وهو العمدة في المقام ، فلا تنجّز للأحكام العقليّة ولا يجب امتثالها في النتيجة ، مع أنّ القائل بالملازمة يريد أن يجعل دليل العقل من الأدلّة الأربعة التي تنكشف بها القوانين الشرعيّة الإلزاميّة.
الثاني : أنّ العقل أيضاً داخل في زمرة الرسل ، فإنّه رسول وحجّة باطنة كما أنّ النبي صلىاللهعليهوآله حجّة ظاهرة ، وقد ورد في رواية هشام : « أنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظاهر فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهمالسلام ، وأمّا الباطنة فالعقول » (١) وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « حجّة الله على العباد النبي ، والحجّة فيما بين العباد وبين الله العقل » (٢).
وفيه : أنّ الرسول في الآية بقرينة كلمة البعث ظاهر في الرسول الظاهري ومنصرف إلى الحجج الظاهرة.
الثالث : ( وهو الحقّ ) أنّ المراد من العذاب في الآية ليس مطلق العذاب ، بل المراد منه عذاب الإستئصال الذي يوجب الهدم والهلاك في الدنيا كالطوفان لقوم نوح عليهالسلام والغرق لقوم فرعون والصيحة السماويّة لأقوام اخر ، فالآية إشارة إلى هذا النوع من العذاب ، ولذلك عبّرت عنه بصيغة الماضي بقوله تعالى : « ما كنّا » ويشهد لذلك أيضاً ما وردت بعدها من قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) (٣). ولا أقلّ من أنّه ليس للآية إطلاق يشمل غير عذاب الإستئصال فإنّها محفوفة بما يصلح للقرينة.
الرابع : أنّ الآية كناية عن إتمام الحجّة ويكون ذكر بعث الرسل فيها من باب الغلبة لأنّ جلّ الأحكام وصلت إلينا من طريق الأدلّة السمعيّة ، فيكون مفاد الآية « إنّا لا نعذّب العباد حتّى نتمّ الحجّة عليهم » ويشهد على هذا قوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ) (٤).
وهذا الجواب أيضاً لا بأس به.
__________________
(١) اصول الكافي : باب العقل والجهل ، ح ١٢.
(٢) المصدر السابق : ح ٢٢.
(٣) سورة الإسراء : الآية ١٦ و ١٧.
(٤) سورة طه : الآية ١٣٤.