والتصور السليم للجن وحقيقتهم عند المسلمين فحسب. أما بقية من يعترفون بوجودهم فقد انحرفت تصوراتهم فيهم.
فمنهم من اعتبرهم شركاء لله في الخلق والتدبير فعبدوهم كالزنادقة ، وهو مذهب المجوس واليونانيين والرومان ، ومنهم من اعتبر أن لهم سلطانا في الأرض وأنهم يعلمون الغيب ، وأن بينهم وبين الله أخوة كمشركي العرب. ومنهم من اعتبر بينهم وبين الله نسبا كاليهود. ومنهم من اعتبر الشيطان رئيس رتبة من الأرواح النجسة وأنه إله في الأرض وذلك كالنصارى. ومنهم من قسم الشياطين لأخيار وأشرار ولكنه اعتبر أن الأخيار همهم الرقص للآلهة أما الأشرار فهم للإفساد في الأرض وهكذا من تصورات حادت عن الصواب وتلوثت بروح الوثنية تارة والخرافة والأساطير تارة أخرى.
فالاعتراف بوجود الجن أمر قديم ، واعتقاد متوارث وليس منشؤه من الوسط الجاهلي كما تصوره «جولد تسيهر» وإنما هو اعتقاد قديم بين أصحاب الديانات السماوية وغيرها وكان دور الإسلام أن أمره وقومه حسب التصور الإلهي السليم البعيد عن الانحراف والخرافة. وقد أقر وجودهم النقل والعقل ، فهذا يظهر زيف دعوى المستشرقين الذين يحاولون عبثا أن يجعلوا من مصادر الإسلام الوسط الجاهلي.
الشبهة الثالثة :
استند المستشرقون في دعواهم على أن هناك تشابها بين الإسلام والوسط الوثني كذلك في بعض العادات كالزواج والختان وغيرهما (١).
قلت : كان للعرب عادات تأصلت فيهم فلما جاء الإسلام فما وجده منها موافقا لشرعه أقره وشجعه ، وما كان منها مخالفا لشرع الله ودينه فقد أبطله وحاربه.
__________________
(١) انظر مصادر الإسلام لتسدال ص ٨.