• الفهرس
  • عدد النتائج:

تشكل المرئيات ، وإذ هذا معنى القبض بلا شك فهو معنى منع البصر والإدراك وكفّه ، ومن هذا سمّي المكفوف مكفوفا. فإذا السواد يمنع البصر من الانتشار ويقبضه عن الانبساط ويكفه عن الإدراك ، وهذا كله معنى واحد وإن اختلفت العبارات في بيانه ، فالسواد بلا شك غير مرئي ولا بد إذ لو رئي لم يقبض خطّ البصر إذ لا رؤية إلا بامتداد البصر ، فإذ هو غير مرئي فالسواد ليس لونا إذ اللون مرئي ولا بدّ ، وما لم ير فليس لونا وهذا برهان عقلي ضروري. وبرهان آخر حسّي وهو أن الظلمة إذا أطبقت فلا فرق حينئذ بين المفتوح العينين السالم الناظرين ، وبين الأعمى المنطبق والمسدود العينين سدا كثيفا. فإذ ذلك كذلك فالظلمة لا ترى ، ومن الباطل الممتنع أن تكون ترى الظلمة ، وبالحس نعلم أن المنطبق العينين فيها بمنزلة واحدة من عدم الرؤية مع المفتوح العينين فيها ، والظلمة هي السواد نفسه ، فمن ادعى أنهما متغايران فقد كابر العيان وادعى ما لا يأتي عليه بدليل أبدا.

ونحن نجد أنه لو فتح في حائط بيت مغلق كوتان ثم جعل على إحداهما ستر أسود وتركت الأخرى مكشوفة لما فرّق الناظر من بعد بينهما أصلا ، ولو جعل على إحداهما سترا أحمر أو أصفر أو أبيض لتبين ذلك للناظر يقينا من بعد أو قرب ، وهذا بيان أن السواد والظلمة سواء. وبرهان آخر حسّي وهو أن خطوط البصر إذا استوت فلا بد من أن تقع على شيء ما لم يقف عليه مانع من تماديها ، ونحن نشاهد من بين يديه ظلمة أو هو فيها لا يقع بصره على حائط إن كان في الظلمة ، وسواء كان فيها حائط مانع من تمادي خط ، البصر أو لم يكن فصح يقينا أن الظلمة لا ترى بل هي مانعة من الرؤية ، والظلمة هي السواد والسواد هو الظلمة لم يختلف قط في هذا اثنان لا بطبيعة ولا بشريعة ولا في معنى اللغة ولا بالمشاهدة ، فقد صح أن السواد لا يرى أصلا وأنه ليس لونا.

قال أبو محمد : وإنما وقع الغلط على من ظن أن السواد يرى لأنه أحس بوقوع خطوط البصر على ما حوالي الشيء الأسود من سائر الألوان فعلم بتوسط إدراكه ما حوالي الأسود أن بين تلك النهايات شيئا خارجا على تلك الألوان فقدّر أنه يراه ، ومن هاهنا عظم غلط جماعة ادعوا بظنونهم من الجهة التي ذكرنا أنهم يرون الحركات والسكون في الأجرام ، والأمر في كل ذلك وفي الأسود واحد ولا فرق. فإن قال قائل : إنه إن كان في جسم الأسود زيادة ناتئة سوداء كسائر جسده رأيناها فلو لم تر لم نعلم بنتوء تلك الهيئة الناتئة له على سطح جسده. قيل له وبالله التوفيق : هذا أيضا وهم لأنه لما لم يمتد خط البصر عند قبض تلك الهيئة الناتئة له وامتدت سائر الخطوط إلى أبعد