وذكر المدائني ، قال : لمّا جلس الرضا عليهالسلام ذلك المجلس ، وهو لابس تلك الخِلَع ، والشعراء ، والخطباء يتكلَّمون ، وتلك الألوية تخفق على رأس الرضا عليهالسلام ، نظر إلى بعض أصحابه الحاضرين ممَّن كان يختصّ به ، وقد داخله من السرور ما لا مزيد عليه ؛ وذلك لِما رأى ، فأشار إليه الرضا عليهالسلام ، فدنا منه ، فقال له في اُذنه سرّاً : لا تشغل قلبك بشيء ممَّا ترى من هذا الأمر ، ولا تستبشر به ؛ فإنَّه لا يتمّ) (١).
وهذه صورة مختصرة من كتاب العهد ، الَّذي كتبه المأمون بخطّه للرضا عليهالسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد لعلي بن موسی بن جعفر وليّ عهده.
أمّا بعدُ : فإنَّ الله عزَّ وجلَّ اصطفى الإسلام ديناً ، واختار له من عباده رسلاً ، دالّین عليه ، وهادين إليه ، يبشّر أولهم بآخرهم ، ويصدّق تاليهم ماضيهم ، حَتَّى انتهت نبوَّةُ الله إلى محمّد صلى الله عليه على فترة من الرسل ، ودروس من العلم ، وانقطاع من الوحي ، واقتراب من الساعة ، فختم الله به النبيين ، وجعله شاهداً عليهم ومهيمناً ، وأنزل عليه كتابه العزيز الَّذي لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٢).
فلمَّا انقضت النبوة ، وختم الله بمحمّد صلىاللهعليهوآله الرسالة ، جعل قوام الدين ، ونظام أمر المسلمين في الخلافة ونظامها ، والقيام بشرائعها وأحكامها ، ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة ، وحمل مشاقّها ، وخبر مرارةَ طعمها وذاقها ، مُسهِراً لعينيه ، مُنْصِباً لبدنه ، مُطيلاً لفكره ، فيما فيه عز الدين وقمع المشركين ، وصلاح الأمَّة وجمع الكلمة ، ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسنة ، ومنعه لك من الخفض والدَّعة ، ومهن العيش ، محبة أن يلقى الله سبحانه وتعالى مناصحاً له في دينه وعباده ، ومختارةً لولاية عهده ، ورعاية الاُمَّة من بعده ، أفضل من يقتدر عليه في دينه ، وورعه ،
__________________
(١) ورد بهذا النص في الإرشاد ٢ : ٢٦٠ ، ونور الأبصار : ١٥٥ ، وينظر نحوه في : مقاتل الطالبيين : ٣٧٥ ، روضة الواعظين : ٢٢٥ ، إعلام الورى ص : ٧٣ ، كشف الغُمَّة ٣ : ٧٠ ، بحار الأنوار ٤٩ : ١٤٥ ـ ١٤٨.
(٢) سورة فصلت : ٤٢.