• الفهرس
  • عدد النتائج:

فقال : لأي شيء بخلت عليهم أن يسقوا بكفّه؟ فقلت : إذن كان يلحقني من النقد ما لحق ذا الرمة في قوله : [الطويل]

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (١)

وكان طوفان نوح أهون عليهم من ذلك ، فتألّقت غرّته ، وبدت مسرّته ، وقال : إنّا لله على أن لم يعنّا الزمان على مكافأة مثلك.

قال : وكنت ممّن زاره بسجنه بأغمات ، وحملتني شدّة الحميّة له والامتعاض (٢) لما حلّ به أن كتبت على حائط سجنه متمثّلا : [الطويل]

فإن تسجنوا القسريّ لا تسجنوا اسمه

ولا تسجنوا معروفه في القبائل

ثم تفقدت الكتابة بعد أيام ، فوجدت تحت البيت : لذلك سجنّاه : [الطويل]

ومن يجعل الضّرغام في الصّيد بازه

تصيّده الضّرغام فيما تصيّدا (٣)

فما أدري من جاوب بذلك ، ثم عدت له ووجدته قد محي ، وأعلمت بذلك ابن عبّاد ، فقال : صدق المجاوب ، وأنا الجاني على نفسه ، والحافر بيده لرمسه ، ولمّا أردت وداعه أمر لي بإحسان على قدر ما استطاع ، فارتجلت : [السريع]

آليت لا أقبل إحسانكم

والدّهر فيما قد عراكم مسي (٤)

ففي الذي أسلفتم غنية

وإن يكن عندكم قد نسي

قال : وفيه أقول من قصيدة : [السريع]

يا طالب الإنصاف من دهره

طلبت أمرا غير معتاد

فلو يكون العدل في طبعه

لما عدا ملك ابن عبّاد

وللحجاري المذكور كتاب في البديع سماه «الحديقة» وأنشد لنفسه فيه (٥) : [السريع]

وشادن ينصف من نفسه

أمّنني من سطوة الدهر

__________________

(١) البيت لذي الرمة ، وهو :

ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى

ولا زال منهلا بجرعائك القطر

(٢) الامتعاض : الغضب والتوجع.

(٣) الضرغام : الأسد. والباز : من أنواع الصقور.

(٤) آليت : حلفت.

(٥) انظر المغرب ج ٢ ص ٣٤.