• الفهرس
  • عدد النتائج:

ثم انتقلت السورة بعد ذلك ـ في الربع التاسع منها ـ إلى الحديث عن الطيبات التي أحلها الله لعباده في مأكلهم ومشربهم ، فذكرت ألوانا من النعم التي خلقها الله وأنشأها لعباده ، فقد أنشأ ـ سبحانه ـ الجنات المعروشات أى المرفوعات على ما يحملها كالأعناب وما يشبهها ، وأنشأ الجنات غير المعروشات كالبرتقال وغيره ، كما أنشأ الزروع والأشجار المختلفة الأنواع والثمار. وذلك كله لكي يقبل الناس على عبادة خالقهم ، ويشكروه على نعمه التي لا تحصى.

قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ ، كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

ثم أخذت السورة تناقش المشركين فيما أحلوه وحرموه من الأنعام بأسلوب منطقي رصين ، يقيم عليهم الحجة ، ويكشف عن سخافة تفكيرهم وتفاهة عقولهم ، واتباعهم خطوات الشيطان في تحريم بعضها وتحليل البعض الآخر ، فهذه الأنعام ثمانية أزواج ، من الضأن اثنان ، ومن المعز اثنان ، ومن الإبل اثنان ، ومن البقر اثنان ، فلما ذا حرم المشركون على أنفسهم بعضها دون بعض؟ إن كان التحريم للأنوثه فعليهم أن يحرموا جميع الإناث ، وإن كان للذكورة فعليهم أن يحرموها ، إذا فتحريمهم لبعض الذكور دون بعض يدل على ضلال في التفكير ، وجهالة في الأحكام ، وافتراء على الله بغير علم.

استمع إلى القرآن وهو يحكى أوهامهم ثم يرد عليها بما يدمغها فيقول :

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ ، نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ ، وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، ثم صرحت السورة الكريمة أن ما حرمه الله على اليهود من المطاعم كان بسبب بغيهم ، وقساوة قلوبهم ، وأنهم وأمثالهم ـ الذين يتنصلون من تبعة الضلال ويحيلونها على مشيئة الله ـ كاذبون فيما يزعمون ، وأنهم يهرفون بما لا يعرفون ، وإلا فأين دليلهم على هذا التنصل؟ وأين حجتهم على أن الله قد حرم هذا وأحل هذا؟

لقد حكى القرآن مزاعمهم ثم فندها بالبراهين الدامغة ، والحجة البالغة فقال :

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ، ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ* فَإِنْ كَذَّبُوكَ* فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ* سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ