• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • القسم الأول

  • والخلاص وصفات النور والظلمة إذ إنما قصدنا اجتثاث أصول المذاهب الفاسدة في أن الفاعل أكثر من واحد ، واعتمدنا البيان في إثبات الواحد فقط ، فإذ قد ثبت ذلك ببراهين ضرورية بطل كل ما فرعوه من هذا الأصل الفاسد ، إذ إنما قصدنا ما تدفع إليه الضرورة من الاستيعاب لما لا بدّ منه بإيجاز بحول الله تعالى وقوته.

    وأمّا من جعل الفاعل أكثر من واحد إلّا أنهم جعلوهم غير العالم كالمجوس والصابئين ، والمزدكية ، ومن قال بالتثليث من النصارى ، فإنه يدخل عليهم من الدلائل الضرورية بحول الله وقوته ما نحن نورده إن شاء الله تعالى. فنقول وبالله تعالى التوفيق :

    إنّ ما كان أكثر من واحد ، فهو واقع تحت جنس العدد ، وما كان واقعا تحت جنس العدد فهو نوع من أنواع العدد ، وكل ما كان نوعا فهو مركب من جنسه العام له ولغيره ، ومن فصل خصّه ليس في غيره ، وله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره من أنواع ذلك الجنس ، وله محمول وهو الصورة التي خصته دون غيره ، فهو ذو موضوع وذو محمول ، فهو مركب من جنسه وفصله ، والمركب مع المركب من باب المضاف الذي لا بد لكل واحد منهما من الآخر ، فأما المركب فإنما يقتضي وجود المركب من وقت تركبه ، وحينئذ يسمى مركبا لا قبل ذلك.

    وأمّا الواحد فليس عددا لما سنبينه إن شاء الله تعالى بعد انقضاء الكلام في هذا الباب وبالله تعالى التوفيق.

    ومن البرهان على أن الفاعل للعالم ليس إلّا واحدا : أن العالم لو كان مخلوقا لاثنين فصاعدا لم يخل من أن يكون لم يزالا مشتبهين (١) أو مختلفين ، فأيّا ما قالوا فقد أثبتوا معنى فيهما أو في أحدهما به اشتبها (٢) أو به اختلفا ، فإن نفوا ذلك فقد نفوا الاختلاف والاشتباه معا ، ولا يجوز ارتفاعهما معا أصلا ، لأن ذلك محال وموجب للعدم ، لأن وجود شيئين لا يشتبهان في شيء ولا يختلفان بوجه من الوجوه محال ، إذ في ذلك عدمهما ، لأن هذه الصفة معدومة ، وإذا كانت الصفة معدومة فحاملها معدوم ، وهم قد أثبتوا وجودها فيلزمهم القول بموجود معدوم في وقت واحد من وجه واحد وهذا محال. وهم إذا أثبتوهما موجودين لم يزالا فقد أثبتوا لهما معاني قد اشتبها فيها ،

    __________________

    (١) كذا في الأصل : والأصح أن يقول : «متشابهين». لأن معنى اشتبه غير معنى تشابه ، يقال : اشتبه الأمر عليه : إذا اختلط. انظر المعجم الوسيط (ص ٤٧١).

    (٢) راجع الحاشية السابقة.