• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • باب ما الاستطاعة
  • كتاب الايمان والكفر والطاعات والمعاصي والوعد والوعيد
  • هل تعصي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
  • وأما المحال في الوجود : فكانقلاب الجماد حيوانا ، والحيوان جمادا ، أو حيوانا آخر ، وكنطق الحجر ، واختراع الأجسام ، وما أشبه ذلك ، فإن هذا النوع ليس ممكنا عندنا البتة ، ولا موجودا ، ولكنه متوهم في العقل ، متشكل في النفس كيف يكون لو كان. وبهذين القسمين يأتي الأنبياء عليهم‌السلام في معجزاتهم الدالة على صدقهم في النبوة.

    وأمّا المحال فيما بيننا في بنية العقل : فككون المرء قائما قاعدا معا في حين واحد وكسؤال السائل : هل يقدر الله تعالى على أن يجعل المرء قاعدا لا قاعدا معا ..؟ وسائر ما لا يتشكل في العقل فيما يفعل فيه التأثير لو أمكن فيما دون الباري عزوجل ـ فهذه الوجوه الثلاثة من سأل عنها أيقدر الله تعالى عليها فهو سؤال صحيح مفهوم ، معروف وجهه ، يلزم الجواب عنه بنعم إن الله قادر على ذلك كله. إلا أن المحال في بنية العقل فيما بيننا ، لا يكون البتة في هذا العالم لا معجزة لنبي ولا غير ذلك البتة ، هذا واقع في النفس بالضرورة ، ولا يبعد أن يكون الله تعالى يفعل هذا في عالم له آخر.

    وأما المحال المطلق : فهو كل سؤال أوجب على ذات الباري تغييرا فهذا هو المحال لعينه الذي ينقض بعضه بعضا ، ويفسد آخره أوّله ، وهذا النوع لم يزل محالا في علم الله تعالى ، ولا هو ممكن فهمه لأحد ، وما كان هكذا فليس سؤالا ، ولا سأل سائله عن معنى مفهوم أصلا ، وإذا لم يسأل فلا يقتضي جوابا على تحقيقه أو توهمه ، لكن يقتضي جوابا بنعم أو بلا ، لئلّا ينسب بذلك إلى وصفه تعالى بعدم القدرة الذي هو العجز بوجهه أصلا ، وإن كنا موقنين بضرورة العقل بأن الله تعالى لم يفعله قط ، ولا يفعله أبدا. وهذا مثل من سأل : أيقدر الله تعالى على نفسه ، أو على أن يجهل ، أو على أن يعجز ، أو على أن يحدث مثله ..؟ أو على إحداث ما لا أول له ..؟ فهذه سؤالات يفسد بعضها بعضا تشبه كلام الممرورين ، والمجانين ، وكلام من لا يفهم. وهذا النوع لم يزل الله تعالى يعلمه محالا ممتنعا باطلا قبل حدوث العقل وبعد حدوثه.

    وأما المحال في العقل فهو القسم الثالث الذي ذكرنا قبل ، فإن العقل مخلوق ، محدث خلقه الله تعالى بعد أن لم يكن. وإنما هو قوة من قوى النفس ، عرض محمول فيها أحدثه الله تعالى ، وأحدث رتبة على ما هي عليه ، مختارا لذلك تعالى. وبضرورة العقل نعلم أن من اخترع شيئا لم يكن قط لا على مثال سلف ولا عن ضرورة أوجبت عليه اختراعه لكن اختار أن يفعله ، فإنه قادر على ترك اختراعه ، قادر على اختراع غيره مثله ، أو خلافه ، ولا فرق بين قدرته على بعض ذلك وبين قدرته على سائره ، فكل ما