وقال هوذة فى ذلك :
أتانى سليط بالحوادث جمة |
| فقلت له ما ذا يقول سليط |
فقال التي فيها على غضاضة |
| وفيها رجاء مطمع وقنوط |
فقلت له غاب الذي كنت أجتلى |
| به الأمر عنى فالصعود هبوط |
وقد كان لى والله بالغ أمره |
| أبا النصر جاش فى الأمور ربيط |
فأذهبه خوف النبيّ محمد |
| فهوذة فيه فى الرجال سقيط |
فأجمع أمرى من يمين وشمأل |
| كأنى ردود للنبال لقيط |
وأذهب ذاك الرأى إذ قال قائل |
| أتاك رسول الله للنبى خبيط |
رسول الله راكب ناضح |
| عليه من أوبار الحجاز غبيط |
سكرت ودبت فى المفارق وسنة |
| لها نفس على الفؤاد غطيط |
أحاذر منه سورة هائمية |
| فوارسها وسط الرجال عبيط |
فلا تعجلنى يا سليط فإننا |
| نبادر أمرا والقضاء محيط |
وذكر الواقدى بإسناد له عن عبد الله بن مالك أنه قال : قدمت اليمامة فى خلافة عثمان بن عفان ، فجلست فى مجلس لحجر ، فقال رجل فى المجلس : إنى لعند ذى التاج الحنفى يعنى هوذة يوم الفصح إذ جاء حاجبه ، فاستأذن لأركون دمشق وهو عظيم من عظماء النصارى فقال : ائذن له ، فدخل فرحب به وتحدثا ، فقال الأركون : ما أطيب بلاد الملك وأبرأها من الأوجاع. قال ذو التاج : هى أصح بلاد العرب ، وهى زين بلادهم ، قال الأركون : وما قرب محمد منكم؟ قال ذو التاج : هو بيثرب ، وقد جاءنى كتابه يدعونى إلى الإسلام فلم أجبه. قال الأركون : لم لا تجيبه؟ قال : ضننت بدينى ، وأنا ملك قومى ، وإن تبعته لم أملك. قال : بلى ، والله لئن اتبعته ليمكنك وإن الخيرة لك فى اتباعه ، وإنه للنبى العربى الذي بشر به عيسى ابن مريم ، وإنه لمكتوب عندنا فى الإنجيل : محمد رسول الله. قال ذو التاج : قد قرأت فى الإنجيل ما تذكر. ثم قال الأركون : فما لك لا تتبعه؟ قال : الحسد له ، والضن بالخمر وشربها. قال : فما فعل هرقل؟ قال : هو على دينه ويظهر لرسله أنه معه ، وقد سبر أهل مملكته ، فأبوا أشد الإباء ، فضن بملكه أن يفارقه ، قال ذو التاج : فما أرانى إلا متبعه وداخلا فى دينه ، فأنا فى بيت العرب ، وهو مقرى على ما تحت يدى. قال البطريق : هو فاعل فاتبعه ، فدعا رسولا وكتب معه كتابا ، وسمى هدايا ، فجاءه قومه فقالوا : تتبع محمدا وتترك دينك ، لا تملكن علينا أبدا ، فرفض الكتاب.
قال : فأقام الأركون عنده فى حباء وكرامة ، ثم وصله ووجه راجعا إلى الشام.