أقول : لمّا كان النُّدبَة ـ كالغُرْبَة ـ إمّا بمعنى الدعوة ؛ فكأن الداعي بهذا الدعاء يدعو إمام العصر ـ عجل الله فرجه ـ ويناديه ويستغيث به ، وإمّا بمعنى النياح على الميت ؛ فكأنه يندب على إمام العصر ، حيث إنه ـ لاستتاره وعدم الوصول إليه وعدم الانتفاع الكامل به ـ يكون كالمتوفي يُندب عليه ، [لا] سيما أنّ الأعداء لطول الغيبة مرّة ينكرون ولادته ـ كما أن أكثر العامة قالوا : «إنه لم يتولد بعدُ» ـ وتارة يقولون : «إنه قد مات» ، كما يٌستفاد مما رواه البحار (١) عن غيبة النعماني (٢) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إن للقائم غيبتين ، يقال في إحداهما : «هلك ، ولا يُدرى في أيّ واحد سلك!».
وفيه (٣) أيضاً عن الصادق عليهالسلام قال للحازم : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين ، يظهر في الثانية ، فمن جاءت يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدّقه.
يعني : إن الغيبة الثانية لأجل طولها ـ كما أنه قد تجاوزت في أعصارنا من الألف الذي لا يعيش من البشر في مثل تلك المدة أحد في هذه القرون ـ فيقول بعض : «إنه مات» ، وقد استبعده الإمام عليهالسلام وقال : من أخبر بموته قبل ظهوره بالحس والعيان ، بأن يقول : «قد دفنته بيدي» فلا تصدّقه ؛ فإن ظهوره عليهالسلام بعد غيبته الكبرى من المحتومات.
رزق الله تعالى فيض لقائه.
الفصل الأول [من الدعاء]
الدعاء :
بسم الله الرحمن الرحيم
اَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْليماً.
اَللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ ، اِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ ، الَّذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ بَعْدَ اَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ في دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرِجِها ، فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ ، وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفاءَ بِهِ ، فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَالثَّناءَ الْجَلِىَّ ، وَاَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ ، وَكَرَّمْتَهُمْ
__________________
١. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٦ ، ح ١٥.
٢. الغيبة للنعماني ، ص ١٧٣ ، ح ٨.
٣. الغيبة للنعماني ، ص ١٧٢ ، ح ٦ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٤ ، ح ٨.