أحدهما : إنا دللنا على أن العدم على سبيل التدريج محال.
وثانيها : إن بتقدير أن يعقل ذلك في الجملة ، إلا أنه هاهنا غير معقول. وإلا لصار الآن منقسما. وقد دللنا على أنه غير منقسم. وإذا بطل هذا القسم ، ثبت أن عدمه يكون دفعة. فيكون آن عدمه : متصلا بآن وجوده [بعد تتالي آنات (١)] ثم الكلام في كيفية عدم الآن الثاني كما في الأول. وذلك يوجب تتالي الآنات. وهو المطلوب.
فإن قيل : لا نسلم وجود الآن. قوله : «الذهن يحكم بتحققه وثبوته في نفسه» قلنا : وكذلك الشيء قد يحكم الذهن والعقل عليه ، بكونه واجبا (٢) أو ممكنا أو ممتنعا. مع أن الوجوب والإمكان والامتناع : مفهومات لا ثبوت لها في الخارج. وإلا لكانت إما واجبة أو ممكنة أو ممتنعة. فكان وجوبها وإمكانها وامتناعها زائدا عليه. ولزم التسلسل.
وأيضا : فالعقل قد يحكم بكون الشيء معدوما في نفسه ، مع أنه لا يلزم منه أن يكون العدم أمرا ثابتا ، لامتناع أن يكون أحد النقيضين عين (٣) الثاني.
السؤال الثاني : سلمنا أن الشيء وجد في الآن. فلم قلتم : «إن صدق هذا ، يقتضي كون الآن موجودا؟» والدليل عليه : وجهان :
الأول : إنه تعالى يصدق عليه أنه موجود الآن ، مع أنه يمتنع وقوع ذاته في الآن والزمان.
والثاني : إن نفس الآن موجود ، مع أنه يمتنع أن يقال : إن الآن وجد في الآن. إلا لزم كون الشيء : موجودا في نفسه ، أو يلزم التسلسل. وكلاهما محال.
__________________
(١) من (م).
(٢) واجبا أو ممتنعا أو ممكنا (م).
(٣) غير (م).