• الفهرس
  • عدد النتائج:

وإن كان هذا الجواب لا يخلو عن تأمّل ، فإنّ حكم العقل بلزوم الاجتناب عن ذلك الضرر الدنيوي الذي هو المفسدة لا ينجّز التكليف الواقعي ، ولا يكون حجّة قاطعة لعذر المكلّف من ناحية ذلك التكليف الواقعي المحتمل ، فإنّ تلك الأضرار الدنيوية المفروض كونها عبارة عن المصالح والمفاسد التي هي ملاكات الأحكام الواقعية ، حيث إنّها خارجة عن العقوبة الأُخروية لم يكن احتمالها منجّزاً للتكاليف الواقعية ، بحيث يوجب احتمال العقوبة على مخالفة تلك التكاليف الواقعية ، فلم يبق إلاّدعوى أنّ حكم العقل بدفع الضرر الدنيوي المحتمل ملازم لحكم الشرع بذلك ، وهذا إنّما يتصوّر في الأضرار الدنيوية الأُخر مثل تلف النفس ونحوه ، أمّا المفاسد التي هي ملاكات الأحكام الواقعية فلا يكون احتمالها بل العلم بها مؤثّراً في حكم الشرع بوجوب اجتنابها ، على وجه يكون للشارع حكم آخر غير ذلك الحكم الواقعي التابع لها ، وإن حكم العقل بذلك ، إذ لا يكون هذا الحكم العقلي ملازماً للحكم الشرعي ، إذ لا يؤثّر ملاك الحكم الواقعي إلاّفي ذلك الحكم الواقعي.

مثلاً لو كان ملاك حرمة شرب التتن على تقدير حرمته واقعاً هو أنّه يوجب قلة الرزق ، أو يوجب قصر العمر ، أو يوجب بعد العبد عن ساحة الطاعة ، فهذا الملاك لا يؤثّر إلاّفي الحكم الواقعي على شرب التتن بأنّه حرام ، فلو كنّا نحتمل حرمة شرب التتن ، وكان احتمال حرمته ملازماً لاحتمال تلك المفسدة المفروض كونها ضرراً دنيوياً ، وكان العقل حاكماً بلزوم دفع ذلك الضرر ، لم يكن ذلك الحكم العقلي ملازماً للحكم الشرعي بالاجتناب عنه ، نظير الحكم الشرعي بلزوم اجتناب الطريق الذي يحتمل تلف النفس في سلوكه ، لأنّ ذلك الضرر الذي هو مفسدة شرب التتن لا يترتّب عليه إلاّتلك الحرمة الواقعية على تقديرها ،