• الفهرس
  • عدد النتائج:

وسجيّته وطبعه أن يتصدّى للغنيّ ولو كان كافرا دون المؤمن الفقير ، غير مبال به حتى لو أراد أن يتزكّى ، ونحن نعلم أنّ هذا لم يكن من صفات وسجايا النبيّ ولا من طبعه وخلقه! ..

هذا مضافا إلى أن العبوس في وجه الفقراء والإعراض عنهم لم يكن من صفاته حتى مع أعدائه ، فكيف بالمؤمنين من أصحابه وأودّائه وقد وصفه الله تعالى بأنه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(١).

فسياق الآيات المعاتبة لا يليق بمنصب النبوّة ، لا سيّما وأنّ لسان هذه الآيات هو الذمّ والتوبيخ لمن يترفّع على الفقراء ويتواضع لأصحاب الجاه والثراء ، وهذه صفات يتنزّه عنها المؤمن العادي فكيف بنبيّ الله محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي بعث رحمة للعالمين (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢) ولم يعهد من أخلاقه الرفيعة أن ينزع يده من يد مصافحه حتى ينزعها الآخر ، وكان حياؤه أشدّ من حياء المرأة ، وكان من صفاته قبل النبوّة وبعدها معاهدته ومجالسته للفقراء والمساكين وكان أكثر الناس تبسّما في وجوه أصحابه إلى ما هنالك من صفات جميلة ساءت أهل الشرف والجاه حتى طالبه الملأ من قريش بأن يبعد هؤلاء عنه ليتبعوه ، وقد أشار عليه بعضهم بطردهم فنزل قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)(٣).

فمن كانت هذه صفاته ، فهل يتصوّر أن يقطّب ويعبس في وجه أعمى جاءه طالبا معرفة الحلال والحرام؟ ..

وأي تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلهي عنهم ، والإقبال على جماعة مترفين سيّما أمثال هؤلاء الذين ذكروا في الرواية.

__________________

(١) سورة التوبة : ١٢٨.

(٢) سورة الأنبياء : ١٠٧.

(٣) سورة الأنعام : ٥٢.