• الفهرس
  • عدد النتائج:

مكيدة لقتله ، فالذي ثبّت حكم الأمويين في الشام إنما هو الشيخان ، ثم بعدهما عثمان لكونه من بني أميّة.

كان عثمان يبذل كل جهده في تأسيس حكومة أمويّة قاهرة في الحواضر الإسلامية كلّها تقهر من عداهم ، أراد أن تكون كلمة الأمويين هي العليا ، وكلمة من عداهم هي السفلى ، غير أنّ القدر الحاتم راغمه على منوياته ، فجعل الذكر الجميل الخالد والبقية المتواصلة في الحقب والأجيال كلّها لآل عليّ أمير المؤمنين عليه وعليهم‌السلام ، وأما آل حرب فلا تجد من ينتمي إليهم غير متوار بانتسابه ، متخافت عند ذكر نسبه ، فكأنهم حديث أمس الدابر ، فلا ترى لهم ذكرا ، ولا تسمع لأحد منهم ركزا.

كان الخليفة عثمان يمضي وراء نيّته هاتيك قدما ، وراء أمل أبي سفيان فيما قال له يوم استخلف : فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أمية.

فولّى على الأمر في المراكز الحساسة والبلاد العظيمة أغلمة بني أمية ، وشبابهم المترف المتبختر في شرخ الشبيبة وغلوائها ، وأمر فتيانهم الناشطين للعمل ، الذين لم تحنّكهم الأيام ولم يأدبهم الزمان ، وسلّطهم على رقاب الناس ، ووطد لهم السبل ، وكسح عن مسيرهم العراقيل ، وفتح باب الفتن والجور بمصراعيه على الجامع الصالح في الأمصار الإسلامية ، وجرّ الويلات بيد اولئك الطغام على نفسه وعلى الأمة ، هؤلاء الذين لم يغنوا عنه شيئا يوم ضحّى نفسه وجاهه وملكه لأجلهم حتى قتل من جراء ذلك ، ولا أحسب أنهم مغنون عنه شيئا غدا عند الله يوم لا يغني عنه مال ولا بنون.

وهؤلاء الأغلمة لا يبالي أحدهم بما يفعل ، ولا يكترث لما يقول ، والخليفة لا يصيخ إلى شكاية المشتكي ، ولا يعي عذل أي عاذل ، ومن اولئك الأغلمة والي الكوفة سعيد بن العاص ذاك الشاب المترف كان يقول على صهوة المنبر : «إن السواد بستان لأغلمة من قريش» (١).

__________________

(١) الطبقات لابن سعد ج ٥ / ٢١ وتاريخ ابن عساكر ج ٦ / ١٣٥.