(ذلِكَ) إشارة إلى جميع ما تقدّم من الأحكام (تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) يعنى أنّ جعل القصاص في مقابلة قتل العمد والعفو عنه تخفيف من الله عليكم ورحمة لكم حيث لم يلزمكم بأحدهما فقط كما الزم اليهود القصاص فقط وأهل الإنجيل العفو فقط وظاهر انّ توسيع الأمر تخفيف.

(فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) بان قتل بعد العفو أو قبول الدّية وهو المرويّ عن الصّادقين عليهم‌السلام وقيل : بان قتل غير قاتله سواء قتله أيضا أم لا أو طلب أكثر ممّا وجب له من الدّية ، وقيل : بان تجاوز الحدّ بعد ما بيّن له كيفية القصاص ، وقال قوم : يحمل على الجميع لعموم اللفظ.

(فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة كذا في المجمع والكشاف ويحتمل كونه في الدّنيا أيضا بالقصاص والتّعزير :

الثالثة :

(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) أي في شرعه وإيجابه فإن القصاص ازالة الحياة وازالة الشيء لا يكون نفس ذلك الشيء وهو كلام في غاية الفصاحة والبلاغة لما فيه من الغرابة وذلك لانّ القصاص قتل وتفويت للحياة وقد جعل مكانا وظرفا للحياة ومن إصابة نحر البلاغة بتعريف القصاص وتنكير الحياة لأنّ المعنى ولكم في هذا الجنس من الحكم الّذي هو القصاص حياة عظيمة.

وذلك أنّهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة وكم قتل مهلهل بن ربيعة بأخيه كليب حتّى كاد يفنى بكر بن وائل وكان يقتل بالمقتول غير قاتله ، فتثور الفتنة ويقع بينهم التّشاجر فلمّا جاء الإسلام بشرع القصاص كانت فيه حياة وأيّ حياة أو نوع من الحياة وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل فإذا همّ بالقتل وعلم انّه يقتصّ منه ارتدع عنه وسلم صاحبه من القتل وسلم هو من القتل فكان القصاص سببا لحياة نفسين.

وهو نظير قول العرب : القتل أنفى للقتل إلّا أنّ ما هنا أكثر فائدة وأوجز عبارة وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة وأحسن تأليفا بالحروف المتلائمة ليعلم ذلك