وبقي الكلام عن القضايا المحسوسة ، وهي على قسمين.
١ ـ القسم الأول : هو أن يكون الواقع المحسوس فيها أمرا وجدانيا ، من قبيل الإحساس بالجوع والألم والحب ونحوه.
وهذه القضايا لا إشكال في كونها أولية ، ولا تقوم على أساس حساب الاحتمالات.
٢ ـ القسم الثاني : هو أن يكون المحسوس له ثبوت خارج عالم النّفس ، من قبيل الإحساس بالقلم ، والسرير الّذي ننام عليه ، وبجارك الّذي تراه إلى جانبك ، ومن هنا يقال : «إنّ هذه المحسوسات ، فيها ما هو محسوس بالذات ، وهو الصورة القائمة في أفق النّفس في مرتبة الإدراك الحسي ، وفيها ما هو محسوس بالعرض وهو الأمور الخارجية ، وعليه : فالإدراك الحسّي لا يتعلّق مباشرة بالواقع الخارجي بل يتقوم بالمحسوس بالذات.
ومن هنا قد لا يكون للإدراك الحسّي واقع خارجي ، كالأصولي الّذي يرى الواحد اثنين ، فإنّه له إدراكان حسيّان دون أن يكون هناك واقعان خارجيان ، وإنّما الواقع الخارجي محسوس ومحكي بالعرض ، وفي هذا القسم الثاني بالنسبة إلى المحسوس بالذات معرفتنا أولية أيضا كالقسم الأول.
وأمّا بالنسبة إلى معرفتنا بالمحسوس بالعرض ، أي انّ هذه الصورة الحسيّة القائمة في أفق إدراكنا الحسّي لها مطابق في الخارج وواقع موضوعي أم لا؟ ومعه فهل معرفتنا به أوّلية أم لا؟ وهذه المسألة من ألغاز الفلسفة ، وكأنّ الاتجاه المتعارف عند فلاسفتنا إلى أنّ هذه المعرفة أوليّة ، لأنّ الإنسان بالفطرة الذاتية يدرك أنّه يتعامل مع أشياء لها وجود في الخارج ، وليست مجرد صور في ذهنه.