الأمر بالاستشهاد ، والقبول من الحاكم باب آخر.

(أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) علة لاعتبار العدد ، أي التعدد [في النساء وقيام امرأتين مقام رجل واحد] لأجل أن إحداهما ان ضلت الشهادة ونسيتها (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى). والعلة في الحقيقة التذكير ، ولكن لما كان الضلال سببا له ، نزل منزلته كقولك «أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه». والتقدير إرادة ان تذكر إحداهما الأخرى ان ضلت.

وفيه اشعار بنقصان عقلهن وقلة ضبطهن وقصورهن عن مراتب الرجال [لكثرة الرطوبة والبرودة في أمزجتهن فيغلب عليه النسيان] وقرأ حمزة «إن تضل» بكسر الهمزة على الشرطية «فتذكر» بالرفع ، وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب «فتذكر» من الأذكار.

بقي شيء وهو أن ظاهر الآية يقتضي حصر الشاهد في الرجلين أو الرجل والمرأتين فلا يجوز الاكتفاء بغيرهما. والذي عليه أصحابنا (١) قبول الشاهد الواحد مع اليمين [وهو قول الشافعي ، وأنكره أبو حنيفة محتجا بظاهر الآية] ويمكن أن يقال ذلك ثبت بدليل خارج عن الآية كالإجماع والاخبار [الدالة عليه ، وقد روى العامة (٢) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قضى بالشاهد واليمين] فلا اشكال.

__________________

(١) بل ليس قبول الشاهد الواحد مع اليمين مخالفا لظاهر الآية أيضا فإن الله تعالى انما أمر في هذه الآية أصحاب الحقوق ان يحفظوا حقوقهم بشاهدين أو شاهد وامرئتين ولم يأمر الحكام أن يحكموا به فضلا عن ان يكون قد أمرهم ان لا يقضوا الا بذلك وطريق الحكم شيء وطريق حفظ الحقوق شيء آخر ولا تلازم بينهما فالآية انما وردت في التحمل ولهذا قال عزوجل (أَنْ تَضِلَّ).

وقبول الشاهد الواحد مع اليمين في مقام الأداء مع انه لو فرض كون الآية مسوقة لحكم الأداء أيضا لم تكن دالة على الحصر الا بمفهوم العدد ولا يقول به احد وأبو حنيفة لا يقول بالمفهوم أصلا وانظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ من ص ٥٠ ـ ٥٤.

(٢) انظر سنن البيهقي ج ١٠ من ص ١٦٨ ـ ١٧٦ وسنن ابى داود ط ١٣٦٩ بتذييل محمد محيي الدين عبد الحميد ج ٣ من ص ٤١٩ ـ ٤٢١ وسنن ابن ماجه ط دار الكتب ـ