ليس ذلك بأقلّ ممّن علم تفصيلاً بأنّ هذا المائع خمر وأنّ الآخر خل فشربهما على التدريج ثمّ تبيّن العكس.
اللهمّ إلاّأن يقال : إنّه لو كان بانياً من أوّل الأمر يصدق عليه أنّه شرب الخمر عن علم وعمد إليه. لكن لا يخفى ما فيه ، فإنّ العلم والعمد إنّما يكون في الأوّل وهو ليس بخمر واقعي ، والثاني وإن كان خمراً واقعياً لكنّه لم يكن شربه عن علم بكونه خمراً ، فتأمّل.
وأمّا ما أفاده شيخنا قدسسره من الجواب عن الأوّل فيمكن التأمّل فيه باعتبار كونه موجباً لسدّ باب كون العلم تمام الموضوع في الأحكام العقلية ، فإنّ لازمه هو كون العلم فيها دائماً جزءاً من الموضوع ، ولا يعقل كونه تمام الموضوع ، بل يكون الحال كذلك في الأحكام الشرعية التي يكون العلم مأخوذاً فيها على نحو الموضوعية ، إذ بعد البناء على أنّ العلم المخطئ لا يكون علماً بل لا يكون إلاّمن قبيل الجهل المركّب ، لا يكون العلم المأخوذ إلاّما يكون جزءاً من الموضوع.
وأمّا الجواب عن الثاني فهو منوط بتمامية الجواب الأوّل ، فإنّه بعد تماميته يكون القبح الفاعلي منحصراً بسوء السريرة ، إذ لا يكون لنا حينئذ قبح فعلي ، وقد عرفت عدم تمامية الجواب عن الأوّل ، وحينئذ فلا ينحصر القبح الفاعلي فيما نحن فيه بقبح السريرة ، فلاحظ وتدبّر.
ثمّ لا يخفى أنّ اللغوية التي أشكل بها هنا شيخنا قدسسره آتية في أخذ العلم تمام الموضوع وإن لم يكن من قبيل اجتماع المثلين كما لو قال : من علم بطلوع الفجر وجب عليه التصدّق بدرهم ، وأخذنا العلم تمام الموضوع بنحو يكون شاملاً لمن كان قطعه مخالفاً للواقع ، فإنّ كلّ قاطع لا يرى قطعه مخالفاً للواقع ، فلا يرى نفسه داخلاً في الشقّ الثاني الذي هو المخالف ، بل وإنّما يرى القاطع أنّه من الشقّ الأوّل