• الفهرس
  • عدد النتائج:

ويقول أيضاً : إنّ لهاجس الحداثة جذوراً في نتاج أبي نوّاس وأبي تمّام ، وفي كثير من النتاج العربي العلمي والفلسفي (الرازي ، ابن الراوندي ، ابن رشد) والصوفي ; ذلك أنّ الخاصّيّة الرئيسيّة التي تميّز هذا النتاج هي إدانة التقليد أو المحاكاة ورفض النسج على منوال الأقدمين ، والتوكيد على التفرّد والسبق وعلى الابتكار ..

وممّا يزيد في أهمّيّة الهجس بالحداثة وعمقه لدى أسلافنا هؤلاء هو أنّه لم يأت مصادفة أو بشكل مجّاني ، وإنّما كان يرتكز إلى نظرة جديدة ، من عناصر هذه النظرة مثلاً : نشوء مفهوم للزمن عندهم يغاير المفهوم الديني ، وفي نتاجهم نقد لمفهوم الزمن الديني نشأ ما يناظره في اُوربّا فيما بعد حين نقد مفهوم الزمن كماترى إليه المسيحيّة ..

ونعرف جميعاً أنّ هذا النقد كان في أساس الحداثة العربيّة .. وهكذا أدخلت نظرة أسلافنا اُولئك إلى الحياة العربيّة بعد العلم ، أي أنّها أحلّت حركيّة التقدّم محل سلفيّة الاُصول .. ربما أنّ هذا البعد يمتزج حكماً بالعقل فقد صار هاجس الحداثة عندهم محكوماً بفكرة التجاوز ..

وتعني هذه الفكرة على صعيد الإبداع ـ وبخاصّة الشعري ـ أن يعيش المبدع دائماً في حركة تدفعه إلى أن يكون دائماً غير ذاته وغير الآخرين .. فكأ نّها تقول له : لكي تظلّ موجوداً باستمرار لابدّ لك من أن تتجاوز نفسك وغيرك باستمرار .. من هنا تغيّر تبعاً لذلك موضوع النقد ، لم يعد يستند إلى حقيقة ماضية ثابتة يعود إليها دائماً ، إنّما أصبحت الحقيقة نفسها نقداً ، وأصبحت مرادفة للتغيّر ..