• الفهرس
  • عدد النتائج:

آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل إنها (١) كان يأكل منها نحو سبعة آلاف.

ثم كانت تنزل يوما بعد يوم ، كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها يوما بعد يوم. ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء والمحاويج دون الأغنياء. فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم في ذلك ، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك خنازير.

وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير جميعا ، حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي ، حدثنا سفيان بن حبيب ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن خلاس ، عن عمار بن ياسر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا ورفعوا ، فمسخوا قردة وخنازير» (٢).

ثم رواه ابن جرير عن بندار ، عن ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار موقوفا. وهذا أصح. وكذا رواه من طريق سماك ، عن رجل من بني عجل ، عن عمار موقوفا. وهو الصواب والله أعلم.

وخلاس عن عمار منقطع ، فلو صح هذا الحديث مرفوعا لكان فيصلا في هذه القصة ، فإن العلماء اختلفوا في المائدة : هل نزلت أم لا؟ فالجمهور أنها نزلت كما دلت عليه هذه الآثار كما هو المفهوم من ظاهر سياق القرآن ولا سيما قوله : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) كما قرره ابن جرير والله أعلم.

وقد روى ابن جرير بإسناد صحيح إلى مجاهد وإلى الحسن بن أبي الحسن البصري ، أنهما قالا : لم تنزل وإنهم أبوا نزولها حين قال : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ). ولهذا قيل إن النصارى لا يعرفون خبر المائدة وليس مذكورا في كتابهم ، ومع أن خبرها مما تتوافر الدواعي على نقله. والله أعلم (٣).

وقد تقصينا الكلام على ذلك في التفسير فليطلب من هناك ، ومن أراد مراجعته فلينظره من ثم ولله الحمد والمنة.

__________________

(١) و : إنه.

(٢) رواه الطبراني في تفسيره : ٢ / ١٣٠ ، ثم رواه بنحوه موقوفا على عمار : ٤ / ١٣٠. ورواه الترمذي ٤ / ١٠٢ مرفوعا ، ثم رواه موقوفا. وجزم بأنه أصح ثم قال «ولا نعرف للحديث المرفوع أصلا» وابن كثير في تفسيره (٤ / ٢٦٢ / معارف).

(٣) الحديث رواه ابن كثير في تفسيره (٤ / ٢٦٢ / معارف).

وقال شاكر في تعليقه على الحديث في المصدر السابق : «وهذا المروي عن مجاهد والحسن ـ خطأ منهما ، لم يستندا فيه إلى خبر ثابت ، وإنما هو رأي واستنباط ، أخطأ طريقه. وأما ما زعمه الحافظ ابن كثير هنا ، من أنه قد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا يعرفه النصارى إلى آخر كلامه ـ فإنه كلام ضعيف لا قيمة له ولا حجة فيه. ولا أدري كيف يظن ابن كثير هذا الظن الباطل : وإن كان قد استدرك بعد فرجع القول الصحيح الذي يدل عليه صريح القرآن : أن المائدة نزلت عليهم.

فالإسناد إلى أن خبر المائدة ليس في كتب النصارى ولا يعرفونه ، كلام متهافت باطل ـ لأن القرآن جاء مهيمنا على الكتب السابقة ، فما وافقه فيها كان صحيحا ، وما خالفه كان باطلا فأولى ألا يكون سكوتها عن شيء أمارة نفيه ، إذا ما أثبته القرآن.

ومن زعم أن عدم ذكرها عندهم دليل على نفي وجودها ، مع ذكرها في القرآن فقد جعل هذه الكتب المحرفة غير الثابتة هي المهيمنة على القرآن وحاشا لمسلم أن يزعم ذلك. ثم ليس خبر المائدة وحده هو الثابت في القرآن غير المذكور عندهم. فإن خبر كلام عيسى في المهد ثابت في الكتاب العزيز بأصرح لفظ وأوضحه ولا يعرفه النصارى في كتبهم وأخبارهم مع توافر الدواعي على نقله. فكان ماذا؟ كان أن القرآن حق ، وما خالفه باطل ، دون تردد أو ريب.