قوله : فالإنصاف أنّ مدّعي القطع بتقدّم رتبة الامتثال التفصيلي على الامتثال الاجمالي في الشبهات الموضوعية والحكمية مع التمكّن من إزالة الشبهة ، لا يكون مجازفاً في دعواه. مع أنّه لو سلّم الشكّ في ذلك فقد عرفت أنّ الأصل يقتضي الاشتغال لا البراءة ، لأنّ مرجع الشكّ في ذلك إلى الشكّ في التخيير بين الامتثال التفصيلي والاجمالي ، أو تعيّن الامتثال التفصيلي ... الخ (١).
يمكن أن يقال : إنّ هذه الدعوى لو سلّمت لم تكن وافية باتمام المطلوب إلاّ بضمّ دعوى أُخرى إليها ، وهي دعوى كون الأمر الشرعي الثانوي الذي عبّرنا عنه بمتمّم الجعل متعلّقاً بنفس ما حكم العقل بحسنه ، وقد عرفت (٢) ما في الدعوى الثانية.
ومنه يظهر لك أنّا لو سلّمنا الشكّ من العقل لم يكن ذلك مؤثّراً في ناحية ذلك الحكم الشرعي ، بل قد عرفت أنّ العقل لو قطع بالتساوي بين الاطاعتين لم يكن ذلك نافعاً في ناحية ذلك الحكم الشرعي ، الذي كان ناشئاً عن ملاك آخر غير ملاك الاستحسان العقلي.
نعم ، بعد ما عرفت من دوران الأمر في متعلّق ذلك الأمر الثانوي بين التخيير والتعيين الشرعيين ، تدخل المسألة في ذلك الوادي ، والمختار فيه هو الاشتغال لا البراءة.
ومن ذلك يظهر أنّ القول بالاشتغال وعدم الرجوع فيه إلى البراءة فيما نحن
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٧٣.
(٢) في الصفحة : ١٨٤ ـ ١٨٦.