• الفهرس
  • عدد النتائج:

تراهم كالسحاب منتشرا

وليس فيها لطالب

مطر في شجر السر ومنهم شبه

له رواء وما له ثمر

وقيل : الجملة التشبيهية وصف لهم بالجبن والخور ، ويدل عليه : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) في موضع المفعول الثاني ليحسبون ، أي واقعة عليهم ، وذلك لجبنهم وما في قلوبهم من الرعب. قال مقاتل : كانوا متى سمعوا بنشدان ضالة أو صياحا بأي وجه كان ، أو أخبروا بنزول وحي ، طارت عقولهم حتى يسكن ذلك ويكون في غير شأنهم ، وكانوا يخافون أن ينزل الله تعالى فيهم ما تباح به دماؤهم وأموالهم ، ونحو هذا قول الشاعر :

يروعه السرار بكل أرض

مخافة أن يكون به السرار

وقال جرير :

ما زلت تحسب كل شيء بعدهم

خيلا تكر عليهم ورجالا

أنشده ابن عطية لجرير ، ونسب هذا البيت الزمخشري للأخطل. قال : ويجوز أن يكون (هُمُ الْعَدُوُّ) المفعول الثاني كما لو طرحت الضمير. فإن قلت : فحقه أن يقول : هي العدو. قلت : منظور فيه إلى الخبر ، كما ذكر في هذا ربي ، وأن يقدر مضاف محذوف على يحسبون كل أهل صيحة. انتهى. وتخريج (هُمُ الْعَدُوُّ) على أنه مفعول ثان ليحسبون تخريج متكلف بعيد عن الفصاحة ، بل المتبادر إلى الذهن السليم أن يكون (هُمُ الْعَدُوُّ) إخبارا منه تعالى بأنهم ، وإن أظهروا الإسلام وأتباعهم ، هم المبالغون في عداوتك ؛ ولذلك جاء بعده أمره تعالى إياه بحذرهم فقال : (فَاحْذَرْهُمْ) ، فالأمر بالحذر متسبب عن إخبار بأنهم هم العدو. و (قاتَلَهُمُ اللهُ) : دعاء يتضمن إبعادهم ، وأن يدعو عليهم المؤمنون بذلك. (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) : أي كيف يصرفون عن الحق ، وفيه تعجب من ضلالهم وجهلهم.

ولما أخبره تعالى بعداوتهم ، أمره بحذرهم ، فلا يثق بإظهار مودتهم ، ولا بلين كلامهم. و (قاتَلَهُمُ اللهُ) : كلمة ذم وتوبيخ ، وقالت العرب : قاتله الله ما أشعره. يضعونه موضع التعجب ، ومن قاتله الله فهو مغلوب ، لأنه تعالى هو القاهر لكل معاند. وكيف استفهام ، أي كيف يصرفون عن الحق ولا يرون رشد أنفسهم؟ قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون أنى ظرفا لقاتلهم ، كأنه قال : قاتلهم الله كيف انصرفوا أو صرفوا ، فلا يكون في هذا القول استفهام على هذا. انتهى. ولا يصح أن يكون أنى لمجرد الظرف ، بل لا بد يكون ظرفا استفهاما ، إما بمعنى أين ، أو بمعنى متى ، أو بمعنى كيف ، أو شرطا بمعنى أين.