قالوا له : أيها الأمير! فالرأي أن ننصرف عنهم لا سيما وقد نكأنا (١) فيهم بالأمس ، فوافقهم وانصرفوا في جوف الليل نحو العراق ، وبلغ ذلك أهل الكوفة فأرجفوا وقالوا : قتل يزيد أميرهم. وابيد عسكره ، واغتم المختار ولم يدر ما قصتهم ، حتى علم أنهم انصرفوا لموت صاحبهم ، فطابت نفسه وقدم أصحاب يزيد فأخبروه بما كان ، فدعا أبا النعمان إبراهيم بن مالك الأشتر فعقد له وضمّ إليه أصحاب يزيد وغيرهم من فرسان أهل الكوفة ورجالهم ، وقال له : سر إلى عدو الله وعدوك وناجزهم وطالعني بأخبارك بليلك ونهارك ، فإن رأيت أمرا لا طاقة لك به فلا تلق بيدك إلى التهلكة واكتب إليّ حتى أمدّك بما تكتفي به من خيل ورجال ، وكن في كل أمر ذاكرا لله تعالى في كل حال ، وعجّل السير وناجز عدوك وحاكمهم الى الله ، صحبك الله وسلّمك ، وردّك سالما غانما ، فسار إبراهيم بن مالك في أصحابه ، وهو يقول :

أما ورب المرسلات عرفا

حقا وربّ العاصفات عصفا

لتعسفن بالعدو عسفا

حتى نسوم القاسطين خسفا

زحفا إليهم لا نملّ الزحفا

حتى نلاقي بعد صف صفا

وبعد ألف في النزال الفا

فنكشف الظالم عنا كشفا

وعسكر ابراهيم بموضع يقال له : حمام أعين ثم ارتحل حتى نزل على خمسة فراسخ من الموصل ، وعبيد الله بن زياد بالموصل قد أخذ خراجها وفرقه في أصحابه ، وهو يومئذ في ثلاثة وثمانين ألفا وخرج بهم فنزل

__________________

(١) نكأنا : أضررنا ، ومعنى الجملة ـ إن قاتلناهم وهزمناهم جاءهم مدد لا يبقي علينا. لأنا قد أضررناهم بالنكاية بالأمس.