• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • الفصل الأول

  • واضح أن شك «واط» يقوم على دليل ، غير أنه ليس إسلاميا ، فمراجعنا المعتبرة ، والموثوق فيها ، مشكوك فيها عنده ، دليله هنا نصرانى من بنى جلدته ، خصم لنا ، «كاتيانى» فى حولياته ، لذلك فهو موثق عنده ، ولكننا نسأل المستشرق ، العالم ، المحايد ـ فيما زعم ـ هل يجوز للعالم الباحث ، المحايد أن يعتمد على مصادر الخصم للوصول إلى نتيجة سلبية ، خاصة وأن الخصم غير حيادى؟ لقد أسقط الإسلام شهادة الخصم على خصمه.

    إن المقدمة الكبرى لدى الاستشراق هى بطلان نبوة محمد «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ، وكل أبحاثهم إنما هى للتوفيق بين الدلائل التاريخية الناصعة على صدقه وبين مقدمتهم تلك ، من أجل ذلك انتهجوا التشكيك في حقائق التاريخ التى لا تتلاءم مع مقدمتهم.

    والحقيقة أن المستشرق «واط» يقول ما لا يفعل فهو يزعم الحيدة والموضوعية والبعد عن الإساءة إلى مشاعر المسلمين ، فضلا عن تناقضه هو وليس علماء الإسلام ، فهو في الوقت الذى يوجه فيه اللوم الشديد ل «كايتانى» بسبب نزعته الشكية المبالغ فيها ، فيقول : «وليس من الصعب تصحيح مبالغاته في الشك» (١) فى نفس الوقت يعول عليه كمصدر موثوق فيه.

    ليس هذا فقط ولكنه هو الآخر ـ وكما رأينا ـ مارس «نوعا من المبالغة فى شكوكه ، ونفيه الكيفى ... ونفيه للعديد من معطيات السيرة عبر عصرها المكى» (٢).

    ويبدو أن «واط» أدرك تهافت شكوكه الأخيرة أمام الحقائق التاريخية ، فلجأ إلى فرض الفروض ، وهو منهج علمى بشرط أن يقوم الدليل عليه سلبا أو إيجابا فهل فعل ذلك «واط»؟ لنر.

    يقول : «لا شك أن المقطع القرآنى ، حين ردده محمد ، قد ذكره بما هو مدين به لورقة» (٣).

    أى مقطع قرآنى هذا الذى ذكر محمد «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» أنه مدين به لورقة؟ يجيب الكاتب بأنه : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [سورة : العلق].

    لو قرأ أى باحث محايد هذا الكلام في أصح الكتب لنسب قائله إلى التحامل المغالى فيه وإلى الوهم أثبتنا ـ وأثبت علماؤنا ـ أن لقاء ورقة بمحمد «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» كان اللقاء الأول والأخير ، الأول أفادته النصوص ـ التى أوردناها ـ القاطعة ، والأخير لأن

    __________________

    ١ ـ محمد في مكة ص ٩.

    ٢ ـ د. عماد الدين خليل : المستشرقون والسيرة النبوية ص ٦٤.

    ٣ ـ محمد في مكة ص ٩٣.