(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) : لتختبرنّ في أموالكم بأداء الحقوق الواجبة فيها ، أو بذهابها وأنفسكم بالتكاليف الشاقة كالجهاد والحج ، او المرض والموت.

(أُوتُوا الْكِتابَ) : اليهود والنصارى.

(الَّذِينَ أَشْرَكُوا) : العرب.

(فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) : يريد أن الصبر والتقوى من الأمور الواجبة التى هى عزائم وليس فيها رخص ولا ترخيص بحال من الأحوال.

معنى الآيات :

ما زال السياق في تعزية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه لقد جاء في الآية السابقة تسلية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له ، وفي هذه الآية أعظم تسلية وعزاء ، إذ أخبر تعالى فيها بأن كل نفس مهما علت أو سفلت ذائقة الموت (١) لا محالة ، وإن الدنيا ليست دار جزاء وإنما هى دار كسب وعمل ، ولذا قد يجرم فيها المجرمون ويظلم الظالمون ، ولا ينالهم مكروه ، وقد يحسن فيها المحسنون ويصلح المصلحون ولا ينالهم محبوب ، وفي هذا تسلية عظيمة وأخرى : العلم بأن الحياة الدنيا بكل ما فيها لا تعدو كونها متاع الغرور ، أي متاع زائل غار ببهرجه ، وجمال منظره ، ثم لا يلبث ان يذهب ويزول. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٨٥) أما الآية الثانية (١٨٦) ففيها يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم لا محالة مختبرون في أموالهم وفي أنفسهم. في أموالهم بالجوائح ، وبالواجبات ، وفي أنفسهم بالمرض والموت والتكاليف الشاقة كالجهاد والحج والصيام ، وانهم لا بد وأن يسمعوا من أهل الكتاب والمشركين أذى كبيرا كما قال فنحاص : الله فقير و (٢) نحن أغنياء أو كما قال النصارى : المسيح ابن الله ، وكما قال المشركون : اللات والعزى ومناة آلهة مع الله. ثم حثهم تعالى على الصبر

__________________

(١) من أحكام الاحتضار تلقين لا إله إلا الله وقراءة يس لتخفيف سكرات الموت لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من ميت يقرأ عنده يس إلّا هون عليه» وحديث أبي داود «اقرأوا يس على موتاكم» ومن أحكام الموت تغميض العينين وغسله وكفنه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين وتعجيل دفنه والإسراع في المشي به لحديث : «أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم».

(٢) قال ابن أبي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ارجع إلى رحلك لا تؤذنا في مجالسنا ، وكان كعب بن الأشرف ينظم القصائد يسب فيها المسلمين ويؤلب فيها عليهم الكافرين ، بل كان يتشبب بنساء المؤمنين ، ولذا أذن الرسول في اغتياله فقتله غيلة محمد بن مسلمة وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.