• الفهرس
  • عدد النتائج:

وبالإيمان ولا يقر بشيء من شرائع الإيمان فمات أهو مؤمن؟ قال : نعم (١) قلت له : ولو لم يعلم شيئا ولم يعمل به إلا أنه مقر بالإيمان فمات. قال : هو مؤمن. قلت لأبي حنيفة : أخبرني عن الإيمان. قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتشهد بملائكته وكتبه ورسله وجنته وناره وقيامته وخيره وشره وتشهد أنه لم يفوض الأعمال إلى أحد.

والناس صائرون إلى ما خلقوا له ، وإلى ما جرت به المقادير فقلت له : أرأيت إن أقر بهذا كله لكنه قال : المشيئة إلى أن شئت آمنت وإن شئت لم أومن لقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩]. فقال : كذب في زعمه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [المدّثّر : ٥٤ ـ ٥٦]. وقال تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] (٢) وقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] هذا وعيد ، وبهذا لم يكفر ، لأنه لم يرد الآية ، وإنما أخطأ في تأويلها ولم يرد به تنزيلها قلت له إن قال إن أصابتني مصيبة (فسئلت) أي مما ابتلاني الله بها أو هي مما اكتسبت (أجبت قائلا) ليست هي مما ابتلاني الله بها أيكفر؟ قال : لا ، قلت : ولم؟ قال : لأن الله تعالى قال : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النّساء : ٧٩]. أي بذنبك وأنا قدرته عليك. وقال : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشّورى : ٣٠] ـ أي بذنوبكم ـ وقال تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [النّحل : ٩٣] ، قال : إلا أنه أخطأ في التأويل ، ومعنى قوله : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤] أي بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان.

__________________

(١) يعني حيث لم يبلغه الشرع في دار الشرك ، وأما الإيمان بالله فدليل العقل كاف في وجوبه عنده قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النّساء : ٤٨] ولم يقيد ذلك بزمان ولا مكان ، وأما الأحكام فلا يعذب بها إلا بعد تبليغها (ز).

(٢) ومن مقتضى حكمة الحكيم الخبير خلق العبد شائيا مختارا في أفعاله التكليفية ، وشمول المشيئة الأزلية لتلك الأفعال لا يخرجها عن كونها اختيارية لتعذر انقلاب الحقائق وقد دلت النصوص على اختيار العبد وشمول المشيئة الأزلية. قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] وقال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] وهذا هو الجمع بين النصوص ، وقد سأل أبو حنيفة زيد بن علي الشهيد أقدر الله المعاصي؟ فقال : أفيعصى قهرا؟! والتقدير والمشيئة والعلم متواردة عليها ، والتقدير والمشيئة على وفق العلم (ز).