• الفهرس
  • عدد النتائج:

تفنى بقطع الأكوان عنها من حيث لا يصح لها وجود لا في مكان ولا فيما يقدّر تقدير المكان ، فإذا لم يلحق فيها شيء من الأكوان فعدم ما كان يخلق فيها منها أوجب عدمها. هذا نص كلامه وهذا قول الدهرية نصّا ، إذ قالت بأفعال لا فاعل لها ، وهو يقول بأن فناء الجواهر والأعراض هو فناء وإعدام لا فاعل لهما ، وأن الله تعالى لم يفن الفاني ونعوذ بالله من هذا الضلال والإلحاد المحض. وقالوا بأجمعهم : ليس لله تعالى على الكفار نعمة دينية أصلا. وقال الأشعري شيخهم : ولا له عزوجل على الكفار نعمة دنيوية أصلا. وهذا تكذيب منه ومن أتباعه الضلال لله عزوجل إذ يقول : (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) [سورة إبراهيم : ٢٨] وإذ يقول عزوجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [سورة البقرة : ٤٧]. وإنما خاطب تعالى بهذا كفارا جحدوا نعمة الله تعالى تبكيتا لهم. وأما الدنيوية فكثير قال تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) إلى قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) [سورة عبس : ١٧ ـ ٢٤] الآية ومثله في القرآن كثير. وقال الباقلاني في كتابه المعروف بالانتصار في القرآن في باب مترجم «بالدلالة على أن القرآن معجزة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» وذكر سؤال الملحدين عن الدليل على صحة ما ادعاه المسلمون من أن القرآن معجز ، فقال الباقلاني : يقال لهم : أما معنى وصف القرآن وغيره من آيات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه معجز فإنما معناه أنه مما لا يقدر العباد عليه ، وإن لم يكونوا عاجزين على الحقيقة ، وإنما صار وصف القرآن وغيره ، من آيات الرسل عليهم‌السلام كعصا موسى ، وخروج الناقة من الصخرة ، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، بأنه معجز وإن لم يتعلق به عجز عاجز ـ على وجه التشبيه بما يعجز عنه العاجز من الأمور التي صح عجزهم عنها ، وقدرتهم عليها ، لأنهم لما لم يقدروا على معارضة آيات الرسل عبر عن عدم قدرتهم على ذلك بالعجز عنه تشبيها بالمعجوز عنه. قال الباقلاني ومما يدل على أن العرب لا يجوز أن تعجز عن مثل القرآن أنه قد صح وثبت أن العجز لا يكون عجزا إلا عن موجود ، فلو كانوا على هذا الأصل عاجزين عن مثل القرآن وعصا موسى ، وإحياء الموتى ، وخلق الأجسام والأسماع والأبصار ، وكشف البؤس والعاهات لوجب أن يكون ذلك المثل موجودا فيهم ومنهم كما أنهم لو كانوا قادرين على ذلك لوجب أن يكون ذلك منهم ولمّا لم يكن ذلك كذلك ثبت أنه لا يجوز عجز العباد على الحقيقة عن مثل القرآن مع عدمه منهم ، وكونه غير موجود لهم ، ولا عن قلب عصا موسى حية ، ولا عن مثل ذلك.