• الفهرس
  • عدد النتائج:

فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا ، وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ورغبنا فى جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك ، فقال له النجاشى : هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر : نعم. قال : فاقرأه علىّ. فقرأ عليه صدرا من : (كهيعص) ، فبكى والله النجاشى حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، حين سمعوا ما يتلى عليهم.

ثم قال لهم النجاشى : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة (١) واحدة ، انطلقا ، فو الله لا أسلمهم إليكما أبدا ولا يكادون.

فلما خرجا من عنده ، قال عمرو بن العاص : والله لآتينه عنهم غدا بما أستأصل به خضراءهم (٢). قالت : فقال له عبد الله بن أبى ربيعة ، وكان أتقى الرجلين فينا : لا تفعل فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا. قال : والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد. ثم غدا عليه ، فقال : أيها الملك ، إنهم يقولون فى عيسى ابن مريم قولا عظيما ، فسلهم عما يقولون فيه.

قالت : فأرسل إليهم ليسألهم عنه ، ولم ينزل مثلها قط. فاجتمع القوم ، ثم قال بعضهم لبعض : ما ذا تقولون فى عيسى ابن مريم إذا سألكم عنه؟ فقالوا : نقول والله ما قال الله ، وما جاءنا به نبينا ، كائنا فى ذلك ما هو كائن.

قالت : فلما دخلوا عليه قال لهم : ما تقولون فى عيسى ابن مريم؟ قالت : فقال جعفر ابن أبى طالب : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا ، نقول : عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ، قالت : فضرب النجاشى بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا ، ثم قال : ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود ، قالت : فتناخرت (٣) بطارقته حوله حين قال ما قال ، فقال : وإن نخرتم والله ، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضى أى آمنون ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، فما أحب أن لى دبرا من ذهب وأنى

__________________

(١) مشكاة : أى الثقب الذي يوضع فيه الفتيل والمصباح ، وهى الكوة غير النافذ.

(٢) استأصل به خضراءهم : أى جماعتهم وقوتهم ومعظمهم ، وقيل : شجرتهم التي تفرعوا منها.

(٣) تناخرت : أى تكلمت وكأنه كلام من غضب ونفور.