• الفهرس
  • عدد النتائج:

الثاني : يجوز أن يهلك الجميع بشؤم ظلم الظالمين مبالغة في إعدام الظلم ونفي وجود أثره حتى لا يوجد بعد ذلك من بقية الناس ظلم موجب للإهلاك ، كما وجد من الذين أهلكهم بظلمهم ، ودليل جواز ذلك ما وجد في زمن نوح عليه‌السلام ، فإنه أهلك بشؤم ظلم قوم نوح جميع دواب الأرض ، وما نجا إلا من في السفينة ولم يبق على ظهر الأرض دابة ، ولذا قال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] ثم إذا فعل ذلك للحكمة والمصلحة التي اقتضت فعله عوّض البريء في الآخرة ما هو خير وأبقى.

الثالث : أن كل إنسان مكلف فهو ظالم إما لنفسه أو لغيره ؛ لأنه لا يخلو عن ذنب صغير أو كبير ، فلو أهلك الناس بذنوبهم لأهلك الدّواب أيضا ؛ لأنه إنما خلق الدواب لمصالح الناس وإذا عدم الناس وقع استغناؤهم عن الدواب كلها.

[٥٥٠] فإن قيل : لا نسلم أن غير الإنسان من الحيوان مخلوق لمصالح الإنسان ، ومستنده أنه كان مخلوقا قبل خلق الإنسان بالنقل عن الكتب الشرعية وغيرها ، وقد جاء مصرحا به في الحديث في باب الخلق من جامع الأصول سلمنا أنه مخلوق لمصلحة الإنسان ، لكن هلاك غير الإنسان معه يخفف عنه ألم المصيبة ، لا سيما إذا كان الهالك معه من جنسه ، ولهذا قيل : المصيبة إذا عمت طابت. سلمنا أن إهلاك غيره معه مؤلم له ، لكن لو كان إهلاكه معه لأنه خلق لمصلحته أفنهلك تبعا له لاستغنائه عنه أو لزيادة الإيلام فالبار أيضا خلق لمصلحته على قولكم ، فلم كان إهلاك الحيوان عقوبة للإنسان أولى من إهلاك النبات ، ولم يقل : ما ترك عليها من دابة ونبات أو من شيء؟

قلنا : الجواب عن الأول قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] وخلقه قبل الإنسان لا ينفي خلقه لمصلحة الإنسان ، كما يعد عظماء الناس الدور والقصور والخدم والحشم والدواب والثياب لأولادهم وأولاد أولادهم قبل وجودهم.

وعن الثاني أنا لا ندّعي أنه يهلك مع الإنسان بل قبله لتألمه بمشاهدة هلاك محبوبه ومألوفه. وعن الثالث أن المراد ما ترك عليها من دابة بواسطة منع المطر فيعدم النبات ، ثم يعدم بواسطة عدمه غير الإنسان من الحيوان ، ثم يعدم الإنسان ، كذا جاء في تفسير هذه الآية والآية التي في آخر سورة فاطر ، وهذا الترتيب أبلغ في العذاب وأعظم في العقاب من تقديم إهلاك الحيوان على النبات ؛ لأن الإنسان إذا بقي حيوانه بلا علف كان أوجع مما إذا بقي علفه بلا حيوان.

[٥٥١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ) [النحل : ٦٨] ولم يقل في الجبال وفي الشجر ، والاستعمال وإنما هو بفي يقال اتخذ فلان بيتا في الجبل أو في الصحراء أو نحو ذلك؟