني ، وخارج من الظلمات إلى النور ، والثاني أضوء من الأول.

« أما علمت » تمثيل لما ذكر سابقا وتقرير له ، وتنبيه على أنه كما كان بين أولاد الخليل عليه‌السلام تفاوت في العلم والفضل حتى صار الأفضل مستحقا للخلافة ، وكان بين المستحقين لها أيضا تفاوت في الفضل ، فكذا بين أولاد سيد الأوصياء أيضا تفاوت فيه حتى صار بعضهم مستحقا للإمامة دون بعض.

وقوله : جعل ولد إبراهيم أئمة ، إشارة إلى قوله تعالى : « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ ، وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » (١) وقوله : وفضل « إلخ » إشارة إلى قوله سبحانه : « وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً » (٢).

« وقد علمت بما استأثر الله به (٣) » الباء لتقوية التعدية وليس « به » في إعلام الورى وهو أظهر ، والاستئثار التفضيل يعني قد علمت أن الله فضل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع خلقه بوفور علمه وعمله ومكارم أخلاقه ، لا بنسبة وحسبه وأنت تعلم أن الحسين عليه‌السلام أفضل منك بهذه الجهات « إني أخاف » في إعلام الورى إني لا أخاف وهو أظهر وأنسب بحال المخاطب بل المخاطب أيضا « كُفَّاراً حَسَداً » فالآية هكذا : « وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٣.

(٢) سورة الإسراء : ٥٥.

(٣) وفي المتن « استأثر » به


مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ » (١) ولم يجعل الله عز وجل للشيطان عليك سلطانا يا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك قال بلى قال سمعت أباك عليه‌السلام يقول يوم البصرة من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا ولدي يا محمد بن علي لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي عليه‌السلام بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً » لو يردونكم مفعول ود ، ولو بمعنى أن المصدرية أي أن يردوكم « كُفَّاراً » حال عن ضمير المخاطبين « حَسَداً » مفعول له لود « مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ » صفة لقوله : حسدا ، أي حسدا منبعثا من عند أنفسهم ، أو متعلق بود « مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ » بالمعجزات والنعوت المذكورة في كتبهم.

« ولم يجعل الله » جملة دعائية إنشائية أو خبرية ، والغرض قطع عذره أي ليس للشيطان عليك سلطان واستيلاء يجبرك على إنكار الحق ، فإن أنكرت فمن نفسك ، ولا ينافي ذلك قوله سبحانه : « إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ » (٢) لأن ذلك بجعل أنفسهم لا بجعل الله ، أو السلطان في الآية بمعنى لا يتحقق معه الجبر ، أو المعنى أنك من عباد الله الصالحين ، وقد قال الله تعالى : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ » (٣).

« فليبر محمدا » أي يحسن إليه ويكرمه ولا يدل على الطاعة حتى يتكلف بأن المراد الطاعة في هذا اليوم حيث أعطاه الراية وبعث معه جماعة من عسكره فكان عليهم أن يطيعوه.

« وعند الله جل اسمه » لعله عطف على قوله : من بعدي ، أي وإمام عند الله في الكتاب أي في اللوح أو في القرآن أو في الوصية المنزلة من السماء كما مر ، والعطف في قوله : ومفارقة روحي ، للتفسير وقوله : من بعدي تأكيد وتصريح باتصال الإمامة

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠٩.

(٢) سورة النحل : ١٠٠.

(٣) سورة الحجر : ٤٢.


أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه وأمه فعلم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله واختار محمد عليا عليه‌السلام واختارني علي عليه‌السلام بالإمامة واخترت أنا الحسين عليه‌السلام فقال له محمد بن علي أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه

______________________________________________________

بالوفاة ، وفيه تذكير لما سمعه من أبيه عليه‌السلام حين أحضره وسائر إخوته عند الوصية إلى الحسنين عليهما‌السلام ، وأشهدهم على ذلك وقد روي أنه نظر بعد الوصية إلى محمد بن الحنفية وقال له : هل حفظت ما أوصيت به إخوتك؟ قال : نعم ، قال : فإني أوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك.

وضمير « أضافها » للوراثة و « في » بمعنى إلى ، والحاصل أنه إمام مثبت إمامته في الكتاب ، وقد ذكر الله تعالى وراثته مع وراثة أبيه وأمه كما سبق في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحتمل أن تكون « في » للسببية أي أضاف الله تعالى الوراثة له بسبب وراثة أمه وأبيه وبتوسطهما أو بمعنى « مع » أي وراثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضيفت إلى وراثة أبيه وأمه ، إشارة إلى حضوره عند وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصية إليه على الخصوص ، وفي إعلام الورى وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصابها في وراثة أبيه وأمه.

« علم الله أنكم خيرة خلقه ... اه » والخيرة بالكسر وكعنبة المختار والاختيار للإمامة بأمر الله سبحانه.

« هذا الكلام » أي الكلام الدال على وفاتك أو المشعر بحسدي « ألا » بفتح الهمزة حرف استفتاح « وإن في رأسي كلاما » النسبة إلى الرأس إما إشارة إلى أنه حصل بالسماع أو إلى أن القوة الحافظة في الدماغ أو لأن الإبداء باللسان وتنوين « كلاما » للتعظيم وهو عبارة عما يدل على فضل الحسنين عليهما‌السلام ومناقبهما ، وشبهه بالماء لكثرته وغزارته ، وكونه سببا لحياة الأرواح كما أن الماء سبب لحياة الأبدان ، ونسبة النزف تخييلية ، والنزف : النزح ، تقول : نزفت ماء البئر نزفا إذا نزحت كله ، فهو كناية عن كثرته.


الدلاء ولا تغيره نغمة الرياح كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاءت به الرسل وإنه لكلام يكل به لسان

______________________________________________________

« ولا تغيره نغمة الرياح » كناية عن ثباته أو عذوبته ترشيحا للتشبيه السابق ، والنغمة : الصوت الخفي ، عبر بالرياح عن الشبهات التي تخرج من أفواه المخالفين الطاعنين في الحق ، كما قال تعالى : « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » (١) والمقصود أنه على كلام يقيني لا يتطرق إليه الشبه والشكوك « كالكتاب المعجم » اسم مفعول من باب الأفعال أي المختوم ، كناية عن أنه من الأسرار ، في القاموس : باب معجم كمكرم مقفل ، أو من قولهم : أعجمت الكتاب فهو معجم أي أزلت عجمته وهي عدم الإفصاح ، والتعجيم أيضا بهذا المعنى ، أي كالكتاب الذي أزيلت عجمته وعدم إفصاحه بالنقط والإعراب ، بحيث يكون المقصود منه واضحا عكس المعنى الأول ، أو من قولهم أعجمه إذا لم يفصحه لا لقصور فيه بل للطف معانيه وقصور أكثر العقول عن إدراكه فيرجع إلى الأول ، والرق بالفتح ويكسر : جلد رقيق يكتب فيه والصحيفة البيضاء ، ويقال : نمنمه أي زخرفه ورقشة ، والنبت المنمنم : الملتف المجتمع ، أي الرق المزين بولاء الأئمة وسائر المعارف ، أو المشتمل على العلوم الجمة ، وفي بعض النسخ المنهم بالهاء إما بفتح النون وتشديد الهاء المفتوحة من النهمة أي بلوغ الهمة في الشيء كناية عن كونه ممتلئا بحيث لم يبق شيء غير مكتوب ، أو سكون النون وفتح الهاء وتشديد الميم من قولهم إنهم البرد والشحم أي ذابا كناية عن إغلاقه وبعده عن الأفهام كأنه قد ذاب ومحي ، فلا يمكن قراءته إلا بعسر.

« أهم بأدائه » الضمير للكلام « بأدائه » بالفتح والتخفيف ، أي بأداء حقوق هذا الكلام ، قال الجوهري : أدى دينه تأدية أي قضاه ، والاسم الأداء ، وفي بعض النسخ بإبدائه أي إظهاره « فأجدني » من أفعال القلوب ، ومن خواصها جواز كون فاعلها ومفعولها واحدا « سبقت » على بناء المجهول « سبق » على صيغة الماضي والجملة استئنافية و « الكتاب المنزل » القرآن.

__________________

(١) سورة الصفّ : ٨.


الناطق ويد الكاتب حتى لا يجد قلما ويؤتوا بالقرطاس حمما فلا يبلغ إلى فضلك وكذلك يجزي الله المحسنين و « لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ » الحسين أعلمنا علما وأثقلنا حلما وأقربنا

______________________________________________________

وما خلت (١) أي مضت به الرسل سائر الكتب أو المراد بالكتاب الجنس ليشملها وما خلت به الرسل ما ذكره الأنبياء عليهم‌السلام ويمكن أن يقرأ « سبق » بصيغة المصدر مضافا إلى الكتاب ليكون مفعولا مطلقا للتشبيه ، والحاصل أني كلما أقصد أن أذكر شيئا مما في رأسي من فضائلك أو فضائلك ومناقب أخيك أجده مذكورا في كتاب الله وكتب الأنبياء وقيل : أي سبقني إليه أنت وأخوك لذكره في كتاب الله وكتب الأنبياء عليهم‌السلام و « أنه » أي ما في رأسي « حتى لا يجد » أي الكاتب « قلما ».

ويؤتى (٢) « على بناء المجهول والضمير للكاتب أيضا أو للذي يكتب له الكتاب ليقرأه وهو معطوف على لا يجد ، والحمم بضم الحاء وفتح الميم : جمع الحمة أي الفحمة يشبه بها الشيء الكثير السواد ، وضمير » يبلغ « للكاتب » ويحتمل القرطاس والأول أظهر.

والحاصل أنه كلام من كثرته يكل به يد الكاتب لكثرة الحركة حتى تفنى الأقلام فلا توجد لصرف كلها في الكتابة ، وحتى يؤتي أي الكاتب أو من يؤتي من جانب الكتاب بالقراطيس كلها مسودة مملوءة بفضائلك ، فلا يبلغ الكاتب الدرجة التي تستحقها من الفضائل والمناقب ، بل المكتوب قليل من كثير كما قال تعالى : « قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي » (٣) الآية وقد ورد أنهم كلمات الله.

« أعلمنا علما » قوله علما تميز للنسبة على المبالغة والتأكيد ، والحلم العقل أو الرزانة وعدم السرعة أي الطيش « قبل أن يخلق » أي بدنه الشريف كما روي أن أرواحهم المقدسة قبل تعلقها بأبدانهم المطهرة كانت عالمة بالعلوم اللدنية معلمة للملائكة ، وقيل : المعنى أنه كان في علم الله أنه يكون فقيها ولا يخفى بعده.

__________________

(١) سورة وفي المتن « ما جائت ».

(٢) وفي المتن « ويؤتوا » بصيغة الجمع.

(٣) سورة الكهف : ١٠٩.


من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحما كان فقيها قبل أن يخلق وقرأ الوحي قبل أن ينطق ولو علم الله في أحد خيرا ما اصطفى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما اختار الله محمدا واختار محمد عليا واختارك علي إماما واخترت الحسين سلمنا ورضينا من هو بغيره يرضى ومن غيره كنا نسلم به من مشكلات أمرنا.

٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن سهل ، عن محمد بن سليمان ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول لما احتضر الحسن بن علي عليه‌السلام قال للحسين يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به عهدا ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليها‌السلام ثم ردني فادفني بالبقيع واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعداوتها لنا أهل البيت فلما قبض الحسن عليه‌السلام ووضع على سريره فانطلقوا به إلى مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى

______________________________________________________

« قبل أن ينطق » أي بين الناس كما ورد أنه أبطأ عن الكلام أو مطلقا إشارة إلى علمه في عالم الأرواح وفي الرحم ، كالفقرة السابقة « من بغيره يرضى » الاستفهام للإنكار والظرف متعلق بما بعده ، وضمير يرضى راجع إلى من ، وفي بعض النسخ بالنون وهو لا يستقيم إلا بتقدير الباء في أول الكلام ، أي بمن بغيره ترضى ، وفي بعض النسخ من بعزة ترضى أي هو من بعزة وغلبته ترضى ، أو الموصول مفعول رضينا « ومن كنا نسلم به » هذا أيضا إما استفهام إنكار بتقدير غيره ، ونسلم إما بالتشديد فكلمة من تعليلية أو بالتخفيف أي نصير به سالما من الابتلاء بالمشكلات ، وعلى الاحتمال الأخير في الفقرة السابقة معطوف على الخبر أو على مفعول رضينا ويؤيد الأخير فيهما أن في إعلام الورى هكذا : رضينا بمن هو الرضا وبمن نسلم به من المشكلات.

الحديث الثالث : ضعيف.

« لما احتضر » على بناء المجهول أي أحضره الموت والحميراء تصغير الحمراء لقب عائشة « فصلي » على بناء المجهول ويحتمل المعلوم فالمرفوع راجع إلى الحسين


على الحسن عليه‌السلام فلما أن صلى عليه حمل فأدخل المسجد فلما أوقف على قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلغ عائشة الخبر وقيل لها إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله فخرجت مبادرة على بغل بسرج فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا فوقفت وقالت نحوا ابنكم عن بيتي فإنه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول الله حجابه فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله قربه وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليحدث به عهدا واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول

______________________________________________________

عليه‌السلام ، وكذا قوله : فلما أن صلى ، يحتمل الوجهين وأن زائدة لتأكيد الاتصال.

« وأعلم بتأويل كتابه » قيل : أفعل ليس هنا للتفضيل بل للتبعيد ، وقيل : المراد أعلم الناس بتأويل كتابه مكرها أن يهتك ، والحاصل أن وفور علمه مانع من ذلك ، وظاهره أنه لم يكن ذلك جائزا بالنسبة إلى الحسن عليه‌السلام أيضا ، ولعله على سبيل المصلحة إلزاما عليها لبيان سوء صنيعها في دفن الملعونين غير المأذونين ، وإشكال إثبات الفرق بين الفعلين ، وإلا فهو عليه‌السلام كان مأذونا في ذلك في حياته وبعد وفاته.

ويؤيده ما رواه الشيخ في مجالسه بأسانيد جمة عن ابن عباس قال : دخل الحسين بن علي عليهما‌السلام على أخيه الحسن بن علي عليه‌السلام في مرضه الذي توفي فيه فقال له : كيف تجدك يا أخي؟ قال : أجدني في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا ، واعلم أنه لا أسبق أجلي وإني وارد على أبي وجدي عليهما‌السلام على كره مني لفراقك وفراق إخوتك وفراق الأحبة وأستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه ، بل على محبة مني للقاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمي فاطمة عليها‌السلام ، وحمزة وجعفر عليهما‌السلام ، وفي الله عز وجل خلف من كل هالك ، وعزاء من كل مصيبة ، ودرك من كل ما فات ، رأيت يا أخي كبدي في الطشت ، ولقد عرفت من دهاني ومن أين أتيت فما أنت صانع به يا أخي؟ فقال الحسين عليه‌السلام أقتله والله ، قال : فلا


_______________________________________________________

أخبرك به أبدا حتى تلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن أكتب يا أخي : هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي ، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنه يعبده حق عبادته لا شريك له في الملك ، ولا ولي له من الذل وأنه خلق كل شيء فقدرة تقديرا ، وأنه أولى من عبد وأحق من حمد ، من أطاعه رشد ، ومن عصاه غوى ، ومن تاب إليه اهتدى ، فإني أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم ، وتكون لهم خلفا ووالدا وأن تدفنني مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإني أحق به وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال الله فيما أنزله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابه : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ » (١) فو الله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده فإن أبت عليك الامرأة فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز وجل منك والرحم الماسة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تهريق في محجمة من دم حتى نلقى رسول الله فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده ثم قبض عليه‌السلام.

قال ابن عباس : فدعاني الحسين بن علي عليهما‌السلام وعبد الله بن جعفر وعلي بن عبد الله بن العباس فقال : اغسلوا ابن عمكم فغسلناه وحنطناه وألبسناه أكفانه ثم خرجنا به حتى صلينا عليه في المسجد ، وإن الحسين عليه‌السلام أمر أن يفتح البيت فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان ، وقالوا : يدفن أمير المؤمنين الشهيد ظلما بالبقيع بشر مكان ، ويدفن الحسن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكون ذلك أبدا حتى تكسر السيوف بيننا وتنقصف الرماح (٢) وينفذ النبل ، فقال الحسين عليه‌السلام أم والله الذي حرم مكة ، للحسن بن علي بن فاطمة أحق برسول الله وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ، وهو والله أحق به من حمال الخطايا ،

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٢) انقصف : انكسر.


الله ستره لأن الله تبارك وتعالى يقول : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ

______________________________________________________

مسير أبي ذر (ره) الفاعل بعمار ما فعل ، وبعبد الله ما صنع ، الحامي الحمى المؤوي لطريد رسول الله ، لكنكم صرتم بعده الأمراء وتابعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء ، قال : فحملناه فأتينا به قبر أمه فاطمة عليها‌السلام فدفناه إلى جنبها رضي‌الله‌عنه وأرضاه.

قال ابن عباس : وكنت أول من انصرف فسمعت اللفظ وخفت أن يعجل الحسين على من قد أقبل ، ورأيت شخصا علمت الشر فيه فأقبلت مبادرا فإذا أنا بعائشة في أربعين راكبا على بغل مرحل (١) تقدمهم وتأمرهم بالقتال ، فلما رأتني قالت : إلى إلى يا ابن عباس لقد اجترأتم علي في الدنيا ، تؤذونني مرة بعد أخرى ، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحب ، فقلت : وا سوءتا! يوم على بغل ويوم على جمل ، تريدين أن تطفئ نور الله وتقاتلي أولياء الله وتحولي بين رسول الله وبين حبيبه أن يدفن معه؟ ارجعي فقد كفى الله عز وجل المؤنة ودفن الحسن عليه‌السلام إلى جنب أمه ، فلم يزدد من الله تعالى إلا قربا وما ازددتم منه والله إلا بعدا ، يا سوءتاه انصرفي فقد رأيت ما سرك! قال : فقطبت في وجهي (٢) ونادت بأعلى صوتها : أما نسيتم الجمل يا ابن عباس إنكم لذوو أحقاد ، فقلت : أم والله ما نسيت أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض؟ فانصرفت وهي تقول :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قر عينا بالأياب المسافر (٣)

أقول : وقد أوردت أمثاله في كتاب بحار الأنوار فهذه الأخبار تدل على أن في هذه الكلمات مصلحة وتورية بأن يكون المراد بهتك الستر المحاربة التي كانت

__________________

(١) أي بغل شدّ عليه الرحل.

(٢) قطب : زوّى ما بين عينيه وكلح ، والقطب ما يقال بالفارسية « أخم ».

(٣) قال ابن منظور : وألقى المسافر عصاه إذا بلغ موضعه وأقام ، لأنّه إذا بلغ ذلك ألقى عصاه فخيّم أو أقام وترك السفر ، ثمّ قال :

قال معقر بن حمار البارقي يصف امرأة كانت لا تستقرّ على زوج ، كلّما تزوجت رجلا فارقته واستبدلت آخر به ، وقال ابن سيدة : كلّما تزوّجها رجل لم تواته ولم تكشف عن رأسها ولم تلق خمارها ، كان ذلك علامة إبائها وأنّها لا تريد الزوج ثم تزوّجها رجل فرضيت به


إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ » (١) وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الرجال بغير إذنه وقد قال الله عز وجل « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ » (٢) ولعمري

______________________________________________________

تتوقع في ذلك عند ضريحه المقدس وعدم الإذن وعدم الجواز للاشتمال على المفسدة ، ومخالفة التقية التي أمر الرسول بها وأمثال ذلك من التورية والتأويل ، ويدل على عدم جواز دخول بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي دفن فيه لمن لا يعلم الإذن بل غيره من الأئمة المدفونين في بيوتهم إلا أن يقال : إذنهم في الزيارة من قرب بالهيئات المنقولة إذن في الدخول ، مع أنهم عليهم‌السلام رخصوا لشيعتهم في التصرف في أموالهم في حال غيبتهم ، ويدل على أن الآية شاملة لما بعد الوفاة أيضا أو يثبت ذلك بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا كما يومئ عليه‌السلام إليه آخرا.

والمراد بالرجال أبو بكر وعمر والحفارون والذين حملوهما ودفنوهما فيه ، وتسمية عمر فاروقا على التهكم ونسبته إلى أبي بكر للاتحاد الذي كان بينهما في الشقاوة والمعاونة في غصب حقوق أهل بيت العصمة ، وأنه كان وزيره ومشيرة أو لتسمية أبي بكر إياه فاروقا ونسبة الفعل إليهما ، لأن دفنهما كان بوصيتهما ورضاهما والاستدلال لقبح ضرب المعاول بالنهي عن رفع الصوت بالقياس بالطريق الأولى ، أو منصوص العلة ، إذ يظهر من الآية أن العلة في ذلك رعاية الأدب والإكرام والاحترام الذي يجب رعايته له ، فيدل على قبح رفع الصوت عند ضريحه المقدس بغير ضرورة بل رفع الصوت في الزيارة عنده وعند ضرائح الأئمة من أهل بيته بحيث يخرج عن الآداب ، لما ورد من أن حرمتهم واحدة وحقهم واحد.

__________________

وألقت خمارها وكشفت قناعها :

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

وقال ابن برى : هذا البيت لعبد ربه السلمي ويقال لسليم بن ثمامة الحنفي وكان هذا الشاعر سبر امرأة من اليمامة إلى كوفة ... ـ إلى أن قال ـ .... وقوله : فألقت عصاها واستقرّ بها النوى يضرب هذا مثلا لكلّ من وافقه شىء فأقام عليه.

(١) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٢) سورة الحجرات : ٣.


لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المعاول وقال الله عز وجل « إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى » (١) ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقربهما منه الأذى وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جائزا فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك.

______________________________________________________

قوله : عند إذن رسول الله ، أي ظاهرا وبحسب ما يراه الناس ورفعهم إلى السماء بعد ثلاثة أيام لا ينافي وجوب احترام مراقدهم ، مع أنه ذهب جماعة إلى أنهم بعد الرفع يرجعون أيضا إلى ضرائحهم المطهرة ، وسيأتي القول فيه مفصلا إنشاء الله تعالى.

« يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ » أي يحفظونها ولا يرفعونها بالصياح « امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى » أي جربها لها أو جربها بأنواع التكاليف لأجل التقوى ، فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز جيده من رديئه ، وسيأتي معاني التقوى ومراتبها في كتاب الإيمان والكفر إن شاء الله.

« إن الله حرم. اه » دفع بذلك ما ربما يتوهم من أن حرمة الدخول في بيته بغير إذنه أو رفع الصوت عنده لعلهما كانا في حال حياته ولا يشمل ما بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

« كرهتيه » الياء لإشباع الكسرة « وإن رغم معطسك » المعطس : الأنف ، وربما جاء بفتح الطاء والرغام بالفتح التراب ، يقال : رغم أنفه من باب علم أي ذل رغما بحركات الراء ورغم الله أنفه وأرغمه أي ألصقه بالرغام ، هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف من الخصم والانقياد على كره « يوما على بغل » نصب يوما بالجار والمجرور والظرف خبر مبتدإ محذوف بتقدير أنت ، أو نصبه بفعل محذوف بتقدير تركبين.

وروي أنه أنشد يومئذ ابن الحنفية أو ابن عباس هذا البيت

__________________

(١) سورة الحجرات : ٣.


قال ثم تكلم محمد بن الحنفية وقال يا عائشة يوما على بغل ويوما على جمل فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم قال فأقبلت عليه فقالت يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك فقال لها الحسين عليه‌السلام وأنى تبعدين محمدا من الفواطم فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وفاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت زائدة بن الأصم ابن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر قال فقالت عائشة للحسين عليه‌السلام نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون.

______________________________________________________

تجملت تبغلت

وإن عشت تفيلت

لك التسع من الثمن

وللكل تملكت

أو : وفي الكل تصرفت.

« فما تمليكن نفسك » إشارة إلى قوله تعالى : « إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي » (١) « وملك الأرض » عبارة عن الاستقرار في البيت المأمورة به في قوله تعالى : « وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ » (٢).

« عداوة » مفعول له « هؤلاء الفواطم » أي المنسوبون إلى فاطمة فالجمعية باعتبار المنسوب لا باعتبار المنسوب إليه ، فإنه يقال : للقرشي قريش فالفاطم بمنزلة الفاطمي جمع على الفواطم ، والمراد الفاطميون ، كذا خطر بالبال.

وقيل : المراد المنسوبون إلى الفواطم : فاطمة البتول والفواطم الآتية وهو أظهر لفظا ، لكنه بعيد عن السياق « يتكلمون » أي لهم أن يتكلموا لانتسابهم إليها « فما كلامك » أي أي شيء كلامك ولا وقع له « وأنى تبعدين » من الإبعاد أو التبعيد ، والاستفهام للإنكار ، وفاطمة الأولى زوجة عبد المطلب أم عبد الله وأبي طالب والزبير ، والثانية زوجة أبي طالب ، والثالثة زوجة هاشم أم عبد المطلب.

وفي القاموس : معيص كأمير : بطن من قريش « قَوْمٌ خَصِمُونَ » أي شديد

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٣.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣.


قال فمضى الحسين عليه‌السلام إلى قبر أمه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع.

باب

الإشارة والنص على علي بن الحسين صلوات الله عليهما

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين وأحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الحسين بن علي عليه‌السلام لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسين عليه‌السلام مبطونا معهم لا يرون إلا أنه لما به فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين عليه‌السلام ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد قال قلت ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك قال فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا والله إن فيه الحدود حتى إن فيه أرش الخدش.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لما حضر الحسين عليه‌السلام ما حضره دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرج فلما أن كان من أمر الحسين عليه‌السلام

______________________________________________________

الخصومة واللجاج « إلى قبر أمه » أي للزيارة وتجديد العهد كما مر.

باب الإشارة والنص على علي بن الحسين صلوات الله عليهما

الحديث الأول : ضعيف ، وهو جزء من خبر طويل مضى في باب ما نص الله ورسوله على الأئمة عليهم‌السلام ، يقال : خدش الجلد أي قشره بعود ونحوه ، والأرش : الدية.

الحديث الثاني : ضعيف.

« ما حضره » أي الشهادة « وصيته » إضافة إلى الفاعل ، أي ما أوصى إلى علي بن الحسين عليه‌السلام « ظاهرة » أي أعطاها بمحضر الناس ليشهدوا بكون السجاد وصيا وإماما


ماكان دفعت ذلك إلى علي بن الحسين عليه‌السلام قلت له فما فيه يرحمك الله فقال ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع أم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين عليه‌السلام دفعتها إليه.

وفي نسخة الصفواني :

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير ، عن فليح بن أبي بكر الشيباني قال والله إني لجالس عند علي بن الحسين وعنده ولده إذ جاءه جابر بن عبد الله الأنصاري فسلم عليه ثم أخذ بيد أبي جعفر عليه‌السلام فخلا به فقال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني أني سأدرك رجلا من أهل بيته يقال له محمد بن علي يكنى أبا جعفر فإذا أدركته فأقرئه مني السلام قال ومضى جابر ورجع أبو جعفر عليه‌السلام فجلس مع أبيه علي بن الحسين عليه‌السلام وإخوته فلما صلى المغرب قال علي بن الحسين لأبي جعفر عليه‌السلام أي شيء قال لك جابر بن عبد الله الأنصاري فقال قال إن

______________________________________________________

لكن كان الكتاب مدرجا مطويا ، وما في الكتاب مستورا عنهم ، قال الجوهري : أدرجت الكتاب والثوب طويته.

الحديث الثالث : حسن ، وهذه الوصية غير الوصية التي دفعها إلى فاطمة ولعلها كانت الوصية المختومة النازلة من السماء.

قوله : وفي نسخة الصفواني أي كان حديث فليح في نسخة الصفواني في هذا الباب ، مع أنه مناسب للباب الآتي.

الحديث الرابع : مجهول ، وفليح بضم الفاء وفتح اللام مجهول ، روي عن السجاد والباقر والصادق عليهم‌السلام.

« فخلا به » أي ذهب به إلى خلوة لم يكن فيه أحد غيرهما


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إنك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه محمد بن علي يكنى أبا جعفر فأقرئه مني السلام فقال له أبوه هنيئا لك يا بني ما خصك الله به من رسوله من بين أهل بيتك لا تطلع إخوتك على هذا « فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً » كما كادوا إخوة يوسف ليوسف عليه‌السلام.

باب

الإشارة والنص على أبي جعفر عليه‌السلام

١ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن أبي القاسم الكوفي ، عن محمد بن سهل ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن علي بن

______________________________________________________

« هنيئا لك » نصبه بتقدير ليكن هنيئا والهنيء ما ليس فيه مشقة من طعام وغيرها ، و « ما » موصولة محلها الرفع ، لأنها اسم ليكن « من أهل بيتك » متعلق بخصك « لا تطلع » على بناء الأفعال.

وكان ولد علي بن الحسين عليهما‌السلام أحد عشر ذكرا : محمد المكنى أبا جعفر الملقب بالباقر أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وزيد وعمر أمهما أم ولد ، وعبد الله والحسن والحسين أمهم أم ولد ، والحسين الأصغر ، وعبد الرحمن ، وسليمان لأم ولد ، وعلى وكان أصغر ولده لأم ولد ، ومحمد الأصغر أمه أم ولد.

باب الإشارة والنص على أبي جعفر عليه‌السلام

الحديث الأول : مجهول ، وفي النسخ الذي عندنا عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله والظاهر عن عبد الله إذ رواية الخلف الثالث لعلي بن الحسين عن أبي جعفر عليه‌السلام بعيد وتوهم أنه الجواد عليه‌السلام أبعد إذ إبراهيم لم يلقه فكيف من يروي عنه.

وفي بصائر الدرجات عن إبراهيم بن أبي البلاد عن عيسى بن عبد الله بن عمر عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : لما حضر علي بن الحسين عليهما‌السلام الموت أخرج السفط أو الصندوق عنده ... إلى آخر الخبر وهو الأظهر ، لا سيما بالنظر إلى آخر الخبر كما ستعرف.


الحسين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لما حضر علي بن الحسين عليه‌السلام الوفاة قبل ذلك أخرج سفطا أو صندوقا عنده فقال يا محمد احمل هذا الصندوق قال فحمل بين أربعة فلما توفي جاء إخوته يدعون ما في الصندوق فقالوا أعطنا نصيبنا في الصندوق فقال والله ما لكم فيه شيء ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلي وكان في الصندوق سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكتبه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن عمران بن موسى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عبد الله ، عن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده قال التفت علي بن الحسين عليه‌السلام إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده ثم التفت إلى محمد بن علي فقال يا محمد هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك قال أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءا علما.

٣ ـ محمد بن الحسن ، عن سهل ، عن محمد بن عيسى ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول إن عمر بن عبد العزيز

______________________________________________________

والسفط بالتحريك وعاء كالجوالق وكالقفة المعمولة من الخوص والشك من الراوي « بين أربعة » حال عن المفعول أي كان بين أربعة رجال أخذ كل رجل بقائمة من قوائمه الأربع والغرض بيان ثقله وكونه مملوء من الكتب والأسلحة « فلما توفي » إما كلام الباقر عليه‌السلام على سبيل الالتفات ، أو كلام الراوي ، وما في البصائر لا يحتاج إلى تكلف في هذا المقام ولا في قوله : وكان في الصندوق ، إذ الظاهر أنه كلام الإمام عليه‌السلام.

الحديث الثاني : مجهول ، وعيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وجده محمد هو الراوي ، قوله : كان مملوء علما ، أي كان أكثره العلم فلا ينافي ما مر.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

وعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم من خلفاء بني أمية وكان أقلهم شقاوة


كتب إلى ابن حزم أن يرسل إليه بصدقة علي وعمر وعثمان وإن ابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن وكان أكبرهم فسأله الصدقة فقال زيد إن الوالي كان بعد علي الحسن وبعد الحسن الحسين وبعد الحسين علي بن الحسين وبعد علي بن الحسين محمد بن علي فابعث إليه فبعث ابن حزم إلى أبي فأرسلني أبي بالكتاب إليه حتى دفعته إلى ابن حزم.

فقال له بعضنا يعرف هذا ولد الحسن قال نعم كما يعرفون أن هذا ليل ولكنهم يحملهم الحسد ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرا لهم ولكنهم يطلبون الدنيا.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عبد الكريم

______________________________________________________

وضررا على أهل البيت عليهم‌السلام ، وابن حزم هو محمد بن عمر بن حزم الأنصاري ولد في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة عشر بنجران وكان أبوه عامل النبي على نجران ذكره ابن الأثير في جامع الأصول ، قال : وكان محمد فقيها روى عن أبيه وعن عمرو بن العاص ، روى عنه جماعة من أهل المدينة ، انتهى.

وكأنه كان حينئذ والي المدينة ، والباء في قوله : « بصدقة » لتقوية التعدية أو للملابسة ، على أن يكون المراد أن يرسل شخصا بالصدقة ، والمراد بالصدقة دفتر الصدقات والأوقاف « وكان أكبرهم » أي أكبر بني علي سنا « فسأله الصدقة » أي دفتر صدقات أمير المؤمنين عليه‌السلام فقط ، وسأل دفتر أوقاف الملعونين من أولادهما.

قوله : إن الوالي ، وفي بعض النسخ الولي أي متولي تلك الصدقات ، أو المتولي لجميع الأمور المتعلقة بهم من الخلافة وتولية الأوقاف وغيرها ، فيكون ذكره للإضرار به عليه‌السلام سعاية إلى الخليفة ، كما روي عنه أمثاله وهذا أنسب بقوله : يعرف هذا ولد الحسن ، وعلى الأول يكون السؤال لما كان مشهورا بينهم من التلازم بين الأمرين ، وأن التولية مفوضة إلى إمام العصر ، أو كان لهم في التولية أيضا نزاع معهم عليهم‌السلام ، فعلى هذا لا يناسب الخبر هذا الباب.


ابن عمرو ، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم ثم ذكر مثله إلا أنه قال بعث ابن حزم إلى زيد بن الحسن وكان أكبر من أبي عليه‌السلام.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء مثله.

باب

الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق

صلوات الله عليهما

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي الصباح الكناني قال نظر أبو جعفر عليه‌السلام إلى أبي عبد الله عليه‌السلام يمشي فقال ترى هذا هذا من الذين قال الله عز وجل « وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ

______________________________________________________

قوله : أن هذا ليل ، يدل على أن الكلام كان في الليل « ولو طلبوا الحق » أي ما يدعونه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفع الظلم والبدع « بالحق » أي بالتوسل بالإمام والرجوع إليه وطاعته فيما يأمر في ذلك ، لا بادعاء الإمامة بغير حق وإنكار حق أهلها « لكان خيرا لهم » على سبيل المماشاة والتنزيل فإنه لم يكن خير فيما كانوا يفعلونه أصلا.

الحديث الرابع : ضعيف بالسند الأول ، موثق بالأخير.

باب الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليهما

الحديث الأول : ضعيف.

« ترى هذا » بتقدير الاستفهام « عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ » بالظلم عليهم وغصب حقوقهم « وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً » في الدين يقتدى بهم « وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » للأرض بعد الجبابرة في زمن القائم عليه‌السلام وفي الرجعة ، أو لعلوم الأنبياء والمرسلين ، وكان في جعل الأرض ظرفا للاستضعاف تنبيها على أن ضعفهم إنما هو ظاهرا في الأرض وهم


اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » (١)

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما حضرت أبي عليه‌السلام الوفاة قال يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا قلت جعلت فداك والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن المثنى ، عن سدير الصيرفي قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خلقه وخلقه وشمائله وإني لأعرف من ابني هذا شبه خلقي وخلقي وشمائلي يعني أبا عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

عظماء عند الله وفي السماء ، ذوو اقتدار في الباطن في جميع العوالم.

الحديث الثاني : صحيح.

« لأدعنهم » أي لا تركنهم والواو في « والرجل » للحال « فلا يسأل أحدا » أي المخالفين أو الأعم شيئا من العلم ، وقيل : من المال وهو بعيد ، والحاصل أني لا أرفع يدي عن تربيتهم حتى يصيروا علماء أغنياء لا يحتاجون إلى السؤال أو أخرج من بينهم ، وقد صاروا كذلك.

الحديث الثالث : حسن على الظاهر ، إذ الأظهر أنه هاشم بن المثنى الثقة ، وهشام مذكور في الرجال مجهول ، ولا يبعد أن يكون اشتبه على الشيخ في الرجال فذكره مرة هشاما ومرة هاشما ، فإنه كثيرا ما يذكر رجلا واحدا في رجاله مكررا كما لا يخفى على المتتبع ، والشبه بالكسر وبفتحتين المثل « خلقه » بالفتح أي في الطنية والاستعداد وقابلية الكمالات و « خلقه » بضم الخاء وسكون اللام وضمها أي الفضائل الباطنة كالعلم والتقوى والحلم ، والشمائل جمع شمال كسحاب أي الطبائع الظاهرة كالهيئة والصورة والقامة ، ولا ريب أن من كان في استعداداته وأخلاقه وفضائله وكمالاته مثل الإمام لا بد أن يكون إماما ، ولذا أورده في هذا الباب.

__________________

(١) سورة القصص : ٥.


٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن طاهر قال كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فأقبل جعفر عليه‌السلام فقال أبو جعفر عليه‌السلام هذا خير البرية أو أخير.

٥ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن يونس بن يعقوب ، عن طاهر قال كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فأقبل جعفر عليه‌السلام فقال أبو جعفر عليه‌السلام هذا خير البرية.

٦ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن فضيل بن عثمان ، عن طاهر قال كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه‌السلام فأقبل جعفر عليه‌السلام فقال أبو جعفر عليه‌السلام هذا خير البرية

______________________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

« وطاهر » ذكره الشيخ مرتين فذكره مرة أنه مولى أبي عبد الله ومرة أنه مولى أبي جعفر عليهما‌السلام ، والظاهر أنه أحدهما ، ويحتمل اتحادهما ، ولعله مشكور (١) لهذا الانتساب والاختصاص ، فيمكن أن يعد حديثه حسنا والترديد من الراوي ، والمراد بالبرية برية زمانه أو الأعم فيخص بالمعصومين بالعقل والنقل ، وفيه النص على الإمامة لأنه قد مر أن الزمان لا يخلو من إمام ولا يكون غير الإمام أفضل منه بالعقل والنقل والخير ضد الشر ، والأخير والأشر أصلان مرفوضان ، قال الجوهري : رجل خير وخير مشدد ومخفف وكذلك امرأة خيرة وخيرة ، وقال تعالى : « أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ » (٢) جمع خيرة وهي الفاضلة من كل شيء ، وقال : « فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ » (٣) قال الأخفش : أنه لما وصف به ، وقيل : فلان خير ، أشبه الصفات فأدخلوا فيه الهاء للمؤنث ولم يريدوا به أفعل ، فإن أردت معنى التفضيل قلت : فلانة خير الناس ولم تقل خيرة ، وفلان خير الناس ولم تقل أخير ، لا يثني ولا يجمع لأنه في معنى أفعل.

الحديث الخامس : مجهول.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) سورة التوبة : ٨٨.

(٣) سورة الرحمن : ٧٠.


٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سئل عن القائم عليه‌السلام فضرب بيده على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال هذا والله قائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال عنبسة فلما قبض أبو جعفر عليه‌السلام دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبرته بذلك فقال صدق جابر ثم قال لعلكم ترون أن ليس كل إمام هو القائم بعد الإمام الذي كان قبله.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن أبي عليه‌السلام استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال ادع لي شهودا فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه « يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » (١) وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع وأن يحل عنه أطماره عند دفنه ثم قال للشهود انصرفوا رحمكم الله

______________________________________________________

الحديث السابع : صحيح.

وقوله : قال عنبسة ، الظاهر أنه كلام هشام ويحتمل ابن محبوب لكنه بعيد « ترون » على المجهول أو المعلوم أي تظنون ، والقائم يطلق في الأخبار على المهدي القائم بالجهاد ، الخارج بالسيف ، وعلى كل إمام فإنه قائم بأمر الإمامة كما سيأتي في باب : أن الأئمة كلهم قائمون بأمر الله ، وغرضه عليه‌السلام بيان أن أبي سماني قائما بالمعنى الثاني لا الأول ، وفي الإبهام نوع مصلحة لعدم يأس الشيعة عن الفرج.

الحديث الثامن : مجهول.

« ما هناك » أي ما كان محفوظا عنده من الكتب والسلاح وآثار الأنبياء وودائعهم « فيهم نافع » أي منهم بتعميم قريش بحيث يشمل مواليهم أو معهم « كان يصلي فيه الجمعة » أي مع العامة تقية أو في الدار خفية « أربع أصابع » أي مفرجة « وأن يحل عنه » على بناء المجرد من باب نصر ، والإطمار جمع طمر بالكسر وهو الثوب الخلق ، والكساء البالي من غير صوف ، ذكره الفيروزآبادي ، وضمائر « عنه » و

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٢.


فقلت له يا أبت بعد ما انصرفوا ما كان في هذا بأن تشهد عليه فقال يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال إنه لم يوص إليه فأردت أن تكون لك الحجة.

باب

الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه‌السلام

١ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن عبد الله القلاء ، عن الفيض بن المختار قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام خذ بيدي من النار من لنا بعدك فدخل عليه أبو إبراهيم عليه‌السلام وهو يومئذ غلام فقال هذا صاحبكم فتمسك به.

______________________________________________________

« أطماره » و « دفنه » إما راجعة إلى جعفر عليه‌السلام أي يحل أزرار أثوابه عند إدخال أبيه القبر ، فإضافة الدفن إلى الضمير إضافة إلى الفاعل أو ضمير « دفنه » راجع إلى أبي جعفر عليه‌السلام إضافة إلى المفعول ، أو الضمائر راجعة إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، فالمراد حل عقد الأكفان ، وقيل : أمره بأن لا يدفنه مع ثيابه المخيطة.

« ما كان في هذا » « ما » نافية أي لم تكن لك حاجة في ذلك « بأن تشهد » أي إلى أن تشهد ، أو استفهامية أي أي فائدة في هذا أي الموصى به بأن يشهد عليه ، الباء للسببية والظرف متعلق بكان « تشهد » بصيغة الخطاب المعلوم أو بصيغة الغائب المجهول ، وفي إعلام الورى : ما كان لك في هذا وأن تشهد عليه « أن تغلب » على بناء المجهول أي في الإمامة فينكروا إمامتك ، فإن الوصية من علامات الإمامة كما مر ، أو فيما أوصي إليه مما يخالف العامة كتربيع القبر فيكون له في ذلك عذر ، ويقول كذا أوصى إلى أبي ، ويحتمل التعميم ليشملهما.

باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه‌السلام

الحديث الأول : ضعيف.

« من النار » لعله ضمن « خذ بيدي » معنى الإنقاذ فعدي بمن « هذا صاحبكم » أي إمامكم الذي يلزمكم أن تصحبوه أو هو أولى بكم من أنفسكم.


٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن ثبيت ، عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها فقال قد فعل الله ذلك قال قلت من هو جعلت فداك فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال هذا الراقد وهو غلام.

٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمد قال حدثني أبو علي الأرجاني الفارسي ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت عبد الرحمن في السنة التي أخذ فيها أبو الحسن الماضي عليه‌السلام فقلت له إن هذا الرجل قد صار في يد هذا وما ندري إلى ما يصير فهل بلغك عنه في أحد من ولده شيء فقال لي ما ظننت أن أحدا يسألني عن هذه المسألة دخلت على جعفر بن محمد في منزله فإذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر عليه‌السلام يؤمن على دعائه فقلت له جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك فمن ولي الناس بعدك

______________________________________________________

الحديث الثاني : حسن ، وثبيت هو ابن محمد ممدوح « الذي رزق أباك منك » من للسببية « هذه المنزلة » وهي سعادة أن يكون له ولد يشبه خلقه وخلقه وشمائله ويكون قابلا للإمامة وضمير « مثلها » للإمامة.

الحديث الثالث : مجهول.

والأرجاني بفتح الهمزة وتشديد الراء المكسورة نسبة إلى بلد بفارس ، الفارسي بكسر الراء لالتقاء الساكنين.

« إن هذا الرجل » أي الكاظم عليه‌السلام « في يد هذا » أي الرشيد لعنه الله « إلى ما يصير » ما استفهامية وإثبات ألفها مع حرف الجر شاذ و « في بيت » بالتنوين « كذا » كناية عما ذكره مفصلا من صفة البيت « يؤمن » على التفعيل أي يقول آمين « فمن ولي الناس » أي أولى بهم من أنفسهم.

ثم اعلم أن في الخبر إشكالا من جهة أن السؤال كان عن إمامة الإمام بعد


فقال إن موسى قد لبس الدرع وساوى عليه فقلت له لا أحتاج بعد هذا إلى شيء.

______________________________________________________

الكاظم عليه‌السلام ، والجواب تضمن النص عليه لا على من بعده؟

والجواب عنه من وجوه :

الأول : ما خطر ببالي وهو الأظهر عندي ، وهو أن غرض عبد الرحمن أن الكاظم هو القائم الذي هو آخر الأئمة ويغيب ، ثم يخرج بالسيف كما هو مذهب الواقفية ، واستدل عليه بقوله : قد لبس الدرع وساوى عليه ، فما قد بلغهم من الرواية المتقدمة أن قائمنا من إذا لبس الدرع ملاءها فلا يحتاج إلى السؤال عن الإمام بعده ، وقد أخطأ عبد الرحمن في الاستدلال ، إذ يمكن أن يكون للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم درعان أحدهما علامة الإمامة والأخرى علامة القائم ، أو يكون هذا من الأخبار البدائية ، ويحتمل أن يكون هذا من مخترعات الواقفية.

الثاني : ما ذكره المحدث الأسترآبادي حيث قال : كان في آخر هذا الحديث الشريف قصة إمامة الرضا عليه‌السلام فتركه المصنف لأن الباب معقود لغيرها.

الثالث : ما ذكره بعض الأفاضل أن فيه طريق استعلام حال الرضا عليه‌السلام ، وكناية الإشارة وحينئذ يصير الجواب مربوطا بالسؤال.

الرابع : ما ذكره بعض المعاصرين وهو أن مقصود عبد الرحمن أنك سمعت بعد سؤالك من أبي الحسن في الرضا عليه‌السلام مثل ما سمعته بعد سؤالي من أبي عبد الله عليه‌السلام في أبي الحسن ، فلا وجه لسؤالك ، وقال : المراد بالدرع لباس العلم والتقوى ونحوهما مما يدفع به ضرر إبليس وجنوده ، وفي الدعاء : اللهم ألبسني درعك الحصينة ، والمقصود في هذا الحديث استكمال شروط الإمامة ، أي ساوى أبو الحسن الدرع على نفسه فتطابقها وعلى هذا التقرير لا منافاة بينه وبين ما مر ، ولا يخفى بعده.

ثم اعلم أنه « فقلت » على بعض الوجوه المتقدمة كلام الأرجاني ، وعلى بعضها كلام عبد الرحمن فلا تغفل.


٤ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن موسى الصيقل ، عن المفضل بن عمر قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل أبو إبراهيم عليه‌السلام وهو غلام فقال استوص به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك.

٥ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال حدثني إسحاق بن جعفر قال كنت عند أبي يوما فسأله علي بن عمر بن علي فقال جعلت فداك إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك فقال إلى صاحب الثوبين الأصفرين والغديرتين يعني الذؤابتين وهو الطالع عليك من هذا الباب يفتح البابين بيده جميعا فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذة بالبابين ففتحهما ثم دخل علينا أبو إبراهيم.

______________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف.

« استوص به » أي أقبل وصيتي فيه فإني أوصيك برعايته والقول بإمامته ، قال في المغرب : في حديث الظهار استوص بابن عمك خيرا أي أقبل وصيتي فيه ، وانتصاب خيرا على المصدر ، أي استيصاء خير ، انتهى.

« وضع أمره » أي الإخبار بإمامته والنص عليه وهو أمر بالتقية.

الحديث الخامس : ضعيف ، وعلي بن عمر هو ابن علي بن الحسين عليه‌السلام.

« إلى من تفزع » أي تلجأ وتستغيث لحل المشكلات واستعلام مسائل الدين ، والغديرة بالفتح الذؤابة بالضم مهموزا وهي ما نبت في الصدغ من الشعر المسترسل ، و « يعني » كلام إسحاق أو غيره من الرواة « آخذة » بصيغة الفاعل حالا عن كل من الكفين أو يعدهما واحدا ، أو بصيغة المصدر مفعولا لأجله.

وفي إرشاد المفيد : آخذتان ، وهو أصوب « بالبابين » أي بمصراعي الباب ، والضمير في « فتحهما » للطالع ، والخبر مشتمل على الإعجاز أيضا ، وفي الإرشاد وأعلام الورى : حتى انفتحتا ودخل علينا أبو إبراهيم موسى بن جعفر وهو صبي وعليه ثوبان أصفران


٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال له منصور بن حازم بأبي أنت وأمي إن الأنفس يغدى عليها ويراح فإذا كان ذلك فمن فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا كان ذلك فهو صاحبكم وضرب بيده على منكب أبي الحسن عليه‌السلام الأيمن في ما أعلم وهو يومئذ خماسي وعبد الله بن جعفر جالس معنا.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له إن كان كون ولا أراني الله ذلك فبمن أئتم قال فأومأ إلى ابنه موسى عليه‌السلام قلت فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتم قال بولده قلت فإن حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن أئتم قال بولده ثم قال هكذا أبدا

______________________________________________________

الحديث السادس : حسن. « يغدى عليها ويراح » أي يأتيها الموت أو ملكه أو الأعم منه ومن سائر البلايا « غدوا ورواحا » وذكر الوقتين على المثال والمقصود كل وقت « فإذا كان ذلك » أي مجيء الموت إليك « فمن » أي فمن صاحبنا « فيما أعلم » أي فيما أظن والمقصود تجويز كون المضروب عليه غير منكبه الأيمن ، ويحتمل على بعد تعلق الشك بكونه عليه‌السلام خماسيا ، ويؤيده أن في إرشاد المفيد هكذا : وهو فيما أعلم يومئذ خماسي وهو أظهر.

والخماسي من قدس‌سره خمسة أشبار أو من سنة خمس سنين ، والأول أشهر قال في القاموس : غلام خماسي : طوله خمسة أشبار ، ولا يقال : سداسي ولا سباعي لأنه إذا بلغ خمسة أشبار فهو رجل ، انتهى.

وعبد الله هو الأفطح الذي ادعى الإمامة لنفسه بعد أبيه وتبعه الفطحية وذكره لبيان أنه مع سماعه هذا من أبيه اجترأ على هذا الدعوى الباطل.

الحديث السابع : مجهول ، وقد مضى في باب إثبات الإمامة في الأعقاب إلى قوله أبدا وكنى بالكون عن الفقد والموت محافظة للأدب « ولا أراني الله » معترضة دعائية


قلت فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه قال تقول اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي فإن ذلك يجزيك إن شاء الله.

٨ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن عبد الله القلاء ، عن المفضل بن عمر قال ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أبا الحسن عليه‌السلام وهو يومئذ غلام فقال هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه ثم قال لي لا تجفوا إسماعيل.

٩ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن

______________________________________________________

قوله : فإن لم أعرفه ، جوابه محذوف أي فما أصنع أو بمن ائتم « إني أتولى » أي اعتقد ولايته وإمامته ، ويدل على أنه مع تعذر العلم التفصيلي في أصل الدين يكفي العلم الإجمالي ولا بد من الإذعان مجملا ، ويخرج بذلك عمن لم يعلم إمام زمانه.

الحديث الثامن : ضعيف.

« لم يولد فينا » أي من بين أولادنا ، ويحتمل شموله لأولاد سائر الأئمة عليهم‌السلام سوى أمير المؤمنين والحسنين عليهم‌السلام ، فإن سائر هم متساوون في الفضل ، إن كان المراد حقيقة الكلام وإن كان المراد أنه أعظم بركة منهم كما هو الشائع في مثل هذه العبارة فالتفضيل على غير الأئمة عليهم‌السلام ، مع أنه يمكن أن يكون نوع من البركات والمنافع مختصا به عليه‌السلام ، كما أنه اختار الحبس ووقى بذلك شيعته « لا تجفوا إسماعيل » بالتخفيف من الجفاء نقيض الصلة أي إنه وإن لم يكن إماما لكنه ابن إمامكم ، ولا بد من إكرامه واحترامه ورعايته ، أو لا تخبروه بهذا فتجفوه إذ يعلم بذلك موته قبلي لما قد علم من أن الإمامة في الأكبر وهو أكبر من الكاظم عليه‌السلام ولم تكن به آفة ، أو لا تجفوا به بأن تبعثوه على دعوى الإمامة بغير حق ، وعلى بعض الوجوه يمكن أن يقرأ من باب الأفعال من أجفاه إذا أتعبه.

الحديث التاسع : موثق.


الحسين ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن فيض بن المختار في حديث طويل في أمر أبي الحسن عليه‌السلام حتى قال له أبو عبد الله عليه‌السلام هو صاحبك الذي سألت عنه فقم إليه فأقر له بحقه فقمت حتى قبلت رأسه ويده ودعوت الله عز وجل له فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أما إنه لم يؤذن لنا في أول منك قال قلت جعلت فداك فأخبر به أحدا فقال نعم أهلك وولدك وكان معي أهلي وولدي ورفقائي وكان يونس بن ظبيان من رفقائي فلما أخبرتهم حمدوا الله عز وجل وقال يونس لا والله حتى أسمع ذلك منه وكانت به عجلة فخرج فاتبعته فلما انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول له وقد سبقني إليه يا يونس الأمر كما قال لك فيض قال فقال سمعت وأطعت فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام خذه إليك يا فيض.

______________________________________________________

« في أمر أبي الحسن » أي في شأنه أو في إمامته « في أول منك » هو أفعل التفضيل أي في أسبق منك ، وحاصله أني ما أخبرت بإمامته أحدا قبلك ، وما قيل : أن الخطاب لأبي الحسن عليه‌السلام والمعنى أنه لم يأذن الله لنا في إمامة من هو أسبق مولدا وأكبر سنا منك يعني إسماعيل ، فلا يخفى بعده.

وفي البصائر أما إنه لم يؤذن له في ذلك ، أي في أن تقبل رأسه ويده فيصير سببا لظهور الأمر وضرر المخالفين.

وفي البصائر ، بعد قوله : وولدك ، ورفقاءك ، وهو أظهر وإلا لم يكن يجوز له أن يخبر يونس وذكر الرفقاء بعد ذلك مكررا يؤيده « لا والله » أي لا أقبل ذلك أو لا اكتفى به « وكانت به » أي في يونس « عجلة » بالتحريك أي تعجيل في استكشاف الأمور ولم يكن له وقار وتثبيت « وقد سبقني » أي يونس « خذه إليك » أي لا تدع يونس يفشي هذا الأمر وأخبره أن في إفشائه مفاسد ، وفي البصائر كما قال لك فيض زرقه زرقه قال : فقلت قد فعلت ، والزرقة بالنبطية أي خذه إليك.

أقول : وفيه ذم ليونس كما هو المذموم عند أصحابنا ، وأقول : هذا خبر طويل اختصره الكليني (ره) أوردته بتمامه في الكتاب الكبير.


١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن فضيل ، عن طاهر ، عن أبي عبد الله قال كان أبو عبد الله عليه‌السلام يلوم عبد الله ويعاتبه ويعظه ويقول ما منعك أن تكون مثل أخيك فو الله إني لأعرف النور في وجهه فقال عبد الله لم أليس أبي وأبوه واحدا وأمي وأمه واحدة فقال له أبو عبد الله إنه من نفسي وأنت ابني.

١١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن محمد بن سنان ، عن يعقوب السراج قال دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال لي ادن من مولاك فسلم فدنوت فسلمت عليه فرد علي السلام بلسان فصيح ثم

______________________________________________________

الحديث العاشر : مجهول أو حسن كما مر.

قوله : وأمي وأمه واحدة ، فيه : أنه لم تكن أمهما واحدة فيحتمل أن يكون المراد بها الأم العليا فاطمة عليه‌السلام ، فإن الانتساب إليها سبب الإمامة وفي ربيع الشيعة وأعلام الورى وإرشاد المفيد : وأصلي وأصله واحدا وهو أظهر « أنه من نفسي » أي من طينتي وفيه خلقي وخلقي شمائلي ، وهذه العبارة تطلق لبيان كمال الاتحاد في الكمالات والفضائل والدرجات ، ونهاية الاختصاص كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علي مني وأنا من علي.

والحاصل أن انتسابك إلى بالنسب الجسداني وانتسابه إلى بالروابط الجسمانية والروحانية والعقلانية معا ، وإذا كان هو بهذه المنزلة منه عليهما‌السلام فكان أولى بالإمامة من سائر الأولاد فهو نص على إمامته.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

« فجعل » أي فشرع « ويساره » أي يناجيه ويتكلم معه سرا « طويلا » أي في زمان طويل وهو نائب المفعول المطلق أي أسرارا طويلا « مولاك » أي من هو أولى بك من


قال لي اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فإنه اسم يبغضه الله وكان ولدت لي ابنة سميتها بالحميراء فقال أبو عبد الله عليه‌السلام انته إلى أمره ترشد فغيرت اسمها.

١٢ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد قال دعا أبو عبد الله عليه‌السلام أبا الحسن عليه‌السلام يوما ونحن عنده فقال لنا عليكم بهذا فهو والله صاحبكم بعدي.

١٣ ـ علي بن محمد ، عن سهل أو غيره ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس ، عن داود بن زربي ، عن أبي أيوب النحوي قال بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب قال فلما سلمت عليه رمى بالكتاب إلي وهو يبكي فقال لي هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات فـ « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » ثلاثا وأين مثل جعفر ثم قال لي اكتب قال فكتبت صدر الكتاب ثم قال اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه قال فرجع إليه الجواب أنه قد أوصى إلى خمسة واحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة.

______________________________________________________

نفسك من بعدي ، والحميراء لقب عائشة ولذا أبغض الله الاسم « انته إلى أمره » أي هذا الأمر أو مطلقا « ترشد » على بناء المفعول جواب الأمر أي تهتد.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« وعليكم » اسم فعل بمعنى ألزموا والباء « في بهذا » زائدة للتقوية.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

وفي غيبة الطوسي (ره) أبو أيوب الخوزي ، وقيل : النحوي نسبة إلى بطن من الأزد ، والمعنى المتبادر أظهر ، ومحمد بن سليمان وإلى المدينة من قبل المنصور ، وقوله : ثلاثا ، كلام الراوي أي استرجع ثلاثا « واحدهم » الواو للعطف أو هو على وزن فاعل وعبد الله هو الأفطح ، وحميدة على التصغير أو التكبير على فعلية اسم أم


١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد بنحو من هذا إلا أنه ذكر أنه أوصى إلى أبي جعفر المنصور وعبد الله وموسى ومحمد بن جعفر ومولى لأبي عبد الله عليه‌السلام قال فقال أبو جعفر ليس إلى قتل هؤلاء سبيل.

١٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن علي بن الحسن ، عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صاحب هذا الأمر فقال إن

______________________________________________________

موسى عليه‌السلام ، ووجه التقية في تشريك هؤلاء ظاهر ومع ذلك أوضح الأمر إذ معلوم أن ذكر منصور بن سليمان للتقية ، ومعلوم أيضا أن حميدة لم تكن قابلة للإمامة فبقي الأمر مترددا بين الوالدين ، ولو كان الأكبر قابلا للإمامة لم يضم إليه الأصغر فبين عليه‌السلام بذلك أنه غير قابل لذلك ، فتعين موسى عليه‌السلام.

ويؤيد ما ذكرنا ما رواه ابن شهرآشوب عن داود بن كثير الرقي قال : أتى أعرابي إلى أبي حمزة الثمالي فسأله خبرا فقال : توفي جعفر الصادق عليه‌السلام فشهق شهقة وأغمي عليه ، فلما أفاق قال : هل أوصى إلى أحد؟ قال : نعم أوصى إلى ابنيه عبد الله وموسى وأبي جعفر المنصور ، فضحك أبو حمزة وقال : الحمد لله الذي هدانا إلى الهدي وبين لنا عن الكبير ، ودلنا على الصغير وأخفى عن أمر عظيم فسئل عن قوله؟ فقال : بين عيوب الكبير ودل على الصغير لإضافته إياه ، وكتم الوصية للمنصور لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل : أنت.

الحديث الرابع عشر : إما مرسل بناء على أن النضر أرسل الحديث ، أو مجهول إن اتصل بالسند السابق إما بيونس أو بداود ، ويحتمل أن يكون الاختلاف من الرواة أو يكون عليه‌السلام أوصى مختلفا ليعلم أن الأمر مبني على التقية ، مع أن فيه زيادة تبهيم للأمر لشدة التقية ، وذكر الخبرين في هذا الباب مبني على ما أومأنا إليه في الخبر السابق.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور ، والعناق كسحاب : الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم لها سنة ، والحاصل أن الإمام « لا يلهو » أي لا يغفل عن ذكر الله


صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب وأقبل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عناق مكية وهو يقول لها اسجدي لربك فأخذه أبو عبد الله عليه‌السلام وضمه إليه وقال بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب.

١٦ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبيس بن هشام قال حدثني عمر الرماني ، عن فيض بن المختار قال إني لعند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ أقبل أبو الحسن موسى عليه‌السلام وهو غلام فالتزمته وقبلته فقال أبو عبد الله عليه‌السلام أنتم السفينة

______________________________________________________

« ولا يلعب » أي لا يفعل ما لا فائدة فيه لا في صغره ولا في كبره ، وإن صدر منه شيء يشبه ظاهرا فعل الصبيان ففي الواقع مبني على أغراض صحيحة ، ولا يغفل عند ذلك عن ذكره سبحانه كما أنه عليه‌السلام في حالة اللعب الظاهري كان يأمر العناق بالسجود لربه تعالى.

الحديث السادس عشر : مرسل « أنتم السفينة » شبه عليه‌السلام الدنيا ببحر عميق فيها مهالك كثيرة والنفس في سيرها إلى الله تعالى بالسفينة ، وما معها من الكمالات بالأمتعة التي فيها والقرب إلى الحق سبحانه والوصول إلى الدرجات العالية والمثوبات الأخروية بالساحل والإمام الهادي إلى ما يوجب النجاة من مهالك الدنيا بالملاح ، فكما أن السفينة لا تصل إلى الساحل سالمة من الآفات إلا بالملاح ، فكذلك الأنفس لا تصل إلى الدرجات العالية والمثوبات الأخروية ولا تنجو من مهالك هذه الدار إلا بالإمام عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام « أنتم » رواة الأخبار لا مطلق الشيعة فإنهم الحاملون لأمتعة الروايات والعلوم والمعارف إلى ضعفاء الشيعة في بحر الدنيا الزخار ، مع وفور أمواج فتن المخالفين والأشرار ، وفي بحر العلوم والأسرار الذي يرقب سفنها الأئمة الذين يدعون إلى النار.

كما روي عن عبد الله بن زرارة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اقرأ مني إلى والدك السلام وقل له : إنما أعيبك دفاعا مني عنك ، فإن الناس يسارعون إلى كل من قربناه


وهذا ملاحها قال فحججت من قابل ومعي ألفا دينار فبعثت بألف إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وألف إليه فلما دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام قال يا فيض عدلته بي قلت إنما فعلت ذلك لقولك فقال أما والله ما أنا فعلت ذلك بل الله عز وجل فعله به.

______________________________________________________

وحمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقربه ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوة ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كل من عيبناه نحن وإن نحمد أمره فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودتك لنا ولميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، وتكون بذلك منا دافع شرهم [ منك ] يقول الله عز وجل : « أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً » (١) هذا التنزيل من عند الله صالحة ، لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ والحمد لله ، فافهم المثل يرحمك الله فإنك والله أحب الناس إلى وأحب أصحاب أبي عليه‌السلام إلى حيا وميتا فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، وإن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا فيغصبها وأهلها فرحمة الله عليك حيا ورحمته ورضوانه عليك ميتا ، إلى آخر الخبر.

وما أشبه التمثيل في الخبرين وما أقربهما فتدبر.

« عدلته بي » استفهام على المدح والتقرير ، أي جعلته معادلي حيث سويت بيني وبينه في الهدية.

__________________

(١) سورة الكهف : ٧٩.


باب

الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين كنت عند العبد الصالح جالسا فدخل عليه ابنه علي فقال لي يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي أما إني قد نحلته كنيتي فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ثم قال ويحك كيف قلت فقال علي بن يقطين سمعت والله منه كما قلت فقال هشام أخبرك أن الأمر فيه من بعده.

أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال كنت عند العبد الصالح ـ وفي نسخة الصفواني قال كنت أنا ثم ذكر مثله.

______________________________________________________

باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام

الحديث الأول : صحيح بهذا السند ، ضعيف بالسند الآتي.

« فقال لي » في بعض النسخ « له » فالقائل الصحاف ، والضمير راجع إلى ابن يقطين ، وقيل : الضمير لابنه على واللام بمعنى في وهو بعيد « نحلته » أي أعطيته والراحة الكف والضرب للتعجب ولعله كان ظن أنه القائم كما توهم غيره ، أو للتأسف لإشعار الكلام بقرب وفاته عليه‌السلام ، لا سيما مع نحلة الكنية « ويحك » قيل : منصوب بتقدير حرف النداء للتعجب ، وقال الجوهري : ويح كلمة رحمة ، وويل كلمة عذاب ، وقال الزبيدي (١) : هما بمعنى واحد ، تقول : ويح لزيد وويل لزيد ترفعهما على الابتداء ولك أن تقول : ويحا لزيد وويلا لزيد فتنصبهما بإضمار فعل.

__________________

(١) وهو أبوبكر محمد بن الحسن بن عبد الله القرطبي صاحب طبقات النحويين واللغويين المتوفى سنة ٣٧٩ وفي نسخة « اليزيدي » وهو أيضا من علماء النحو واللغة واسمه يحيى بن المبارك المتوفى بخراسان سنة ٣٠٢ ويطلق على حفيده الفضل بن محمد أيضا وعلى محمد ابن العباس النحوى.


٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن نعيم القابوسي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال إن ابني عليا أكبر ولدي وأبرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي.

٣ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن سنان وإسماعيل بن عباد القصري جميعا ، عن داود الرقي قال قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام جعلت فداك إني قد كبر سني فخذ بيدي من النار قال فأشار إلى ابنه أبي الحسن عليه‌السلام فقال هذا صاحبكم من بعدي.

______________________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

« إن ابني على » (١) خبر إن وكان حقه « إن عليا ابني » فقدم لإفادة الحصر مبالغة أي لشدة اختصاصه بي ومحبتي له كأنه ابني دون غيره ، أو المراد بالابن الابن الذي يعرف فيه أبوه خلقه وخلقه وشمائله « وأكبر » خبر مبتدإ محذوف ، والجملة استيناف بيان للسابق ، وفي إرشاد المفيد ابني علي بدون « إن » فعلي عطف بيان لابني وأكبر خبره وهو أظهر « وأبرهم بي » أي أوصلهم بي وأشدهم إحسانا.

الحديث الثالث : ضعيف ، والقصري نسبة إلى موضع وفي القاموس : القصر علم لسبعة وخمسين موضعا ، والرقي بفتح الراء وشد القاف نسبة إلى رقة وهي بلد على الفرات. « قد كبر سني » أي طال عمري وأخاف أن أموت قبل أن أعرف الإمام بعدك ، أو أخاف أن لا أتمكن من المجيء إلى بلدك بعد سماع خبر وفاتك ، وفي الصحاح والقاموس والنهاية : السن الضرس ومقدار العمر ، مؤنثة ، في الناس وغيرهم ، انتهى.

ولكن تأنيثها لما لم يكن حقيقيا يجوز في النسبة إليه التذكير والتأنيث ، فلذا ورد في هذا الخبر على التذكير ، وفي الخبر الآتي على التأنيث ، وفي الإرشاد هنا أيضا كبرت.

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المتن « عليّا » وهو الظاهر كما صرّح به الشارح رحمه‌الله وعليه فيسقط ما ذكره رحمه‌الله من الاحتمالات.


٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : ألا تدلني إلى من آخذ عنه ديني فقال هذا ابني علي إن أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا بني إن الله عز وجل قال « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » وإن الله عز وجل إذا قال قولا وفى به.

٥ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن يحيى بن عمرو ، عن داود الرقي قال قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام إني قد كبرت سني ودق عظمي وإني سألت أباك عليه‌السلام فأخبرني بك فأخبرني من بعدك فقال هذا أبو الحسن الرضا.

٦ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة قال دخلت على أبي إبراهيم وعنده ابنه أبو الحسن عليه‌السلام فقال لي يا زياد هذا ابني فلان كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله.

______________________________________________________

الحديث الرابع : ضعيف.

« ألا » للعرض « إلى من آخذ » أي بعد وفاتك « فقال هذا » خبر مبتدإ محذوف أي هو هذا ، أو مبتدأ خبره ابني أي ابني حقيقة القابل للإمامة كما مر « إلى قبر رسول الله » أي إلى ما يجاور قبره ويدل على أن قوله تعالى : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » (١) معناه أني أجعل ذلك أبدا ولا أخلي الأرض من خليفة إلى يوم القيامة.

الحديث الخامس : مجهول « ودق عظمي » أي ذبل من كبر سني والنحولة.

الحديث السادس : ضعيف.

« وكان من الواقفة » أي مع أنه كان واقفيا وروى هذا الحديث الذي ينقض قوله ، فيكون أتم في الحجة ، أو مع أنه روى هذا الحديث كان واقفيا على التعجب « فلان » كناية من الرضا إذ لم يقل أحد بإمامة غيره من أولاده ، ولم يدعها منهم

__________________

(١) سورة البقرة : ٣٠.


٧ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل قال حدثني المخزومي وكانت أمه من ولد جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام قال بعث إلينا أبو الحسن موسى عليه‌السلام فجمعنا ثم قال لنا أتدرون لم دعوتكم فقلنا لا فقال اشهدوا أن ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي من بعدي من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فلينجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه.

______________________________________________________

غيره عليه‌السلام ، وروى الكشي عن يونس بن عبد الرحمن قال : مات أبو الحسن عليه‌السلام وليس عنده من قوامه إلا وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار.

الحديث السابع : ضعيف ، والمخزومي المذكور في اختيار الكشي هو المغيرة بن نوبة ، وروى فيه عن حماد بن عثمان عن المغيرة بن نوبة المخزومي ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : قد حملت هذا الفتى في أمورك؟ فقال : إني حملته ما حملنيه أبي عليه‌السلام.

لكن روى الصدوق في العيون هذا الخبر عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن الفضيل عن عبد الله بن الحارث وأمه من ولد جعفر بن أبي طالب ، وذكر الخبر.

فيدل على أن المخزومي اسمه عبد الله بن حارث ، وعلى التقديرين مجهول « أن ابني هذا » المراد الرضا عليه‌السلام ، وفي العيون : إن عليا ابني هذا ، وعلى تقدير عدم معلومية المشار إليه يعلم منه إمامة الرضا عليه‌السلام إذ يدل على وفاة موسى عليه‌السلام وأن أحد أولاده إمام بعده ، ولم يقل أحد بإمامة غيره بعده كما مر والتنجز طلب الوفاء بالوعد ، واللقاء بالفتح مصدر لقي من باب علم.

« إلا بكتابه » الضمير راجع إلى الرضا عليه‌السلام ، أي إلا مع كتابه الدال على الإذن لشدة التقية والخوف ، ولأنه أعلم بمن ينبغي دخوله على ومن لا ينبغي ،


٨ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن سنان وعلي بن الحكم جميعا ، عن الحسين بن المختار قال خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن عليه‌السلام وهو في الحبس عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا وأن يفعل كذا وفلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضي الله علي الموت.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن الحسين بن المختار قال خرج إلينا من أبي الحسن عليه‌السلام بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض عهدي إلى أكبر ولدي يعطى فلان كذا وفلان كذا وفلان كذا وفلان لا يعطى حتى أجيء أو يقضي الله عز وجل علي الموت « إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ».

______________________________________________________

ويحتمل رجوع الضمير إلى الموصول أي يبعث إلى كتابه ولا يدخل علي فيكون إطلاق اللقاء عليه مجازا ولكن لا يخلو من بعد.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

واللوح ما يكتب فيه من خشب أو كتف أو قرطاس ، والعهد : الوصية والتقدم إلى المرء في الشيء والظرف لغو متعلق بعهدي أو مستقر خبر المبتدأ ، وعلى الأول إن مصدرية ، والمصدر خبر المبتدأ ، وعلى الثاني إن مفسرة لتضمن العهد معنى القول ، وجملة « فلان » عطف على عهدي أو على مدخول إن المفسرة ، ولعل المراد بفلان بعض أولاده ، ويحتمل غيرهم « لا تنله » أي لا تعطه وهذا أيضا يدل على النص كناية وبتقريب ما مر للإخبار بالموت.

الحديث التاسع : موثق.

وهذا مبني على ما روي أن الرشيد لعنه الله قبض عليه عليه‌السلام من المدينة وبعثه إلى أمير البصرة عيسى بن أبي جعفر وكان في حبسه زمانا ثم حمل سرا إلى بغداد ، فحبس حتى سمه السندي بن شاهك كما سيأتي إنشاء الله « بالعرض » أي كتب في عرض اللوح لا في طوله ، ويحتمل على بعد أن يكون بالتحريك ، أي كتب الكتاب ظاهرا لأمر آخر وكتب فيه هذا بالعرض تقية.


١٠ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن ابن محرز ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال كتب إلي من الحبس أن فلانا ابني سيد ولدي وقد نحلته كنيتي.

١١ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن أبي علي الخزاز ، عن داود بن سليمان قال قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام إني أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك فأخبرني من الإمام بعدك فقال ابني فلان يعني أبا الحسن عليه‌السلام.

١٢ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن سعيد بن أبي الجهم ، عن النصر بن قابوس قال قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام إني سألت أباك عليه‌السلام من الذي يكون من بعدك فأخبرني أنك أنت هو فلما توفي أبو عبد الله عليه‌السلام ذهب الناس يمينا وشمالا وقلت فيك أنا وأصحابي فأخبرني من الذي يكون من بعدك من ولدك فقال ابني فلان.

١٣ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن الضحاك بن الأشعث ، عن داود بن زربي قال جئت إلى أبي إبراهيم عليه‌السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت أصلحك الله لأي شيء تركته عندي قال إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك فلما جاءنا نعيه بعث إلي أبو الحسن عليه‌السلام ابنه فسألني ذلك المال فدفعته إليه.

______________________________________________________

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور ، ودلالته على النص على التعيين للتصريح بالكنية زائدا على ما مر.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

« إن يحدث حدث » بالتحريك أي حادثة كالحبس والقتل والموت ، و « يعني » كلام الراوي أو راوي الراوي ، والأخير أظهر إذ الظاهر أن الكناية من الراوي.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور وفي العيون ورجال الكشي قال : ابني علي « يمينا وشمالا » ، أي إلى جهات مختلفة غير الصراط المستقيم.

الحديث الثالث عشر : كالسابق ، وزربي بضم الزاء ، والنعي : الإخبار بالموت.


١٤ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن أبي الحكم الأرمني قال حدثني عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، عن يزيد بن سليط الزيدي قال أبو الحكم وأخبرني عبد الله بن محمد بن عمارة الجرمي ، عن يزيد بن سليط قال لقيت أبا إبراهيم عليه‌السلام ونحن نريد العمرة في بعض الطريق فقلت جعلت فداك هل تثبت هذا الموضع الذي نحن فيه قال نعم فهل تثبته أنت قلت نعم إني أنا وأبي لقيناك هاهنا وأنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام ومعه إخوتك فقال له أبي بأبي أنت وأمي أنتم كلكم أئمة مطهرون والموت لا يعرى منه أحد فأحدث إلي شيئا أحدث به من يخلفني من بعدي فلا يضل قال نعم يا أبا عبد الله هؤلاء ولدي وهذا سيدهم وأشار إليك وقد علم الحكم والفهم والسخاء والمعرفة

______________________________________________________

الحديث الرابع عشر : كالسابق أيضا ، وفي القاموس إرمينية بالكسر وقد يشد الياء الأخيرة : كورة بالروم ، أو أربعة أقاليم أو أربع كور متصل بعضها ببعض ، يقال لكل كورة منها : إرمينية والنسبة إليها أرمني بالفتح ، انتهى.

وسليط بفتح السين وكسر اللام ، والزيدي نسبة إلى زيد من جهة النسب لا من جهة المذهب ، وعمارة بضم العين وتخفيف الميم ، والجرمي بالفتح نسبة إلى بطن من طيئ أو إلى بطن من قضاعة ، وفي القاموس أثبته عرفه حق المعرفة وأنت تأكيد للضمير المستتر المرفوع ، وأنا تأكيد للضمير المنصوب « لا يعرى » أي لا يخلو تشبيها للموت بلباس لا بد من أن يلبسه كل أحد « فأحدث إلى » على بناء الأفعال أي ألق أو حدث « أحدث » بالجزم جوابا للأمر أو بالرفع صفة لقوله شيئا « من يخلفني » من باب نصر أي يبقى بعدي ، وفيه نوع من الأدب بإظهار أني لا أتوقع بقائي بعدك لكن أسأل ذلك لأولادي وغيرهم ممن يكون بعدي ، وأبو عبد الله كنية سليط ، وفي إعلام الورى يا أبا عمارة وما هنا أصوب.

« وقد علم » على بناء المعلوم المجرد أو بناء المجهول من التفعيل ، والحكم بالضم القضاء أو الحكمة ، والفهم : سرعة انتقال الذهن إلى مقصود المتكلم عند


بما يحتاج إليه الناس وما اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم وفيه حسن الخلق وحسن الجواب وهو باب من أبواب الله عز وجل وفيه أخرى خير من هذا كله.

فقال له أبي وما هي بأبي أنت وأمي قال عليه‌السلام يخرج الله عز وجل منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفضلها وحكمتها خير مولود وخير ناشئ يحقن الله عز وجل به الدماء ويصلح به ذات البين ويلم به الشعث ويشعب

______________________________________________________

التحاكم وغيره « وهو باب » أي لا بد لمن أراد دين الله وطاعته ، والدخول في دار قربه ورضاه من أن يأتي إليه.

« وفيه أخرى » أي خصلة أخرى « خير من هذا » أي مما ذكرته كله ، والغوث العون للمضطر والغياث أبلغ منه وهو اسم من الإغاثة ، والمراد بالأمة الشيعة الإمامية أو الأعم « والعلم » بالتحريك سيد القوم والراية وما يهتدى به في الأسفار والطرق ، أو بالكسر على المبالغة أي ذا علمها ، والنور ما يصير سببا لظهور الأشياء عند الحس أو العقل ، والفضل ضد النقص ، والحكمة بالكسر العقل والفهم ، والإسناد في الكل على المبالغة.

« خير » منصوب أو مرفوع على المدح « مولود » أي في تلك الأزمان أو من غير المعصومين من هذه الأمة « والناشئ » الحدث الذي جاز حد الصغر ، أي هو خير في الحالتين « به الدماء » أي دماء الشيعة أو الأعم فإن بمسالمته حقنت دماء الكل ، ولعل إصلاح ذات البين عبارة من إصلاح ما كان بين ولد علي عليه‌السلام وولد العباس من العداوة جهرة « ويلم » بشد الميم وضم اللام أي يجمع « به الشعث » بالتحريك أي المتفرق من أمور الدين والدنيا ، قال الجوهري : لم الله شعثه أي أصلح وجمع ما تفرق من أموره ، وقال : الشعب الصدع في الشيء وإصلاحه أيضا ، (١) وقال : الصدع الشق.

وكسوة العاري وإشباع الجائع ، وإيمان الخائف (٢) مستمرا إلى الآن في جوار

__________________

(١) أي أنّه من الأضداد.

(٢) وفي نسخة « وأمان الخائف ».


به الصدع ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف وينزل الله به القطر ويرحم به العباد خير كهل وخير ناشئ قوله حكم وصمته علم يبين للناس ما يختلفون فيه ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه فقال له أبي بأبي أنت.

______________________________________________________

روضته المقدسة صلوات الله عليه.

والقطر بالفتح : المطر ، ويستعار أيضا للبركة والسخاء ، وقال الجوهري : الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين ووخطه الشيب ، وقال الفيروزآبادي : من وخطه الشيب أو من جاوز الثلاثين أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين ، وفي النهاية من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين ، وقيل : من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين انتهى.

ولعل تكرار « خيرنا شيء » تأكيد لغرابة الخبرية في هذا السن دون سن الكهولة وعدم ذكر سن الشيب لعدم وصوله عليه‌السلام إلى سن الشيب ، وهو الذي غلب البياض على الشعر لأنه عليه‌السلام كان له عند شهادته أقل من خمسين سنة كما سيأتي ، وقيل : تكرار خير ناشئ باعتبار أن المقصود هنا وصف أبيه بأنه خير كهل ، ووصفه بأنه يدرك كهولة أبيه حين شبابه ، ولذا قدم كهل على ناشئ ، قالوا : وهنا كالواو في كل رجل وضيعته في احتمال كون مدخولها منصوبا لكونها بمعنى مع ، وتقدير خبر المبتدأ قبلها وهو مقرون ، وكونها مرفوعا وكونها عاطفة ، وتقدير خبر المبتدأ بعد مدخولها أي مقرونان ولا يخفى بعده.

قوله : حكم ، أي حكمة وصواب أو حكم وقضاء بين الناس ، والأول أظهر « وصمته علم » أي مسبب عن العلم ، لأنه يصمت للتقية والمصلحة لا للجهل بالكلام وقيل : سبب للعلم لأنه يتفكر والأول أظهر « يسود » كيقول أي يصير سيدهم ومولاهم وأشرفهم ، والعشيرة الأقارب القريبة « قبل أوان حلمه » بالضم أي احتلامه وهو الجماع في النوم ، وهو كناية عن بلوغ السن الذي يكون للناس فيها ذلك ، فإن الإمام لا يحتلم أو بالكسر وهو العقل ، وهو أيضا كناية عن البلوغ لأن الناس عنده يكمل عقلهم


وأمي وهل ولد قال نعم ومرت به سنون قال يزيد فجاءنا من لم نستطع معه كلاما.

قال يزيد فقلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام فأخبرني أنت بمثل ما أخبرني به أبوك عليه‌السلام فقال لي نعم إن أبي عليه‌السلام كان في زمان ليس هذا زمانه فقلت له فمن يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله قال فضحك أبو إبراهيم ضحكا شديدا ثم قال أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه

______________________________________________________

وإلا فهم كاملون عند الولادة بل قبلها « فقال » أي يزيد على الالتفات أو هو كلام راوي يزيد والمسؤول موسى عليه‌السلام ولا يحتمل أن يكون المراد سليطا ويكون المسؤول الصادق عليه‌السلام ، إذ ولادة الرضا عليه‌السلام إما في سنة وفاة الصادق عليه‌السلام أو بعدها بخمس سنين كما ستعرف ، وهذا على ما في بعض النسخ حيث لم يكن فيه أبي ، وفي أكثر النسخ « فقال له أبي : بأبي أنت » فلا يجري فيه ما ذكرنا إلا يقال أن سليطا سأل أبا إبراهيم عليه‌السلام بعد ذلك بسنين.

وفي العيون هكذا قال : فقال أبي : بأبي أنت وأمي ، فيكون له ولد بعده؟ قال : نعم ، ثم قطع الكلام وهو لا يحتاج إلى تكلف.

« قال يزيد فقلت » أي لأبي إبراهيم عليه‌السلام (١).

« في زمان » أي في زمان حسن لا تلزم التقية فيه كثيرا « ليس هذا زمانه » استئناف أي زمان الإخبار أو صفة لزمان وإضافة الزمان إلى ضمير الزمان على المجاز أي ليس هذا مثله ، وقيل : أي زمانا مثله ، وفي العيون كان أبي عليه‌السلام في زمن ليس هذا مثله وهو أظهر ، وأبو عمارة كنية يزيد.

« ابني فلان » أي الرضا عليه‌السلام ، والتكنية من الراوي ، وفي العيون : يا با عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني وأشركتهم مع علي ابني وأفردته

__________________

(١) كذا في النسخ وكأنّ جملة « لأبي إبراهيم » غير موجودة في نسخة الشارح ولذا فسّره بقوله « أي لأبي إبراهيم » لكنّها موجودة في نسخة الأصل من الكافي.


بني في الظاهر وأوصيته في الباطن فأفردته وحده ولو كان الأمر إلي لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء ولقد جاءني بخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أرانيه وأراني من يكون معه وكذلك لا يوصى إلى أحد منا حتى يأتي بخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجدي علي صلوات الله عليه ورأيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتما وسيفا وعصا وكتابا وعمامة فقلت ما هذا

______________________________________________________

بوصيتي في الباطن.

« في الظاهر » أي فيما يتعلق بظاهر الأمر من الأموال ونفقة العيال ونحوهما « في الباطن » أي فيما يتعلق بالإمامة من الوصية بالخلافة وإيداع الكتب والأسلحة وسائر الأمانات المتعلقة بها ، أو في الظاهر أي عند عامة الخلق ، وفي الباطن أي عند الخواص أو بغير حضور أحد ، أو المراد بالظاهر بادي الفهم ، وبالباطن ما يظهر علمه للخواص بعد التأمل فإنه عليه‌السلام في الوصية الآتية وإن أشرك بعض الأولاد معه لكن قرن ذلك بشرائط يظهر منها أن اختيار الكل إليه عليه‌السلام ، أو المراد بالظاهر الوصية الفوقانية ، وبالباطن الوصية التحتانية فإنك ستعرف أن في الأخيرة كان يظهر عزل الجميع واختصاصه عليه‌السلام بالوصية.

« ولقد جاءني بخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » المجيء والإرادة إما في المنام أو في اليقظة بأجسادهم المثالية أو بأجسادهم الأصلية على قول بعض ، وقيل : للأرواح الكاملة أن يتمثلوا في صور أجسادهم أحيانا لمن شاءوا في هذه النشأة الدنيوية كما تمثل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر حين أنكر حق علي عليه‌السلام.

وأقول : في العيون تصريح بالأول إذ فيه هكذا : ولقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام وأمير المؤمنين عليه‌السلام معه.

قوله : وأراني من يكون معه ، أي من يكون في زمانه من خلفاء الجور أو من شيعته ومواليه أو الأعم ، ولما كان في المنام وما يشبهه من العوالم ترى الأشياء بصورها المناسبة لها ، أعطاه العمامة فإنها بمنزلة تاج الملك والسلطنة ، وسيأتي أن العمائم


يا رسول الله فقال لي أما العمامة فسلطان الله عز وجل وأما السيف فعز الله تبارك وتعالى وأما الكتاب فنور الله تبارك وتعالى وأما العصا فقوة الله وأما الخاتم فجامع هذه الأمور ثم قال لي والأمر قد خرج منك إلى غيرك فقلت يا رسول الله أرنيه أيهم هو فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك ولو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك ولكن ذلك من الله عز وجل.

______________________________________________________

تيجان العرب ، وكذا السيف سبب للعز والغلبة ، وصورة لها ، والكتاب نور الله وسبب لظهور الأشياء على العقل ، والمراد به جميع ما أنزل الله على الأنبياء عليهم‌السلام ، والعصا سبب للقوة وصورة لها إذ به يدفع شر العدي ، ويحتمل أن يكون كناية عن اجتماع الأمة عليه من المؤالف والمخالف ، ولذا يكنى عن افتراق الكلمة بشق العصا.

والخاتم جامع هذه الأمور لأنه علامة الملك والخلافة الكبرى في الدين والدنيا.

وقيل : المراد بالخاتم المهدي عليه‌السلام فإنه خاتم الأوصياء إشارة أن المهدي من صلبه دون إخوته.

« قد خرج منك » أي قرب انتقال الإمامة منك « إلى غيرك » أو خرج اختيار تعيين الإمام من يدك ، وقيل : منك أي ممن تحبه إلى غيرك ، أي غير من تحبه ، والأول أظهر ، وفي العيون : والأمر يخرج إلى علي ابنك.

ولعل جزعه عليه‌السلام لعلمه بمنازعة إخوته واختلاف شيعته فيه ، وقيل : لأنه كان يحب أن يجعله في القاسم ، والفراق بكسر الفاء وفتحها المفارقة ، ولعل حبه عليه‌السلام للقاسم كناية عن اجتماع أسباب الحب فيه لكون أمه محبوبة له وغير ذلك ، أو كان الحب واقعا بحسب الدواعي البشرية ، أو من قبل الله تعالى ليعلم الناس أن الإمامة ليست تابعة لمحبة الوالد ، أو يظهر ذلك لهذه المصلحة.


ثم قال أبو إبراهيم ورأيت ولدي جميعا الأحياء منهم والأموات فقال لي أمير المؤمنين عليه‌السلام هذا سيدهم وأشار إلى ابني علي فهو مني وأنا منه والله مع المحسنين قال يزيد ثم قال أبو إبراهيم عليه‌السلام يا يزيد إنها وديعة عندك فلا تخبر بها إلا عاقلا أو عبدا تعرفه صادقا وإن سئلت عن الشهادة فاشهد بها وهو قول الله عز وجل « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » (١) وقال لنا أيضا « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ » (٢) قال فقال أبو إبراهيم عليه‌السلام فأقبلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

« فهو مني » كلام أبي إبراهيم أو كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وقد عرفت أن هذه العبارة تستعمل في إظهار غاية المحبة والاتحاد والتشارك في الكمالات.

« إنها وديعة » أي الشهادة أو الكلمات المذكورة « أو عبدا تعرفه صادقا » أي في دعواه التصديق بإمامتي بأن يكون فعله موافقا لقوله ، والمراد بالعاقل من يكون ضابطا حصينا وإن لم يكن كامل الأيمان ، فإن المانع من إفشاء السر إما كمال العقل والنظر في العواقب أو الديانة والخوف من الله ، وكون الترديد من الراوي بعيد.

وفي العيون : إلا عاقلا أو عبدا امتحن الله قلبه للإيمان أو صادقا ولا تكفر نعم الله تعالى.

وقوله : وإن سئلت كأنه استثناء عن عدم الإخبار ، أي لا بد من الإخبار عند الضرورة وإن لم يكن المستشهد عاقلا وصادقا ، ويحتمل أن يكون المراد أداء الشهادة لهما لقوله تعالى : « إلى أهلها ».

« فأشهد بها » أي بالإمامة أو المراد بالشهادة شهادة الإمام والضمير راجع إليها وهو قول الله ، أي أداء هذه الشهادة داخل في المأمور به في الآية.

« وقال لنا » أي لأجلنا وإثبات إمامتنا « من الله » صفة شهادة ، ويدل على أن

__________________

(١) سورة النساء : ٥٨.

(٢) سورة البقرة : ١٤٠.


فقلت قد جمعتهم لي بأبي وأمي فأيهم هو فقال هو الذي ينظر بنور الله عز وجل ويسمع بفهمه وينطق بحكمته يصيب فلا يخطئ ويعلم فلا يجهل معلما حكما وعلما هو هذا وأخذ بيد علي ابني ثم قال ما أقل مقامك معه فإذا رجعت من سفرك فأوص وأصلح أمرك وافرغ مما أردت فإنك منتقل عنهم ومجاور غيرهم فإذا أردت فادع عليا فليغسلك وليكفنك فإنه طهر لك ولا يستقيم

______________________________________________________

هذه الشهادة منه عليه‌السلام من قبل الله وبأمره « فأيهم هو » لعل هذا السؤال لزيادة الاطمئنان كما قال إبراهيم عليه‌السلام : « وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » (١) أو أراد عليه‌السلام أن يعين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله له كما عين أمير المؤمنين عليه‌السلام ليخبر الناس بتعيينهما إياه ، ويحتمل أن يكون هذا تفصيلا لما أجمل سابقا.

« ينظر بنور الله » أي ينظر بعينه وبقلبه بالنور الذي جعله الله فيهما ، والباء للآلة كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، وهذا إشارة إلى ما يظهر له من الأسرار والمعارف بتوسط روح القدس وبالإلهام وغيرهما « ويسمع بفهمه » إلى ما سمعه من آبائه « فلا يجهل » أي شيئا مما يحتاج إليه الأمة « معلما » اسم مفعول من باب التفعيل إيماء إلى قوله تعالى : « وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً » (٢).

« فإذا رجعت » أي إلى المدينة « من سفرك » أي الذي تريده أو أنت فيه ، وهو السفر إلى مكة « فإذا أردت » يعني الوصية وقيل : أي مفارقتهم في السفر الأخير متوجها من المدينة إلى بغداد ، والأول أظهر لأن السفر لم يكن باختياره عليه‌السلام وبعد أخذهم له حبسوه ولم يكن له مجال هذه الأمور ، ويمكن أن يقرأ أردت على بناء المجهول أي أرادك الرشيد لأن يأخذك.

« فإنه طهر لك » أي تغسيله لك في حياتك طهر لك ، وقائم مقام غسلك من غير حاجة إلى تغسيل آخر بعد موتك « ولا يستقيم إلا ذلك » أي لا يستقيم تطهيرك

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٠٦.

(٢) سورة الأنبياء : ٧٩.


إلا ذلك وذلك سنة قد مضت فاضطجع بين يديه وصف إخوته خلفه وعمومته ومره فليكبر عليك تسعا فإنه قد استقامت وصيته ووليك وأنت حي ثم اجمع له ولدك من بعدهم فأشهد عليهم وأشهد الله عز وجل « وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً » قال

______________________________________________________

إلا بهذا النحو ، وذلك لأن المعصوم لا يجوز أن يغسله إلا معصوم مثله ، ولم يكن غير الرضا عليه‌السلام ، وهو غير شاهد إذ حضره الموت ، ويرد عليه أنه ينافي ما سيأتي من أن الرضا عليه‌السلام حضر غسل والده صلوات الله عليهما في بغداد ، ويمكن أن يكون هذا لرفع شبهة من لم يطلع علي حضوره عليه‌السلام ، أو يكون يلزم الأمران جميعا في الإمام الذي يعلم أنه يموت في بلد آخر غير بلد ولده ، كما أنه يؤمر المصلوب بالغسل ، وقيل : المقصود أنه سيولي طهرك بعد وفاتك سرا ولا يخفى بعده.

« وصف إخوته » أي أقمهم خلفه صفا ، قال الفيروزآبادي : صفت القوم : أقمتهم في الحرب وغيرها صفا ، وربما يقرأ « صف » جملة اسمية حالية.

والظاهر أن التسع تكبيرات من خصائصهم عليهم‌السلام كما يظهر من غيره من الأخبار أيضا وقيل : أنه عليه‌السلام أمره بأن يكبر عليه أربعا ظاهرا للتقية وخمسا سرا ولا يخفى ما فيه ، إذ إظهار مثل هذه الصلاة في حال الحياة كيف يمكن إظهارها عند المخالفين.

« فإنه قد استقامت وصيته » تعليل لجميع ما تقدم « ووليك » معلوم باب رضي أي قام بأمورك من التغسيل والتكفين والصلاة والواو للحال « من تعدهم (١) » بدل : من ولدك ، بدل كل أي جميعهم أو بدل بعض أي من تعتني بشأنهم كان غيرهم لا تعدهم من الأولاد وقيل : أي من تحصيهم من المميزين وهو احتراز عن الأطفال ، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة بصيغة الاسم فكأنه بالضم أي أحضرهم وإن كانوا بعداء عنك ، ومنهم من قرأ بفتح الباء وقال : أي من بعد جمع العمومة.

« فأشهد عليهم » أي اجعل غيرهم من الأقارب شاهدين عليهم بأنهم أقروا

__________________

(١) وفي المتن « من بعدهم » وسيأتي الإشارة إليه في كلام الشارح (ره).


يزيد ثم قال لي أبو إبراهيم عليه‌السلام إني أوخذ في هذه السنة والأمر هو إلى ابني علي سمي علي وعلي فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب وأما الآخر فعلي بن الحسين عليه‌السلام أعطي فهم الأول وحلمه ونصره ووده ودينه

______________________________________________________

بإمامة أخيهم وخلافته ، وقيل : أي فأشهده عليهم أي اجعله إماما وشاهدا على ولدك ، وفي العيون : فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك وأفرغ مما أردت فإنك منتقل عنه ومجاور غيره ، فاجمع ولدك واشهد الله عليهم وكفى بالله شهيدا.

« إني أوخذ » على بناء المجهول بقلب الهمزة واوا ، ويقال : هو سمي فلان إذا وافق اسمه اسمه ، وقيل : في قوله تعالى : « هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا » (١) أي نظيرا يستحق مثل اسمه.

« أعطي فهم الأول » أي أمير المؤمنين عليه‌السلام « ووده » أي الحب الذي جعل الله له في قلوب المؤمنين كما روي أن قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » (٢) أنزل في أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال الطبرسي رحمه‌الله : فيه أقوال :

أحدها : أنها خاصة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فما من مؤمن إلا وفي قلبه محبة لعلي عليه‌السلام عن ابن عباس ، وفي تفسير أبي حمزة الثمالي حدثني أبو جعفر الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : قل : اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في قلوب المؤمنين ودا ، فقالهما علي عليه‌السلام ، فنزلت هذه ، وروي نحوه عن جابر بن عبد الله.

والثاني : أنها عامة في جميع المؤمنين يجعل الله لهم المحبة والألفة والمقة (٣) في قلوب الصالحين.

__________________

(١) سورة مريم : ٦٥.

(٢) سورة مريم : ٦٩.

(٣) مقة كعدة : المحبّة وأصله من « ومق » يقال : ومقه أي أحبّه.


ومحنته ومحنة الآخر وصبره على ما يكره وليس له أن يتكلم إلا بعد موت هارون بأربع سنين.

ثم قال لي يا يزيد وإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه فبشره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك وسيعلمك أنك قد لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية جارية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أم إبراهيم فإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل قال يزيد فلقيت

______________________________________________________

والثالث : أن معناه يجعل الله لهم محبة في قلوب أعدائهم ومخالفيهم.

والرابع : يجعل بعضهم يحب بعضا.

والخامس : يحب بعضهم بعضا في الآخرة.

ويؤيد الأول ما صح عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني ، وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ، انتهى.

« ومحنته » أي امتحانه وابتلاؤه بأذى المخالفين ومخالفتهم وخذلان أصحابه له.

ثم اعلم أنه قد ثبت مساواة جميع الأئمة في جميع الكمالات كما مر فتخصيص بعضهم ببعضها لظهور هذا البعض منه أكثر من غيره بسبب المصالح المختصة بزمانه ، كظهور الغزوات والشجاعة والفصاحة من أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والدعوات عن علي بن الحسين عليه‌السلام ، لفراغه وانتشار العلوم من الباقر والصادق عليهما‌السلام لقلة التقية في زمانهما ، وهكذا.

« وليس له أن يتكلم » أي بالحجج ودعوى الإمامة جهارا ، وفي العيون بعد ذلك : فإذا مضت أربع سنين فسله عما شئت يجبك إن شاء الله تعالى ، وستلقاه فيه إعجاز وتصريح بما علم من « إذا » الدالة على وقوع الشرط بحسب الوضع.

« فلقيت » أي في المدينة والمضي بضم الميم وكسر الضاد وتشديد الياء ، أي وفاته


بعد مضي أبي إبراهيم عليه‌السلام عليا عليه‌السلام فبدأني فقال لي يا يزيد ما تقول في العمرة فقلت بأبي أنت وأمي ذلك إليك وما عندي نفقة فقال سبحان الله ما كنا نكلفك ولا نكفيك فخرجنا حتى انتهينا إلى ذلك الموضع فابتدأني فقال يا يزيد إن هذا الموضع كثيرا ما لقيت فيه جيرتك وعمومتك قلت نعم ثم قصصت عليه الخبر فقال لي أما الجارية فلم تجئ بعد فإذا جاءت بلغتها منه السلام فانطلقنا إلى مكة فاشتراها في تلك السنة فلم تلبث إلا قليلا حتى حملت فولدت ذلك الغلام قال يزيد وكان إخوة علي يرجون أن يرثوه فعادوني إخوته من غير ذنب فقال لهم إسحاق بن جعفر والله لقد رأيته وإنه ليقعد من أبي إبراهيم بالمجلس الذي لا أجلس فيه أنا.

١٥ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن أبي الحكم قال حدثني عبد الله بن

______________________________________________________

عليه‌السلام « ما تقول » ما استفهامية والمقصود تكليفه بالعمرة « إليك » أي مفوض إليك « ولا تكفيك (١) » الواو عاطفة أو حالية « جيرتك » أي مجاوريك في المعاشرة أو في الدار « وعمومتك » أراد بهم أبا عبد الله وأبا الحسن عليهما‌السلام وأولادهما ، وسماهم عمومته لأن يزيد كان من أولاد زيد بن علي وولد العم في حكم العم « بلغتها » بصيغة المتكلم ويحتمل الخطاب أيضا.

« فعادوني إخوته » بدل من الضمير المرفوع ، والمعاداة إما لزعمهم أن التبشير كان سببا لشراء الجارية وما كان لي ذنب لأني كنت مأمورا بذلك ، أو لزعمهم أني توسطت في شراء الجارية ولم يكن كذلك « فقال لهم إسحاق » أي عم الرضا عليه‌السلام « وأنه » الواو للحال والحاصل أن موسى عليه‌السلام كان يكرمه ويجلسه قريبا منه في مجلس ما كنت أجلس منه بذلك القرب ، مع أني كنت أخاه ، وإنما قال ذلك إصلاحا بينه وبينهم وحثا لهم على بره ورعايته.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور ويزيد بن سليط الأنصاري كأنه

__________________

(١) في المتن « ولا نكفيك » بالنون.


إبراهيم الجعفري وعبد الله بن محمد بن عمارة ، عن يزيد بن سليط قال لما أوصى أبو إبراهيم عليه‌السلام أشهد إبراهيم بن محمد الجعفري وإسحاق بن محمد الجعفري وإسحاق بن جعفر بن محمد وجعفر بن صالح ومعاوية الجعفري ويحيى بن الحسين بن زيد بن علي وسعد بن عمران الأنصاري ومحمد بن الحارث الأنصاري ويزيد بن سليط الأنصاري ومحمد بن جعفر بن سعد الأسلمي وهو كاتب الوصية الأولى أشهدهم أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله « وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ » وأن البعث بعد

______________________________________________________

غير الزيدي الراوي.

« وهو كاتب الوصية الأولى » أي وصية أخرى غير هذه الوصية لقوله بعد ذلك : هذه وصيتي بخطي.

وقيل : الوصية الأولى هي الشهادات والعقائد ، والوصية الثانية هي قوله : وإني قد أوصيت ، إلى آخر الوصية. وقوله : إن هذه وصيتي بخطي ، يعني أن هذه الشهادات هي وصيتي التي كتبتها بخطي قبل ذلك ، وهي محفوظة عندي ، قال : وأراد بقوله : « وقد نسخت وصية جدي » إلى قوله : « مثل ذلك » أن هذه الشهادات هي بعينها وصية آبائي وقد نسختها قبل ذلك ، وأراد بمحمد بن علي أبا جعفر عليه‌السلام « على مثل ذلك » يعني كانت على مثل هذه الوصية من الشهادات.

وأقول : يمكن : أن يكون عليه‌السلام كتب وصاياهم عليهم‌السلام في صدر الكتاب قبل هذه الوصية أو في المختوم تحت الكتاب أو في كتاب آخر.

ويؤيده ما رواه الصدوق (ره) في العيون عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : بعث إلى أبو الحسن عليه‌السلام بوصية أمير المؤمنين عليه‌السلام وبعث إلى بصدقة أبيه مع أبي إسماعيل مصادف وذكر صدقة جعفر بن محمد عليه‌السلام وصدقة نفسه : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به موسى بن جعفر إلى آخر الخبر ، والمصنف أيضا أورد نحوه في كتاب الوصايا.

وقيل ضمير هو لأبي إبراهيم عليه‌السلام ، والوصية الأولى عبارة عن المتعلقة بالإيمان


الموت حق وأن الوعد حق وأن الحساب حق والقضاء حق وأن الوقوف بين يدي الله حق وأن ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حق وأن ما نزل به الروح الأمين حق على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله وأشهدهم أن هذه وصيتي بخطي وقد نسخت وصية جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ووصية محمد بن علي قبل ذلك نسختها حرفا بحرف ووصية جعفر بن محمد على مثل ذلك وإني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه إن شاء وآنس منهم رشدا وأحب أن يقرهم فذاك له وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي وصبياني الذين خلفت

______________________________________________________

من الشهادتين ونحوهما إلى قوله : وعليه ابعث إنشاء الله ، فكاتب الوصية الثانية غيره عليه‌السلام ، وقوله : وأشهدهم ، إلى قوله : مثل ذلك ، ليس داخلا في الوصية الأولى ولا في الثانية بل كلام بين الوصيتين ، والأوسط الذي خطر بالبال أظهر.

والوعد : الإخبار بالثواب للمطيع وكونه حقا أنه يجب الوفاء به ، أو أنه لا يجوز تركه ، والقضاء : الحكم بمقتضى الحساب من ثواب المطيع وعقاب العاصي بشروطهما ، ويحتمل أن يكون المراد القضاء والقدر المتعلق بجميع الأمور.

« وبني » عطف على « علي » بعد « أي بعد علي في المنزلة » معه « أي مشاركين معه في الوصية » وأحب أن يقرهم « أي في الوصية » وأحب أن يخرجهم « أي من الوصية وقيل » بني « مبتدأ و » معه خبر ، أي هم ساكنون معه إلى الآن في داري إن شاء يبقيهم في الدار وإن شاء يخرجهم منها ، وفي العيون : وبنى بعده إن شاء ، إلخ.

« ولا أمر لهم معه » أي ليس لهم أن يخالفوه « وأموالي » أي ضبط حصص الصغار والغيب منها ، أو بقدر الثلث أو بناء على أن الإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم « وموالي » أي عبيدي وإمائي أو عتقائي لحفظهم ورعايتهم أو أخذ ميراثهم « وولدي » أي أوصيت إليه مع ولدي أو وإلى ولدي فيكون « إلى إبراهيم » بدلا من ولدي بتقدير إلى ، وقيل : الأظهر تقدم « إلى » على « ولدي » وأنه اشتبه على النساخ ، وقيل : وولدي أي وسائر ولدي ، وإلى بمعنى حتى و « أم أحمد » عطف على صدقاتي ، انتهى ، وفي العيون : وولدي وإلى إبراهيم وهو أصوب.


وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد وإلى علي أمر نسائي دونهم وثلث صدقة أبي وثلثي يضعه حيث يرى ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله فإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق بها على من سميت له وعلى غير من سميت فذاك له وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي وإن يرى أن يقر إخوته الذين سميتهم في كتابي هذا أقرهم وإن كره فله أن يخرجهم غير مثرب عليه ولا مردود فإن آنس

______________________________________________________

« وإلى علي » أي ومفوض إلى علي وهو خبر مقدم « أمر نسائي » أي اختيارهن وهو مبتدأ « دونهم » أي دون سائر ولدي « وثلث صدقة أبي » مبتدأ وضمير « يضعه » راجع إلى كل من الثلاثين ، والمراد التصرف في حاصلهما بالبيع والهبة والنحلة بناء على أنهما حق التولية ، ويحتمل أن يكون المراد بيع أصلهما بناء علي أنهما كانا من الأموال التي للإمام التصرف فيها كيف شاء ولم يمكنهما إظهار ذلك تقية فسمياها صدقة ، أو بناء على جواز بيع الوقف في بعض الصور ، ويحتمل أن يكون « ثلث صدقة أبي » عطفا على قوله « أمر نسائي » ويكون « ثلثي » مبتدأ و « يضعه » خبره ويكون المراد ثلث غير الأوقاف.

« يجعل » أي يضع ، في القاموس جعله كمنعه صنعه ، والشيء وضعه ، وبعضه على بعض ألقاه ، وفي المصباح المنير : نحلته أنحله بالفتح نحلا أعطيته شيئا من غير عوض بطيب نفس ، ونحلت المرأة مهرها أعطيتها نحلة ، وضمير « بها » راجع إلى الصدقة أو إلى الثلث بتأويل الأموال أو الصدقة.

« وهو أنا » أي هو بعد وفاتي مثلي في حياتي.

وقوله عليه‌السلام : وإن رأى أن يقر (١) تأكيد لما مر ، بحمل الأول على الإقرار في الدار ، وهذا على الإقرار في الصدقة ، و « غير » منصوب بالحالية عن فاعل يخرجهم ، والتثريب التعيير واللوم ، وفي العيون : غير مردود عليه :

« فإن آنس منهم » الضمير للمخرجين وفيه إيماء إلى أنهم في تلك الحال التي

__________________

(١) وفي المتن « وإن يرى » بصيغة المضارع.


منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية فذاك له وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها إلا بإذنه وأمره فإنه أعرف بمناكح قومه وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممن ذكرت فهو من الله ومن رسوله بريء والله ورسوله منه برآء وعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والنبيين والمرسلين وجماعة المؤمنين وليس لأحد من السلاطين أن يكفه عن شيء وليس لي عنده تبعة ولا تباعة

______________________________________________________

فارقهم عليها مستحقون للإخراج في ولاية أو تولية وتصرف في الأوقاف وغيرها ، وربما يقرأ فارقتهم بصيغة الغائبة بأن يكون الضمير المستتر راجعا إلى المعيشة من الصدقة وعلى في « عليه » تعليلية والضمير للذي ، وفي قوله « في ولاية » بمعنى مع تابعية من كل وجه ، ولا يخفى شدة تكلفه.

« أخته » أي من أمه ، والمراد بالمناكح محال النكاح وما يناسب ويليق من ذلك وفي القاموس : المناكح : النساء.

« كفه عن شيء » كأنه ناظر إلى السلطان أي صرفه ومنعه قهرا ، وقوله : أو حال ناظر إلى قوله : أحد من الناس ، ويحتمل إرجاع كل إلى كل واحد عطف على « شيء مما ذكرت » من النساء والأولاد والموالي ، ويحتمل عطفه على أحد من الناس فالمراد بالناس الأجانب وبمن ذكرت الأخوة والأول أظهر ، وفي العيون : وأي سلطان كشفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي فقد برأ من الله ومن رسوله والله ورسوله منه بريئان ، وفي نسخ الكتاب في الثاني برآء بفتح الباء والراء والمد ، قال في القاموس : أنا براء منه لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث.

« وليس لأحد » تكرار للتأكيد وفي القاموس : التبعة كفرحة وكتابة : الشيء الذي لك فيه تبعة شبه ظلامة ونحوها ، انتهى ، وقيل : التبعة ما تطلبه من غيرك من حق تريد أن تستوفيه منه ، والتباعة : الحق الذي لك على غيرك ولا تريد أن تستوفيه منه ، ولم أجد هذا الفرق في اللغة ، والتباعة بالفتح مصدر تبعه إذا مشى خلفه وهو مناسب.


ولا لأحد من ولدي له قبلي مال فهو مصدق فيما ذكر فإن أقل فهو أعلم وإن أكثر فهو الصادق كذلك وإنما أردت بإدخال الذين أدخلتهم معه من ولدي التنويه بأسمائهم والتشريف لهم وأمهات أولادي من أقامت منهن في منزلها وحجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن رأى ذلك ومن خرجت منهن إلى زوج فليس لها أن ترجع إلى محواي (١) إلا أن يرى علي غير ذلك وبناتي بمثل ذلك ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من أمهاتهن ولا سلطان ولا عم إلا برأيه ومشورته فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله وجاهدوه في ملكه وهو أعرف بمناكح قومه فإن أراد أن يزوج زوج وإن أراد أن يترك ترك وقد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في كتابي هذا وجعلت الله عز وجل عليهن شهيدا وهو وأم أحمد شاهدان وليس لأحد أن يكشف وصيتي ولا ينشرها وهو

______________________________________________________

« فإن أقل » أي أظهر المال قليلا أو أعطى حقهم قليلا وكذا « أكثر » بالمعنيين في القاموس : أقله جعله قليلا كقلله ، وصادفه قليلا وأتى بقليل ، وقال « أكثر » أتى بكثير « كذلك » أي كما كان صادقا عند الإقلال أو أمره وشأنه كذلك ، وفي العيون :

وليس لأحد من السلاطين أن يكشفه عن شيء عنده من بضاعة ، ولا لأحد من ولدي ولي عنده مال ، وهو مصدق فيما ذكر من مبلغه إن أقل وأكثر فهو الصادق.

وقال الجوهري : نوهته تنويها إذا رفعته ونوهت باسمه إذا رفعت ذكره.

وفي القاموس الحواء ككتاب والمحوي كالمعكى جماعة البيوت المتدانية.

« ولا يزوج بناتي » لعل ظاهر هذا الكلام على التقية لئلا يزوج أحد من الأخوة أخواتها بغير رضاها بالولاية المشهورة بين المخالفين ، وأما هو عليه‌السلام فلم يكن يزوجهن إلا برضاهن أو هو مبني على أن الإمام أولى بالأمر من كل أحد ، وحمله على تزويج الصغار بالولاية بعيد.

« وهو وأم أحمد » أي شهيدان أيضا أو شريكان في الولاية ، أو الواو فيه كالواو في كل رجل وضيعته ، فالمقصود وصيته بمراعاة أم أحمد وليست هذه الفقرة في العيون « أن يكشف وصيتي » أي يظهرها « وهو منها » الواو للحال ومن النسبية مثل أنت

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر « محوي » كما في الشرح أو « محاوي ». راجع كتب اللغة.


منها على غير ما ذكرت وسميت فمن أساء فعليه ومن أحسن فلنفسه « وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » وصلى الله على محمد وعلى آله وليس لأحد من سلطان ولا غيره أن يفض كتابي هذا الذي ختمت عليه الأسفل فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين وجماعة المرسلين والمؤمنين من المسلمين وعلي من فض كتابي هذا وكتب وختم أبو إبراهيم والشهود وصلى الله على محمد وعلى آله قال أبو الحكم فحدثني عبد الله بن آدم الجعفري ـ عن يزيد بن سليط قال كان أبو عمران الطلحي قاضي المدينة فلما مضى موسى قدمه إخوته إلى الطلحي القاضي فقال العباس بن موسى أصلحك الله

______________________________________________________

مني بمنزلة هارون ، والضمير للوصية « ما ذكرت » أنه وصي وإليه الاختيار وسميته باسمه أو أعليت ذكره « وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » لأن من أعطي الجزاء خيرا وشرا غير من يستحقه فهو ظلام في غاية الظلم.

« الأسفل » صفة كتابي وإنهما كانتا وصيتين طوى السفلى وختمها ، ثم طوى فوقها العليا كما مر في الوصية النازلة من السماء.

قوله : « وعلى من فض كتابي هذا » ليست هذه الفقرة في العيون ، وعلى تقديره يمكن أن يقرأ علي بالتشديد اسما أي هو الذي يجوز أن يفض كتابي هذا أو يكون حرفا ويكون المعنى : وعلى كل من فض كتابي هذا لعنة الله ، ويكون هذا إشارة إلى الوصية الفوقانية وقد يقرأ الأول يفض على بناء الأفعال للتعويض أي يمكن من الفض فاللعنة الأولى على الممكن والثانية على الفاعل ، والفض كسر الخاتم.

« وكتب وختم » هذا كلامه على سبيل الالتفات ، أو كلام يزيد ، والمراد أنه عليه‌السلام كتب شهادته على هامش الوصية الثانية وهذا الختم غير الختم المذكور سابقا وكذا الشهود كتبوا شهادتهم على الهامش وختموا ، ويحتمل أن يكون الختم على رأس الوصية الثانية كالأولى ، والطلحي نسبة إلى طلحة وكان من أولاده ، وقيل : إلى موضع بين المدينة وبدر « قدمه » على بناء التفعيل أي كلفه القدوم « وأمتع بك » أي جعل الناس


وأمتع بك إن في أسفل هذا الكتاب كنزا وجوهرا ويريد أن يحتجبه ويأخذه دوننا ولم يدع أبونا رحمه‌الله شيئا إلا ألجأه إليه وتركنا عالة ولو لا أني أكف نفسي لأخبرتك بشيء على رءوس الملإ.

فوثب إليه إبراهيم بن محمد فقال إذا والله تخبر بما لا نقبله منك ولا نصدقك عليه ثم تكون عندنا ملوما مدحورا نعرفك بالكذب صغيرا وكبيرا وكان أبوك أعرف بك لو كان فيك خيرا وإن كان أبوك لعارفا بك في الظاهر والباطن وما كان ليأمنك على تمرتين ثم وثب إليه إسحاق بن جعفر عمه فأخذ بتلبيبه فقال له إنك لسفيه ضعيف أحمق اجمع هذا مع ما كان بالأمس منك وأعانه القوم أجمعون

______________________________________________________

متمتعين منتفعين بك « في أسفل هذا الكتاب » أي الوصية الأولى المختوم عليها « كنزا وجوهرا » أي ذكر كنز وجوهر لأنفسهما « إلا الجاه » أي فوضه إليه و « عالة » جمع عائل وهو الفقير أو الكثير العيال « لأخبرتك بشيء » أي ادعاء الإمامة والخلافة وغرضه تخويفه عليه‌السلام وإغراء أعدائه به ، والملأ بالتحريك الجماعة من الأشراف « إذا » بالتنوين أي حين تخبر بشيء وهي من نواصب المضارع ، ويجوز الفصل بينها وبين منصوبها بالقسم « وتخبر » منصوب بها ، والمدحور المطرود.

« نعرفك » استئناف لبيان السابق ، « ولو » للتمني أو الجزاء مقدر « وإن » مخففة من المثقلة « ليأمنك » اللام المكسورة زائدة لتأكيد النفي وفي النهاية يقال لببت الرجل ولببته إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته به ، وأخذت بتلبيب فلان إذا جمعت ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه تجره ، والتلبيب : مجمع ما في موضع اللب من ثياب الرجل ، انتهى.

« اجمع » بصيغة الأمر « هذا » أي ما وقع منك في هذا اليوم من سوء الأدب والخصومة « مع ما كان بالأمس منك » يدل على أنه كان قد صدر منه بالأمس أمر شنيع آخر ، ويمكن أن يقرأ أجمع على صيغة المتكلم وقيل : أجمع على أفعل تأكيد وقيل : الهمزة للاستفهام التوبيخي وجمع بالفتح أي مجموع وهو مبتدأ ومضاف إلى


فقال أبو عمران القاضي لعلي قم يا أبا الحسن حسبي ما لعنني أبوك اليوم وقد وسع لك أبوك ولا والله ما أحد أعرف بالولد من والده ولا والله ما كان أبوك عندنا بمستخف في عقله ولا ضعيف في رأيه فقال العباس للقاضي أصلحك الله فض الخاتم واقرأ ما تحته فقال أبو عمران لا أفضه حسبي ما لعنني أبوك اليوم فقال العباس فأنا أفضه فقال ذاك إليك ففض العباس الخاتم فإذا فيه إخراجهم وإقرار علي لها وحده وإدخاله إياهم في ولاية علي إن أحبوا أو كرهوا وإخراجهم من حد الصدقة وغيرها وكان فتحه عليهم بلاء وفضيحة وذلة ولعلي عليه‌السلام خيرة وكان في الوصية التي فض العباس تحت الخاتم هؤلاء الشهود إبراهيم بن محمد وإسحاق بن جعفر وجعفر بن

______________________________________________________

هذا ، ومع ما كان خبر ، والأظهر ما ذكرنا أولا.

« حسبي » أي كاف لي ، خبر « ما لعنني » ما مصدرية والمصدر مبتدأ « اليوم » ظرف حسبي « لا » تمهيد للنفي بما المشبهة بليس ، والمستخف على بناء المفعول من يعد خفيفا « منذ اليوم (١) » إشارة إلى أنه يلزم القاضي اللعن أبدا ولحوق اللعن باعتبار إحضاره والتفتيش عن حاله ، مع أنه لم يكن له ذلك ، أو بناء على أنه عليه‌السلام لعن من فض الكتاب الأول أيضا على ما مر احتماله ، وقيل : لما رأى القاضي مكتوبا في أعلى الكتاب لعن من فضه خاف على نفسه أن يلجئه إلى الفض فقال : قم يا أبا الحسن فإني أخاف أن أفض الكتاب فينالني لعن أبيك وكفاني ذلك شقاء وبعدا ، وهو بعيد لكنه موافق لما في العيون ، إذ فيه فقال : لا أفضه لا يلعنني أبوك.

قوله : « فإذا فيه » الضمير لما تحته ، وضمير لها للوصية باستقلاله في جميع الأمور « في ولاية علي » أي في كونه وليا وواليا عليهم ، أو في كونهم تابعين له « عن حد الصدقة (٢) » أي حكمها وولايتها أو عن طرفها فضلا عن داخلها ، وفي العيون : فإذا فيه إخراجهم من الوصية وإقرار علي وحده وإدخاله إياهم في ولاية علي إن أحبوا أو كرهوا ، وصاروا كالأيتام في حجره وأخرجهم من حد الصدقة وذكرها.

__________________

(١) لفظة « منذ » غير موجودة في المتن.

(٢) وفي المتن « من حد الصدقة .... ».


صالح وسعيد بن عمران وأبرزوا وجه أم أحمد في مجلس القاضي وادعوا أنها ليست إياها حتى كشفوا عنها وعرفوها فقالت عند ذلك قد والله قال سيدي هذا إنك ستؤخذين جبرا وتخرجين إلى المجالس فزجرها إسحاق بن جعفر وقال اسكتي فإن النساء إلى الضعف ما أظنه قال من هذا شيئا ثم إن عليا عليه‌السلام التفت إلى العباس فقال يا أخي إني أعلم أنه إنما حملكم على هذه الغرائم والديون التي عليكم فانطلق يا سعيد فتعين لي ما عليهم ثم اقض عنهم ولا والله لا أدع مواساتكم

______________________________________________________

وفي أكثر النسخ هنا سعيد بالياء ، وفي صدر الخبر سعد بدونه ، وأحدهما تصحيف ، وفي كتب الرجال وفي العيون سعد بدون الياء ، وأم أحمد من أمهات أولاده وكانت أعقلهن وأورعهن وأحظاهن عنده ، وكان يسر إليها الأسرار ، ويودعها الأمانات كما ستعرف وكان إبراز وجه أم أحمد ، لا دعاء الأخوة عندها شيئا ثم إنكارهم أنها هي ، أو ادعائهم أنه عليه‌السلام ظلم أم أحمد ، وأحضروها ، فلما أنكرت قالوا : إنها ليست هي « قال سيدي » أي موسى عليه‌السلام « هذا » إشارة إلى الكلام الذي بعده ، وما قيل : أن المراد به الرضا وهذا إشارة إليه فهو بعيد ، وإنما زجرها لأن في هذا الإخبار إشعارا بأنهم يدعون شيئا من علم الغيب ، وهذا ينافي التقية.

« فإن النساء إلى الضعف » أي مائلات إلى الضعف ، وضمير « أظنه » لموسى عليه‌السلام والغرائم جمع غرامة وهي ما يلزم أداؤه ، وسعيد كأنه ابن عمران المتقدم ، وفي العيون سعد.

« فتعين لي ما عليهم » أي حول ما عليهم على ذمتي لأعطيه بعد زمان ، وسيأتي تحقيق العينة وهي من حيل الربا (١) مثل أن يكون لزيد عليهم ألف دينار فيشتري سعيد بوكالته

__________________

(١) قال الطريحي (ره) : العينة ـ بالكسر ـ السلعة وقد جاء ذكرها في الحديث واختلف في تفسيرها ، فقال ابن إدزيس في السرائر : العينة معناها في الشريعة هو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها بدون ذلك الثمن نقدا ليقضي دينا عليه لمن قد حلّ له عليه ويكون الدين الثاني وهو العينة من صاحب الدين الأوّل ، مأخوذ ذلك من العين وهو النقد الحاضر وقال في.


وبركم ما مشيت على الأرض فقولوا ما شئتم فقال العباس ما تعطينا إلا من فضول

______________________________________________________

من زيد متاعا يسوي ألف دينار على أن يؤديها بعد سنة ، ثم يبيعه هذا المتاع بألف دينار ويحسبه من الدين الذي له عليهم فيبرؤون من ديونهم ويبقى لزيد في ذمته عليه‌السلام مائتان وألف دينار يعطيه بعد سنة ، وقد وردت الأخبار بجواز ذلك وهذا منها ، وقد تطلق العينة على مطلق النسيئة والسلف فيمكن إرادة القرض أيضا بأن يحيلوا ديونهم عليه عليه‌السلام أو يستقرض سعيد من الغرماء أو غيرهم ويؤدى ديون الأخوة.

وفي بعض النسخ بعد قوله ثم اقض عنهم : واقبض زكاة حقوقهم ، وخذلهم البراءة فالمراد بزكاة حقوقهم الصكوك التي تنمو يوما فيوما بسبب الأرباح المكتوبة فيها ، ويحتمل أن يكون بالهمز قال الفيروزآبادي : زكاة ألفا كمنعه نقده ، أو عجل نقده وإليه لجأ واستند ، ورجل زكا كصرد وهمز ، وزكاء النقد موسر عاجل النقد ، وازدكا منه حقه أخذه ، وفي العيون ذكر حقوقهم ، أي الصك الذي ذكر فيه حقوقهم ، والبراءة القبض الذي يدل على براءتهم من حقوق الغرماء ، والمواساة بالهمز : المعاونة بالمال مطلقا ، أو بمقدار يساوي المعطي المعطي في المال ، قال في النهاية : الأسوة بكسر الهمزة وضمها القدرة ، والمواساة المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق ، وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا وفي المغرب آسيته بما لي أي جعلته أسوة أقتدي به ويقتدي هو بي وواسيته لغة ضعيفة ، انتهى.

والبر : الاتساع في الإحسان والصلة « ما مشيت (١) » قيل : ما مصدرية ، والمصدر نائب ظرف الزمان.

« فقولوا ما شئتم » أي فلا أبالي قبيح قولكم « فالعرض عرضكم » بالكسر فيهما

__________________

التحرير : العينة جائزة فقال (ص) هي السلف وقال بعض الفقهاء هي أن يشتري السلعة ثمّ إذا جاء الأجل باعها على بايعها بثمن المثل أو أزيد ، وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سأله رجل زميل لعمر بن حنظلة عن الرجل يعين عينة إلى أجل فإذا جاء الأجل تقاضاه فيقول لا والله ما عندي ولكن عيّنّي أيضا حتى أقضيك؟ قال : لا بأس ببيعه ، ومنه تفهم المغايرة للمعنيين الأوّلين.

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمتن لكن في الأصل « ما شئت » ولعلّه من تصحيف النساخ.


أموالنا وما لنا عندك أكثر فقال قولوا ما شئتم فالعرض عرضكم فإن تحسنوا فذاك لكم عند الله وإن تسيئوا « فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » والله إنكم لتعرفون أنه ما لي يومي هذا ولد ولا وارث غيركم ولئن حبست شيئا مما تظنون أو ادخرته فإنما هو لكم ومرجعه إليكم والله ما ملكت منذ مضى أبوكم رضي‌الله‌عنه شيئا إلا وقد سيبته حيث رأيتم فوثب العباس فقال والله ما هو كذلك وما جعل الله لك من رأي علينا ولكن حسد أبينا لنا وإرادته ما أراد مما لا يسوغه الله إياه ولا إياك وإنك لتعرف أني أعرف

______________________________________________________

أي هتك عرضي يوجب هتك عرضكم ، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة المفتوحة فيهما وفتح الراء أيضا أي غرضي ما هو غرضكم ، وهو رضاكم عني ، والفضول جمع فاضل وهي الزيادات المتفرعة على الأصول ، أي من أرباح أموالنا وما لنا بفتح اللام أو ضمها والعرض بالكسر جانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحسبه من أن ينتقض « يومي » أي في يومي « غيركم » مرفوع ولعل الحبس فيما يتعلق بنصيبهم بزعمهم ، والادخار فيما يتعلق بنصيبه باعترافهم.

« فإنما هو لكم » أي إذا بقيت بلا ولد مما تزعمون ، وهذا كلام على سبيل التورية للمصلحة « ومرجعه » مصدر ميمي « فقد سيبته (١) » أي ما حبسته بل أطلقته وصرفته « حيث رأيتم » أي على الأقارب والمستحقين أستعير من قولهم سيبت الدابة أي تركتها لترعى ، والسائبة الذي ليس لأحد عليه ولاء وفي بعض النسخ شتته ، أي فرقته وفي بعض النسخ شيته بقلب الثاني من المضاعف ياء.

« ما هو » الضمير راجع إلى الأمر أو المال أو الشيء والأول أظهر ، أي ليس الأمر والحال كما قلت وظهر من كلامك أن الأموال لك وأنت تعطيها لنا ولغيرنا على العفو والفضل « من رأى علينا » أي اختيار وولاية « ولكن حسد أبينا » حسد خبر مبتدإ محذوف أي الواقع حسد والدنا ، ومن في « مما » للبيان ، ويحتمل كونه (٢) مبتدأ

__________________

(١) وفي المتن « وقد سيبته » بالواو.

(٢) وفي نسخة « ويحتمل كون حسد مبتداء .... ».


صفوان بن يحيى بياع السابري بالكوفة ولئن سلمت لأغصصنه بريقه وأنت معه فقال علي عليه‌السلام لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أما إني يا إخوتي فحريص على مسرتكم الله يعلم اللهم إن كنت تعلم أني أحب صلاحهم وأني بار بهم واصل لهم رفيق عليهم أعنى بأمورهم ليلا ونهارا فاجزني به خيرا وإن كنت على غير ذلك فـ « أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ » فاجزني به ما أنا أهله إن كان شرا فشرا وإن كان خيرا فخيرا اللهم أصلحهم وأصلح لهم واخسأ عنا وعنهم الشيطان وأعنهم على طاعتك ووفقهم لرشدك أما أنا يا أخي فحريص على مسرتكم جاهد على صلاحكم « وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ » فقال العباس ما أعرفني بلسانك وليس لمسحاتك عندي طين فافترق

______________________________________________________

ومما لا يسوغه خبره ، فمن للتبعيض ، والتسويغ التجويز.

« إياه ولا إياك » أي له ولا لك ، وصفوان كان وكيلا للرضا وللجواد عليهما‌السلام ويومئ الخبر إلى أنه كان وكيلا للكاظم عليه‌السلام أيضا والسابري بضم الباء ثوب رقيق يعمل بسابور موضع بفارس « ولئن سلمت » بكسر اللام ، والإغصاص بريقه جعله بحيث لا يتمكن من إساقة ريقه أي ماء فمه كناية عن تشديد الأمر عليه وأخذ أموال أبيه وأمواله عليهما‌السلام منه.

« لا حول ولا قوة إلا بالله » تفويض للأمر إلى الله وتعجب من حال المخاطب « على مسرتكم » أي ما فيه سروركم « الله يعلم » بمنزلة القسم « رفيق » أي لين أو رحيم وتعديته بعلى لتضمين معنى الإشفاق والمحافظة « أعني » على بناء المجهول أو المعلوم أي اعتنى واهتم بأمورهم.

« وأصلح » أي أمورهم « لهم » ويقال خسأت الكلب من باب منع : طردته وأبعدته « أما أنا » بالتشديد « جاهد » أي جاد « وكيل » أي شاهد « ما أعرفني » صيغة التعجب « بلسانك » أي إنك قادر على حسن الكلام وتزويقه لكن ليس موافقا لقلبك.

« وليس لمسحاتك عندي طين » هذا مثل سائر بين العرب يضرب لمن لا تؤثر حيلته


القوم على هذا وصلى الله على محمد وآله.

١٦ ـ محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن علي وعبيد الله بن المرزبان ، عن ابن سنان قال دخلت على أبي الحسن موسى عليه‌السلام من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر إلي فقال يا محمد أما إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك قال قلت وما يكون جعلت فداك فقد أقلقني ما ذكرت فقال أصير إلى الطاغية أما إنه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده قال قلت وما يكون جعلت فداك قال « يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ » قال قلت وما ذاك جعلت فداك قال من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب حقه وجحده إمامته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال قلت :

______________________________________________________

في غيره ، وقال الميداني : لم يجد لمسحاته طينا مثل يضرب لمن حيل بينه وبين مراده

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور.

« أقلقني » أي أزعجني وأدهشني ، والتاء في الطاغية للمبالغة ، وفي القاموس : الطاغية الجبار والأحمق المتكبر ، انتهى. والمراد به المهدي العباسي وبالذي يكون بعده الهادي.

قوله : وما يكون ، لعله لما أشعر كلامه (ره) بأنه يصدر من غيرهما شيء سأل السائل عما يحدث بعد التخلص منهما فأجمل عليه‌السلام الجواب بأن الله يسلب التوفيق عن شقي بعدهما وهو هارون ويقتلني سرا ويصير سببا لضلالة كثير من الواقفية ويحتمل أن يكون إشارة إلى الأخير فقط ، وقيل : ضمير « منه » راجع إلى الهادي ، والمراد بقوله : من الذي يكون بعده أنه يصل إلى منه سوء وهو بعيد ، وفي الإرشاد وإعلام الورى : ولا من الذي ، فلا يحتمل ذلك.

ثم إنه في أكثر النسخ يبدأني بالنون أي لا يصل إلى منه ابتداء سوء ، وفي بعض النسخ بالباء فيقرأ يبدأ على بناء المجهول والظرف نائب مناب الفاعل ، يقال بدأه وأبداه إذا فعله ابتداء ، وقيل : هو من البدو بمعنى الظهور وهو بعيد.


والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بإمامته قال صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده قال قلت ومن ذاك قال محمد ابنه قال قلت له الرضا والتسليم.

باب

الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني عليه‌السلام

١ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يحيى بن حبيب الزيات قال أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا عليه‌السلام جالسا فلما نهضوا قال لهم القوا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهدا فلما نهض القوم التفت إلي فقال يرحم الله المفضل إنه كان ليقنع بدون هذا.

______________________________________________________

وفي العيون : وروي عن محمد بن سنان قال : دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسنة وعلي ابنه بين يديه ، فقال لي : يا محمد! قلت : لبيك ، قال : إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع منها ، ثم أطرق ونكت بيده في الأرض ورفع رأسه إلى وهو يقول : ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ، قلت : وما ذاك جعلت فداك؟ قال : من ظلم ابني هذا ، الخبر.

باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (ع)

الحديث الأول ضعيف.

« إنه كان ليقنع بدون هذا » أشار به إلى أمرهم به من إحداث العهد به ، والتسليم عليه ، أي أنه كان يقنع بأقل من ذلك في فهم أن المراد به النص على إمامته فنبههم بذلك على أن غرضه عليه‌السلام ذلك أو لام بعضهم على عدم فهم مقصوده الذي لم يمكنه التصريح به تقية واتقاء عليه.

والعجب من بعض الناظرين في هذا الخبر أنه بعد هذا التنبيه أيضا لم يفهم


٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد قال سمعت الرضا عليه‌السلام وذكر شيئا فقال ما حاجتكم إلى ذلك هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلس.ي وصيرته مكاني وقال إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة

______________________________________________________

المراد لأنا لم ننبه عليه بعد في حواشي كتابنا التي أخذها وأدخلها في شرحه ، فقال : أي بدون الأمر بالتسليم وإحداث العهد بل كان يكفيه في إحداثه الإشارة ، أو كان يحدث بدونها أيضا فإن الناس يسلمون على ولد العزيز الشريف ويحدثون به عهدا بدون أمر أبيه بذلك ، قال : ويحتمل أن يكون سبب لومهم أنهم تركوا التسليم وإحداث العهد بعد الأمر ، وليس في الحديث دلالة علي أنهم فعلوا ذلك بعده ويحتمل أن يكون اللوم متعلقا بالمخبر وهو من كان جالسا عنده عليه‌السلام ، فإن الظاهر أنه لم ينهض ولم يسلم ، انتهى (١).

وعلى التقادير الظاهر أنه المفضل بن عمر ، ويدل على مدحه وعلو فهمه ودرجته ، وإن احتمل غيره أيضا.

الحديث الثاني صحيح.

« وذكر شيئا » أي من علامات الإمام أو من كون الإمامة في الأولاد بعد الحسنين عليهما‌السلام دون الأخوة وأمثال ذلك مما يتعلق بالإمامة ، وربما يقرأ « ذكر » علي بناء المجهول من التفعيل ، أي ذكر عنده أمر إمامة الأخوين ، وعلى التقديرين الواو للحال وحاصل الجواب أني عينت لكم الإمام ، فلا حاجة لكم إلى استعلام العلامات والصفات ، والأصاغر جمع الأصغر أو الصغير كالأباعر جمع البعير ، وكذا الأكابر. وقال في النهاية : القذذ ريش السهم واحدتها قذة ومنه الحديث : لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة أي كما تقدر كل واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع ، يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان ، انتهى.

__________________

(١) قاله المولى محمّد صالح المازندرانيّ (ره) في شرحه.


٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه محمد بن عيسى قال دخلت على أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فناظرني في أشياء ثم قال لي يا أبا علي ارتفع الشك ما لأبي غيري.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن جعفر بن يحيى ، عن مالك بن أشيم ، عن الحسين بن بشار قال كتب ابن قياما إلى أبي الحسن عليه‌السلام كتابا يقول فيه كيف تكون إماما وليس لك ولد فأجابه أبو الحسن الرضا عليه‌السلام شبه المغضب وما علمك أنه لا يكون لي ولد والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا ذكرا يفرق به بين الحق والباطل.

٥ ـ بعض أصحابنا ، عن محمد بن علي ، عن معاوية بن حكيم ، عن ابن أبي نصر قال قال لي ابن النجاشي من الإمام بعد صاحبك فأشتهي أن تسأله حتى أعلم فدخلت على الرضا عليه‌السلام فأخبرته قال فقال لي الإمام ابني ثم قال هل يتجري

______________________________________________________

وهي هنا إما بالنصب نائبا عن المفعول المطلق لفعل محذوف أي متساويان تساوي القذة بالقذة أو منصوب بنزع الخافض أي كالقذة ، بالقذة ، أو مرفوع على أنه مبتدأ والظرف خبره ، أي القذة يقاس ويعرف مقداره بالقذة فإن من رأى أحد القذتين عرف بها مقدار القذة الأخرى لأنهما متطابقتان ، وقيل : القذة مفعول « يتوارث » بحذف المضاف وإقامتها مقامه.

الحديث الثالث : صحيح.

« في أشياء » أي في الإمامة « ما لأبي غيري » أي ابن غيري ليتوهم كونه إماما.

الحديث الرابع : مجهول ، وابن قياما بالكسر هو الحسين وكان واقفيا.

« يفرق » على بناء المعلوم أو المجهول من باب نصر.

الحديث الخامس : ضعيف

« بعد صاحبك » أي إمامك يعني الرضا عليه‌السلام وكان ذلك قبل ولادة الجواد عليه‌السلام وزاد في إرشاد المفيد في آخر الخبر : ولم يكن ولد أبو جعفر عليه‌السلام ، فلم تمض الأيام


أحد أن يقول ابني وليس له ولد.

٦ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن معمر بن خلاد قال ذكرنا عند أبي الحسن عليه‌السلام شيئا بعد ما ولد له أبو جعفر عليه‌السلام فقال ما حاجتكم إلى ذلك هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته في مكاني.

٧ ـ أحمد ، عن محمد بن علي ، عن ابن قياما الواسطي قال دخلت على علي بن موسى عليه‌السلام فقلت له أيكون إمامان قال لا إلا وأحدهما صامت فقلت له هو ذا أنت ليس لك صامت ولم يكن ولد له أبو جعفر عليه‌السلام بعد فقال لي والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ويمحق به الباطل وأهله فولد له بعد سنة أبو جعفر عليه‌السلام وكان ابن قياما واقفيا.

٨ ـ أحمد ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن الجهم قال كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام جالسا فدعا بابنه وهو صغير فأجلسه في حجري فقال لي جرده وانزع قميصه فنزعته فقال لي انظر بين كتفيه فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبيه بالخاتم

______________________________________________________

حتى ولد عليه‌السلام.

الحديث السادس : ضعيف وقد مر باختلاف في أول السند.

الحديث السابع : ضعيف.

واعتراض هذا الملعون في هذا الخبر والخبر السابق يرجع إلى أنه لو لم يكن موسى عليه‌السلام القائم وآخر الأئمة وكان كما تقولون إن المهدي هو الإمام الثاني عشر فلا بد أن يكون بعدك إمام من ولدك وليس لك ولد ، والجواب ظاهر.

الحديث الثامن ضعيف « بابنه » الباء زائدة أو للمصاحبة ، أي دعاء من يأتيه بابنه « بين كتفيه » لعله أمر بذلك ليقع نظره على الخاتم ولا يعلم أنه كان الغرض ذلك أو كان الخاتم بين الكتفين مائلا إلى أحدهما أو المراد ببينهما أحدهما أو مجموعهما مجازا وربما يقرأ بين بتشديد الياء المكسورة وهو البرهان المتضح أو أحد بتشديد الدال من الحد بمعنى المنع أو الدفع ، ويكون عبارة عن الموضع الذي بعده من الكتفين


داخل في اللحم ثم قال أترى هذا كان مثله في هذا الموضع من أبي عليه‌السلام.

٩ ـ عنه ، عن محمد بن علي ، عن أبي يحيى الصنعاني قال كنت عند أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فجيء بابنه أبي جعفر عليه‌السلام وهو صغير فقال هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى قال قلت للرضا عليه‌السلام قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عليه‌السلام فكنت تقول يهب الله لي غلاما فقد وهبه الله لك فأقر عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو قائم بين يديه فقلت جعلت فداك هذا ابن

______________________________________________________

سواء من جملة ما بينهما ، ولا يخفى ما فيهما ، ولا يبعد أن يكون البين زيد في البين من النساخ.

ثم اعلم أن الخبر يومئ إلى أن للأئمة عليهم‌السلام أيضا أو بعضهم علامة للإمامة كخاتم النبوة.

الحديث التاسع ضعيف ، وتخصيصه عليه‌السلام بعظم البركة لرفاهية الشيعة في زمانه أو لكثرة جوده وسخائه ، أو يكون الحصر إضافيا بالنسبة إلى غير الأئمة عليهم‌السلام.

الحديث العاشر : صحيح.

« فأقر عيوننا » يقال : قرت عينه إذا سر وفرح ، وأقر الله عينه أي جعله مسرورا وحقيقته أبرد الله دمعة عينه ، لأن دمعة الفرح والسرور باردة ، وقيل : معنى أقر الله عينه بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتسكن عينه فلا تستشرف إلى غيره.

« يومك » أي يوم موتك « فإن كان كون » أي حادثة الموت « فإلى من » وصيتك؟ أو نفزع من أمور ديننا وقوله : هذا ابن ثلاث سنين ، هذا الاستبعاد من صفوان بعيد من وجوه ، ولعله كان سمع منه عليه‌السلام قرب وفاته أو أنه لما قال عليه‌السلام في كل وقت يتحقق الموت تتعلق به الإمامة ، وكان يمكن تحققه قريبا فأراد استعلام ذلك ، وما استفهام إنكار والضمير المستتر في يضره لما ، والبارز لأبي جعفر عليه‌السلام ، ومن للتعليل أو


ثلاث سنين فقال وما يضره من ذلك فقد قام عيسى عليه‌السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين.

١١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن معمر بن خلاد قال سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا عليه‌السلام إن ابني في لسانه ثقل فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على رأسه وتدعو له فإنه مولاك فقال هو مولى أبي جعفر فابعث به غدا إليه.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن محمد بن خلاد الصيقل ، عن محمد بن الحسن بن عمار قال كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالسا بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما يسمع من أخيه يعني أبا الحسن عليه‌السلام إذ دخل

______________________________________________________

للتبعيض ، وذلك إشارة إلى كونه ابن ثلاث سنين ، والباء في قوله : « بالحجة » للتعدية أو للملابسة.

واعلم أن عيسى عليه‌السلام كانت نبوته في المهد قرب الولادة ورسالته بعد ثلاث سنين من عمره كما هو ظاهر هذا الخبر ، أو بعد سبع سنين كما يدل عليه خبر آخر سيأتي ، ويمكن أن يكون المعنى في هذا الخبر أنه كان في ثلاث سنين قائما بالحجة أي بحجة النبوة ، ولا ينافي ذلك كونه قبل ذلك أيضا كذلك ، ويؤيده أن في إعلام الورى نقلا عن الكليني وهو ابن أقل من ثلاث سنين.

الحديث الحادي عشر : ضعيف « هو مولى أبي جعفر عليه‌السلام » أي لا أبقى أنا إلى زمان بلوغه وولايته للإمام فهو مولى لوصيي.

الحديث الثاني عشر مجهول ، وقيل : ضعيف

« يسمع » على بناء المجرد أي كان يسمع أو على بناء الأفعال أو التفعيل أي يروي ، وربما يقرأ تسمع بالتاء على بناء التفعيل.


عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام المسجد ـ مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه فقال له أبو جعفر عليه‌السلام يا عم اجلس رحمك الله فقال يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل فقال اسكتوا إذا كان الله عز وجل وقبض على لحيته لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أنكر فضله نعوذ بالله مما تقولون بل أنا له عبد.

١٣ ـ الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه قال كنت واقفا بين يدي أبي الحسن عليه‌السلام بخراسان فقال له قائل يا سيدي إن كان كون فإلى من قال إلى أبي جعفر ابني فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه‌السلام فقال أبو الحسن عليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى ابن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه‌السلام.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا ، عن زكريا بن

______________________________________________________

« وقبض » جملة معترضة من كلام الراوي « لم يؤهل » على بناء التفعيل خبر كان « هذه الشيبة » أي صاحبها « أنكر » بتقدير الاستفهام الإنكاري « عبد » أي مطيع بكل وجه ، ويدل على جلالة قدر علي كما تدل عليه أخبار كثيرة أخرى مذكورة في كتب الرجال.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

« استصغر » أي عد صغيرا « في أصغر » أي في سبع سنين كما سيأتي باب حالات الأئمة عليهم‌السلام في السن ، وهذا الكلام كان في قرب وفاته عليه‌السلام كما سيظهر من سن أبي جعفر عليه‌السلام.

الحديث الرابع عشر : مجهول


يحيى بن النعمان الصيرفي قال سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه‌السلام فقال له الحسن إي والله جعلت فداك لقد بغى عليه إخوته فقال علي بن جعفر إي والله ونحن عمومته بغينا عليه فقال له الحسن جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم قال قال له إخوته ونحن أيضا ما كان فينا إمام قط حائل اللون فقال لهم الرضا عليه‌السلام هو ابني قالوا فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قضى بالقافة فبيننا وبينك.

______________________________________________________

« ونحن عمومته » لعله رضي‌الله‌عنه أدخل نفسه لأنه كان بينهم لا أنه كان شريكا في هذا القول « فإني لم أحضركم » لأن البغي الذي كان الحسن يقوله هو بغي إخوته عليه في دعوى الميراث كما مر وهذا شيء آخر ، والحائل : المتغير إشارة إلى سمرته عليه‌السلام ، والقافة جمع القائف وهو الذي يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه ويحكم بالنسب.

والقيافة غير معتبرة في الشريعة وجوز أكثر الأصحاب العمل بها لرد الباطل مستدلين بهذه القصة وقصة أسامة بن زيد وهي ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن عائشة قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير (١) وجهه فقال : ألم تر أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال : إن بعض هذه الأقدام لمن بعض وفي رواية أخرى قال : يا عائشة ألم تر أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت إقدامهما ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض قال عياض : المجزز بفتح الجيم وكسر الزاي الأولى ، سمي بذلك لأنه إذا أخذ أسيرا جز ناصيته ، وقيل : [ حلق ] لحيته ، وكان من بني مدلج وكانت القافة فيهم وفي بني أسد ، وقال الآبي : كانت علوم العرب ثلاثة : الشيافة ، والعيافة والقيافة ، فالشيافة شم تراب الأرض ليعلم بها الاستقامة على الطريق والخروج عنها ، والعيافة زجر الطير والطيرة والتفؤل ونحوه ، والقيافة اعتبار الشبه

__________________

(١) الأسارير : محاسن الوجه ، وسيأتى معنى المجزز وترجمته في كلام الشارح (ره).


القافة قال ابعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم.

______________________________________________________

بالخلق للولد ، وقال محيي الدين : قيل : إن أسامة كان شديد السواد وكان أبوه زيد أبيض من القطن ، فكانت الجاهلية تطعن في نسبه لذلك فلما قال القائف ذلك وكانت العرب تصغي لقول القائف سر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه كاف لهم عن الطعن.

« قال ابعثوا أنتم إليه فأما أنا فلا » أي فلا أبعث ، إنما قال ذلك لعدم اعتقاده بقول القافة لابتناء قولهم على الظن والاستنباط بالعلامات والمشابهات التي يتطرق إليها الغلط ، ولكن الخصوم لما اعتقدوا به ألزمهم بما اعتقدوه.

وقد أنكر التمسك بقول القافة أبو حنيفة وأثبته الشافعي ، والمشهور عن مالك إثباته في الإماء دون الحرائر ، ونقل عنه إثباته ، واعترض عليه ابن الباقلاني بأنه إنما لم ينكره لأنه وافق الحق الذي هو كان معلوما عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما استسر لأن المنافقين كانوا يطعنون في نسب أسامة لسواده وبياض زيد ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتأذى من قولهم ، فلما قال القائف ذلك وهم كانوا يعتقدون حكمه استسر لإلزامهم أنه ابنه وتبين كذبهم على ما يعتقدون من صحة العمل بالقافة ، انتهى.

وسيأتي الكلام في حكمه في كتاب النكاح إنشاء الله وكان كلامهم في النسب للطمع في الميراث أو الإمامة أو الأعم.

« لما دعوتموهم » ما للاستفهام ويحتمل فتح اللام وتشديد الميم ، والنهي عن الإعلام والأمر بكونهم في بيوتهم لعدم معرفة القافة خصوص الواقعة فيكون أبعد من التهمة كما أن أكثر الأمور المذكورة بعد ذلك [ لذلك ].

ويحتمل أن يكون المراد بكونهم في بيوتهم أن القافة إذا دخلوا المدينة لم يخرجوا من بيوت هؤلاء إلى أن يحضروا للإلحاق لئلا يسألوا أحدا عن الواقعة


فلما جاءوا أقعدونا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا عليه‌السلام وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له ادخل البستان كأنك تعمل فيه ثم جاءوا بأبي جعفر عليه‌السلام فقالوا ألحقوا هذا الغلام بأبيه فقالوا ليس له هاهنا أب ولكن هذا عم أبيه وهذا عم أبيه وهذا عمه وهذه عمته وإن يكن له هاهنا أب فهو صاحب البستان فإن قدميه وقدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن عليه‌السلام قالوا هذا أبوه.

قال علي بن جعفر فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه‌السلام ثم قلت له أشهد أنك إمامي عند الله فبكى الرضا عليه‌السلام ثم قال يا عم ألم تسمع أبي وهو يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم المنتجبة الرحم

______________________________________________________

« فلما جاءوا » كلام علي بن جعفر أي جاءوا معنا من بيوتنا ، إلى موضع الحكم وهو البستان « أقعدونا » القافة أو العمومة والأخوال كما أن ضمير « أخذوا » راجع إليهم. قولهم « فإن قدميه » لعلهم رأوا نقش قدمي الرضا عليه‌السلام في الطين حين دخل البستان ، فلما رجع أيقنوا أنه هو « فمصصت ريق أبي جعفر عليه‌السلام » أي قبلت فاه شفقة وشوقا بحيث دخل بعض ريقه فمي ، وأعجب ممن قال : أي أشربت ونشفت بثوبي الريق بالفتح والمراد به هنا العرق من الحياء والبكاء لبغيهم حزنا ، أو لظهور الحق سرورا « وهو يقول » الواو للحال « بأبي » أي فدى بأبي وهو خبر وابن مبتدأ ، وفي بعض النسخ : يأتي (١).

والمراد بابن خيرة الإمام المهدي عليه‌السلام والمراد بخيرة الإماء أم الجواد عليه‌السلام فإنها أمه بواسطة لأن أمه بلا واسطة كانت بنت قيصر ولم تكن نوبية ، فضمير يقتلهم راجع إلى الابن ، وقيل : المراد به الجواد عليه‌السلام وضمير يقتلهم راجع إلى الله تعالى أو مبهم يفسره قوله : وهو الطريد ، والقتل في الرجعة ، لتشفي قلوب الأئمة والمؤمنين يعذبهم سنين وشهورا وأياما بقدر زمان استيلائهم وجورهم على أئمة الحق ، وقيل : الضمير المرفوع في يقتلهم راجع إلى الأعيبس وذريته بتأويل ما ذكر ،

__________________

(١) أي بدل « بأبي ».


ويلهم لعن الله الأعيبس وذريته صاحب الفتنة ويقتلهم سنين وشهورا وأياما يسومهم خسفا ويسقيهم كأسا مصبرة وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة يقال مات أو هلك أي واد سلك أفيكون هذا يا عم إلا مني فقلت صدقت جعلت فداك.

______________________________________________________

أو يقرأ تقتلهم بالتاء فيرجع الضمير إلى الذرية وضمير الجمع إلى الأئمة عليهم‌السلام ، وضمير « هو » راجع إلى الابن ولا يخفى بعده ، وفي القاموس النوبة بالضم بلاد واسعة للسودان بجنب السعيد منها بلال الحبشي ، انتهى.

وطيب الفم المراد به الطيب الظاهري وحسن الرائحة ، أو المعنوي بكثرة الذكر والتلاوة وصدق القول ، وفي الصحاح : امرأة منجبة ومنجاب : تلد النجباء ، وضمير « ويلهم » راجع إلى بني العباس كما يدل عليه ما بعده.

والأعيبس مصغر الأعبس كما هو في بعض النسخ وهو كناية عن العباس لاشتراكهما في معنى كثرة العبوس ، وقيل : المراد بعض ذرية العباس « يسومهم خسفا » جملة حالية يقال : سامه الخسف إذا أذله ، وفي بعض النسخ : ليسومهم ، والمصبرة بفتح الميم وسكون الصاد اسم مكان للكثرة من الصبر بكسر الباء وهو المر المعروف أو بضم الميم وكسر الباء أي ذات صبر ، أو بفتح الباء من الأفعال أو التفعيل أي أدخل فيه الصبر ولا يبعد أن يكون في الأصل مكان « صاحب الفتنة » « صاحب الغيبة » فيكون مبتدأ ويقتلهم خبره ، وعلى الأصل المراد بصاحب الفتنة الأعيبس لأنه أصلهم أو ذريته بإرادة الجنس ، أو يكون بدلا عن ذريته بتخصيص بعضهم لكونهم أفسد ، وعلى التقادير لا يخلو من شيء.

وفي إرشاد المفيد وكشف الغمة وغيرهما يكون من ولده الطريد ، فالمراد بابن خيرة الإماء الجواد عليه‌السلام ، والطريد : المطرود المبعد خوفا من الظالمين ، والشريد : الفأر من بين الناس ، والموتور : من قتل حميمه وأفرد ، يقال : وترته إذا قتلت حميمه وأفردته فهو وتر موتور.


باب

الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مهران قال لما خرج أبو جعفر عليه‌السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه قلت له عند خروجه جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك فكر بوجهه إلي ضاحكا وقال ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة فلما أخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك فبكى حتى اخضلت لحيته ثم التفت إلي فقال عند هذه يخاف علي الأمر من بعدي إلى ابني علي.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه أنه قال كان يلزم باب أبي جعفر

______________________________________________________

باب الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث (ع)

أقول : المراد بالإشارة النص الخفي ، وبالنص النص الجلي.

الحديث الأول حسن ، والخرجة المرة من الخروج « في هذا الوجه » يعني في هذا الجانب وهو جانب بغداد ، وإنه عليه‌السلام أخرج مرتين إلى بغداد ففي المرة الأولى طلبه المأمون وزوجة أم الفضل فحملها إلى المدينة وكان فيها إلى أن توفي المأمون وقام أخوه محمد بن هارون الملقب بالمعتصم مقامه ، فطلبه عليه‌السلام من المدينة وقتله بالسم بتوسط أم الفضل ، كما يدل عليه بعض الأخبار التي أوردتها في البحار « فكر بوجهه » أي التفت « حتى اخضلت » بتشديد اللام أي ابتلت ولعل البكاء للشفقة على الدين وأهله ، واستيلاء أهل الباطل عليهم « يخاف » على بناء المجهول.

الحديث الثاني مجهول ، والخيراني لعله ابن خيران الخادم بواسطة أو بلا


عليه‌السلام للخدمة التي كان وكل بها وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيء في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة أبي جعفر عليه‌السلام وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر عليه‌السلام وبين أبي إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي فخرجت ذات ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول لأبي إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال لأبي ما الذي قد قال لك قال خيرا قال قد سمعت ما قال فلم تكتمه وأعاد ما سمع فقال له أبي قد حرم الله عليك ما فعلت لأن الله تعالى يقول « وَلا تَجَسَّسُوا » (١) فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما ما وإياك أن تظهرها إلى وقتها.

فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة وقال إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها وأعلموا بما فيها فلما مضى أبو جعفر عليه‌السلام ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتى قطع على يديه نحو من أربعمائة إنسان واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون

______________________________________________________

واسطة والأخير أظهر وضمائر « إنه » و « قال » و « كان » و « يلزم » لأبيه أو الأولان للخيراني وعلى الأول وضع : كان يلزم ، موضع : كنت ألزم ، من قبيل تغليب حال الحكاية على حال المحكي ، وأيضا وضع : بين أبي ، موضع بينه ، من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر.

« إنه لم يخرج » أي خيراني ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول من باب الأفعال فالضمير لأبي جعفر عليه‌السلام « حتى قطع علي يديه » أي أقر وجزم بإمامة الهادي عليه‌السلام بسببه ، أو مسح يده على أيديهم بالبيعة له عليه‌السلام على الجزم والقطع ، ومحمد بن الفرج من ثقات أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام.

والمفاوضة : المكالمة والمحاورة والمشاورة ، وفي المصباح المنير : تفاوض القوم الحديث أخذوا فيه.

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٢.


هذا الأمر فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده وأنه لو لا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ويسأله أن يأتيه فركب أبي وصار إليه فوجد القوم مجتمعين عنده فقالوا لأبي ما تقول في هذا الأمر فقال أبي لمن عنده الرقاع أحضروا الرقاع فأحضروها فقال لهم هذا ما أمرت به فقال بعضهم قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر فقال لهم قد أتاكم الله عز وجل به هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة وسأله أن يشهد بما عنده فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئا فدعاه أبي إلى المباهلة فقال لما حقق عليه قال قد سمعت ذلك وهذا مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعا.

وفي نسخة الصفواني :

٣ ـ محمد بن جعفر الكوفي ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن الحسين الواسطي أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة ـ شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أشهده أنه

______________________________________________________

« لما حقق عليه » أي ألزم الدعاء إلى المباهلة عليه ورأى أنه لا مفر له منه والمكرمة بضم الراء : الشرف ، وهذا ذم عظيم لأحمد لكن لجهالة الخيراني (١) واشتهار فضله وعلو شأنه لم يعتن الأصحاب به.

الحديث الثالث مجهول « وفي نسخة الصفواني » أي هذا الخبر لم يكن في رواية غير الصفواني كما مر ، والصفواني هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال.

وقوله : أبي (٢) بعد ذلك لعله زيد من النساخ وأول الحديث محمد بن جعفر

__________________

(١) وفي المخطوطتين « لجهالة الخبر .... ».

(٢) كذا في النسخ ومنه يظهر وجود كلمة « أبي » بعد « الصفواني » في نسخة الشارح ولكنّها غير موجودة في المتن كما تراه.


أوصى إلى علي ابنه بنفسه وأخواته وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه وجعل عبد الله بن المساور قائما على تركته من الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك إلى أن يبلغ علي بن محمد صير عبد الله بن المساور ذلك اليوم إليه يقوم بأمر نفسه وأخواته ويصير أمر موسى إليه يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين وكتب

______________________________________________________

وجملة « سمع » استئناف بياني وضمير أنه لأبي جعفر عليه‌السلام « بنفسه » أي بأمور نفسه ، والضمير لعلي عليه‌السلام ، والمراد بإخوانه موسى وثلاث بنات أبي جعفر عليه‌السلام بتغليب المذكر على المؤنث ، ولا يبعد أن يكون أخواته فصحف.

« وجعل أمر موسى إذا بلغ » أي موسى « إليه » أي إلى موسى وهو موسى المبرقع المدفون بقم ، أو ضمير بلغ راجع إلى علي عليه‌السلام وكذا ضمير إليه فيكون التقييد ، بالبلوغ للتقية ، والمراد به واقعا البلوغ إلى حد الإمامة ، أو ضمير بلغ راجع إلى موسى عليه‌السلام و « إليه » إلى أبي جعفر عليه‌السلام أي أمره بعد البلوغ إليه فكيف قبله ، ولعل الأوسط أظهر كما يدل عليه ما بعده فيكون القيد لتوهم أنه متعلق بجميع ما تقدم تقية.

« وجعل » أي أبو جعفر عليه‌السلام « عبد الله بن المساور قائما على تركته من الضياع والأموال والنفقات » أي على الضياع وغيرها « والرقيق » أي حفظهم والإنفاق عليهم وبعثهم إلى الضياع وغيرها « صير عبد الله » أي بعد بلوغ الإمام عليه‌السلام صيره عبد الله مستقلا في أمور نفسه ووكل أمور إخوانه إليه « ويصير » على التفعيل أي عبد الله أو الإمام عليه‌السلام « أمر موسى إليه » أي إلى موسى « بعدهما » أي بعد فوت عبد الله والإمام ، ويمكن أن يقرأ يصير بالتخفيف وقوله : على شرط أبيهما ، متعلق بيقوم في الموضعين.

وقيل : ضمير بلغ لموسى وضمير إليه لعلي كما مر ، وصير فاعله ضمير مستتر راجع إلى أبي جعفر ، وعبد الله منصوب بالمفعولية.

و « ذلك » بدل اشتمال لعبد الله وإشارة إلى القيام على تركته « إليه » أي مفوضا إلى


أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو الجواني على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب وكتب شهادته بيده وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده.

باب

الإشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام

١ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن يحيى بن يسار القنبري قال أوصى أبو الحسن عليه‌السلام إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.

٢ ـ علي بن محمد ، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن بشار بن أحمد البصري ، عن

______________________________________________________

علي وهذه الجملة استئناف لبيان الجملة السابقة ، وهي قوله : جعل عبد الله بن المساور إلى آخره ، والمراد أن عبد الله في القيام على تركته مأمور بأمر علي عليه‌السلام لا استقلال له أصلا ، والقرينة كون صير ماضيا بدون واو العطف وجملة يقوم استئناف لبيان الاستئناف السابق ، ويصير من باب ضرب عطف على يقوم وضمير إليه لعلي وضمير يقوم لعلي وضمير لنفسه لموسى. و « بعد » مبني على الضم أي بعد بلوغ موسى أيضا وهذه الجملة استيناف لبيان قوله يصير أمر موسى إليه وهذا مبني على أن الإمام كالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهما مبتدأ والضمير راجع إلى علي وموسى ، والظرف خبر المبتدأ.

وأقول : ارتكاب التقية في الكلام أحسن من ارتكاب هذه التكلفات البعيدة.

باب الإشارة والنص على أبي محمد (ع)

الحديث الأول مجهول ، وقيل : ضعيف « قبل مضيه » أي وفاته أو خروجه إلى سر من رأى ، والأول أظهر والموالي العجم الملحقون بالعرب أو الشيعة المخلصون.

الحديث الثاني مجهول ، وبشار : بفتح الباء وتشديد الشين ، والنوفلي بفتح النون


علي بن عمر النوفلي قال كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك فقال لا صاحبكم بعدي الحسن.

٣ ـ عنه ، عن بشار بن أحمد ، عن عبد الله بن محمد الأصفهاني قال قال أبو الحسن عليه‌السلام صاحبكم بعدي الذي يصلي علي قال ولم نعرف أبا محمد قبل ذلك قال فخرج أبو محمد فصلى عليه.

٤ ـ وعنه ، عن موسى بن جعفر بن وهب ، عن علي بن جعفر قال كنت حاضرا أبا الحسن عليه‌السلام لما توفي ابنه محمد فقال للحسن يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله بن مروان الأنباري قال كنت حاضرا عند مضي أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام فجاء أبو الحسن عليه‌السلام فوضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته وأبو محمد قائم في ناحية فلما

______________________________________________________

والفاء. « فمر بنا محمد ابنه » كان له عليه‌السلام ثلاثة بنين : محمد والحسن صلوات الله عليهما وجعفر ، ومات محمد قبله وكان أكبر ولده ، وكانت الشيعة يزعمون أنه الإمام لكونه أكبر فإخباره عليه‌السلام بعدم إمامته معجز لعلمه بموته قبله ، وكان يكنى أبا جعفر عليه‌السلام.

الحديث الثالث مجهول ، وضمير « عنه » راجع إلى جعفر بن محمد « يصلي على » أي يؤم الناس في الصلاة على بعد موتي.

الحديث الرابع مجهول ، وضمير « عنه » راجع إلى جعفر أيضا ، وعلي بن جعفر الظاهر أنه اليماني الثقة الذي كان وكيلا للهادي عليه‌السلام « فقد أحدث فيك أمرا » أي جعلك الله إماما بموت أخيك الأكبر قبلك وبد الله فيك (١).

الحديث الخامس ضعيف على المشهور.

« عند أبي جعفر » أي عند تجهيزه أو عند موته ، وفي إعلام الورى وإرشاد المفيد وكشف الغمة وغيرها « عند مضي أبي جعفر (٢) » وأبو جعفر هو محمد « من أمر أبي جعفر »

__________________

(١) وقد مرّ معنى البداء وحقيقته في باب البداء في الجزء الثاني فراجع.

(٢) كما في بعض نسخ الكافي أيضا.


فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد عليه‌السلام فقال يا بني أحدث لله تبارك وتعالى شكرا فقد أحدث فيك أمرا.

٦ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد القلانسي ، عن علي بن الحسين بن عمرو ، عن علي بن مهزيار قال قلت لأبي الحسن عليه‌السلام إن كان كون وأعوذ بالله فإلى من قال عهدي إلى الأكبر من ولدي.

٧ ـ علي بن محمد ، عن أبي محمد الإسبارقيني ، عن علي بن عمرو العطار قال دخلت على أبي الحسن العسكري عليه‌السلام وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظن أنه هو فقلت له جعلت فداك من أخص من ولدك فقال لا تخصوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري قال فكتبت إليه بعد فيمن يكون هذا الأمر قال فكتب إلي في الكبير من ولدي قال وكان أبو محمد أكبر من أبي جعفر.

٨ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن سعد بن عبد الله ، عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد باب أبي الحسن يعزونه وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله فقالوا قدرنا أن يكون

______________________________________________________

أي تجهيزه.

الحديث السادس مجهول وقيل : ضعيف.

« من ولدي » بصيغة التثنية وكان ذلك بعد وفاة أبي جعفر ، وفي إرشاد المفيد وإعلام الورى وغيرهما بعد ذلك يعني الحسن عليه‌السلام.

الحديث السابع مجهول ، وفي إعلام الورى عن أبي محمد الأسترآبادي وضمير « أنه » للإمام بعد أبي الحسن ، وضمير هو لأبي جعفر أو بالعكس « أخص » أي أعين للإمامة « بعدك » بعد بالبناء على الضم ، أي بعد فوت أبي جعفر « أكبر من جعفر » أي الكذاب المشهور.

الحديث الثامن مجهول كالصحيح.


حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلا سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه فنظر إليه أبو الحسن عليه‌السلام بعد ساعة فقال يا بني أحدث لله عز وجل شكرا فقد أحدث فيك أمرا فبكى الفتى وحمد الله واسترجع وقال « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » وأنا أسأل الله تمام نعمه لنا فيك و « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » فسألنا عنه فقيل هذا الحسن ابنه وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه.

٩ ـ علي بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن محمد بن يحيى بن درياب قال دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام بعد مضي أبي جعفر فعزيته عنه وأبو محمد عليه‌السلام جالس فبكى أبو محمد عليه‌السلام فأقبل عليه أبو الحسن عليه‌السلام فقال له إن الله تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله.

______________________________________________________

« وقال الحمد لله » عطف تفسير لما تقدم « فيك » أي في بقائك ، وفي الإرشاد :

وإياه أسأل تمامه نعمه علينا ، وهو أظهر ، ويدل على جواز شق الجيب على الأخ كما ذكره الأصحاب ، وعلى جواز البكاء عند المصيبة ، وأنه ليس بالجزع المذموم وإنما هو قول يسخط الرب ، وفعل ما نهى عنه ، والبكاء لا ينافي الرضا بالقلب « إِنَّا لِلَّهِ » إظهار للرضا وإقرار بأنا جميعا عبيده مملوكون له جار فينا حكمه وقضاؤه ، وليس لنا الاعتراض عليه فيما يفعله « وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » إقرار بالهلاك والفناء وتسلية للنفس بأنا أيضا نموت ولا نبقي في الدنيا فنجزع لموت غيرنا ، ونصل قريبا إلى من فارقناه ، وهذه أفضل كلمة تقال عند المصيبة كما دلت عليه الآية الكريمة « أو أرجح » في الإرشاد « ونحوها » وليس في إعلام الورى شيء منهما.

الحديث التاسع : مجهول « قد جعل فيك خلفا منه » الخلف بالتحريك ما يبقى بعد الشيء أي إنه وإن ذهب عنك لكن انتقل منه إليك الإمامة ، أو يكون على سبيل التجريد أي جعلك خلفا وقيل : المراد أنه جعل في صلبك عوضا منه وهو القائم عليه‌السلام وهو بعيد.


١٠ ـ علي بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن أبي هاشم الجعفري قال كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت ـ كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر ابن محمد عليهم‌السلام وإن قصتهما كقصتهما إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر عليه‌السلام فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه‌السلام ما لم يكن يعرف له كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون وأبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة.

١١ ـ علي بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن محمد بن يحيى بن درياب ، عن أبي بكر الفهفكي قال كتب إلي أبو الحسن عليه‌السلام أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة

______________________________________________________

الحديث العاشر : مجهول.

« كأبي الحسن » النشر على غير ترتيب اللف « إذ كان أبو محمد المرجئ » أي كان رجاء الإمامة في أبي محمد عليه‌السلام إنما حدث بعد فوت أبي جعفر ، كما أن رجاء الإمامة في أبي الحسن عليه‌السلام إنما حدث بعد وفاة إسماعيل ، وربما يقرأ بالهمز أي المؤخر أجله وقد سبق معنى البداء في بابه ، وقد يقال : البداء الظهور ، واللام في لله للسببية « وما لم يكن » فاعل بدا « ويعرف » على بناء المجهول وضمير له لله أو لأبي محمد ، و « ما » في كما مصدرية ، و « كشف » على المعلوم أو المجهول ، والحاصل أنه ظهر للناس ما لم يكونوا يعرفونه فيهما ، وفيهما آلة الإمامة وشروطها ولوازمها من العلوم والعصمة والكمالات وكتب الأنبياء وآثارهم وأمثال تلك الأمور.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« أنصح آل محمد » أي أخلص وأصفى « غريزة » أي طبيعة أي في زمانه ، أو مخصص بغير الأئمة عليهم‌السلام ، وكذا « أوثقهم حجة » ويحتمل أن تكون الأوثقية باعتبار ظهور بطلان معارضة ، وهو جعفر المشهور بالفسق والكذب والفجور ،


وأوثقهم حجة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه ينتهي عرى الإمامة وأحكامها فما كنت سائلي فسله عنه فعنده ما يحتاج إليه.

١٢ ـ علي بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن شاهويه بن عبد الله الجلاب قال كتب إلي أبو الحسن في كتاب أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك فلا تغتم فإن الله عز وجل لا يضل « قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ » وصاحبك بعدي أبو محمد ابني وعنده ما تحتاجون إليه يقدم ما يشاء الله ويؤخر ما يشاء الله « ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها » قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان.

______________________________________________________

والعروة ما يتمسك به « وعرى الإمامة » دلائلها التي يتمسك بها صاحبها من العلم والنصوص والمعجزات وكتب الأنبياء وآثارهم « ما يحتاج إليه » على المخاطب المعلوم أو الغائب المجهول.

الحديث الثاني عشر : مجهول أيضا.

« قلقت » كنصرت أي اضطربت « لذلك » أي لموت أبي جعفر لتوهمك أنه الخلف ، أو لعدم علمك بالخلف بعده « لا يضل قوما » أي لا يجدهم ضالين خارجين عن طريق الحق ، أو لا يسميهم ضالين ، أو لا يؤاخذهم مؤاخذتهم « بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ » للإيمان « حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ » أي ما يجب اتقاؤه وهو مخالفة الإمام ، ولا يعلم ذلك إلا بهدايتهم أي خصوص الإمام أو جميع الأوامر والنواهي ، ولا يعلم إلا من جهة الإمام ، فلا بد من تعيينه لهم ، وتدل على معذورية الجاهل وقد مر الكلام في تفسير الآية في باب البيان والتعريف « يقدم الله ما يشاء (١) » إشارة إلى البداء في أبي جعفر فإنه قدم أبا محمد عليه‌السلام وأخر أبا جعفر « ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ » كلمة « ما » شرطية وإنساؤها إذهابها عن القلوب ، أي أي شيء ننسخ من آية أو نذهبها عن القلوب « نَأْتِ » بما هو خير لهم « مِنْها أَوْ مِثْلِها » في النفع فقد أنسي وأزيل عن قلوبهم ما ظنوه من

__________________

(١) وفي المتن « يقدّم ما يشاء الله ... ».


١٣ ـ علي بن محمد عمن ذكره ، عن محمد بن أحمد العلوي ، عن داود بن القاسم قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت ولم جعلني الله فداك فقال إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت فكيف نذكره فقال قولوا الحجة من آل محمد عليهم‌السلام.

______________________________________________________

خلافة أبي جعفر بموته وأتى بمن هو خير لهم وهو أبو محمد عليه‌السلام ، أو المراد أنه إذا ذهب الله بي لا بد من أن يأتي بخير مني أو مثلي ، وأبو جعفر لم يكن كذلك ، ومن هو كذلك هو أبو محمد عليه‌السلام وعلى التقديرين هو مبني على ما مر من تأويل الآيات بالأئمة عليهم‌السلام ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما لله آية أكبر مني ، والقناع اسم مصدر باب الأفعال كالبلاغ.

الحديث الثالث عشر : مجهول أيضا « فكيف لكم » أي يحصل العلم لكم بشخصه أو بمكانه أو يتمشى الأمر لكم « بالخلف » أي القائم عليه‌السلام « من بعد الخلف » أي أبي محمد عليه‌السلام « لا ترون شخصه » أي عموما أو في عموم الأوقات « ولا يحل لكم ذكره » ويدل على حرمة تسميته عليه‌السلام وسيأتي القول فيه.


انتهى الجزء الثالث حسب تجزئتنا من هذه الطبعة ويليه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى وأوّله « باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار عليه‌السلام » وقد فرغ الفراغ من تصحيحه في ١٤ ذي قعدة الحرام من سنة ١٣٦٤ ق.

وأنا العبد المذنب الفاني

السيد هاشم الرسولي المحلاتي


الفهرست

رقم الصفحة

العنوان

عدد الأحاديث

١

باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه هم الأئمة عليهم‌السلام

٥

٤

باب عرض الأعمال على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام

٦

٦

باب أن الطريقة التي حث على الاستقامة عليها ولاية علي عليه‌السلام

٢

٨

باب أن الأئمة عليهم‌السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة

٢

١١

باب أن الأئمة عليهم‌السلام ورثة العلم يرث بعضهم بعضا العلم

٨

١٤

باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم

٧

٢٤

باب أن الأئمة عليهم‌السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها

٢

٣٠

باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم‌السلام وأنهم يعلمون علمه كله

٦

٣٥

باب ما أعطي الأئمة عليهم‌السلام من اسم الله الأعظم

٣

٣٨

باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء

٥

٤١

باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومتاعه

٩

٥٣

باب أن مثل سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل التابوت في بني إسرائيل

٤

٥٤

باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليه‌السلام

٨

٦١

باب في شأن إنَّا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها

٩

١٠٤

باب في أن الأئمة عليهم‌السلام يزدادون في ليلة الجمعة

٣

١٠٦

باب لو لا أن الأئمة عليهم‌السلام يزدادون لنفد ما عندهم

٤

١٠٨

باب أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم‌السلام

٤


رقم الصفحة

العنوان

عدد الأحاديث

١١٠

باب نادر فيه ذكر الغيب

٤

١١٨

باب أن الأئمة عليهم‌السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا

٣

١١٩

باب أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم

٨

١٢٩

باب أن الأئمة عليهم‌السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم

٦

١٣٤

باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين وأنه كان شريكه في العلم

٣

١٣٦

باب جهات علوم الأئمة عليهم‌السلام

٣

١٣٩

باب أن الأئمة عليهم‌السلام لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه

٢

١٤١

باب التفويض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الأئمة عليهم‌السلام في أمر الدين

١٠

١٥٦

باب في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوة

٧

١٦١

باب أن الأئمة عليهم‌السلام محدثون مفهمون

٥

١٦٥

باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم‌السلام

٣

١٦٩

باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم‌السلام

٦

١٧٥

باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي كان قبله عليهم‌السلام

٣

١٧٦

باب في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم والشجاعة والطاعة سواء

٣

١٧٩

باب أن الإمام عليهم‌السلام يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن قول الله تعالى «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها» فيهم عليهم‌السلام نزلت

٧

١٨٣

باب أن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود من واحد إلى واحد

٤


رقم الصفحة

العنوان

عدد الأحاديث

١٨٨

باب أن الأئمة عليهم‌السلام لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه

٤

٢٠٤

باب الأمور التي توجب حجة الإمام عليه‌السلام

٧

٢٠٨

باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرهما من القرابات

٥

٢١٣

باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة عليهم‌السلام واحدا فواحدا

٧

٢٦٥

باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين عليه‌السلام

٩

٢٩١

باب الإشارة والنص على الحسن بن علي عليه‌السلام

٧

٣٠٤

باب الإشارة والنص على الحسين بن علي عليه‌السلام

٣

٣٢٠

باب الإشارة والنص على علي بن الحسين صلوات الله عليهما

٤

٣٢٢

باب الإشارة والنص على أبي جعفر عليه‌السلام

٤

٣٢٥

باب الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليهما

٨

٣٢٩

باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه‌السلام

١٦

٣٤١

باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام

١٦

٣٧٢

باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني عليه‌السلام

١٤

٣٨٣

باب الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام

٣

٣٨٧

باب الإشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام

١٣

مرآة العقول - ٣

المؤلف:
الصفحات: 397