أَمَرْتُكَ ...) (١).
فهذه الآية تدل دلالة صريحة على أن الله ـ تعالى ـ قد أمر إبليس بالسجود لآدم ...
ووجود إبليس مع الملائكة لا يستلزم أن يكون منهم ، ومثل ذلك كمثل أن تقول : حضر بنو فلان إلا محمدا ، ومحمد ليس من بنى فلان هؤلاء ، وإنما هو معهم بالمجاورة أو المصاحبة أو غير ذلك.
هذا ما نختاره ونميل إليه ، استنادا إلى ظاهر الآيات وظاهر الأحاديث ، والله ـ تعالى ـ أعلم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) بيان لما وبخ الله ـ تعالى ـ به إبليس ، ولرد إبليس ـ لعنه الله ـ على خالقه ـ عزوجل ـ.
أى : قال الله ـ تعالى ـ لإبليس على سبيل التوبيخ والزجر : أى سبب حملك على مخالفة أمرى ، وجعلك تمتنع عن السجود لمن أمرتك بالسجود له؟
فكان رد إبليس : ما كان ليليق بشأنى ومنزلتي أن أسجد مع الساجدين لبشر خلقته ـ أيها الخالق العظيم ـ من صلصال من حمأ مسنون.
ومقصود إبليس بهذا الرد إثبات أنه خير من آدم ، كما حكى عنه ـ سبحانه ـ ذلك في قوله ـ تعالى ـ (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٢).
وهذا الرد منه يدل على عصيانه لأمر ربه ، وعدم الرضا بحكمه ، وسوء أدبه مع خالقه ـ سبحانه ـ.
قال الآلوسى : وقد أخطأ اللعين حيث ظن أن الفضل كله باعتبار المادة ، وما درى أنه يكون باعتبار الفاعل ، وباعتبار الصورة ، وباعتبار الغاية ، بل إن ملاك الفضل والكمال هو التخلي عن الملكات الردية ، والتحلي بالمعارف الربانية.
فشمال والكأس فيها يمين |
| ويمين لا كأس فيها شمال (٣) |
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) بيان للحكم العادل الذي أصدره الله ـ تعالى ـ على إبليس.
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ١٢.
(٢) سورة ص الآية ٧٦.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٤٣.