• الفهرس
  • عدد النتائج:

وقد تمسك بعض أصحابنا : فى جواز التكليف بما لا يطاق بقوله ـ تعالى ـ : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) (١). ووجه الاحتجاج به أنهم سألوا دفع التكليف بما لا يطاق ، ولو كان ذلك محالا فى نفسه ؛ لكان مندفعا بنفسه من غير حاجة إلى السؤال فى دفعه ؛ فحيث سألوا دفعه دل على كونه جائزا.

فإن قيل : لا نسلم أن الآية ظاهرة فى سؤال (٢) دفع (٢) التكليف بالمحال ؛ فإنها إنما تكون ظاهرة فيه أن لو كان التكليف بالمحال ممكنا ؛ لأنه إذا لم يكن ممكنا ؛ فيكون مندفعا بنفسه كما ذكرتموه ولا حاجة إلى سؤال دفعه.

وعند ذلك : فيتوقف إمكان التكليف بالمحال على كون الآية ظاهرة فيه ، ويتوقف ظهورها فيه على كونه ممكنا ؛ وهو دور ممتنع.

سلمنا أنها ظاهرة فى دفع التكليف بالمحال ؛ ولكن يحتمل أن يكون المراد إنما هو دفع ما فيه كلفة ، ومشقة على النفس. ولهذا يصح أن يقال لمن كلف عبده ما شق عليه مشقة مفضية إلى هلاكه ، كلفه ما لا طاقة له به. ويدل عليه أول الآية وهو قوله ـ تعالى ـ : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) (٣) والمراد بالإصر (٤) : ما فيه ثقل ومشقة ، هكذا قال أهل اللغة.

سلمنا أن المراد به تكليف المحال ؛ ولكن ليس فيه ما يدل على جواز التكليف بالمحال ؛ إذ هو حكاية حال الداعين ، ولا حجة فى قولهم ، ولو صرحوا بالجواز.

سلمنا صحة الاحتجاج بقولهم ؛ ولكن لا يخلو : إما أن يقولوا بأن كل تكليف تكليف بما لا يطاق ، أو بعض التكاليف ، دون البعض.

فإن كان الأول : فالسؤال يكون لدفع كل تكليف ، ولا فائدة فى (٥) التخصيص (٦) بما لا يطاق.

وإن كان الثانى : فالتكليف : إما تكليف عاجز ، أو غير عاجز ، فما يطاق إما تكليف العاجز ، أو من ليس بعاجز.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ٢٨٦.

(٢) فى ب (دفع سؤال).

(٣) سورة البقرة ٢ / ٢٨٦.

(٤) فى ب (من الإصر).

(٥) فى ب (به).

(٦) فى ب (للتخصيص).