وهذا ظاهر جدا ، لكن عندنا إذا رهنه قولا وأبى عن الإقباض أجبر عليه ، وقد بينّا ذلك في مسائل الخلاف.

المسألة الرابعة والأربعون ـ قوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) يقتضى بظاهره ومطلقه أنّ الرهن إذا خرج عن يد صاحبه فإنه مقبوض صحيح يوجب الحكم ويختصّ بما ارتهن به دون الغرماء عند (١) كافة العلماء.

وقال عطاء وغيره : لا يكون مقبوضا إلا إن كان عند المرتهن ، وإذا صار عند العدل فهو مقبوض لغة مقبوض حقيقة ؛ لأنّ العدل نائب عن صاحب الحق وبمنزلة الوكيل له. وهذا ظاهر.

المسألة الخامسة والأربعون ـ قوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) : يقتضى بظاهره ومطلقه جواز رهن المشاع ، خلافا لأبى حنيفة ؛ لأنه لو لم يصح رهنه لم يصح بيعه ؛ لأنّ البيع يفتقر إلى القبض افتقار الرهن بل أشدّ منه ، وهذا بيّن ، والله أعلم.

المسألة السادسة والأربعون ـ إذا قبض الرهن لم يجز انتزاعه من يده خلافا لبعض أصحاب الشافعىّ ؛ لأنه إذا انتزعه من يده فقد خرج عن الصفة التي وجبت له من القبض ، وترتّب عليها الحكم ، وهذا بيّن ظاهر.

المسألة السابعة والأربعون ـ كما يجوز رهن العين كذلك يجوز رهن الدّين ، وذلك عندنا إذا تعامل رجلان لأحدهما على الآخر دين فرهنه دينه الذي له عليه ، وكان قبضه قبضا. وقال غيرنا من العلماء : لا يكون قبضا.

وكذلك إذا وهبت المرأة كالئها (٢) لزوجها جاز ، ويكون قبوله قبضا. وخالفنا فيه أيضا غيرنا من العلماء ؛ وما قلناه أصحّ ؛ لأنّ الذي في الذمّة آكد قبضا من المعيّن ؛ وهذا لا يخفى.

المسألة الثامنة والأربعون ـ إن الله سبحانه قال : (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) فجعل الله تعالى الرهن قائما مقام الشاهد ؛ فقال علماؤنا : إذا اختلف الراهن والمرتهن فالقول قول المرتهن ما بينه وبين قيمة الرهن.

__________________

(١) في ا : عن.

(٢) الكالئ : النسيئة.