• الفهرس
  • عدد النتائج:

لعباده المؤمنين ، وتعليمهم كيف يقذفون بحقهم على باطل أعدائهم فإذا هو زاهق.

ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أى : بل أكثر هؤلاء الكافرين الضالين ، لا يعلمون كيف يميزون بين الحق والباطل لانطماس بصائرهم ، واستيلاء الجحود والحسد والعناد على قلوبهم.

وقال ـ سبحانه ـ (بَلْ أَكْثَرُهُمْ ..) للإشعار بأن من هؤلاء الكافرين من يعلم الحق ويعرفه كما يعرف أبناءه ، ولكن الهوى والغرور والتقليد الباطل .. حال بينه وبين اتباع الحق.

هذا هو المثال الأول الذي ذكره الله ـ تعالى ـ للاستدلال على بطلان التسوية بين عبادة الله ـ تعالى ـ الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء .. وبين عبادة غيره من الأصنام والجمادات التي لا تخلق شيئا ، ولا تملك شيئا ، ولا تضر ولا تنفع.

أما المثال الثاني فهو أشد وضوحا من سابقه على وحدانية الله ـ تعالى ـ ورحمته بعباده ، وعلى الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر ، ويتجلى هذا المثال في قوله ـ عزوجل ـ : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ..).

أى : وذكر الله ـ تعالى ـ مثلا آخر لرجلين ، (أَحَدُهُما أَبْكَمُ) أى : لا يستطيع النطق أو الكلام ، ضعيف الفهم والتفهيم لغيره.

(لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) أى : لا يقدر على فعل شيء من الأشياء المتعلقة بنفسه أو بغيره.

(وَهُوَ) أى هذا الرجل (كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أى : حمل ثقيل ، وهم كبير على مولاه الذي يتولى شئونه من طعام وشراب وكساء وغير ذلك. وهذا بيان لعدم قدرته على القيام بمصالح نفسه ، بعد بيان عدم قدرته على القيام بفعل أى شيء على الإطلاق.

قال القرطبي : قوله (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أى ثقل على وليه وقرابته ، ووبال على صاحبه وابن عمه ، وقد يسمى اليتيم كلا لثقله على من يكفله ، ومنه قول الشاعر :

أكول لمال الكلّ قبل شبابه

إذا كان عظم الكلّ غير شديد (١)

فالكل هو الإنسان العاجز الضعيف الذي يكون محتاجا إلى من يرعى شئونه.

وقوله (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) أى : أن هذا الرجل حيثما يوجهه مولاه وكافله لقضاء أمر من الأمور يعود خائبا ، لعجزه ، وضعف حيلته ، وقلة إدراكه ..

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٤٩.