• الفهرس
  • عدد النتائج:

والذي نراه بعد هذا العرض لأقوال المفسرين : أن الآية الكريمة صريحة في أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم ، وأنه قد قال لهم ـ ما حكاه القرآن عنه : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) وأنه حين تراءى الجمعان كذب فعله قوله ، فقد (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) وقال للمشركين الذين وعدهم ومناهم بالنصر (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).

ومن العسير علينا بعد ذلك أن نحدد تحديدا قاطعا كيفية هذا التزيين والقول والنكوص : أهو حسى أم غير حسى ؛ لأن التحديد القاطع لا بد أن يستند إلى نص صريح في دلالته على المعنى المراد ، وصحيح في نسبته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهذا النص غير موجود ، لأن الحديث الذي أخرجه الإمام مالك في موطئه ـ والذي سبق أن ذكرناه ـ قال عنه ابن كثير وابن حجر إنه حديث مرسل ، وزيادة على ذلك ففي بعض رجاله من هو ضعيف الحديث كابن الماجشون ، ولأن الروايات التي رويت في تمثيل الشيطان بصورة سراقة قد جاء معظمها عن ابن عباس ، وابن عباس ـ كما يقول صاحب المنار ـ كان سنه يوم بدر خمس سنين. فروايته لأخبارها منقطعة.

إذا فنحن نؤمن بما أثبته القرآن من أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم ، وأنه قد قال لهم ما قاله ـ مما حكاه القرآن عنه ـ ، وأنه قد نكص على عقبيه .. إلا أننا لا نستطيع أن نحدد كيفية ذلك.

ويعجبني في هذا المقام قول بعض الكاتبين عند تفسيره لهذه الآية : «وفي هذا الحادث نص قرآنى يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم ، وشجعهم على الخروج ... وأنه بعد ذلك «نكص على عقبيه ..» فخذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم وحدهم.

ولكننا لا نعلم الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم والتي قال لهم بها : لا غالب لكم اليوم من الناس ... والتي نكص بها كذلك.

الكيفية فقط هي التي لا نجزم بها. ذلك أن أمر الشيطان كله غيب ، ولا سبيل لنا إلى الجزم بشيء من أمره إلا بنص قرآنى أو حديث نبوي صحيح ، والنص هنا لا يذكر الكيفية إنما يثبت الحادث.

فإلى هنا ينتهى اجتهادنا ، ولا نميل إلى المنهج الذي تتخذه مدرسة الشيخ محمد عبده في محاولة تأويل كل أمر غيبي من هذا القبيل تأويلا معينا ينفى الحركة الحسية عن هذه العوالم ، وذلك كقول الشيخ رشيد رضا في تفسير الآية.

(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ...) واذكر أيها الرسول للمؤمنين إذ زين الشيطان