• الفهرس
  • عدد النتائج:

الكمالات هو غائب عن الأنظار مستور مختف في الأقطار متوار عن الناس خوفاً من الأشرار ، فيتأسف له الداعي بتفديته نفسه ويقول : «ليت نفسي تكون بدلاً عنه وفداءً له!» في مقام الفقدان والغيبة الذي هو منزَّل منزلة الموت والهلكة.

وكما أنّ رجلاً كان في معرض القتل فيفدَّى عنه بنفس آخر ناطقة أو ناهقة أو بمال لكونه أهم وأشرف ، فكذا القائل يجعل نفسه الفداء للإمام الغائب في مقام غيبته المنزَّلة منزلة الموت ؛ وذلك لأجل شرافته وكونه رؤوفاً عطوفاً علينا كجده المصطفى رحمة للعالمين.

وكونه «معاهد عزّ لا يُسامى» أي لا عزّ فوق عزه ؛ فإنّ أسباب العزّ من العلم والشجاعة والسخاوة وأمثالها موجودة على نحو الأكملية فيه عليه‌السلام ، كما عرفت.

وكونه «تلاد نعم لا تُضاهى» أي من النعم القديمة التي لا تُضاهى بسائر النعم ، وقد اتضح معناه مما ذكر. أما كونه نعمة فواضح ، وقد فُسّرت النعمة في أكثر الآيات بحجة العصر ، وأية نعمة فوق الإمام ، فالنعمة هي المنفعة الواصلة من الغير ، وأية منفعة أعظم من الإمام ، بل المنافع تفيض علينا بواسطتهم.

ومرجع هذا كله إلى بيان ممدوحية الصفات المذكورة واستحسانها تقديراً وتقديساً ، كي يكون ذلك التقديس تشويقاً للغير وترغيباً لهم إلى الاتصاف بهذه الصفات. فإذا رأينا أن واحداً من الأجلة والمعتبرين يجعل نفسه فداءً لرجل آخر أكمل منه لأجل شجاعته وعلمه وسخاوته وغير ذلك من صفاته الراجعة فائدتها غالباً إلى الأشخاص وآحاد الملة ، فيتشوَّق كلُ سامع إلى تكميل العلم والشجاعة وغيرها من تلك الأوصاف ؛ كسباً للشرف واتخاذاً للاحترام عند الأنام ، بل هذا هو الغرض من تدوين التاريخ والسير وضبط أحوال السلف ؛ لتكون تذكرة للخلف عند رجوعهم إليها وتنبههم من مجاري حالاتهم ووقائع سلفهم ، من سوء المجازات للأشرار وحسن المكافأة للأخيار ؛ (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) (١).

ولعمري إن المقصود من ذكر قصص الاُمم السالفة في القرآن المجيد ليس إلا هذا ؛ ألا نرى إلى ما يقول تعالى في الآية : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ

__________________

١. سورة الأنفال ، الآية ٤٢.