محض ، فكلّ ما وجوده أقوى فخيريّته أتم وأوفر ، وكل ما وجوده أضعف فخيريّته أنقص وأقل، إلى أن ينتهي إلى أضعف الموجودات ، وهو المادّة الجسمانية الّتي هي قوّة الوجودات ، فهي قوّة الخيرات.

وصل

ومن هذا ظهر أنّ إطلاق الشرّ على ما يقتضي منع المتوجه إلى كمال عن وصوله إلى ذلك الكمال ، مثل البرد المفسد للثمار ، والحرّ المعفّن لها ، والمطر المانع للقصّار عن تبييض الثياب. وكالأفعال المذمومة ، مثل الظلم ، والزنا. وكالأخلاق الرديّة ، مثل الجبن ، والبخل. وكالمؤلمات والغموم ، وغير ذلك من الأمور الوجودية الّتي يتبعها أعدام إنّما هو على سبيل المجاز ؛ وذلك لأنّ هذه الأشياء ليست في أنفسها شرورا ، بل إنما يتأدى إلى الشرور بالعرض ، فإنّا إذا تأمّلنا في ذلك وجدنا البرد في نفسه من حيث هو كيفيّة ما ، وبالقياس إلى علّته الموجبة له ليس بشرّ ، بل هو كمال من الكمالات ، وإنما هو شرّ بالقياس إلى الثمار لإفساده أمزجتها ، فالشرّ بالذات هو فقدان الثمار كمالاتها اللائقة بها.

والبرد إنّما صار شرّا بالعرض ؛ لاقتضائه ذلك ، وكذلك الحر والمطر.

وأيضا الظلم والزنا ، ليسا من حيث هما أمران يصدران عن قوّتين ، كالغضبية والشهوية ـ مثلا ـ بشرّ ، بل هما من تلك الحيثية كمالان لتينك القوّتين ، إنّما يكونان شرا بالقياس إلى المظلوم ، أو إلى السياسة المدنية ، أو إلى النفس الناطقة الضعيفة عن ضبط قوّتيها الحيوانيتين ، فالشرّ بالذات هو فقدان أحد تلك الأشياء كماله ، وإنما أطلق على أسبابه بالمجاز ، لتأديته إلى ذلك.