• الفهرس
  • عدد النتائج:

فعلم الأنبياء أشرف مرتبة من جميع علوم الخلائق ، لأنّ حصوله من الله تعالى بلا واسطة ووسيلة ، وبيان هذه الكلمة يوجد في قصة آدم والملائكة ، فإنّهم تعلّموا طول عمرهم وحصلوا بفنون الطرق الكثيرة العلوم حتى صاروا أعلم المخلوقات وأعرف الموجودات ، وآدم لمّا جاء ما كان عالما لأنّه ما تعلّم وما رأى معلّما ، فتفاخرت الملائكة عليه وتجبّروا وتكبّروا وقالوا : ( نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) ونعلم حقائق الأشياء ، فرجع آدم إلى باب خالقه وأخرج قلبه وأقبل بالاستغاثة على الربّ تعالى ، ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ : أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) فصغر حالهم عند آدم وقلّ علمهم وانكسرت سفينة جبروتهم ، فغرقوا في العجز فقالوا : ( لا عِلْمَ لَنا ) ، فقال تعالى : ( يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ) فأنبئهم آدم عن مكنونات الغيب ومستترات الأمر.

فتقرّر الأمر عند العقلاء : أن العلم الغيبي المتولّد عن الوحي أقوى وأكمل من العلوم المكتسبة ، وصار علم الوحي إرث الأنبياء وحق الرسل ، حتى أغلق الله باب الوحي في عهد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاتم النبيين ، وكان أعلم وأفصح العرب والعجم ، وكان يقول : أدّبني ربّي فأحسن تأديبي ، وقال لقومه : أنا أعلمكم بالله وأخشاكم من الله ، وإنّما كان علمه أشرف وأكمل وأقوى لأنّه حصل عن التعليم الرباني وما اشتغل قط بالتعلّم والتعليم الانساني ، فقال تعالى : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ) ».

وقال القاضي عياض :

« فصل : ومن معجزاته الباهرة : ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم ، وخصّه به من الاطّلاع على جميع مصالح الدنيا والدين ، ومعرفته بأمور شرائعه وقوانين دينه وسياسة عباده ومصالح أمته ، وما كان في الأمم قبله ، وقصص الأنبياء والرسل والجبابرة والقرون الماضية من لدن آدم إلى زمنه ، وحفظ شرائعهم وكتبهم ، ووعي سيرهم وسرد أنبائهم وأيّام الله فيهم ، وصفات أعيانهم واختلاف آرائهم ، والمعرفة بمددهم وأعمارهم ، وحكم حكمائهم ، ومحاجّة كلّ أمّة من الكفرة ،