فهل يصحّ للرسول أن يمنع عن تدوينه وكتابته أو مدارسته ومذاكرته؟!
وإذا كان الرسول منع دراسة الحديث ونقله ونشره وتدوينه ، فما معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطبته في منى عام حجّة الوداع : « نضر اللّه امرأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها ، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه » (١) ؟! وما معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « نضّر اللّه امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما يسمع ، فرب مبلّغ أوعى من سامع » (٢) ؟! أو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اللّهمّ ارحم خلفائي ، اللّهم ارحم خلفائي ، اللّهمّ ارحم خلفائي » قيل : يا رسول اللّه ومن خلفاؤك؟ قال : « الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنّتي » (٣) ؟! كيف تصحّ نسبة المنع إلى الرسول الأعظم ، مع أنّ المستفيض منه خلافه؟! وإليك بعض ما ورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أمر الرسول بكتابة حديثه
١ ـ روى البخاري عن أبي هريرة أنّ خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه ، فأُخبر بذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فركب راحلته فخطب ، فقال : « إنّ اللّه حبس عن مكة القتل أو الفيل ( شكّ أبو عبد اللّه ) وسلّط عليهم رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين. ألا وإنّها لم تحل لأحد قبلي ولم تحل لأحد بعدي ـ إلى أن قال ـ : فجاء رجل من أهل اليمن فقال : اكتب لي يا رسول اللّه؟ فقال : « اكتبوا لأبي فلان ـ إلى أن قال ـ : كتب له هذه الخطبة ». (٤)
٢ ـ وروي أنّ رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيسمع من النبي الحديث فيعجبه ولا يحفظه ، فشكا ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول اللّه إنّي أسمع منك الحديث
____________
١ ـ سنن الترمذي : ج ٥ص٣٤ ح ٢٦٥٧ ، ٢٦٥٨.
٢ ـ سنن الترمذي : ج ٥ص ٣٤ ح٢٦٥٨.
٣ ـ كنزالعمال : ج١٠ص٢٢١ ، رقم الحديث ٢٩١٦٧ وبحارالأنوار : ج٢ص ١٤٥ ح ٧.
٤ ـ صحيح البخاري : باب كتابة العلم ، الحديث ٢ص ٢٩ ـ ٣٠.