• الفهرس
  • عدد النتائج:

متصرّف فيه ، قاهر له بإذن الله تعالى؟ ، وتسخيره والانهماك في عالم الحسّ يخمد قوة الفطرة ويطفئ نور القلب فلا تبقى له قدرة ولا قوة وتأثير في شيء ، وكيف وقد تأثرت عمّا من شأنه التأثر المحض وتسخرت لما من شأنه التسخر الصرف والانفعال المطلق؟ ، ولهذا قيل : الدنيا كالظل تتبع من أعرض عنها وتفوت من أقبل إليها. وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه : «من أقبل إليها فاتته ومن أعرض عنها أتته».

(فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي : الذلة والصغار لملازمتكم بالطبع للجهة السفلية وتوجهكم بالعشق إلى المطالب الدنية ، فأنتم اخترتم الدناءة والانقهار بالتجبر والاستكبار وذلك معنى قوله : (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) أي : في مقام النفس باستيلاء القوة الغضبية التي شأنها الاستكبار (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) إذ لو تجرّدوا عن الهيئات الغضبية والشهوية ، وترّفعوا عن الصفات النفسية ونضوا جلابيب الإنية والأنانية لاستكبروا بالحق في السماء والأرض ولكان تكبّرهم كبرياء الله كماقال الصادق عليه‌السلام لمن قال له : فيك كل فضيلة وكمال إلا أنك متكبّر! ، فقال : «لا والله ، بل انخلعت عن كبري فخلع عليّ كبرياء الله» أو ما هذا معناه ، فهذا هو التكبر بالحق (وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) باستيلاء القوة الشهوانية التي خاصيتها الفسق والفساد.

[٢٩] (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩))

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) الجنّ نفوس أرضية تجسدت في أبدان لطيفة مركبة من لطائف العناصر سماها حكماء الفرس الصور المعلقة ، ولكونها أرضية متجسدة في أبدان عنصرية ومشاركتها الإنس في ذلك سميّا ثقلين ، وكما أمكن الناس التهدّي بالقرآن أمكنهم.

وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر من أن يمكن ردّ الجميع وأوضح من أن يقبل التأويل ، وإن شئت التطبيق فاسمع. وإذ صرفنا إليك نفرا من جنّ القوى الروحانية من العقل والفكر والمتخيلة والوهم حال القراءة في الصلاة ، أي : أملناهم نحوك واتّبعناهم سرّك بالإقبال بهم إليك وصرفهم عن جانب النفس والطبيعة بتطويقهم إياك وتسخيرهم لك حتى يجتمع همّك ولا يتوزع قلبك ولا يتشوّش بالك بحركاتهم في وقت حضورك عند طلوع فجر نور القدس (يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) الوارد إليك من العالم القدسيّ (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) أي : حضروا العقل القرآني الجامع للكمالات عند ظهور النور الفرقاني عليك (قالُوا أَنْصِتُوا) أي : سكنوا وسكت بعضهم بعضا عن كلامهم الخاص بهم مثل الأحاديث النفسانية والتصورات والهواجس والوساوس والخواطر والحركات الفكرية والانتقالات التخيلية. والقول هاهنا حاليّ كما ذكر غير مرة إذ لو لم يسكنوا وينصتوا مستمعين لما يفيض عليهم من الواردات القدسية لم يبق من الوارد أثر ، بل لم يكن بتلقي الغيب ولا ورود المعنى القدسي ولا تلاوة الكلام الإلهي كما