لانسداد باب إثبات النبوّة ).
أقول : وجه توقّف معرفة الوجه على حكم العقل بالحسن والقبح ، وعلى كون الحسن والقبح لذات الفعل ، أو لوجه يلحقها ظاهرا ، فإنّه لو لا ذلك لجاز إيجاب الفعل لا لغاية.
فإذا قيل : يكون عبثا قبيحا.
قلنا : جاز كون الشارع لا يقبّح ذلك ، والعقل لا يحكم له فيه ، فلا يطلب الوجه حينئذ. وكذا إذا قلنا : إنّ حسن الفعل وقبحه لذات الفعل لم تطلب الوجه. وإن قلنا :
له وجه يقع عليه فيحسن لأجله أو يقبح ، احتجنا إلى معرفة الوجه ، فظهر أنّ البحث في الوجه يتوقّف على هاتين.
إذا عرفت ذلك فنقول : حكم العقل بحسن بعض الأشياء كالصدق النافع ضروريّ ، ويقبح بعضها كالكذب الضارّ ضروري ، وببعضهما كالصدق الضارّ ، والكذب النافع نظري ؛ ومن ثمّ نكّر المصنّف أشياء لعدم عموم النكرة في الإثبات.
قوله : والمنازع إن لم يكن مكابرا إلى آخره.
جواب سؤال مقدّر ، هو أنّ العلم بذلك لو كان ضروريّا لما وقع النزاع فيه لكنّه وقع ، لزم من استثناء نقيض التالي نقيض المقدّم ، وهو أنّه ليس ضروريّا.
فأجاب رحمهالله بأنّ النزاع ليس بعدم ضروريّة حسن شيء أو قبحه ، بل لأحد أمرين : إمّا لمكابرة ومجاحدة لسانا ، مع اعتقاد صحّة ما قلناه إيقانا ، أو لعدم تصوّر الأكبر المحكوم به ، والأصغر المحكوم عليه ، فإنّ تصوّر الطرفين قد يكون خفيّا عن الذهن فيقف عن الحكم لذلك ، فإنّ من استفهم عن نصف ربع عشر العشرين يقف عن الجواب ، ولو استفهم عن نصف نصف الدرهم لسارع إليه.
قوله : ولأنّهما لو انتفيا عقلا لانتفيا سمعا ، لانسداد باب إثبات النبوّة ، لكنّهما لم ينتفيا سمعا اتّفاقا لم ينتفيا عقلا التزاما.
بيان الملازمة : أنّ الطريق إلى صحّة السمع صحة النبوّة ، والطريق إليها المعجز الحاكم بها ، والطريق إلى خلقه لتصديقه عدل الله وحكمته المستفاد من غنائه المستفاد