ثم رحت أتابع السير مسرعا فرأيت كيف راح الحسين عليه‌السلام يرسم خطى النبيين ، التي كادت أن تندرس على أيدي الظالمين باسم شريعة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله قائلا : (اهلي مع اهليكم ونفسي مع أنفسكم) ، ليكون درسا يعرف به دعاة الحق عن الكاذبين على طول مسيرة السائرين ، يجسد عليه‌السلام بذلك خطى الصدق التي كنا نعيشها في عهد سيد النبيين حيث يقول باب مدينة العلم عليه‌السلام : (كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وانه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا اشتد الامر جعل أهل بيته درعا يقي بهم المسلمين فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : (تقدّم يا علي تقدم يا حمزة تقدم يا فلان ويا فلان) من أهل بيته وبني عمومته ، فرأيت كيف كان منهج الصادقين الذين لا يأمرون أحدا بشيء إلا من بعد كونهم فيه أسوة للآخرين ، ورأيت كيف رسموا خطى الحق بأفعالهم قبل الأقوال.

بلى هكذا كان يتهافت الصادقون الى الجنان قبل السواد الأعظم تحكيما لموازين العدل وتثبيتا لقيم الشرع وهذه هي نفس المشاهد التي شاهدنا معالمها في يوم بدر وحنين وأحد والجمل وصفين ، لنميز راية الحق من راية الضلال لاصحاب القبب المحصّنة ونزّال القصور المطنطنة ، الذين طالما أكثروا الكلام وخدعوا الأنام ليكونوا خلفاء الشياطين يعرفهم طلاب اليقين الذين كانوا آية صدق للمتقين حيث يقول تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت / ٦٩.

فرحت أتخطى الأجيال على طول الزمن أتأمل في رايات الحق والباطل فعرفت أن لكل من الفريقين مظاهر يعرفها الناظر بفراسة الايمان قبل أن يأتي يوم (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) أو تكون (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) ، لمن شاهد بعد الحقيقة