ومن ذلك ما ذكر أبو صالح عن الكلبي (١) عن عمر بن الخطاب ، أنه قال لابن عباس يوما من الأيام : (يا أبا العباس ضربتني البارحة أمواج القرآن في آيتين قرأتهما ، لم أعرف ما تأويلهما؟
فقال ابن عباس : ما هما يا أمير المؤمنين؟
قال : قوله (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [الأنبياء : ٨٢]. فقلت : سبحان الله أيظن نبي من أنبياء الله أن الله (٢) لا يقدر عليه ، أو أنه يفوته إن أراده ، ما ظن هذا مؤمن؟!
وقوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) [يوسف : ١٠٤]. فقلت : سبحان الله كيف هذا أيس الرسل من نصر الله ، أو تظن أن قد كذب وعد الله؟!! إن لهاتين الآيتين خبرا من التأويل ما فهمته؟!!
فقال ابن عباس : أما ظن يونس فإنه ظن لن تبلغ به خطيئته أن يقدّر الله بها عليه العذاب ، ولم (٣) يشك أن الله إن أراده قدر عليه ، فهذا قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ). وأما قوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ). فهو استيئاسهم من إيمان قومهم ، وظنهم : فهو ظنهم لمن أعطاهم الرضى في العلانية ، أنه قد كذّبهم في السر ، وذلك لطول البلاء عليهم ، ولم تستيئس من نصر الله ، ولم يظنوا أن الله قد أخلفهم ما وعدهم.
فقال عمر فرجت عني فرّج الله عنك (٤).
__________________
(١) الكلبي هو : الراوي عن أبي صالح.
(٢) سقط من (أ) : أن الله.
(٣) في (ب) : ولن.
(٤) أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهم ، أن معاوية قال له يوما : إني قد ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك.
قال : وما هما؟
قال : قول الله : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ). وأنه يفوته إن أراده ، وقول الله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا). كيف هذا يظنون أنه قد كذبهم ما وعدهم؟
فقال ابن عباس : أما يونس ، فظن أن لن تبلع خطيئته أن يقدر الله عليه فيها العقاب ، ولم يشك أن الله ـ