انتهاؤكم خيرا لكم حالا ومآلا ، إنما الله سبحانه وتعالى إله واحد لا شريك له ولا ند ولا ولد. سبحانه تنزه وعلا وجل وعظم أن يكون له ولد ، ولم تكن له صاحبة ، ولم يكن ذا حاجة وله ما في السموات وما في الأرض خلقا وملكا وحكما وتدبيرا ، وكفى به سبحانه وتعالى وكيلا شاهدا عليما فحسبكم الله تعالى ربّا وإلها فإنه يكفيكم كل ما يهمكم فلا تلتفتون إلى غيره ولا تطلبون سواه.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٧١) وأما الآيتان الثانية (١٧٢) والثالثة (١٧٣) فقد أخبر تعالى أن عبده ورسوله المسيح عليه‌السلام لن يستنكف أبدا أن يعبد الله وينسب إليه بعنوان العبودية فيقال عبد الله ورسوله ، حتى الملائكة المقربون منهم فضلا عن غيرهم لا يستنكفون عن عبادة الله تعالى وعن لقب العبودية فهم عباد الله وملائكته ، ثم توعد تعالى كل من يستنكف عن عبادته ويستكبر عنها من سائر الناس بأنه سيحشرهم جميعا ويحاسبهم على أعمالهم فأمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات آمنوا بألوهيّته تعالى وحده وعبدوه وحده بما شرع لهم من أنواع العبادات وهى الأعمال الصالحة فهؤلاء يوفيهم أجورهم كاملة ويزيدهم من فضله الحسنة بعشر أمثالها وقد يضاعف الى سبعمائة ضعف. وأما الذين استنكفوا واستكبروا أي حملتهم الأنفة والكبر على عدم قبول الحق والرجوع اليه فأصروا على الاعتقاد الباطل والعمل الفاسد فيعذبهم تعالى عذابا أليما أي موجعا ولا يجدون لهم من دونه وليا ولا ناصرا فينتهي أمرهم إلى عذاب الخلد جزاء بما كانوا يعملون.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ حرمة الغلو في الدين إذ هي من الأسباب الموجبة للابتداع (١) والضلال.

٢ ـ حرمة القول على الله تعالى بدون علم مطلقا والقول عليه بغير الحق بصورة خاصة.

٣ ـ بيان المعتقد الحق في عيسى (٢) عليه‌السلام ، وأنه عبد الله ورسوله كان بكلمة الله ونفخة

__________________

(١) قال مطرف بن عبيد الله : والعدل حسنة بين سيئتين ، الأولى الإفراط ، والثانية التفريط ، فالغلو إفراط ، والتقصير تفريط ، وكلاهما مذموم قال الشاعر :

وأوف ولا تستوف حقك كله

وسامح فلم يستوف قط كريم

ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد

كلا طرفي قصد الأمور ذميم

(٢) ذكر القرطبي عند تفسير هذه الآية قصة طويلة في سبب فساد دين المسيح عليه‌السلام ، وأنّ الذي أفسده هو بولس اليهودي ولعلنا نذكرها في تفسير آية المائدة : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) إن شاء الله تعالى.