• الفهرس
  • عدد النتائج:

(وقالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) أي يخافون الله ، وقرأ بعضهم «يخافون» أي يهابون (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) أي بالإسلام والإيمان والطاعة والشجاعة (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ* وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إذا توكلتم على الله ، واستعنتم به ولجأتم إليه ، نصركم على عدوكم وأيدكم عليهم وأظفركم بهم.

(قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) فصمم ملؤهم على النكول عن الجهاد ، ووقع أمر عظيم ووهن كبير ، فيقال إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا (١) ثيابهما ، وإن موسى وهارون سجدا إعظاما لهذا الكلام وغضبا لله عزوجل ، وشفقة عليهم من وبيل المقاتلة.

(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ، فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) قال ابن عباس اقض بيني وبينهم : (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) عوقبوا على نكولهم بالتيهان في الأرض ؛ يسيرون إلى غير مقصد ، ليلا ونهارا وصباحا ومساء. ويقال إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله ، بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ، ولم يبق إلا ذراريهم ، سوى يوشع وكالب عليهما‌السلام.

لكن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم (٢) موسى لموسى ؛ بل لما استشارهم في الذهاب إلى النفير تكلم الصديق فأحسن ؛ وتكلم غيره (٣) من المهاجرين.

ثم جعل يقول : «أشيروا عليّ» حتى قال سعد بن معاذ : كأنك تعرض بنا يا رسول الله؟

فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله. فسر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقول سعد ونشطه ذلك.

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن مخارق بن عبد الله الأحمسي ، عن طارق ـ هو ابن شهاب ـ أن المقداد قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر : يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون (٤).

وهذا إسناد جيد من هذا الوجه ، وله طرق أخرى.

قال أحمد : حدثنا أسود بن عامر. حدثنا إسرائيل ، عن مخارق ، عن طارق بن شهاب ، قال : قال عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه : لقد شهدت من المقداد مشهدا ، لأن أكون أنا

__________________

(١) و : فتقاء.

(٢) و : أصحاب موسى.

(٣) و : وغيره.

(٤) الحديث رواه أحمد في مسنده (٤ / ٣١٤ / حلبي) وإسناده جيد.