• الفهرس
  • عدد النتائج:

شاسع بين هذا وذاك ، إثر المزايا التكوينيّة والتشريعيّة ـ المشار إلى بعضها آنفاً ـ التي توفّرت في الحسين عليه السلام دون غيره.

إنّنا حينما نفكّر بالحسين (عليه السلام) نسقاً بما يكتنفه من الأبعاد الثلاثة : الوحي والعقل والتجربة ، إنّما نعني به الخروج عن دائرة التضييق والخنق والتقييد والضغط والخضوع لجمود النصّ ، وهذا ما يدعونا إلى التأمّل الكبير في مقولته المعروفة : «ألا وأ نّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي ، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» ، تأمّلاً لابدّ أن يفضي ـ بالإنصاف ـ إلى تكوين تصوّر مثير حول إيمان الحسين (عليه السلام) بحركة العقل والتغيير والتجديد ، فالنزعة الإنسانيّة ـ الأنسنة ـ كانت همّه الشاغل الذي لأجله وهب حياته ونفسه الزكيّة وأهل بيته وصحبه الكرام .. فالوحي أساس حركته وهادي نهضته ومبدأ نسقه ، والعقل حاكم على مسيرته ، والتجربة هي الحقيقة التي انغرست معه وبه ولازالت معطاةً فيّاضة. فما كان ابن مسكوية والتوحيدي وابن سينا هم أوّل من أنسن إسلاميّاً للإنسان إنسانيّته ، ولو سلّمنا أنّهم أدّوا هذا الجهد وقاموا بهذا الدور كما يدّعيه محمّد أرگون ، فقد سبقهم غيرهم من الذين دوّنوا الأنسنة الإسلاميّة عبر الممارسة الحيّة والتجسيد النابض ، فهذا هو الحسين عليه السلام قد بذل مهجته من أجل الحرّيّة والإصلاح كما أسلفنا ، ممّا جعله يتجاوز العقبة الزمكانيّة والإثنيّة والطائفيّة ، بدليل استلهام المسلمين وغيرهم من حركته الفكر والقيم والمبادئ ، وبقاء مفاهيمه طريّة تتأ لّق كلّما مرّت بها الأيّام والأعوام.