النخيلة لم يتجاوز الأربعة آلاف مقاتل (١) ، وربما انخفض إلى ثلاثة آلاف وثلاثمائة مقاتل (٢) إبان المعركة الفاصلة ، وكان من أبرز المتخلفين شيعة المدائن والبصرة (٣) ، فضلاً عن تخلّف عدد غير قليل من شيعة الكوفة.

وما كان لعزوف الكثيرين عن تلبية دعوة سليمان في (النخيلة) ، أي تأثير على معنويات زعماء الحركة أو أي انعكاس على عزائمهم الثابتة.

فقد بلغ بهم الإيمان حدّا جعلهم لا يفكرون إلاّ بالهدف الذي خرجوا من أجله ، ولن يعيقهم عن الحقيقة عائق مهما بدت الطريق إليه صعبة وشائكة. ثم كانت وفاة يزيد وما تبعه من انقسام بني أمية.

فاعتبرها التوابون نصرا لهم ، وظن ابن صرد ، أن وفاة الطاغية الملعون يزيد ستؤدي إلى التفاف الناس حوله ، فما يكتب لحركة التوابين النصر.

تقدم (التوابون) ، حتى بلغوا قبر الإمام الحسين عليه‌السلام ، وهناك استرحموا عليه ، وبكوا بكاءً مرا ، وهم يردّدون في خشوع :

« اللهمّ إنا نشهدك على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبّيهم ، اللهمّ إنا خذلنا ابن بنت نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاغفر لنا ما مضى منا ، وتب علينا ، وارحم حسينا وأصحابه الشهداء الصديقين ، وإنا نشهدك إنا على دينهم وعلى ما قتلوا عليه ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

وبقي سليمان آخر من بقي من أصحابه يتضرّع عند القبر الشريف ، ويستغفر لذنوبه ، ويأتي آخر وهو (وهب بن زمعة) فيبكي الحسين بأبيات

__________________

(١) الطبري ٧ : ٦٧ ، ابن الأثير ٢ : ٢٥٢.

(٢) الفتوح / ابن الاعثم الكوفي ٥ : ٢١٤.

(٣) الطبري ٧ : ٦٩.