مخالفتكم ومنازعتكم ومعاكستكم ، أو أن آمركم بشيء ثم لا أفعله ، أو أنهاكم عنه ثم أفعله ، من أجل تحقيق منفعة دنيوية ..
كلا ، كلا إنى لا أريد شيئا من ذلك وإنما أنا إنسان يطابق قولي فعلى ، وأختار لكم ما أختاره لنفسي.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : قوله (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يقال : خالفني فلان إلى كذا : إذا قصده وأنت مول عنه. وخالفني عنه : إذا ولى عنه وأنت تقصده.
ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول : خالفني إلى الماء ، يريد أنه ذهب إليه واردا ، وهو ذهب عنه صادرا ، ومنه قوله ـ سبحانه : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يعنى : ما أريد أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم» (١).
وقال الإمام ابن كثير ، وعن مسروق أن امرأة جاءت إلى ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ فقالت له : أأنت الذي تنهى عن الواصلة ـ أى التي تصل شعرها بشعر آخر ـ؟ قال : نعم. فقالت : فلعله في بعض نسائك ، فقال : ما حفظت إذا وصية العبد الصالح (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) (٢).
ثم بين لهم أنه ما يريد لهم إلا الإصلاح فيقول : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ...).
أى : ما أريد بما أنصحكم به إلا إصلاحكم وسعادتكم ، ومادمت أستطيع ذلك ، وأقدر عليه ، فلن أقصر في إسداء الهداية لكم.
ثم يفوض الأمور إلى الله ـ تعالى ـ فيقول : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
أى : وما توفيقي فيما أدعوكم إليه من خير أو أنهاكم عنه من شر إلا بتأييد الله وعونه ، فهو وحده الذي عليه أتوكل وأعتمد في كل شئونى ، وهو وحده الذي إليه أرجع في كل أمورى.
ثم يواصل شعيب ـ عليهالسلام ـ نصحه لقومه ، فينتقل بهم إلى تذكيرهم بمصارع السابقين ، محذرا إياهم من أن يكون مصيرهم كمصير الظالمين من قبلهم فيقول : و (يا قَوْمِ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٨٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٧٥.