أي بقصد تفريقهم عنك ولبثّ الشّقاق بين المسلمين وإبطال ألفتهم (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي أرصدوا ذلك المسجد لأعدائك كأبي عامر المترهّب الذي حسدك وحاربك من قبل وحزّب عليك وذهب إلى قيصر الروم ليأتي بجنده لمحاربتك (وَلَيَحْلِفُنَ) إنهم والله ليقسمنّ الأيمان قائلين : (إِنْ أَرَدْنا) يعني : ما أردنا (إِلَّا الْحُسْنى) إلّا الفعلة الحسنى الجيّدة كالتوسعة على الضعفاء من المسلمين ، وهم في أيمانهم كاذبون ونحن نطلعك على طويّاتهم وسرائرهم الخبيثة (وَاللهُ) العالم بذلك كله (يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) أكّد كذبهم ب (إِنْ) وباللام ، وكفاهم خزيا أن يشهد الله تعالى بكذبهم ونفاقهم.

وقد ذكر المفسّرون أن الذين بنوا ذلك المسجد هم بنو عمرو بن عوف ، اتّخذوه ليصلوا فيه بدل أن يحضروا جماعة محمد (ص) وكانوا اثني عشر أو خمسة عشر رجلا منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، ونبتل بن الحرث. بنوه قرب مسجد قباء وجاؤا إلى النبيّ (ص) أثناء تجهيز الجيش إلى تبوك فأخبروه بذلك وقالوا إنّا بنيناه لذوي العلّة والضعفاء ولمن لا يستطيعون الذهاب إلى قباء في ليالي المطر ، ونحن نحب أن تأتينا فتصلّي فيه وتدعو لنا بالبركة : فاعتذر يومئذ لأنه كان على أهبة السفر ووعدهم بالصلاة فيه بعد رجوعه من الغزو. وقد أطلعه الله سبحانه على حقيقة أمرهم وعلى غايتهم من بناء المسجد أثناء سفره ، ولذلك كلّف ـ بعد عودته من تبوك ـ عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الأخشم ، أن ينطلقا إلى ذلك المسجد ويهدماه ويحرّقاه ففعلا. وقيل إنه أرسل عمار بن ياسر ووحشيّا فنفّذا أمره ، وأمر أن يتّخذ كناسة تلقى فيه الجيف والأقذار.

١٠٨ ـ (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ...) أي : يا محمد : لا تقم للصلاة في ذلك المسجد أبدا. والقيام هنا للصلاة ، ولذا يقال للمصلّي بالليل : يقوم الليل. ثم أقسم سبحانه فقال : (لَمَسْجِدٌ) أي : والله إن مسجدا (أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) أي قام أساس بنيانه وأصله على طاعة الله واجتناب معاصيه (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) منذ وضع أساسه (أَحَقُ) أجدر (أَنْ تَقُومَ فِيهِ) وهو أولى أن