• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • باب ما الاستطاعة
  • كتاب الايمان والكفر والطاعات والمعاصي والوعد والوعيد
  • هل تعصي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
  • فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بأن إيمانهم يبطل جملة وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون جحد كان منهم أصلا ولو كان منهم جحد لشعروا به ، والله تعالى أخبرنا بأن ذلك يكون وهم لا يشعرون فصح أن من أعمال الجسد ما يكون كفرا مبطلا لإيمان فاعله جملة ، ومنه ما لا يكون كفرا لكن على ما حكم الله تعالى به في كل ذلك ولا مزيد.

    قال أبو محمد رضي الله عنه : فإن قال قائل من أين قلتم إن التصديق لا يتفاضل ونحن نجد خضرة أشد من خضرة ، وشجاعة أشد من شجاعة ، لا سيما والشجاعة والتصديق كيفيتان من صفات النفس معا؟ فالجواب وبالله تعالى التوفيق أن كل ما قيل من الكيفيات الأشد والأضعف فإنما يقبلهما بمزاج يداخله من كيفية أخرى ، ولا يكون ذلك إلا فيما بينه وبين ضده منها وسائط قد تمازج كل واحد من الضدين أو فيما جاز امتزاج الضدين فيه ، كما نجد بين الخضرة والبياض وسائط من حمرة وصفرة تمازجهما فتولد حينئذ بالممازجة الشدة والضعف وكالصحة التي هي اعتدال مزاج العضو ، فإذا مازج ذلك الاعتدال فضل ما كان مرضه بحسب ما مازجه في الشدة والضعف ، والشجاعة إنما هي استسهال النفس للثبات والإقدام عند المعارضة في اللقاء ، فإذا ثبت الاثنان فإثباتا واحدا ، وإقدامهما إقداما مستويا فهما في الشجاعة سواء ، وإذا ثبت أحدهما أو أقدم فوق ثبات الآخر وإقدامه كان أشجع منه ، وكان الآخر قد مازج ثباته أو إقدامه جبن ، وأما ما كان من الكيفيات لا يقبل المزاج أصلا فلا سبيل إلى وجود التفاضل فيه ، وكل ذلك على حسب ما خلقه الله عزوجل من كل ذلك ولا مزيد ، كاللّون فإنه لا سبيل إلى أن يكون لون أشد دخولا في أنه من لون آخر إذ لو مازج الصدق غيره لصار كذبا في الوقت ، ولو مازج التصديق شيء غيره لصار شكّا في الوقت ، وبطل التصديق جملة ، وبالله تعالى التوفيق. والإيمان قد قلنا إنه ليس هو التصديق وحده بل أشياء مع التصديق كثيرة فإنما دخل التفاضل في كثرة تلك الأشياء وقلتها ، وفي كيفية إيرادها وبالله تعالى التوفيق ، وهكذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال شعيرة من إيمان ، ثم من في قلبه مثقال برة من إيمان ، ثم من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، إلى أدنى أدنى من ذلك» (١). إنما أراد عليه

    __________________

    (١) رواه البخاري في التوحيد باب ١٩ و ٣٦ ، والإيمان باب ٣٣. ومسلم في الإيمان (حديث ٣١٦ ، ٣٢٥ ، ٣٢٦) والترمذي في صفة جهنم باب ٩. وابن ماجة في الزهد باب ٣٧. وأحمد في المسند (١ / ٢٩٦ ، ٣ / ١١٦ ، ٢٤٨ ، ٢٧٦ ، ٣٤٥ ، ٣٨٤).